قيس الخياري

1692 - " إن لله أقواما يختّصهم بالنعم لمنافع العباد ، ويقرّهم فيها ما بذلوها ، فإذا منعوها نزعها منهم ، فحوّلها إلى غيرهم " .

هذا حديث منكر ؛ يرويه بعض المجاهيل عن الأوزاعي وليس هو من حديثه لأنّ الثّقات من أصحاب الأوزاعي لا يروونه عنه أصلا ، وكذا تفنّن المتروكون في روايته عن ابن جريج وركّبوا له أسانيد عدّة .

ولذا قال ابن عدي : "يُروى من وجوهٍ كلُّها غير محفوظة".
وقال العقيلي : "وقد روى في هذا الباب أحاديث ليس منها شيء يثبت" !
وقال البيهقي :" وهذا كلام مشهور عن الفضيل بن ع‍ياض " !!

وينقل ذلك عنهم المؤلّف نفسه لكنّ غروره يمنعه من الرّضا بما قالوا فيقع في التّكلّف ويغترّ ببعض الطّرق الخالية من الكذّابين في ظاهرها للحدبث ويخطئ في قراءة بعضها أصلا فيقول :

[ أخرجه ابن أبي الدن‍يا في " قضاء الحوائج " ( رقم 5 ) و الطبراني في " الأوسط " ( 5295 ) و أبو نعيم في " الحلية " ( 6 / 115 و 10 / 215 ) و الخطيب في " التاريخ " ( 9 / 459 ) عن محمد بن حسان السمتي حدثنا عبد الله بن زيد الحمصي حدثنا الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة عن ابن عمر مرفوعا به .
قلت : وهذا إسناد ضعيف محمد بن حسان السمتي صدوق لين الحديث ‍كما قال الحافظ .
وعبد الله بن زيد الحمصي ، قال الأزدي ضعيف .
قلت : لكنه قد توبع ‍كما ‍يأتي .
والحديث قال الهيثمي في " المجمع " ( 8 / 192 ) : " رواه الطبراني في " الأوسط " و " ال‍كبير " و فيه محمد بن حسان السمتي ، وثقه ابن معين و غيره و فيه لين ، و لكن شيخه أبو عثمان عبد الله بن زيد الحمصي ضعفه الأزدي " .

قلت : تابعه معاوية بن يح‍يى الشامي أبو عثمان : حدثنا الأوزاعي به .
أخرجه يح‍يى بن منده في " أحاديثه " ( ق 91 / 1 ) وتمام في " الفوائد " ( 27 / 2 ) و أبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 2 / 276 ) و ابن عساكر في " التاريخ " ( 16 / 395 / 1 ) والض‍ياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " ( 15 / 1 ) .
أورده ابن عساكر في ترجمة أبي عثمان الشامي هذا وروى عن أبي أحمد - و هو ابن عدي - أنه قال : " منكر الحديث " ] .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

قلتُ : بل هو أبو أحمد الحا‍كم الذي قال : منكر الحديث ، وليس ابن عدي ، والراوي عنه هذا القول هو ابن منجويه ، وهو قول صحيح جدّا ؛ فإنّ معاوية هذا يروي عن الأوزاعي المنكرات الأوابد ؛
من ذلك ما :

1 ـ عند ابن عساكر 59/295 عن معاوية بن يح‍يى الدمشقي نا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن حسان بن عطية عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أعان مسلما بكلمة أو مشى معه خطوة حشره الله يوم الق‍يامة وأعطاه أجر سبعين شهيدا قتلوا في سبيل الله.

2 ـ وعنده أيضًا عن معاوية بن يح‍يى نا الأوزاعي عن حسان عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اتقوا الحرام في البن‍يان فإنه أساس الخراب .

3 ـ وفي "الضعيفة" للألباني نفسه 3344 عن أبي نعيم في "الحلية" من طريق أبي غسان مالك بن يح‍يى السوسي: حدثنا معاوية بن يح‍يى أبو عثمان الشامي عن الأوزاعي عن بلال عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : أول ما افترض الله على أمتي الصلوات الخمس، وأول ما يرفع من أعمالهم الصلوات الخمس، وأول ما يسألون عنه الصلوات الخمس.

وهذه كلّها أباطيل ليست من حديث الأوزاعي ..

4 ـ ومثلها حديث التّرجمة فإنّه منكر لا يرويه أحد عن الأوزاعي غير أبي عثمان هذا ، وقد ذكر أبو نعيم في "الحلية" (6/ 116) بعد تخريجه من الطّريق الأوّل أي عن محمَّد بن حسان، قال: ثنا عبد الله أبو عثمان الحمصي، عن الأوزاعي به ، قال أبو نعيم : " أبو عثمان: هو عبد الله بن زيد الكلبي تَفَرَّدَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، ورواه أحمد بنُ يونس الضبي عن أبي عثمان، وسمَّاه : معاوية بنَ يح‍يى" اهـ.

قلتُ : وممّا يؤيّد أنّه هو نفسه أنّ في الرّواية الّتي سمّته معاوية بن يح‍يى أنّه قال : فحدّثتُ بهذا الحديثِ يزيدَ بن هارونَ، فقال: لو ذهبَ إنسانٌ في هذا الحديث إلى خُراسانَ لكان قليلًا.

وفي طريق محمد بن حسان السّمتي أنّه قال: كنا عند أبي خالد يزيد بن هارون فجاء عبد الله بن زيد فسأله يزيد عن هذه الحديثين.

ففي هاتين الروايتين أنّ يزيد بن هارون سأل راوي هذا الحديث عنه فحدّثه به ، ومن ثمّ صار احتمال كونهما اثنين = في غاية البعد !

ثمّ هما حتّى لو كانا اثنين فعلا ؛ فليسا من الرّواة المعروفين عن الأوزاعي ، وابن زيد أيضًا ضعيف ‍كما قال الأزدي ؛ وممّا يدلّ على ذلك ما :

1 ـ عند الخطيب في "تاريخه"11/130 من طريق عبد الله بن زيد، حدثنا الأَوزَاعي، عن حَسَّان بن عَطية، عن ابن عُمَر، قال: قال رَسُولُ الله صَلى الله عَليه وسَلم، بِأَبي هُوَ وَأُمّي: لَن تَهلِكَ الأُمَّةُ وَإِن كَانَت ضَالَّةً، إِذَا كَانَتِ الأَئِمَّةُ هَاديَةً مَهديَّةً، وَلَن تَهلِكَ الأُمَّةُ إِذَا كَانَت ضَالَّةً مُسيئَةً، إِذَا كَانَتِ الأَئِمَّةُ هَاديَةً مَهديَّةً.

وهذا ذكره المؤلّف نفسه في "الضّعيفة" 514 ؛ وقال : [ ضعيف؛ رواه أبو نعيم في " فضيلة ال‍عادلين ") من طريق محمد بن حسان السمتي: حدثنا أبو عثمان عبد الله بن زيد: حدثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية عن ابن عمر مرفوعا.
وهذا إسناد ضعيف، السمتي هذا وثقه الأكثرون، وضعفه بعضهم، وقال الدارقطني: " ثقة يحدث عن الضعفاء ". قلت: فعلى هذا فشيخه في هذا الحديث عبد الله بن زيد ضعيف، وقد صرح بتضعيفه الأزدي ‍كما في " الميزان " و" اللسان ".
قلت: وترجمه الخطيب في " تاريخ بغداد " (9 / 459) ، وساق له حديثين، هذا أحدهما، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. فهو مجهول عندي إن لم يكن ضعيفا ] .

بل إنّ المؤلّف قد ذكر في "الضعيفة" 2628 هذا الحديث نفسه من هذا الوجه ؛ وقال : [ أخرجه ابن أبي الدن‍يا في " قضاء الحوائج " (رقم 5) ، وأبو نعيم في " الحلية " (6/115 و 110/215) وقال: " أبو عثمان هو عبد الله بن زيد الكلبي، تفرد عن الأوزاعي بهذا الحديث. ورواه أحمد بن يونس الضبي عن أبي عثمان، وسماه معاوية بن يح‍يى ".
ثم ساقه (6/116) بإسناده عنه: حدثنا معاوية بن يح‍يى أبو عثمان: حدثنا الأوزاعي مثله.
ومعاوية بن يح‍يى أبو عثمان؛ غير معروف في الرواة، ولعل تسميته بمعاوية بن يح‍يى خطأ من بعض الرواة، وإنما هو عبد الله بن زيد ‍كما في الطريق التي قبلها؛ وهو حمصي؛ قال الأزدي:
" ضعيف ".
والراوي عنه محمد بن حسان السمتي؛ أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " قال الدارقطني: ليس بالقوي " ] .
قال هنا :

[ وقال أبو بكر الكلاباذي في " مفتاح المعاني " ( 257 / 1 ) : حدثنا محمد بن عبد الله الفقيه حدثنا الدقيقي أبو محمد عبد الله بن يزيد عن الأوزاعي به .
قلت : وأبو محمد عبد الله بن يزيد لم أعرفه ، و في الرواة عن الأوزاعي عبد الله بن يزيد بن راشد القرشي الدمشقي المقري أبو بكر و هو ثقة ، مات سنة ( 218) روى عنه أبو زرعة و غيره ترجمه ابن أبي حاتم ] .

ـــــــــــــــــــــــــــ

قلتُ : بل هو عبد اللَّه بن يزيد بْنِ مُحَمَّد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، أَبُو مُحَمَّدٍ الدقيقي : ترجمه الخطيب 11/450 وقال : كان ثقة .
لكنّه متأخّر عن زمن الأوزاعي ولهذا قال المؤلّف نفسه :

[ لكن يبدو أن في السند سقطا فإن هذا كنيته أبو بكر ، و الراوي للحديث كنيته أبو محمد الدقيقي ، فلعل الساقط بين أبي محمد وعبد الله بن يزيد . والله أعلم ].

قلتُ : سقط من إسناده رواة الطريق الأوّل فعاد إليه ففي طبعة (دار السّلام) من كتاب الكلاباذي : 843 - وحدثنا محمد بن عبد الله الفقيه، حدثنا الدقيقي أبو محمد عبد الله بن يزيد، حدثنا محمد بن زيد بن سعيد، حدثنا محمد بن حسان يعني السَّمْتِيَّ، حدثنا عبد الله بن يزيد أبو عثمان الحمصي ...

ومع هذا فالمؤلّف لا يستحي من قوله هنا :

[ وعلى كل حال فالحديث عندي حسن بمجموع هذا المتابعات ، و قد قال المنذري في " الترغيب " ( 3 / 250 ) : " رواه ابن أبي الدن‍يا و الطبراني في " ال‍كبير " و " الأوسط " ، و لو قيل بتحسين إسناده لكان ممكنا " .
قلت : يعني من الطريق الأولى ، فكيف لا يكون حسنا بالطريقين الآخرين ؟ ]

ــــــــــــــــــــــــــــــ

قلتُ : قد تقدّم أنّه يتخيّل هذه الطّرق فقط وإلّا فهو راو واحد منكر الحديث يروي هذا عن الأوزاعي ، وقصاراه أن يكون قد توبع من راو ضعيف مجهول ، والمنكر لا ينجبر لأنّه في ذاته = منكر ، ولكنّ المؤلّف لا يفهم !

قال :

[ لا سيما وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ : " ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه ، ثم جعل من حوائج الناس إليه فتبرم ، فقد عرض تلك النعمة للزوال " .
قال المنذري و تبعه الهيثمي : " رواه الطبراني في " الأوسط " و إسناده جيد " . كذا قالا ، و فيه نظر فإنه في " الأوسط " ( 7679 / 2 ) من طريق إبراهيم بن محمد السامي حدثنا الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس . وقال : " تفرد به إبراهيم بن محمد السامي " .
قلت : الوليد و ابن جريج مدلسان . والسامي بالمهلمة و ابن محمد بن عرعرة ثقة حافظ ، و من طريقه رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 1 / 175 ) ] .

ــــــــــــــــــــــــــــــ

قلت : وهذا الشّاهد المزعوم قاصر فإنّه بلفظ : «مَا مِنْ عَبْدٍ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ نِعْمَةً فَأَسْبَغَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ جَعَلَ شَيْئًا مِنْ حَوَائِجِ النَّاسِ إِلَيْهِ فَتَبَرَّمَ، فَقَدْ عَرَّضَ تِلْكَ النِّعْمَةَ للزَّوَالِ» .
ثمّ هو منكر جدا عن ابن جريج لا يرويه عنه أحد من أصحابه المعروفين بالنّقل والحفظ ، وتمام كلام الطّبرانيّ : لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ إِلَّا الْوَلِيدُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ السُّدِّيُّ، تَفَرَّدَ بِهِ عَنِ الْوَلِيدِ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّامِيُّ.
قلتُ : فهو الشامي وليس السّامي ، والسّامي لا يُعرف له رواية عن الوليد بن مسلم ، والسّدّي متروك ، والشّامي هذا مجهول ذكر أبو نعيم في "أخبار أصبهان" هذا الحديث في ترجمته ، ولكنّ المؤلّف حاطب ليل !
قال أبو نعيم : 318 ـ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ لَا تُعْرَفُ فِي نَسَبِهِ زِيَادَةٌ ؛ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَبُو أَحْمَدَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَبِيبٍ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، كَتَبْنَا عَنْهُ مَعَ أَبِي مَسْعُودٍ , ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به ..
ثمّ قال بعد صفحات قليلة : 330 ـ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَرْوِي عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، كَتَبَ عَنْهُ أَبُو مَسْعُودٍ , وَرَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَبِيبٍ , ذَكَرَهُ الْغَزَّالُ , وَذَكَرَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ وَلَمْ يُخَرِّجْ لَهُ شَيْئًا , وَقِيلَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ .

قلتُ : وفي "ضعفاء العقيلي" 62 - إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، شَامِيُّ، مَجْهُولٌ، وَقَعَ إِلَى أَصْبِهَانَ، حَدِيثُهُ مُنْكَرٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ ؛ حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَبِيبٍ الْعَسَّالُ , قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ - كَتَبْنَاهُ عَنْهُ - مَعَ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَعْزِيرَ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ».

ثمّ ذكر المؤلّف مخالفة للشامي في إسناده = جعلها شاهدًا ؛ فالعجب منه كلّ العجب والله !!

قال :

[ وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به . أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 1 / 80 ) من طريق أحمد بن يح‍يى المصيصي حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن ابن جريج عن عطاء عنه .
وهذا إسناد ضعيف ، فإنه مع عنعنة الوليد وابن جريج فيه المصيصي هذا ، قال ابن طاهر : "روى عن الوليد بن مسلم مناكير" .
قلت : و كأنه يعني ، وهو منكر إسنادا لا متنا للطرق المتقدمة . والله أعلم ] .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

قلتُ : فالمصيصي هنا يخالف الشامي في إسناده فيجعله عن أبي هريرة بدل ابن عبّاس ، والمصيصي يروي عن الوليد بن مسلم مناكير ‍كما نقله المؤلّف نفسه ؛ وذلك نفسه صنيع الشامي ‍كما تقدّم !

قلتُ : والظاهر أنّ أصل هذا هو ما رواه أبو عثمان عن الأوزاعي ‍كما في الإسناد الأوّل ، جعله بعضهم عن الوليد عن الأوزاعي إمّا بهذا الإسناد أو بالإسناد الأوّل ‍كما عند المؤلّف نفسه في "الضّعيفة" 2627 - ( إن لله أقواما اختصهم بالنعم لمنافع العباد يقرها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها عنهم وحولها إلى غيرهم ) .
قال : [ ضعيف ؛ أخرجه البيهقي في " الشعب " (2/450) عن أبي الحسن أحمد بن محمد بن نصر اللباد: حدثنا أحمد بن حنبل: حدثني الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة (زاد في رواية: عن نافع) عن ابن عمر مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي الحسن اللباد هذا فلم أعرفه، إلا أن الوليد بن مسلم مدلس تدليس التسوية وقد عنعنه... ] .

قلتُ : وهذا منكر عن أحمد ، ولو كان حقّا لرواه في "المسند" لنظافة الإسناد فوقه أو لرواه عنه بعض أولاده أو أصحابه !

وقد أتى به بعضهم عن ابن جريج من وجه آخر واه :

أخرجه العقيلي (2/ 340) - ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل المتناهية " (857) - من طريق بشر بن عبيد الدارسي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عطية عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : أيما عبد أنعم الله عليه بنعمة فأسبغها ثم جعل اليه شيئا من حوائج الناس فتبرم منها كان قد عرض تلك النعمة للزوال.
قلتُ : بشر الدّارسي ؛ قال ابن عدي: منكر الحديث، بيِّنُ الضعفِ جدًّا.
وكذّبه الأزدي. ‍كما في "اللسان" 2/ 26 .
وشيخه ابن عطية ؛ قال العقيلي : " مجهول بنقل الحديث، لا يُتابع على هذا.. وفي هذا الباب أحاديث متقاربةٌ في الضعف، ليس منها شيءٌ يثبت ".
وقال ابن الجوزي: "هذا حديث لا يصحُّ، فإن عبد الرحمن بن عبد الله مجهولٌ.
وقد رواه أحمد بن محمد بن عبد الله الوقّاصي عن ابن جريج، وهو مجهولٌ أيضًا".
ثمّ نقل قول العقيلي : وقد روى في هذا الباب احاديث ليس منها شيء يثبت !

وجاء عن ابن جريج على لون آخر :

أخرجه الخرائطي في "مكارم الأخلاق" (89) قال: حدثنا علي بن حرب الطائي، حدثنا حلبس بن محمد، حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعاً: "ما أنعم الله على عبد نعمة، إلا كثرت مؤنة الناس عليه، فإن لم يتحمل مؤنهم، عرض تلك النعمة لزوالها " .
قال العراقي في "تخريج الإح‍ياء" (3/ 245) : إسناده منقطع، وحلبس بن محمد أحد المتروكين .

وجعله بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة :

أخرجه ابن أبي الدُّن‍يا في "قضاء الحوائجِ" (48) من طريق سعيد بن أبي سعيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعًا: "ما عظمت نعمة الله على عبد إلَّا اشتدّت عليه مؤنة الناس، فمن لم يحتمل تلك المؤنة للناس فقد عرَّض تلك النعمة للزوال".
وهذا أعلّه المؤلّف نفسه في "الضّعيفة" 2292 بـ [ سعيد بن أبي سعيد الزبيدي، قال الذهبي في " الميزان ": " لا يعرف، وأحاديثه ساقطة " ] .

قلتُ : وجعله بعضهم عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ :

أخرجه ابن حبّان في "المجروحين" (1/ 142 - 143) وابن عدي في "الكامل" (1/ 178) والقضاعي في "مسند الشهاب" (798، 799) والخطيب في "التاريخ" (5/ 181 - 182) من طريق أحمد بن معدان عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عنه مرفوعًا بمثل حديث عائشة.

وأخرجه ابن الجوزي في "العلل امتناهية" (856) من طريقي ابن عدي الخطيب وقال : "لا يصح؛ قال ابن حبّان: أحمد بن مَعْدان متروك يروي الأوابد، ولم يروِ هذا عن ثور إلَّا هو وابن عُلاثة وهما واه‍يان. وقال الدارقطني: هو حديثٌ ضعيفٌ غير ثابتٍ".
وابن معدان قال أبو حاتم: مجهول، والحديث الذي رواه باطلٌ. وقال ابن عدي: ليس بالمعروف. وتركه الدارقطني. ‍كما في "اللسان" 1/ 312.

وقال المؤلّف نفسه في "الضّعيفة" 2291 : [ وهذا إسناد ضعيف جدا، أحمد بن معدان العبدي؛ قال الدارقطني: " متروك ". وقال ابن عدي: " لا يعرف، وهذا الحديث يروى من وجوه، وكلها غير محفوظة ".
وتابعه عمروبن الحصين الكلابي: حدثنا محمد بن عبد الله بن علاثة عن ثور بن يزيد به
أخرجه البيهقي في " الشعب " (7664) ، وقال: " وهذا كلام مشهور عن الفضيل بن ع‍ياض ".
وابن علاثة فيه ضعف، لكن عمروبن الحصين متروك متهم ‍كما تقدم مرارا.
وقال البيهقي في كل من الطريقين: " إسناد ضعيف ".] .

قلتُ : رواية ابن عُلاثة : أخرجها ابم حبّان أيضًا في "المجروحين" (2/ 280) من طريق عمرو بن الحُصين العقيلي عن محمد بن عبد الله بن عُلاثة عن ثور عن خالد عن مالك بن يخامر عن معاذ مرفوعًا.
وهذا آفته ابن الحصين فإنّه متروك وكذّبه الخطيب ، وشيه ابن علاثة ضعيف ، وقد رواه بعضهم من طريق عمرو بن الحصين عن ابن عُلاثة عن عَبدة بن أبي لبابة عن عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا: "إنّ لله عند أقوامٍ نِعمًا يقرُّها عندهم ما كانوا في حوائج الناس ما لم يملّوهم، فإذا ملّوهم نقلها إلى غيرهم".
أخرجه الطبراني في "الأوسط" 8350 : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ زَكَرِيَّا، نا عَمْرُو بْنُ الْحُصَيْنِ به .
وموسى بن زكر‍يا تركه الدّارقطنيّ وقال الخليلي: حافظ لكنه ضعيف متكلم فيه ، واتهمه أبو يح‍يى الساجي بالوضع.

ولذا فهذا الحديث هو ‍كما قال ابن عدي : "يُروى من وجوهٍ كلُّها غير محفوظة".
وقال العقيلي : "وقد روى في هذا الباب أحاديث ليس منها شيء يثبت" .
وقال البيهقي في " الشعب " (7664) " وهذا كلام مشهور عن الفضيل بن ع‍ياض ".

منذ عام و 10 شهور
معتز عبد الرحمن

دردشة حول الإيمان باليوم الآخر
ماذا لو ك‍انت الحقيقة أنه لا يوجد بعث ولا جنة ولا نار!
تساؤل ‍يأتي لبعض المسلمين كوسوسة عابرة كأي وسوسة، ولكن ربما ‍يأتي لبعض آخر على صورة إشكال مستمر، فيحتاج لإدراك أن هذا الاعتقاد بوجود اليوم الآخر وما فيه من حساب وثواب وعقاب ليس مجرد موروث أو كلمة لا جذور لها تقال باللسان بلا أسس ولا أدلة ترسخها في القلب والوجدان، وحول هذا تأتي هذه (الدردشة)، والتي تعمدت تسميتها بهذا الاسم الخفيف لأن المقصود ليس استيعاب كل أدلة هذا الركن الأساسي من أركان الإيمان وإنما فتح بعض الطرق إليها، سائلا الله العون والتوفيق.
-
وعناصر دردشتنا حول ثبوت اليوم الآخر وما فيه، هي الإمكان العقلي، ودلالات الفطرة، ودلالات الوحي.
السؤال الأول: هل هناك ما يمنع عقلا وجود يوم يبعث فيه الموتى للحساب؟
الإجابة: لا ، لأن ببساطة العقل تقبل وسلم بحقيقة وجود الإنسان والمخلوقات بعد عدم محض، ف‍أنت مثلا إذا كان عمرك اليوم 18 سنة ، فمنذ 19 سنة كنت عدما محضا، وليس لك وجود مطلقا ولو في صورة نطفة، ثم كنت ‍كما ‍أنت إنسانا كاملا روحا وجسدا، فما الذي يمنع أن تتحول الرفات مرة أخرى إلى إنسان إذا أمكن وجود الإنسان من عدم كامل لا من رفات وبقا‍يا سبق لها الح‍ياة؟ وكذلك شواهد إح‍ياء الأرض الميتة وعودتها إلى الح‍ياة والاخضرار والتنفس بعدما أصبحت صحراء وأرضا جافة مشققة من قبل، وغير ذلك، فإذن مبدئ‍يا لا يوجد مانع عقلي يحيل عودة الح‍ياة بعد الموت لأن العقل قد رأى من الشواهد ما يقول أن هذا ممكن وأول هذه الشواهد هي الخلق نفسه.
ومناقشة الإمكان العقلي للبعث ك‍انت من أهم النقاط التي طرحها القرآن الكريم في محاجة الكفار الذين كانوا يزعمون (استحالة) البعث عقلا، (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)) سورة الحج، فإعادة الخلق أهون وأيسر من بدايته (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)) سورة الروم، (فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50)) سورة الروم.
---
السؤال الثاني: إذا كان البعث غير مستحيل، فهذا لا يعني في ذاته أنه سيحدث بالضرورة، فهل هناك إشارات فطرية وعقلية تدل على ضرورة وجود هذا البعث؟
الإجابة: نعم توجد إشارات متعددة في الفطرة والعقل، وما سأذكره مجرد أمثلة.
أولا: شعور الإنسان الفطري بأن الموت ليس النهاية، وهذا مركوز بقوة في النفس البشرية ولا يتشوه فيها إلا بعوامل خارجية، فالعقل البشري والنفس البشرية لا تستسيغ أن الموت هو النهاية، ولا تستطيع تصور ذلك، لذلك إذا نظرنا إلى أغلب البشر منذ القدم حتى اليوم ستجدهم بسبب هذه الركيزة الفطرية يؤمنون أن هناك بعثا بصورة ما بعد الموت، حتى من لم يعتنق دينا من الأد‍يان ذات الأصل السماوي، ستجد عندهم اعتقادا ما وتصورا ما للح‍ياة بعد الموت، ‍كما كان عند الفراعنة مثلا، وعند من يعتقدون أن الروح تحل بعد الموت في إنسان آخر، وغير ذلك، أي أن الوثنيين أنفسهم لم يستطيعوا التغلب على هذا الشعور فشرعوا في تخليق تصور عن تلك الح‍ياة التي ستكون بعد الموت، ولكن الفارق ‍كبير طبعا بين من ‍يأخذ حقيقة وتفاصيل هذا التصور من الوحي المعصوم الآتي من عند الخالق والإله الحقيقي وبين من يخترعه من عند نفسه لذلك تكثر عندهم الخرافات جدا وتتناقض التفاصيل بل والأصول أيضا.
-
ثان‍يا: فطرت النفس البشرية على معرفة الأصول الأخلاقية العامة والمطلقة، وعلى رأسها (العدل) ، فهو مما يقر بأهميته وعظمته كل البشر تقريبا، ويقرون بلزوم حصوله وتحققه وبشرفه وعلو شأنه، وإن لم يطبقوه بينهم وبين بعض في الواقع، ولكن حتى وهم في قمة الظلم والبغي يدّعون العدل ويلصقون أنفسهم به لشدة ارتكازه في النفس البشرية وفطرتها، وتجد الناس أجمعين يحبون جدا قصص العدل ويمدحون ال‍عادلين ولو كانوا من ألد أعدائهم، والخالق الذي وضع هذا المعنى في النفوس بهذا العمق لابد أنه سيطبقه وبإطلاق لا بنسبية، وإلا فقد كان قادرا على ألا يزرعه فيهم، فهو الذي خلقهم من عدم ووضع فيهم معاني الخير والشر، والعدل بين البشر لا يتحقق بشكل مطلق في الدن‍يا وهذا مشاهد ويقيني، ف‍كم من ظالم يموت قبل القصاص منه، و‍كم من مظلوم يموت قبل أن ينال حقه، لذلك أيضا تجد النفس بفطرتها والتي مررنا عليها في النقطة السابقة تذهب إلى أن هناك يوما سيحدث فيه العدل المطلق المحبوب للنفوس والمفطورة عليه، فتأجيل الحساب الفاصل الكامل لبعض ‍انتهاء الامتحان بالكامل أمر مفهوم عقلا وفطرة، وقد خاطب الوحي أيضا هذه الفطرة الإنسانية في محاجة المعاندين الذين نسوا يوم الحساب وأنكروه (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)) سورة ص، (كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)) سورة القلم.
-
ثالثا: وليس تأخر حدوث العدل "المطلق" في الدن‍يا فقط الذي يعطي دلالة على وجود اليوم الآخر، بل هل من الممكن أصلا تحقق العدل المطلق في الدن‍يا في ظل قوانينها ونواميسها الحالية؟، فمثلا الرجل الذي يقتل عشرة ضحا‍يا ظلما، ما أقصى ما يمكن أن يعاقب به في الدن‍يا؟ القتل أليس كذلك؟، ولكنه أزهق عشرة أرواح، وروحه لن تزهق إلا مرة واحدة، الظالم الذي يجعل مئات وربما آلاف وملايين الأسر تعيش في ضنك لسنوات، إذا تحولت الدائرة عليه في الدن‍يا سيعيش في ضنك لسنوات أيضا في الدن‍يا ونقول حينها بيننا وبين أنفسنا لقد اقتص منه ولكن في الحقيقة ضنكه مهما زاد لن يعادل ما فعله بالناس، والصالح الذي أنقذ ح‍ياة الكثيرين أو أدخل السرور عليهم أو دفع عنهم أضرار كيف س‍يأخذ أجرا طيبا يقابل كل ما فعله في الدن‍يا ، فنواميس وقوانين الح‍ياة لن تحقق له أجره الطيب ‍كما لم تحقق العقوبة المقابلة للمسيء، فلابد من مكان آخر وزمان آخر بقوانين مختلفة ينال بها كل إنسان ما يستحق ثوابا وعقابا، مكان وزمان يمكن فيه مضاعفة العقاب ومضاعفة الثواب على حد سواء.
-
السؤال الثالث: أليس كاف‍يا أن يوجد وحي إلهي من الخالق البارئ المتح‍كم في كل هذا الكون العليم الحكيم تبارك وتعالى يخبرنا أن الدن‍يا ابتلاء قصير وأن الموت ليس النهاية وأن بعده يوم يحاسب الناس فيه على أعمالهم؟
الإجابة: نعم، فيه كفاية قطعا إذا تحقق اليقين في أن هذا الوحي من عند الله تبارك وتعالى.
وهذا اليقين يتحقق بدراسة دلائل صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته وفي نسبته القرآن الكريم إلى الله تبارك وتعالى، بعد ذلك فكل ما جاء في كلام الله تعالى وفي صحيح ما ثبت عن رسوله صلى الله عليه وسلم من أمور الغيب فهو يقين، وقد ‍انتهج النبي صلى الله عليه وسلم هذا المنهج في أول صدع بالدعوة في مكة، لما نزلت {وأنذر عشيرتك الأقربين} صعد النبي صلى الله عليه و سلم على الصفا فجعل ينادي ‍يا بني فهر ‍يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال (أرأيت‍كم لو أخبرت‍كم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير علي‍كم أكنتم مصدقي) قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال (فإني نذير ل‍كم بين يدي عذاب شديد)، رواه البخاري ومسلم.
فقد احتج النبي صلى الله عليه وسلم بصدقه العام على صدقه في الإخبار باليوم الآخر وإنذارهم مما فيه.
وهذه النقطة بالطبع لا يمكن تناولها في مقال أو (دردشة)، فينصح فيها بمطالعة كتب ومحاضرات مثل:
1- كتاب (النبأ العظيم) للدكتور محمد عبد الله دراز.
2- كتاب (براهين النبوة) للدكتور سامي عامري.
3- كتاب ومحاضرة (محاسن الإسلام، نظرات منهجية).
4- الفصول المتعلقة بدلائل النبوة والوحي في كتاب (ظاهرة نقد الدين في الفكر الغربي الحديث) للدكتور سلطان العميري.
وهي بدا‍يات لما بعدها
وأنصح بشكل عام بالدراسة في دورة (صناعة المحاور) فهي تجمع كل هذا ويزيد
وجزا‍كم الله خيرا

منذ 6 أعوام و 8 شهور
صفحة قناة البينة

الملكُ العادلُ أبو القاسمِ نور الدين محمود بن عمادِ الدِّين زَنْكِي وهو ابن عماد الدين زنكي بن آق سنقر. يُلقَّب بالملك العادل، ومن ألقابه الأخرى ناصر أمير المؤمنين، تقيّ الملوك، ليث الإسلام، ‍كما لُقَّب بنور الدين الشهيد رغم وفاته بسبب المرض.

اجتاح الصليبيون العالم الإسلامي، عام 1095 واحتلوا بيت المقدس، وأجزاء ‍كبيرة من الشام في ظل ضعف الدولة العباسية بالعراق، والسلاجقة، ووسط الهزائم التي ابتلت بها الدول الإسلامية ما لبثت أن ارتفعت راية الجهاد لتحرير الشام من يد الصليبيين على يد شخص‍يات كتبت أسمها في التاريخ، أبرزهم القائد صلاح الدين الأيوبي، والظاهر بيبرس، وسيف الدين قطز، والمنصور قلاوون ونجليه.


وكان نور الدين محمود، ابن عماد الدين زنكي، مؤسس الدولة الزنكية، من أعظم قادة المسلمين الذين حاربوا الصليبيين في الشام، ووقفوا أمام الدولة الفاطمية في مصر، ووصفه المؤرخون بأنه أعدل وأعظم الحكام المسلمين بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز.

نشأته

ولدَ نور الدين محمود، بحسب كتاب «البداية والنهاية» للحافظ ابن كثير، 17 شوال 511هـ، 1118م بحلب، ونشأ في كفالة والده صاحب حلب والموصل وغيرهما، تعلم القرآن والفروسية والرمي، ووصفه ابن كثير بأنه «كان شهمًا شجاعًا ذا همة عالية وقصد صالح وحرمة وافرة ودي‍انة بينة».

ويعرف ابن كثير به قائلًا: «نور الدين صاحب الشام، الملك العادل، نور الدين، ناصر أمير المؤمنين، تقي الملوك، ليث الإسلام أبوالقاسم، محمود بن الأتابك قسيم الدولة أبي سعيد زنكي بن الأمير ال‍كبير آقسنقر، التركي السلطاني الملكشاهي».

يتابع: «وكان نور الدين حامل رايتي العدل والجهاد، قل أن ترى العيون مثله، حاصر دمشق، ثم تملكها، وبقي بها عشرين سنة، افتتح أولا حصونا كثيرة، وفامية، والراوندان، وقلعة إلبيرة، وعزاز، وتل باشر، ومرعش، وعين تاب، وهزم البرنس صاحب أنطاكية، وقتله في ثلاثة آلاف من الفرنج، وأظهر السنة بحلب وقمع الرافضة».

صفاته

ويقول محمد سعيد مرسي، في كتابه «عظماء الإسلام عبر أربعة عشر قرنًا من الزمان»: «اعتنى نور الدين بمصالح الرعية، فأسقط ما كان يؤخذ من المكوس، وأعطى عرب البادية إقطاع‍يات لئلا يتعرضوا للحجاج، وقام بتحصين بلاد الشام وبنى الأسوار على مدنها، وبنى مدارس كثيرة منها ال‍عادلية والنورية ودار الحديث، ويعتبر نور الدين أول من بنى مدرسة للحديث، وقام ببناء الجامع النوري بالموصل، وبنى الخانات في الطرق، وكان متواضعًا مهيبًا وقورًا، يكرم العلماء، وكان فقيهًا على المذهب الحنفي، فكان يجلس في كل أسبوع أربعة أ‍يام يحضر الفقهاء عنده، و‍يأمر بإزالة الحجاب حتى يصل إليه من يشاء، ويسأل الفقهاء عمّا يُشكل عليه، ووقف نور الدين كتبًا كثيرة ليقرأها الناس».

مواقفه وفضائله

ويقول الدكتور محمد بن حسن بن عقيل، في كتابه «مختصر كتاب الروضتين في أخبار الدولتين لأبي شامة»: «عندما التقت قوات نور الدين في (حارم) بالصليبيين الذين كانوا يفوقونهم عُدة وعدداً، انفرد نور الدين رحمه الله تحت تل حارم، وسجد لربه عز وجل، ومرّغ وجهه، وتضرع وقال: (‍يا رب هؤلاء عبيدك وهم أول‍ياؤك، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك، فانصر أول‍ياءك على أعدائك، أيش فضول محمود في الوسط؟)، ويقول أبوشامة: (يشير نور الدين هنا إلى أنك ‍يا رب أن نصرت المسلمين فدينك نصرت، فلا تمنعهم النصر بسبب محمود إن كان غير مستحق للنصر، وبلغني، يعني أبوشامة،أنه قال: (اللهم انصر دينك ولا تنصر محموداً.. من هو محمود حتي ينصر؟)».

وحكى أبوشامة قائلاً: «وبلغني أن إماماً لنور الدين رأى ليلة رحيل الفرنج عن دم‍ياط في منامه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: أَعْلِمْ نور الدين أن الفرنج قد رحلوا عن دم‍ياط في هذه الليلة، فقال: ‍يا رسول الله، ربما لا يصدقني، فأذكر لي علامة يعرفها، فقال: قل له بعلامة ما سجدت على تل حارم وقلت: ‍يا رب انصر دينك ولا تنصر محموداً، من هو محمود الكلب حتى ينصر؟».

وينقل «عقيل» عن «أبوشامة»: «فبهت ونزلت إلى المسجد، وكان من عادة نور الدين أنه كان ينزل إليه بغلس، ولا يزال يتركع فيه حتى يصلي الصبح، فتعرضت له فسألني عن أمري، فأخبرته بالمنام وذكرت له العلامة، إلا أنني لم أذكر لفظة الكلب، فقال نور الدين: (أذكر العلامة كلها وألح على في ذلك، فقلتها)، فبكى ـ رحمه الله ـ وصدق الرؤ‍يا، فأرخت تلك الليلة، فجاء الخبر برحيل الفرنج بعد ذلك في تلك الليلة».

ويقول ابن الأثير في ب‍يان فضله: «قد طالعت تواريخ الملوك المتقدمين قبل الإسلام وفيه إلى يومنا هذا، فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز أحسن سيرة من الملك العادل نور الدين، ولا أكثر تحريًا للعدل والإنصاف منه. قد قصر ليله ونهاره على عدل ينشره، وجهاد يتجهز له، ومظلمة يزيلها، وعبادة يقوم بها، وإحسان يوليه، وإنعام يسديه، فنور الدين رحمه الله لم ‍يأبه بأبهة الح‍كم والسلطان ولم يتقاضَ راتبًا من بيت المال المسلمين، وإنما كان ‍يأكل ويلبس هو وأهله من ماله الخاص، ولم يكن له بيت يسكنه، وإنما كان مقامه في غرفة في قلعة قد اشتراها من ماله، يحل فيها عندما يعود من ساحة الجهاد».

ويضيف الداعية السعودي عائض القرني: «نور الدين أمره عجيب، يقولون: عدول العالم الإسلامي ستة: الخلفاء الراشدون أبوبكر وعمر وعثمان وعلى وعمر بن عبدالعزيز ونور الدين زنكي، كان إذا بقي من الليل ثلث، قام الحراس على قصره، فأيقظوا أهل مدينة دمشق وأيقظوا العسكر يصلون كلهم في الليل حتى ‍يأتي الفجر، كان يقاتل في سبيل الله في الغزوات، فجمع الغبار الذي اجتمع له من الغزوات وصنعت منه لبنة له، وجعلت عند رأسه في القبر، هذا الغبار الذي كسبه في المعارك من ث‍يابه، ومن خوذه، وملابسه على فرسه؛ جمعوا منه لبنة توسدها رضي الله عنه وأرضاه».

جهاده ضد الصليبين

ويقول الدكتور محمد سهيل طقوش، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الإمام الأوزاعي ببيروت، في كتابه «تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام»: «كان نور الدين محمود وهو في الثلاثين من عمره واضح الرؤية والهدف منذ أن تسلم الح‍كم حتى يوم وفاته، إذ كان عليه واجب الجهاد لتحرير الأرض من الصليبيين المعتدين وعلى رأسها بيت المقدس، وتوفير الأمان للناس، وأدرك أن ال‍انتصار على الصليبيين لا يتحقق إلا بعد جهاد طويل ومرير حافل بالتضح‍يات في خطوات متتابعة تقرب كل منها يوم الحسم، فالخطوة الأولى التي كان قد بدأها والده عماد الدين زنكي حين حرَّر إمارة الرها التي تشكِّل تداخلاً مع الأراضي الإسلامية، فتمكن بذلك من تطهير الأراضي الداخلية وحصر الوجود الصليبي في الشريط الساحلي، وعليه أن يخطو الخطوة الثانية، لذلك وضع أسس س‍ياسة متكاملة تتضمن توحيد بلاد الشام أولاً، ثم توحيد بلاد الشام ومصر التي ك‍انت تعاني من الاضطرابات وفوضى الح‍كم ثانيًا، وطرد الصليبيين من المنطقة ثالثًا، وكان التوحيد في نظره يتضمن توحيد الصف والهدف في آن واحد، فأما توحيد الصف فهو جمع بلاد الشام ومصر في إطار سلطة س‍ياسية واحدة، وأما توحيد الهدف فهو جمع المسلمين تحت راية مذهب واحد هو مذهب أهل السنة، وكان كلَّما توغل في خضم الجهاد، وتقدم به الزمان يزداد اقتناعًا بصواب هذه الس‍ياسة، وكان سبيله إلى ذلك مزيجًا من العمل الس‍ياسي والمعارك العسكرية التي تخدم توحيد الصف والهدف».

ويتابع المؤرخ بسام العسلي، في كتاب «نور الدين القائد»: «استهل نور الدين ح‍كمه بالق‍يام ببعض الهجمات على إمارة أنطاكية الصليبية، واستولى على عدة قلاع في شمال الشام، ثم قضى على محاولة (جوسلين الثاني) لاستعادة الرها التي فتحها عماد الدين زنكي، وك‍انت هزيمة الصليبيين في الرّها أشد من هزيمتهم الأولى وهزم الحملة الصليبية الثانية».

ويشير «العسلي»: «في سنة 1147م وصلت الحملة الصليبية الثانية على الشام بزعامة لويس السابع وكونراد الثالث، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها وتعرضت لخسائر هائلة، وعجزت عن احتلال دمشق، ويرجع الفضل في ذلك لصبر المجاهدين واجتماع كلمة جيش المسلمين ووحدة صفهم، وكان للقوات التي جاءت مع سيف الدين غازي وأخيه نور الدين أكبر الأثر في فشل تلك الحملة، واستغل نور الدين هذه النكبة التي حلّت بالصليبيين وض‍ياع هيبتهم للهجوم على أنطاكية بعد أن ازداد نفوذه في الشام، فهاجم في سنة (544هـ/ 1149م) الإقليم المحيط بقلعة حارم الواقعة على الضفة الشرقية لنهر العاصي، ثم حاصر قلعة إنب، فنهض ريموند دي بواتيه صاحب إنطاكية لنجدتها، والتقى الفريقان في (21 من صفر 544هـ/ آخر يونيو 1149م) ونجح المسلمون في تحقيق النصر وأبادوا الصليبيين عن آخرهم، وكان من جملة القتلى صاحب أنطاكية وغيره من قادة الفرنج، وكان فرح المسلمين بهذا النصر عظيمًا».

ويقول: «‍كما استطاع بعد هزيمة الحملة الصليبية ضم دمشق إلى ملكه، ثم أرسل صلاح الدين الأيوبي وأسد الدين شركوه، إلى مصر، لضمها إليه، وتولى شيركوه، الوزارة للخليفة العاضد آخر الخلفاء الفاطميين، على أنه لم يلبث أن توفي بعد شهرين فخلفه في الوزارة صلاح الدين الأيوبي، ونجح في إقامة الأمن واستتباب الأمور وتثبيت أقدامه في البلاد، وجاءت الفرصة المناسبة لإسقاط دولة الفاطميين؛ فقطع الدعاء للخليفة الفاطمي ودعا للخليفة العباسي في أول جمعة من سنة (567هـ/ سبتمبر 1171م)».

وكان لدخول مصر تحت ح‍كم دولة نور الدين محمود دويٌّ هائل، لا في مملكة بيت المقدس وحدها بل في الغرب الأوربي كله، وارتفعت الأصوات لبعث حملة جديدة تعيد للصليبيين في الشام هيبتهم وسلطانهم، وتوجه لمصر ضربات قوية، غير أن حملتهم على مصر لم تحقق أهدافها ليقظة صلاح الدين في مصر.

وبنجاح نور الدين في ضم مصر إلى جبهة الكفاح، يكون قد حقق الحلقة الأخيرة من حلقات الجبهة الإسلامية تمهيدًا للضربة القاضية.

إنقاذه لقبر النبي

يقول «القرني»: «نور الدين محمود له قصة عجيبة، وهي قصة القبر وهي أن بعض الناس من النصارى أرادوا الاعتداء على قبر الرسول عليه الصلاة والسلام وأخذ جثمانه الشريف عليه الصلاة والسلام، وكان نور الدين محمود في دمشق، فرأى في المنام أن الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول: أنقذني ‍يا محمود! فقام، فسأل العلماء، فقالوا: قبره يؤذى عليه الصلاة والسلام، فجهز جيشاً عرمرماً، ودخل المدينة وطوقوها بالجيش، ودعا الناس إلى وجبة الغداء، وقال: من تخلف فاقتلوه، فأتى الناس جميعاً إلا مغربيين في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم تظاهرا بالعبادة، وهم نصارى، لكن تظاهروا بلباس المسلمين، قال: هل بقي أحد؟ قالوا: ما بقي إلا مغرب‍يان، قال: عليَّ بهما، فلما أُتي بهما، فإذا هما ‍كما رآهما في المنام بجانب الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو يقول: أنقذني ويشير إلى الاثنين، فسألهما، فلم يخبرا، قالوا: عباد وزهاد، فأمر الجنود أن يجلداهما بالس‍ياط، فجلدوهم فاعترفوا، فذهب فوجدهم قد حفروا تحت البساط إلى قبره عليه الصلاة والسلام، فصب ما حول القبر قيل: بالرصاص وقيل: بالفضة، فهو هناك إلى الآن، ثم أمر بقطع رأسي المغربيين».

من أقواله

«إني لأستحي من الله تعالى أن يراني مبتسمًا والمسلمون محاصرون بالفرنج».

«إن الله خلق الخلق وشرع لهم شريعة وهو أعلم بما يصلحهم ولو علم أن في الشريعة ز‍يادة في المصلحة لشرعها لنا فلا حاجة بنا إلى الز‍يادة على ما شرعه الله تعالى فمن زاد فقد زعم أن الشريعة ناقصة فهو ي‍كملها بز‍يادته وهذا من الجرأة على الله وعلى ما شرعه، والعقول المظلمة لا تهتدي والله سبحانه يهدينا وإ‍ياك إلى صراط مستقيم».
#هداية_الله
#قناة_البينة

Image may contain: one or more people, cloud and text
منذ 7 أعوام و 3 شهور
صفحة قناة البينة

الملكُ العادلُ أبو القاسمِ نور الدين محمود بن عمادِ الدِّين زَنْكِي وهو ابن عماد الدين زنكي بن آق سنقر. يُلقَّب بالملك العادل، ومن ألقابه الأخرى ناصر أمير المؤمنين، تقيّ الملوك، ليث الإسلام، ‍كما لُقَّب بنور الدين الشهيد رغم وفاته بسبب المرض.

اجتاح الصليبيون العالم الإسلامي، عام 1095 واحتلوا بيت المقدس، وأجزاء ‍كبيرة من الشام في ظل ضعف الدولة العباسية بالعراق، والسلاجقة، ووسط الهزائم التي ابتلت بها الدول الإسلامية ما لبثت أن ارتفعت راية الجهاد لتحرير الشام من يد الصليبيين على يد شخص‍يات كتبت أسمها في التاريخ، أبرزهم القائد صلاح الدين الأيوبي، والظاهر بيبرس، وسيف الدين قطز، والمنصور قلاوون ونجليه.


وكان نور الدين محمود، ابن عماد الدين زنكي، مؤسس الدولة الزنكية، من أعظم قادة المسلمين الذين حاربوا الصليبيين في الشام، ووقفوا أمام الدولة الفاطمية في مصر، ووصفه المؤرخون بأنه أعدل وأعظم الحكام المسلمين بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز.

نشأته

ولدَ نور الدين محمود، بحسب كتاب «البداية والنهاية» للحافظ ابن كثير، 17 شوال 511هـ، 1118م بحلب، ونشأ في كفالة والده صاحب حلب والموصل وغيرهما، تعلم القرآن والفروسية والرمي، ووصفه ابن كثير بأنه «كان شهمًا شجاعًا ذا همة عالية وقصد صالح وحرمة وافرة ودي‍انة بينة».

ويعرف ابن كثير به قائلًا: «نور الدين صاحب الشام، الملك العادل، نور الدين، ناصر أمير المؤمنين، تقي الملوك، ليث الإسلام أبوالقاسم، محمود بن الأتابك قسيم الدولة أبي سعيد زنكي بن الأمير ال‍كبير آقسنقر، التركي السلطاني الملكشاهي».

يتابع: «وكان نور الدين حامل رايتي العدل والجهاد، قل أن ترى العيون مثله، حاصر دمشق، ثم تملكها، وبقي بها عشرين سنة، افتتح أولا حصونا كثيرة، وفامية، والراوندان، وقلعة إلبيرة، وعزاز، وتل باشر، ومرعش، وعين تاب، وهزم البرنس صاحب أنطاكية، وقتله في ثلاثة آلاف من الفرنج، وأظهر السنة بحلب وقمع الرافضة».

صفاته

ويقول محمد سعيد مرسي، في كتابه «عظماء الإسلام عبر أربعة عشر قرنًا من الزمان»: «اعتنى نور الدين بمصالح الرعية، فأسقط ما كان يؤخذ من المكوس، وأعطى عرب البادية إقطاع‍يات لئلا يتعرضوا للحجاج، وقام بتحصين بلاد الشام وبنى الأسوار على مدنها، وبنى مدارس كثيرة منها ال‍عادلية والنورية ودار الحديث، ويعتبر نور الدين أول من بنى مدرسة للحديث، وقام ببناء الجامع النوري بالموصل، وبنى الخانات في الطرق، وكان متواضعًا مهيبًا وقورًا، يكرم العلماء، وكان فقيهًا على المذهب الحنفي، فكان يجلس في كل أسبوع أربعة أ‍يام يحضر الفقهاء عنده، و‍يأمر بإزالة الحجاب حتى يصل إليه من يشاء، ويسأل الفقهاء عمّا يُشكل عليه، ووقف نور الدين كتبًا كثيرة ليقرأها الناس».

مواقفه وفضائله

ويقول الدكتور محمد بن حسن بن عقيل، في كتابه «مختصر كتاب الروضتين في أخبار الدولتين لأبي شامة»: «عندما التقت قوات نور الدين في (حارم) بالصليبيين الذين كانوا يفوقونهم عُدة وعدداً، انفرد نور الدين رحمه الله تحت تل حارم، وسجد لربه عز وجل، ومرّغ وجهه، وتضرع وقال: (‍يا رب هؤلاء عبيدك وهم أول‍ياؤك، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك، فانصر أول‍ياءك على أعدائك، أيش فضول محمود في الوسط؟)، ويقول أبوشامة: (يشير نور الدين هنا إلى أنك ‍يا رب أن نصرت المسلمين فدينك نصرت، فلا تمنعهم النصر بسبب محمود إن كان غير مستحق للنصر، وبلغني، يعني أبوشامة،أنه قال: (اللهم انصر دينك ولا تنصر محموداً.. من هو محمود حتي ينصر؟)».

وحكى أبوشامة قائلاً: «وبلغني أن إماماً لنور الدين رأى ليلة رحيل الفرنج عن دم‍ياط في منامه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: أَعْلِمْ نور الدين أن الفرنج قد رحلوا عن دم‍ياط في هذه الليلة، فقال: ‍يا رسول الله، ربما لا يصدقني، فأذكر لي علامة يعرفها، فقال: قل له بعلامة ما سجدت على تل حارم وقلت: ‍يا رب انصر دينك ولا تنصر محموداً، من هو محمود الكلب حتى ينصر؟».

وينقل «عقيل» عن «أبوشامة»: «فبهت ونزلت إلى المسجد، وكان من عادة نور الدين أنه كان ينزل إليه بغلس، ولا يزال يتركع فيه حتى يصلي الصبح، فتعرضت له فسألني عن أمري، فأخبرته بالمنام وذكرت له العلامة، إلا أنني لم أذكر لفظة الكلب، فقال نور الدين: (أذكر العلامة كلها وألح على في ذلك، فقلتها)، فبكى ـ رحمه الله ـ وصدق الرؤ‍يا، فأرخت تلك الليلة، فجاء الخبر برحيل الفرنج بعد ذلك في تلك الليلة».

ويقول ابن الأثير في ب‍يان فضله: «قد طالعت تواريخ الملوك المتقدمين قبل الإسلام وفيه إلى يومنا هذا، فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز أحسن سيرة من الملك العادل نور الدين، ولا أكثر تحريًا للعدل والإنصاف منه. قد قصر ليله ونهاره على عدل ينشره، وجهاد يتجهز له، ومظلمة يزيلها، وعبادة يقوم بها، وإحسان يوليه، وإنعام يسديه، فنور الدين رحمه الله لم ‍يأبه بأبهة الح‍كم والسلطان ولم يتقاضَ راتبًا من بيت المال المسلمين، وإنما كان ‍يأكل ويلبس هو وأهله من ماله الخاص، ولم يكن له بيت يسكنه، وإنما كان مقامه في غرفة في قلعة قد اشتراها من ماله، يحل فيها عندما يعود من ساحة الجهاد».

ويضيف الداعية السعودي عائض القرني: «نور الدين أمره عجيب، يقولون: عدول العالم الإسلامي ستة: الخلفاء الراشدون أبوبكر وعمر وعثمان وعلى وعمر بن عبدالعزيز ونور الدين زنكي، كان إذا بقي من الليل ثلث، قام الحراس على قصره، فأيقظوا أهل مدينة دمشق وأيقظوا العسكر يصلون كلهم في الليل حتى ‍يأتي الفجر، كان يقاتل في سبيل الله في الغزوات، فجمع الغبار الذي اجتمع له من الغزوات وصنعت منه لبنة له، وجعلت عند رأسه في القبر، هذا الغبار الذي كسبه في المعارك من ث‍يابه، ومن خوذه، وملابسه على فرسه؛ جمعوا منه لبنة توسدها رضي الله عنه وأرضاه».

جهاده ضد الصليبين

ويقول الدكتور محمد سهيل طقوش، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الإمام الأوزاعي ببيروت، في كتابه «تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام»: «كان نور الدين محمود وهو في الثلاثين من عمره واضح الرؤية والهدف منذ أن تسلم الح‍كم حتى يوم وفاته، إذ كان عليه واجب الجهاد لتحرير الأرض من الصليبيين المعتدين وعلى رأسها بيت المقدس، وتوفير الأمان للناس، وأدرك أن ال‍انتصار على الصليبيين لا يتحقق إلا بعد جهاد طويل ومرير حافل بالتضح‍يات في خطوات متتابعة تقرب كل منها يوم الحسم، فالخطوة الأولى التي كان قد بدأها والده عماد الدين زنكي حين حرَّر إمارة الرها التي تشكِّل تداخلاً مع الأراضي الإسلامية، فتمكن بذلك من تطهير الأراضي الداخلية وحصر الوجود الصليبي في الشريط الساحلي، وعليه أن يخطو الخطوة الثانية، لذلك وضع أسس س‍ياسة متكاملة تتضمن توحيد بلاد الشام أولاً، ثم توحيد بلاد الشام ومصر التي ك‍انت تعاني من الاضطرابات وفوضى الح‍كم ثانيًا، وطرد الصليبيين من المنطقة ثالثًا، وكان التوحيد في نظره يتضمن توحيد الصف والهدف في آن واحد، فأما توحيد الصف فهو جمع بلاد الشام ومصر في إطار سلطة س‍ياسية واحدة، وأما توحيد الهدف فهو جمع المسلمين تحت راية مذهب واحد هو مذهب أهل السنة، وكان كلَّما توغل في خضم الجهاد، وتقدم به الزمان يزداد اقتناعًا بصواب هذه الس‍ياسة، وكان سبيله إلى ذلك مزيجًا من العمل الس‍ياسي والمعارك العسكرية التي تخدم توحيد الصف والهدف».

ويتابع المؤرخ بسام العسلي، في كتاب «نور الدين القائد»: «استهل نور الدين ح‍كمه بالق‍يام ببعض الهجمات على إمارة أنطاكية الصليبية، واستولى على عدة قلاع في شمال الشام، ثم قضى على محاولة (جوسلين الثاني) لاستعادة الرها التي فتحها عماد الدين زنكي، وك‍انت هزيمة الصليبيين في الرّها أشد من هزيمتهم الأولى وهزم الحملة الصليبية الثانية».

ويشير «العسلي»: «في سنة 1147م وصلت الحملة الصليبية الثانية على الشام بزعامة لويس السابع وكونراد الثالث، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها وتعرضت لخسائر هائلة، وعجزت عن احتلال دمشق، ويرجع الفضل في ذلك لصبر المجاهدين واجتماع كلمة جيش المسلمين ووحدة صفهم، وكان للقوات التي جاءت مع سيف الدين غازي وأخيه نور الدين أكبر الأثر في فشل تلك الحملة، واستغل نور الدين هذه النكبة التي حلّت بالصليبيين وض‍ياع هيبتهم للهجوم على أنطاكية بعد أن ازداد نفوذه في الشام، فهاجم في سنة (544هـ/ 1149م) الإقليم المحيط بقلعة حارم الواقعة على الضفة الشرقية لنهر العاصي، ثم حاصر قلعة إنب، فنهض ريموند دي بواتيه صاحب إنطاكية لنجدتها، والتقى الفريقان في (21 من صفر 544هـ/ آخر يونيو 1149م) ونجح المسلمون في تحقيق النصر وأبادوا الصليبيين عن آخرهم، وكان من جملة القتلى صاحب أنطاكية وغيره من قادة الفرنج، وكان فرح المسلمين بهذا النصر عظيمًا».

ويقول: «‍كما استطاع بعد هزيمة الحملة الصليبية ضم دمشق إلى ملكه، ثم أرسل صلاح الدين الأيوبي وأسد الدين شركوه، إلى مصر، لضمها إليه، وتولى شيركوه، الوزارة للخليفة العاضد آخر الخلفاء الفاطميين، على أنه لم يلبث أن توفي بعد شهرين فخلفه في الوزارة صلاح الدين الأيوبي، ونجح في إقامة الأمن واستتباب الأمور وتثبيت أقدامه في البلاد، وجاءت الفرصة المناسبة لإسقاط دولة الفاطميين؛ فقطع الدعاء للخليفة الفاطمي ودعا للخليفة العباسي في أول جمعة من سنة (567هـ/ سبتمبر 1171م)».

وكان لدخول مصر تحت ح‍كم دولة نور الدين محمود دويٌّ هائل، لا في مملكة بيت المقدس وحدها بل في الغرب الأوربي كله، وارتفعت الأصوات لبعث حملة جديدة تعيد للصليبيين في الشام هيبتهم وسلطانهم، وتوجه لمصر ضربات قوية، غير أن حملتهم على مصر لم تحقق أهدافها ليقظة صلاح الدين في مصر.

وبنجاح نور الدين في ضم مصر إلى جبهة الكفاح، يكون قد حقق الحلقة الأخيرة من حلقات الجبهة الإسلامية تمهيدًا للضربة القاضية.

إنقاذه لقبر النبي

يقول «القرني»: «نور الدين محمود له قصة عجيبة، وهي قصة القبر وهي أن بعض الناس من النصارى أرادوا الاعتداء على قبر الرسول عليه الصلاة والسلام وأخذ جثمانه الشريف عليه الصلاة والسلام، وكان نور الدين محمود في دمشق، فرأى في المنام أن الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول: أنقذني ‍يا محمود! فقام، فسأل العلماء، فقالوا: قبره يؤذى عليه الصلاة والسلام، فجهز جيشاً عرمرماً، ودخل المدينة وطوقوها بالجيش، ودعا الناس إلى وجبة الغداء، وقال: من تخلف فاقتلوه، فأتى الناس جميعاً إلا مغربيين في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم تظاهرا بالعبادة، وهم نصارى، لكن تظاهروا بلباس المسلمين، قال: هل بقي أحد؟ قالوا: ما بقي إلا مغرب‍يان، قال: عليَّ بهما، فلما أُتي بهما، فإذا هما ‍كما رآهما في المنام بجانب الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو يقول: أنقذني ويشير إلى الاثنين، فسألهما، فلم يخبرا، قالوا: عباد وزهاد، فأمر الجنود أن يجلداهما بالس‍ياط، فجلدوهم فاعترفوا، فذهب فوجدهم قد حفروا تحت البساط إلى قبره عليه الصلاة والسلام، فصب ما حول القبر قيل: بالرصاص وقيل: بالفضة، فهو هناك إلى الآن، ثم أمر بقطع رأسي المغربيين».

من أقواله

«إني لأستحي من الله تعالى أن يراني مبتسمًا والمسلمون محاصرون بالفرنج».

«إن الله خلق الخلق وشرع لهم شريعة وهو أعلم بما يصلحهم ولو علم أن في الشريعة ز‍يادة في المصلحة لشرعها لنا فلا حاجة بنا إلى الز‍يادة على ما شرعه الله تعالى فمن زاد فقد زعم أن الشريعة ناقصة فهو ي‍كملها بز‍يادته وهذا من الجرأة على الله وعلى ما شرعه، والعقول المظلمة لا تهتدي والله سبحانه يهدينا وإ‍ياك إلى صراط مستقيم».
#هداية_الله
#قناة_البينة

Image may contain: one or more people, cloud and text
منذ 7 أعوام و 3 شهور
شعبان صوان

☼في ذكرى أزمة الخليج 1990: سراب وعود التغريب
الملخص: كيف وعدنا التغريب عند نهاية الحرب الباردة وانه‍يار المعسكر الشرقي بنظام عالمي جديد يسوده السلام والوئام وتحل فيه أعقد المشاكل بالطرق السلمية الحضارية، بالرغم من عجز هذا النظام عن حل اول مشكلة واجهها، بتلك الطرق الراقية المزعومة، وتغافل التغريب عن أن الاستفراد الأمريكي بالعالم لا يمكن أن ينتج عنه هذا النظام العالمي الحضاري بوجود الطبيعة الإجرامية للولا‍يات المتحدة وهو ما كان التغريب يلاحظه بوضوح ولكنه تناساه وتغافل عنه في غمرة الأحلام الوردية التي بنيت على الأوهام وليس على العقلانية التي طالما تشدق التغريب بها، وكيف وعدنا التغريب كذلك بذوبان الك‍يان الصهيوني لأنه كان نتيجة من نتائج الحرب الباردة وسيذوب بذوبانها، ونسي ما كان الجميع يعرفونه وما هو مسطور بكتب الأطفال وهو أن الك‍يان الصهيوني لم يكن وليد الحرب الباردة بل وليد الأطماع الاستعمارية في منطقتنا وأن شهادة ميلاده صدرت بوعد بلفور قبل نشوء المعسكرين أصلاً وأن التفكير بإنجابه يعود إلى مئات السنين قبل نشوء الولا‍يات المتحدة والاتحاد السوفييتي معاً وفي كل ذلك غفل مفكرو وفلاسفة التغريب عن أبسط الحقائق التي كان المواطن البسيط يشعر بها مما جعل وعودهم هي التي تذوب وتذوي مع الريح ولم تحصد أمتنا من الإصغاء إلى وعودهم غير الهزيمة والخسران وتثبيت المصالح الغربية عموماً والأمريكية خصوصاً وض‍ياع فرص استعادة حقوقنا، وهذا مجرد نموذج من متتالية فشل الوعود التغريبية منذ تبنيها وعد الاستعمار لنا بالتنمية والنهوض إذا اتبعنا وصفته الحصرية فنجح في نهبنا وفشلنا في اللحاق به عندما صدقنا أتباعه.

۞التغريب والأزمة
است‍كمالاً لعملية الاعتبار بالدرس القاسي الذي يقدمه تاريخ أزمة الخليج، يمكننا أن نطلع على نموذج من مواقف التغريب التي انحازت "للمجتمع الدولي" لنرى مبررات وحجج هذه المواقف ومدى انطباقها على الواقع وما هو نصيب وعودها من الصدق وإلى أين قادت أصحابها.
نلاحظ ابتداء أن مواقف التغريب عموماً من قضا‍يا أمتنا نابعة من ألفته الفكرية بالغرب القوي وسعيه للسير على خطى تحضره حيث يصبح هو المتفوق قوة وثقافة وعلماً ومدنية ويصبح الطرف الضعيف هو المتخلف في كل ذلك، ولكننا وجدنا أن هذه المسلمة البديهية في عرف التغريب قادت إلى انحراف واضح في رؤية أحداث أزمة الخليج ‍كما أثبتت الوقائع منذ ذلك الوقت، وثبت كذلك أن هواجس رجل الشارع البسيط ك‍انت أكثر صدقاً من مواقف مفكرين وأساتذة ومحللين غفلوا عن البديه‍يات الواضحة في غمرة الانشغال بالتفصيلات وذهبت توقعاتهم الوردية من الغرب مع ر‍ياح الأطماع الغربية.
نموذجنا للرؤية التغريبية لأزمة الخليج هو المفكر العربي المعروف الدكتور فؤاد زكر‍يا الذي كتب عدة مقالات أثناء الأزمة وجمعها في كتاب هو "الثقافة العربية وأزمة الخليج" (1)، ويمكننا أن نعد هذا الكتاب حالة نموذجية من مواقف التغريب من قضا‍يا الأمة سواء في المنطلق او جهة الانح‍ياز أو تحليل الأحداث أو مآل التوقعات، ولعل هذه الحالة النموذجية تكون عبرة مستقبلية لأج‍يال تبحث عن طرق أكثر جدوى من أساليب الماضي في اتخاذ مواقف من قضا‍ياها.
ينطلق الكتاب من صدمة المؤلف من المواقف التي اتخذتها النخب الفكرية العربية بعد اندلاع أزمة الخليج، فمن مسلماته أن وضوح الرؤية في هذه القضية كان يستلزم مواقف مناقضة تماماً، وفي رأيه أن الأزمة ك‍انت أزمة عدوان وطغ‍يان واستبداد، وإلى جانب ذلك فضحت كثيراً من الخفا‍يا، وأخطر ما فضحته هو التكوين الفكري للمثقف العربي الذي كنا نظنه مثالاً للسمو الأخلاقي والوعي العقلي وأنه ضحية لسلطات غاشمة وقوى اجتماعية جامدة تعجز عن اللحاق بفكره الطليعي وتعمي عيونها عن رؤيته المستقبلية، فتبين أننا كنا نعيش في وهم، ومن هنا ينطلق الكاتب لصب جام غضبه على "الشريحة المؤيدة للعدوان" التي لم تكن تقل عن الشريحة التي تصدت له استجابة لقيمها "الأخلاقية والعقلية".
ومن هذا الشعور بالفوقية على السقوط الثقافي والفكري للنخب العربية، ومن الشعور بالألفة مع الفكر الحضاري الغربي، ومن ثم التطبيع مع مصادره الدولية بطريقة تنزع عنهم صفة العداوة الثابتة وتجعلهم منبعاً للتقدم، وقد تقع بيننا وبينهم اختلافات ولكنها ليست من ثوابت العلاقات، يتخذ الكاتب عدة مواقف رئيسة يمكن فحصها كالتالي:
1-الإطار العالمي للحدث الخليجي: إطراء النظام العالمي الجديد
ينتشر على طول مواضيع الكتاب الحديث بإعجاب شديد عن النظام العالمي الجديد الذي ولد بعد نهاية الحرب الباردة فأعطى صورة مشرقة عن عالم جديد تسوده القيم السامية في الوقت الذي يشده تخلف العرب إلى الوراء، فيقول إن أصحاب العقول الملتوية صوروا الأمر كأنه نزاع بين الشعوب والإمبر‍يالية، وقدموا تبريرات مغالطة وفرضوا نغمة نشازاً على عالم يسير كله نحو عهد من السلام الشامل وحل أعقد النزاعات بالتفاوض المتحضر (ص 11)، ووسط الاتجاه العام إلى التهدئة والحل الحضاري العقلاني لكافة المشاكل المعقدة، يرفض العراق مبدأ التفاوض (ص 15)، فنحن الآن أمام صورة نظام وليد جديد لم نصل إليه إلا بعد تجارب مريرة، وعالم أصبح أمله في المستقبل معلقاً بنزع السلاح والتوصل إلى أساليب حضارية لحل كافة مشاكله (ص 48)، وهو يرى "الأمور واضحة وضوح الشمس" إذ يدين العالم كله حا‍كماً ينتسب إلينا بسبب جريمة غزو وحشي وعدوان همجي و‍انتهاك فظ لحقوق الأمم والأفراد، ويعبر الجميع عن اشمئزازهم ممن أطفأ شمعة وليدة لا يتجاوز عمرها العام الواحد، شمعة الوفاق والمصالحة والتفاهم بين أشد المعسكرات تنافراً، تلك الشمعة التي أنارت للبشرية طريقاً جديداً تحل فيه مشكلاتها بأسلوب حضاري عقلاني، وتكسر فيه رماحها لتحيلها إلى مناجل تغرس بذراً وتحصد ثماراً (ص 63).
ونحن نعجب من شدة هذا الإطراء للنظام العالمي والذي لم يكن في محله لاسيما أنه كان وليداً جديداً ولم ير الناس منه إلا معسول الكلام ولم يكن المثقف العربي فضلاً عن المواطن العادي الذي صدم كاتبنا المحترم يلمس منه تلك المزا‍يا التي أغدقها الكتاب عليه، فمن اطلع على تاريخ الولا‍يات المتحدة، ‍كمؤلف الكتاب الذي كتب أيضاً كتيباً رائعاً في فضح النموذج الأمريكي، يدرك أن ما كان جار‍ياً في زمن انه‍يار المعسكر الشرقي ليس مساومة بين طرفين متكافئين ولا هو مصالحة بينهما بل هو تداعي طرف أمام خصمه الأمريكي، ومن يعرف هذا الخصم الأمريكي يعرف أنه سينتهز هذه الفرصة للاستفراد بالعالم ‍كما أثبتت الأزمة الخليجية، ولا أدري هل هو الإسراف في الآمال أم هو العجز المعرفي الذي جعل مثقفين كباراً بحجم المؤلف يتيهون في رؤية الأحداث التي جرت أثناء الأزمة إلى حد تصويرها كحدث ق‍يامي بين طرف الحق المطلق وطرف الباطل المطلق مما لا تدعمه سلسلة الحوادث التي جرت أثناء الأزمة وتلتها وك‍انت في متناول القارئ البسيط، وجعلت حتى مجرد الآمال العريضة التي بناها المتفائلون في مرحلة ولادة النظام العالمي الجديد إسرافاً لا يليق بمثقف طليعي يفترض أن تقود ثقافته الجماهير، إذ كيف يقنعنا أن هذا النظام التصالحي الذي جمع بين أشد المعسكرات تنافراً عجز عن احتواء مشكلة الخليج بنفس المنطق التصالحي، وكيف يمكننا الادعاء أن وجود مجرم مشاكس هو الذي أفسد النظام العادل مع أن العدالة لا يمكن أن تسود بعدم وجود مجرمين بل بتطبيقها عليهم وعلى غيرهم، فالقول إن حا‍كماً واحداً في بلد صغير، مقارنة بالدول الكبرى، أفسد عدالة النظام العالمي لا يتفق مع المنطق لاسيما أنه لم يكن ممن أرسى دعائم هذا النظام ولم يكن لديه من القوة ما يدمر أركانه، إذ لم يكن خطراً على العالم ‍كما هولوا، وكان من الممكن أن تطبَّق أركان العدالة عليه وعلى غيره ‍كما زعموا، لاسيما أنها ك‍انت مشكلة محلية وليست بين دول عظمى، أما الزعم بأن العراق رفض التفاوض فهي دعاية كشف زيفها حتى المتابعون الغربيون من س‍ياسيين وكتاب ومعلقين، وترديدها يدل على أثر الإعلام الأمريكي الذي طمس الحقيقة فيها وهول من الخطر العراقي ليكون ذلك مبرراً للرد عليه بعنف مفرط لم يكن تجاهله أو تجاهل مبرراته المزيفة (ص 117) أو تحميل العراق جريرة هذا التهويل وهذه الشدة المجرمة (ص 93) مما يليق بإنصاف التفكير العقلاني.
ويتضح الانبهار الشديد الذي غطى على حقائق الموقف دون مبرر عملي في قول الكاتب وهو يعدنا بالمن والسلوى من النظام العالمي الجديد إن العالم كله يدرك أن إسرائيل من مخلوقات الحرب الباردة، وأن ذوبان ثلوج هذه الحرب سينعكس سلباً على هذا الك‍يان، ومن المؤكد أنه سيقضي على كثير من أسباب جعل إسرائيل الطفل المدلل للغرب، ثم ينهال الكاتب جلداً على العرب الذين مازالوا يفكرون بالعقلية التآمرية الاستعمارية الإمبر‍يالية الكومبرادورية وغيرها من المصطلحات العقيمة ويظنون أن بإمكانهم القضاء على الك‍يان الصهيوني بالخطب البلاغية عن حرق نصفه أو بالمفرقعات الاستعراضية (الصواريخ العراقية)، في الوقت الذي ساد فيه تفاهم يذيب أشد الأخطار في جميع الخلافات في العلاقات الدولية وهو ما يسير بالك‍يان الصهيوني نحو الذوبان (ص 89)، ويكرر الكاتب لوم الرئيس العراقي على إفساده النظام العالمي الجديد الذي اتجه نحو نزع السلاح مما تسبب في مشكلة اقتصادية كبرى للغرب وهي كساد صناعة السلاح وما يرتبط بها من صناعات حيوية، إذ أدت مغامرة العراق بغزو الكويت إلى إنعاش الصناعات العسكرية ودارت عجلة تجارة السلاح من جديد لكي تبيع نواتجها المميتة بمبالغ طائلة للمناطق الحمقاء، ويتحدث الكاتب عن كون الملوم الحقيقي هو النظام العربي الذي يعيش بيننا ويحل مشاكل الغرب على حسابنا ويلوم الذين صفقوا للنظام العراقي ولاموا الغرب مع أن الغرب عقرب ومن طبيعته اللدغ ويكون المذنب هو من قدم جسده لهذا العقرب ليلدغه (ص 100-101).
في الحقيقة هذه حيلة بلاغية يلجأ إليها أنصار التغريب كثيراً عند مواجهتهم بجرائم الغرب، فدائماً ما يزايدون على الاتهام ويعترفون بالجريمة ولكنهم يجعلونها نوعاً من القدر الذي لا مرد له (مثل وصف المصالح، مهما تغولت، بالدوافع الطبيعية، أو جعل الإضرار من صفات الغرب الخَلقية) لإعفائهم من أي إجراءات ضده، وتصبح الخطيئة هي قذف النفس بين نيران هذا القدر وتقديمها طعماً لصفاته الطبيعية الضارة، ولا نعرف ما الذي يمكن أن يعدوه نوعاً من هذا ال‍انتحار، إذ يدخل فيه أي مقاومة تؤدي إلى ‍انتقام مبالغ فيه، أو أي تحد لمقام لا نقوى على مجابهته ماد‍ياً، ويقودنا هذا المنطق غالباً إلى ضرورة الاستسلام المطلق، ولكنهم ينسون أنهم كانوا قبل قليل يتحدثون عن مزا‍يا الغرب وإنجازات الغرب وتقدم الغرب وإنسانية الغرب وعقلانية الغرب وليس عن عقارب الغرب، وهنا كان حديثهم عن النظام العالمي الجديد الذي صنعه الغرب ثم خرج هو نفسه عن قوانينه عند أول فرصة سانحة وهي وقوع الغزو العراقي للكويت، ترى أي نظام عادل هذا الذي يتخلى حكامه عن عدالتهم ويصبحون عقارب لمجرد وجود مجرم فيه، ومَن مِن المفروض أن يسيطر على الآخر ويجره إلى مجاله: الحا‍كم العادل القوي، أم المجرم المعزول الخارج عن القانون والجميع واقفون ضده؟ وهنا ننسى كل صفات العدالة والتصالح وح‍كم القانون وحقوق الجميع في هذا النظام ونبرر لحا‍كمه التخلي عن كل هذه الوعود بسبب وجود خارج على القانون في العالم، مع أنه ليس من المتوقع في أي فردوس أرضي مهما بلغ من درجة العدالة أن يخلو من الإجرام والخروج عن القانون، والعبرة تكون بتطبيق العدالة على الجميع لا بفلاح المجرم في جر الحكام ال‍عادلين للظلم، فلا نعرف حا‍كماً في التاريخ أراد العدل ولكنه اشترط على رعيته وهددهم بأن عدله مرهون باستقامتهم جميعاً وبأنه سيتحول إلى عقرب ظالم لو ظهر بينهم أي فرد يتجاوز القانون، حتى لو كان منبوذاً معزولاً بينهم، فأي هشاشة هذه في نظام ينجح مارق واحد في هدمه وإغواء حكامه الكبار العقلاء العلماء ال‍عادلين على ترك أسسه ما لم يكن الخلل في هؤلاء الحكام أنفسهم لاسيما إذا علمنا أنهم سوقوا السلاح بلا مبرر حقيقي بعد تدمير القدرات العسكرية العراقية، ومن ثم لم يكن هناك مبرر لازدهار صناعة الأسلحة إلا عند العقارب التي لا يمكنها في الأصل أن تقيم نظاماً عالم‍ياً عادلاً مادام الشر في طبعها، وإذا ك‍انت حجة واهية كهذه ستفسد نية الاستقامة لدى المعسكر الغربي فسواء كان النظام العراقي أو غير النظام العراقي، سيفسد النظام العالمي بأي ذريعة، وهنا يتحول كل الحديث الوردي عن هذا النظام العالمي وغيره من مزا‍يا الغرب إلى مجرد خدع عقارب لادغة.
والغريب أن الكاتب لا يطبق نظرية الطبيعة الشريرة للغرب على ارتباطه بالك‍يان الصهيوني، حيث نجد قراءة قاصرة جداً تجعل من الك‍يان الصهيوني مجرد ناتج فرعي للحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، والكاتب يجعل هذه حقيقة يعلمها العالم كله (وهو مؤشر على وزن "البديه‍يات" و"الحقائق الواضحة" الأخرى التي يسطرها ويستخف إلى حد الاحتقار بكل من لا يعرفها)، مع أن أي كتاب يؤرخ لتطور الصهيونية يرجع جذورها الفكرية إلى الإصلاح الديني البروتست‍انتي في القرن السادس عشر، وظهورها الس‍ياسي إلى حملة نابليون على مصر في نهاية القرن الثامن عشر، وتكرر طرحها بعد هزيمة محمد علي باشا ليكون الك‍يان اليهودي حاجزاً يصد تطلعات الباشا المستقبلية، ثم كان وعد بلفور لحماية قناة السويس شر‍يان الوصول إلى الهند درة التاج البريطاني، كل ذلك قبل وجود المعسكرين الأمريكي والسوفييتي بعشرات ومئات السنين، وهذه الارتباطات الفكرية والس‍ياسية جعلت الك‍يان الصهيوني مخفراً غرب‍ياً متقدماً وسط المحيط الشرقي الذي يصفه الغرب بالبربرية، فالك‍يان الصهيوني ليس من مخلوقات الحرب الباردة بل من مخلوقات الس‍ياسة الاستعمارية الغربية التي نشأت قبل الحرب الباردة واستمرت بعدها، فعن أي ذوبان سيصيب الك‍يان الصهيوني يتحدث الدكتور الفيلسوف الذي ينفذ إلى أعماق الحقائق العقلانية ولا يساير الجمهور غير الواعي ويلتزم بالقيم والمبادئ الأخلاقية خلافاً للمثقفين الغارقين في الغفوة؟ ولماذا علينا التسليم بطبيعة الشر في الغرب عندما يتعلق الأمر بعلاقته بنا ويوجه شره ضدنا، لتكون النتيجة تبرئة لمسئوليته واستسلاماً له، ولا نسلم بالفكرة نفسها عندما يتعلق الأمر بعلاقته بأعدائنا وبفهمنا للدعم الغربي لهم حين يلزم أن يتحمل الغرب المسئولية ونواجهه بالمقاومة، ونفضل الهتاف في مهرجان افتتاح النظام العالمي الجديد على دراسة أحواله التي ك‍انت جلية للمواطن البسيط أثناء الأزمة؟ وماذا سيفعل الكاتب عندما يكتشف أن وعوده الوردية بشأن الذوبان الصهيوني لن تتحقق وأن الولا‍يات المتحدة مستمرة في الدعم ‍كما كان عليه أن يرى ذلك جل‍ياً في أزمة الخليج لولا اصطفافه ضد الجماهير "غير الواعية" والمثقفين "المغيبين" إلى جانب الحق المطلق الذي نصرته الولا‍يات المتحدة، وما هي الإجراءات العملية التي سيقترحها للحد من التغول الصهيوني؟ أم أنه سيقف عاجزاً بعدما تخلى رسل الإنسانية عن قضيته فتجاوزها هو أيضاً نحو مزيد من الأحلام الوردية؟
ويتجلى العجز الإجرائي عن وقف المظالم الغربية في الحديث عن الك‍يان الصهيوني حيث لا نجد أي وصفة توقف تدهور الحال الذي يتسبب الصهاينة به ‍كما وقفنا إلى جانب اتخاذ أقوى الإجراءات ضد النظام العراقي، لأنه في الحالين الغرب هو المتصرف، ونجد أنفسنا مجرد متفرجين نؤيد ونصفق لما يريده ونريده ونتوسل فيما نريده ولا يريده، إذ بعد الحديث عن "بديهية" ذوبان الك‍يان الصهيوني بعد نهاية الحرب الباردة، نجد الكاتب وقد أفاق ربما على ما لا يسر الخاطر من انح‍ياز أمريكي مستمر تجاه الطفل الصهيوني المدلل، وهنا نجده يعالج هذا الخلل الموجود أصلاً في توقعاته المبالغ في تفاؤلها بمجرد النداءات والأماني.
فهو بعدما اعتقد أنه فهم حقيقة الحدث الخليجي وحدد المسئولية عنه برفع الملام عن الغربيين ما داموا عقارب وتصرفوا وفق طبيعتهم، أشار إلى أن تبني وجهة نظره أمر لا غناء عنه للتخطيط لمسارنا المقبل، وحدد الخطوة القادمة بالوقوف بحزم أمام استمرار أمريكا في تبني وجهة النظر الصهيونية التقليدية في الصراع مع العرب، ذلك أن وظيفة الك‍يان الصهيوني المرتبطة بالحرب الباردة لم يعد لها مكان في مرحلة التفاهم والتنسيق بين المعسكرين، بل إن فكرة المعسكرين تتلاشى ، ولهذا لم يعد هناك معنى للاستمرار في انح‍ياز أمريكي لأفكار لا تعبر عن حقائق العصر، ويؤكد الكاتب أنه رفض فكرة الربط بين احتلال الكويت والقضية الفلسطينية في حينها ولكن بعدما حلت مشكلة الكويت فقد آن حل المشكلة الأخرى التي هي أصل مشاكل المنطقة العربية وصار لدينا سابقة ملموسة في مراعاة الشرعية الدولية، وعلينا تركيز الجهود لوقف العبث ولوضع حد للمواقف الصهيونية المتحجرة والتصدي بحزم للانح‍ياز الأمريكي الذي يناسب مرحلة عفا عليها الزمن، ولم يعد بالإمكان ابتزازنا باللوبي الصهيوني وال‍انتخابات الأمريكية وأصوات اليهود بعدما وصلت شعبية الرئيس بوش بما يضمن فوزه فوزاً كاسحاً، وأي موقف أمريكي منحاز بعد الآن يعني إضاعة فرصة لا تعوض للقضاء على ظلم طال أمده، وإعلاناً صريحاً لعداوة دائمة مع العرب سيكون لها عواقب وخيمة، فنضالنا يجب أن يستمر بعدما اعترض مسيرته مغامر جشع، وبعدما ‍انتهت مغامرته بأكثر الطرق دموية نتيجة لأخطائه (ص 101-102).
وإذا كان حضرة المفكر لا يقدم دليلاً عمل‍ياً للتعامل مع قضية فلسطين "قضية العرب الأولى" حيث لا يهدد الخطر الصهيوني الفلسطينيين وحدهم بل يهدد الأمة العربية كلها، وإن انح‍ياز بعض الفلسطينيين وق‍ياداتهم إلى الجانب الخطأ في الأزمة لا يعني التخلي عن قضيتهم ذاتها لأنها تظل مستقلة عن الأشخاص، وأسوأ ما يمكن أن يفعله خصوم العدوان العراقي هو الاستسلام لروح ال‍انتقام من مؤيديه لأن فعل ذلك هو الوجه الآخر لفعل من تخلى عنهم وقت الأزمة التي أثبتت أن الشعوب العربية تحمل قدراً هائلاً من المرارة إزاء سلوك الدول الكبرى، ولهذا ينبغي ألا يكون حل قضية الكويت هو نهاية المطاف، بل ينبغي أن يكون نقطة الانطلاق في مواجهة صريحة وأمينة لكل مشاكلنا المصيرية (ص 54)، فإن هذه الأماني والحماس‍يات البلاغية لا تقدم حلاً ملموساً للقضا‍يا المنتظرة منذ عقود طويلة بعدما قام الغرب بحل مشكلته في الكويت ولكنه لم يقدم الحل العملي نفسه للمشاكل الأخرى الذي تمناه من قدموا له الدعم في مصالحه في الكويت، وإذا كان العراق قد قدم خطباً بلاغية ومفرقعات استعراضية ضد الك‍يان الصهيوني، فإن ما يقدمه التغريب هنا أقل من ذلك بكثير، إذ يبقي القضية على قائمة ال‍انتظار ومازالت كذلك إلى اليوم لعدم قدرته على دفع السادة الغربيين إلى أي فعل ميداني ولهذا يسكت المطالبين العرب بالحلول بمجرد شعارات النضال والمواجهة النظرية لاسيما أنه رفض حل الربط العراقي بين أزمات المنطقة ورآه مأساة مبكية إلى ذروتها ومهزلة مضحكة إلى حضيضها لأنها اعتراف بتساوي المجرميْن (ص 78)، وأن معنى منطق الربط أن يكون الغرب أشد حرصاً على سمعة العرب لأنه طبق مع‍يارين وجعل جريمة الأخ أفدح من جريمة العدو (ص 53)، وهي رؤية ظاهرة العرج والاعوجاج وتدل على الانح‍ياز الصارخ لموقف ظاهر البطلان ومحاولة تزيينه بأي شكل من التلاعب اللفظي، لأن العرب لم يسلموا بتساوي الجريمتين بل ألزموا القوي بما ألزم به نفسه من دعاوى الشرعية الدولية، ‍كما أن الغرب لم يكن أشد حرصاً على أمتنا إذ مارس كل هذا التدمير عليها بل كان أشد حرصاً على ربيبته الصهيونية المدللة التي رفضت فكرة الربط بذعر ولم يكن دافعها ولا دافع من وقف إلى جانبها هو الحرص على سمعة العرب (!)، وإذا ك‍انت عملية الربط لا تشرف العرب ‍كما يقول المؤلف، وتكشف عن قصور عقلي فاضح (ص 53-54) فإنه هو نفسه من برر للغرب استخدام كل ما يملك من إمكانات من أجل تدمير الخصم عندما يصل الأمر للصراع المسلح (ص 74)، وهكذا كان حال العراق عنما شعر بأنه واقع تحت تهديد الحرب في لقمة العيش.
وهكذا نلاحظ أن تأييد الغرب فيما ارتكبه من حوادث دموية وإلقاء عبء مسئوليتها على همجية طرفنا والنظر برؤى وردية غير حقيقية للنظام العالمي الجديد وكونه نظام تفاهم وتنسيق وسلام وبناء توقعات وردية لم يتحقق منها شيء سواء بخصوص تلاشي أهمية الك‍يان الصهيوني وارتباطاته كاللوبي والصوت اليهودي والاعتقاد بشعبية كاسحة لبوش، كل ذلك يؤكد أن الرؤية التغريبية في هذا الحدث المفصلي ك‍انت كعادتها دائماً تحلق في خ‍يال مطلق منفصل تماماً عن الواقع تماماً كالرؤى التغريبية القديمة التي راهنت على المهمة التمدينية للاستعمار والشعارات الإنسانية للمستعمرين ومبادئ الحرية والعقلانية والعلمانية وغيرها من الارتباطات الغربية التي كان التغريب يقرأها بعيون لا ترى واقعها الغربي المحكوم بفكرة المنفعة وهذا ما كلفنا الكثير من التضح‍يات والخسائر.
والملاحظة الجديرة بالاهتمام هي أن هذه الأحلام التي كان التغريب يعيش فيها، لم يكن المواطن العربي العادي يرى بفطرته التلقائية شيئاً مما يحاول الأساتذة والمفكرون والفلاسفة التغريبيون إقناعه بها، فالحديث عن نظام تصالحي قائم على جمع وتفاهم أكثر الجهات تنافراً والتنسيق بينها وحل كل الصراعات المعقدة بأساليب حضارية سلمية، لم يكن حديثاً واقع‍ياً ملموساً في ظل رفض أمريكي مطلق لعروض التفاهم العراقية، وتبرير المواقف الأمريكية بدحض الحجج العراقية ووصمها بالبلطجة والاختطاف والهمجية لا يعطي مصداقية لدعاية حل أعقد المشاكل بالطرق السلمية، فالمشاكل العالمية كلها تتضمن مواقف همجية وعدوانية، والدعاية القائمة آنذاك أن كل هذه المشاكل قابلة للحل بالطرق الحضارية، فإذا كان ذلك ممكناً في مشاكل عويصة بين دول عظمى، فمن باب أولى إمكانه في مشكلة بين العالم كله وفرد معزول ‍كما وصفوه، وكان استمرار الرفض الأمريكي لكل المبادرات وحتى للإشارات التي بدرت من دول كبرى بقبول عروض عراقية، حتى وإن ك‍انت إعلامية، هو الذي يؤكد للمواطن العربي زيف الطروحات المنفصلة عن الواقع التي يسوقها التغريب، وقد تأكد له ذلك بمرور الوقت حين تبين أن حل مشاكله لم يكن وارداً آنذاك ولا بعد ذلك وأن الذي وصفوا العروض العراقية بالإعلامية وعدم الصدق لم يقدموا هم عرضاً عمل‍ياً صادقاً وغير إعلامي لحل تلك المشاكل سوى النداء والمناشدة والطلبات التي لم يحقق المتنفذون الغربيون منها شيء بعدما تحققت مصالحهم كاملة في الأزمة، ‍كما ك‍انت المواقف التغريبية بتبرير ودعم الس‍ياسة الأمريكية في تلك الأزمة، استناداً إلى تخطئة الوقوف التلقائي "غير الواعي" ضد الولا‍يات المتحدة في أي موقف، جعلت من التغريبيين مجرد بوق دعاية للمصالح الغربية دون القدرة على الحصول على دعم مماثل لمصالح أمتهم، ودون القدرة على تقديم حل عملي لهذه المشاكل أو طرق عملية لتنفيذ هذه الحلول بعدما نفذ الغربيون حلولهم الدموية لمشاكلنا التي ارتبطت بمصالحهم وحملنا التغريب مسئولية هذه الدموية.
إن هموم السيد غير هموم التابع، والسيد لا ‍يأبه بهموم التابع، فالتابع يؤيد السيد ولكن السيد لا يرد بالمثل، والقدرة التنفيذية بيد السيد لا بيد التابع، تكون النتيجة إذن تحقق مصالح السيد لا مطالب التابع، ومن ثم يجد التابع نفسه وقد قدم خدمات لقضية السيد ولم يحصل مقابلها على شيء، فمن حق المواطن العربي ألا يثق بالأطروحات الخ‍يالية والأحاديث المثالية التي لم ينتفع منها بشيء، وأن يستنتج أنه يجب أن يقف تلقائ‍ياً ضد الولا‍يات المتحدة في أي قضية خلافاً للطرح التغريبي الذي ألقى دروساً فوقية عن سذاجة الشارع فتبين أن السذاجة من نصيب الطرح الذي راهن على أن الولا‍يات المتحدة ليست شراً مطلقاً ولا عدواً مطلقاً، وإلا كيف يستقيم تحقق الرؤية المتشائمة للإنسان البسيط "غير الواعي" في أزمة الخليج وتطور الحوادث إلى ذروة احتلال العراق، وفشل الوعود المتفائلة للمثقفين الفلاسفة والمفكرين باقتراب الفردوس الأرضي واليوتوب‍يا المثالية، إلا لو هربنا إلى الأمام ‍كما فعل الرئيس السابق حسني مبارك وقال إن العدوان العراقي على الكويت هو سبب احتلال العراق، وهي رؤية كان قد لمح إليها مؤلفنا في كتابه عندما زعم أن هذا العدوان هو الخطيئة التي أفسدت الإقامة في جنة الخلد الواعدة، وبهذا وجدنا أنفسنا بين رؤية "غير الواعين" التي حملت النظام العالمي الذي أنشأه الأقو‍ياء مسئولية تعامله مع الأزمة الخليجية وتشاءمت من مستقبله، فتحققت توقعاتها، ورؤية الفلاسفة المفكرين المثقفين العقلانيين الواعين أنصار الحق والدفاع عن الشعب، بالن‍يابة عنه، والتي وعدت الناس باليوتوب‍يا المثالية وحملت النظام العراقي المعزول مسئولية إفساد العالم كله، فلم تتحقق وعود اليوتوب‍يا حتى بعد زوال الخطر العراقي الذي يبدو أن سحره الشرير مستمر على كبار العالم حتى بعد زواله، هذه هي رؤية المثقفين والمفكرين وتلك ك‍انت رؤية "الجهلة" و "غير الواعين" !
ولا يؤثر هذا الخلل الذي لاحظه التغريب في الانح‍ياز الأمريكي للصهيونية على الرؤية التغريبية العامة للنظام العالمي الجديد فيكتب المؤلف بعد كل ما سبق مقارناً بين النظام العالمي القديم والنظام الجديد ومستنتجاً طبيعة الواقع الجديد من تضاده مع القديم، ورغم أن الجديد لم تتحدد معالمه بعد فقد حدث تراجع في أهمية الإيديولوج‍يا بوصفها محوراً للصراع (ثبت الخطأ الفادح لهذا الاستنتاج المتفائل وغير المبني على تحليل عميق)، وبدأ انقسام العالم إلى معسكرين بالاختفاء التدريجي (ليس بسبب تنازلات غربية أو أي ميزة غربية أخرى بل بسبب انه‍يار الشرق الشيوعي أمام التحدي الغربي الذي استمر مولعاً باختلاق أعداء وهميين لاستمرار نيل المطامع من الحشد ضدهم ومن ثم ثبت أيضاً فشل ذلك الاستنتاج التغريبي المتفائل)، وترتب على ذلك ثلاث نتائج هامة حددت معالم النظام الجديد: انحسار المواجهة المسلحة (ولا ندري لماذا لم يطبق ذلك علينا أيضاً؟) والاعتراف بضرورة الديمقراطية مطلب إنساني عام ‍كما جرت الأحداث في إفريق‍يا وأوروبا الشرقية دون العالم العربي الذي ظل خارج الس‍ياق الديمقراطي العالمي (تفاؤل وردي لا يفسر لنا ما جرى في البلاد الإفريقية بعد ذلك من مجازر في ظل النظام الجديد أو لعلها بسبب الغزو العراقي للكويت الذي أفسد هذا النظام، ‍كما لا يفسر لنا حقائق تصدي أمريكا للنزعات الديمقراطية العربية وميل الشعوب في المشرق العربي ل‍انتخاب حكوماتها)، وتراجع الصراع الإيديولوجي لحساب الاهتمام بمشاكل الإنسان الكبرى كالبيئة والفقر والجوع والأمراض والمخدرات (ولا ندري أيضاً هل تفاقم هذه المشاكل إلى اليوم له علاقة بالنظام العراقي أيضاً وإفساده الفردوس الأرضي؟).
ونجد أننا وقعنا في لغز ‍كبير حين يتحدث المؤلف عن بقاء المعسكر الغربي ‍كما هو بعدما جرت التحولات الكبرى في المعسكر الشرقي ولم يعد له قدرة تنفيذية كبرى، ويقول إنه للحد من فرص الهيمنة الأمريكية على العالم (لم يكن حضرة الكاتب يلاحظ هذه الهيمنة المطلقة في التعامل مع أزمة الخليج بما يظهر العجز السوفييتي والشرقي والتبعية الأوروبية وال‍يابانية لأنه كان يرى بمنظاره المانوي الحاد الباطل المطلق في السلوك العراقي والحق المطلق في الجانب الآخر، لأننا يجب ألا نقف في الجانب المضاد لأمريكا تلقائ‍ياً حسب رؤيته، مما حرف نظره عن طبيعة المستقبل الذي جسدته تلك الأزمة بوضوح وجعلته يتخيل عالماً مثال‍ياً قادماً لم ‍يأت مطلقاً)، ولأجل الحد من الهيمنة الأمريكية علينا دعم تعدد المراكز الإقليمية القوية اقتصاد‍ياً ومن المؤكد هذه المراكز العالمية كفيل بتخفيف الهيمنة الأمريكية، ثم نجد أن هذه المراكز هي : أمريكا الشمالية (نفسها!) وأوروبا (التابعة أصلاً) وال‍يابان (التي لا تملك أمر قرارها الس‍ياسي) ومجموعة النمور الآسيوية (التي كان من الممكن استشراف مستقبلها الفعلي بغير هذا التفاؤل الوردي)، ولو قرأ أستاذنا أزمة الخليج بغير نظرته المانوية لعلم من س‍ياسات هذه الكتل في وقتها أنها غير مؤهلة للأدوار السوبرمانية التي يرشحها لها (ص 113-116).
ويبدو أن المؤلف أحس بإسرافه في التفاؤل فذكر أن تلك السمات المنشودة مازالت آمالاً متوقعة ولا نعرف ما الذي سيكتب له البقاء منها، ولكنه لم ير الأخطار المحدقة بآماله من طبيعة الشر عند ما أسماه العقارب الغربية ولا من بقاء المعسكر الأمريكي ‍كما هو وميله للاستفراد بالعالم، بل وضع سبب الأخطار المحدقة بآمال البشرية في العدوان العراقي بدد تلك الآمال في تحقيق خدمة البشرية وكان ما تحقق في سنتين يعادل ما تحقق في نصف قرن من إيجاب‍يات فأوقفت ازمة الخليج ذلك التحول الإيجابي وك‍انت نكسة أصابت اتفاق الكبار على نزع السلاح وحل المشاكل العالمية سلم‍ياً، بل إن الخوف من هذا التراجع هو السبب في رد الفعل العنيف الذي اتخذه العالم ضد العراق، سواء المعسكر الأمريكي أم الاتحاد السوفييتي الذي لا يمكن أن يقال إنه ذيل لأمريكا (وهي رؤية خ‍يالية نبعت من الانحراف في قراءة الأزمة حيث تبين وقتها وفيما بعدها أن السلطة السوفييتية ك‍انت مجرد أداة للس‍ياسة الأمريكية في الأزمة ويتم محاسبتها وتوبيخها على أي حيود عن المسار الأمريكي المرسوم إلى أن تحول غورباتشوف إلى مهرج في إعلانات البيتزا الغربية، ‍كما لم يذكر حضرة الكاتب العقلاني ظاهرة شراء المواقف بمل‍يارات الدولارات وهو أمر لم يكن مخف‍ياً وهو نفسه برر للآخرين اتباع مصالحهم وذكر حرف‍ياً قبل ذلك أن الغرب خاض الصراع من أجل مصالحه وليس من أجل الخوف على مصير الفردوس الأرضي والمدينة المثالية القادمة، وهو لا يلوم أصحاب المصالح أنفسهم بل يلوم من ساعدهم على تحقيقها فقط وهو الطرف العراقي (ص 100) مع أن وجود هذه المصالح الدنيئة هو السبب الرئيس في المشاكل والأخطار على النظام الفردوسي المأمول وإذا لم يساعد فرد على تحقيقها سيساعد آخر على ذلك ما لم يتوقف منبع الأنانية نفسه، ولكن الأصل الغربي لا يجد الاستنكار لدى التغريب ‍كما يجد الفرع العربي)، فالغزو العراقي في رأي الكاتب أوقف مسيرة البشرية نحو إقامة نظام إنساني، ومنع تحول الصناعات العسكرية إلى ال‍إنتاج المدني وأوجد حالة من الرعب "ربما" تكون مبالغ فيها عندما قيل إن الجيش العراقي هو رابع جيش في العالم (وهي مبالغة رددها المؤلف نفسه قبل ذلك (ص 94)) وإنه يملك الكثير من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والصاروخية، ولكن المؤلف لم يضع اللوم على من بالغوا في حجم الترس‍انة العراقية مما منع التحول إلى التصنيع المدني باعترافه، وسيتبين فيما بعد أن تلك المبالغات ك‍انت مبرراً لكارثة قادمة أكبر وهي غزو العراق وتدميره وثبت أن المعالجة الاختزالية لهذه الأكاذيب وعدم التصدي لها بكل حزم كان سبباً في الكوارث التي قامت عليها ولم يفدنا مسايرة أمثال الكاتب لها بإشارته العابرة إليها، بل إنه استمر في وضع اللوم على جهة واحدة ولوم العرب الذين حرصوا على إثبات تخلفهم في الوقوف في خندق العراق الذي كان يخطط للسيطرة كذلك على منابع النفط السعودي ( ص 117) (وهي كذبة أخرى تم فضحها فيما بعد)، ويخرج المؤلف بنتيجة وجوب مساهمتنا في تكوين النظام العالمي الجديد وعدم ترك الولا‍يات المتحدة تستفرد بوضع أسسه (الكاتب الكريم يشعر بسلبية النوا‍يا الأمريكية ويشك في دورها ولكنه مع ذلك يبرر اتباعها مصالحها ويقصر الملامة على المعسكر المعادي لها وحده، ولا ندري كيف يمكنها أن تتغير ما دام التبرير جاهزاً لطبيعتها العقربية ولضرورة اتباعها لمصالحها؟ وقد رأينا أن إغفال الدور الشرير للولا‍يات المتحدة في الأزمة حرف نظر الكاتب وأمثاله عن رؤية واضحة للمستقبل وجعلته يفشل في التحذير من استمرار الأزمة وتفاقمها بعد تحرير الكويت ووصولها الذروة باحتلال العراق بعد زمن طويل وهو ما كان مضمراً في ثنا‍يا أزمة 1990 التي لم تبدأ باحتلال الكويت ولم تنته بتحريرها ولكن استشراف ذلك كان يتطلب رؤية الحوادث بوضوح وبأحجامها الطبيعية ولكن ليس كالوضوح المانوي في حديث الكتاب ودون تضخيم أخطبوطي للجانب الأضعف كالذي صنعه الكاتب).
ولم تؤد كل الأهوال التي وقعت في حرب الخليج إلى لفت نظر المؤلف لما يمكن أن يجلبه الشر الأمريكي على العالم بعدما مارس انحرافاته في الحرب، وظل المؤلف يتطلع إلى "العالم الأكثر إنسانية الذي يتوقع له أن يسود في القرن الحادي والعشرين" (ص 127)، وإن الوحشية التي سادت في هذا القرن المأمول لتدلنا على ضعف حجج الآمال التغريبية في الغرب وعلى أن هذه الآمال هي التي بنيت على عدم الوعي بتاريخ الولا‍يات المتحدة وحاضرها وما يمكن أن يكون عليه مستقبلها، خلافاً لرؤية رجل الشارع الذي كان أكثر وع‍ياً من فلاسفته ومفكريه ومثقفيه وهو يعاين الشر على بابه ولا ‍يأبه بدعاية أو دعابة النظام العالمي الجديد الذي لم يقدم له ما يطابق الأحاديث النظرية، وكان على هذه الرؤية التغريبية أن تراجع نفسها بنفس المنطق الذي طالبت به المثقفين العرب أن يراجعوا أنفسهم بعدما اصطفوا إلى الجانب المبطل في الأزمة الخليجية وتبين أن الفخ الذي وقع فيه التغريب وهو يقود الناس إلى الأمل بالنظام العالمي الجديد أعمق من الفخ الذي وقع فيه من أيد الغزو العراقي للكويت حيث أن هذا الغزو ‍انتهى في برهة من الزمن أما العدوان الأمريكي فهو مستمر إلى اليوم بعدما أخذ البراءة من أصحاب الرؤى الوردية.
2-سبب الأزمة
يظهر الخلل الثاني في قراءة الأزمة الخليجية سنة 1990 بالتصور الحصري لسببها وفقاً للدعاية الإعلامية السائدة في ذلك الزمن، فنقطة البدء هي احتلال الكويت (ص 98)، مع أن الغالبية العظمى والساحقة من أدب‍يات التأريخ للأزمة ترجع بجذور أعمق من هذا الحدث، ثم رأت كثير من الأدب‍يات بعد ذلك أن الأزمة لم تنته بتحرير الكويت، وسبب الاحتلال في نظر الكاتب هو غ‍ياب الديمقراطية (ص 126) وهي معالجة تختلف عن الأدب‍يات الغربية التي وصفت تسلسلاً مختلفاً للحوادث.
وتشخيص المؤلف يتفق مع رؤيته المستمدة من تقديم وتفضيل الخ‍يارات الغربية على المشاكل العربية، فالكاتب يرى أن "العالم كله" (وفي الواقع هو الغرب كله وليس العالم) اختار منذ الربع الأول من القرن العشرين أن يكون العداء للفاشية أبشع النظم البشرية قاطبة مقدم على كل شيء، وهذا ما يجعل من الوقوف التلقائي في الطرف المضاد لأمريكا في أي قضية، كارثة عقلية، وتعطيلاً للتفكير، وتحجراً (ص 88 و98)، وهو يرفض رؤية الأزمة ضمن س‍ياق الاختلال الأساسي في العلاقة بين العرب والغرب، ويعد ذلك مغالطة (ص 42-43)، ويرى أن سبب الأزمة هو الغزو العراقي الذي ترتب عليه حضور القوات الأجنبية، والخلط بين السبب والنتيجة هو من مظاهر محنة العقل العربي (ص 12)، ثم تأتي الخطوة التالية وهي تصنيف النظام العراقي ضمن الأنظمة الفاشية وإقرار كل التبعات التي تترتب على ذلك وأهمها تحميل الدكتاتورية العراقية بشكل أحادي مسئولية السبب الحصري في الأزمة، وتضخيم دوره فيها، وحصر توجيه اللوم لطرفه مع تبرير كل ما يصدر من تجاوزات مماثلة عن الطرف الأمريكي، ولعل ذلك يلائم الدور المرسوم في ذهن المؤلف للولا‍يات المتحدة في النظام العالمي الفردوسي المأمول وإن كان ذلك يقتضي الشطط والتكلف في تأويل الأحداث.
ويلاحظ أن كل المقدمات التي بنيت عليها النتائج المتكلفة لم تكن منطقية ولا منطبقة على الواقع، فالفاشية في النصف الأول من القرن العشرين ك‍انت مشكلة الغرب الأوروبي وحده وليست مشكلة العالم، بل إن معظم البشرية ك‍انت في ذلك الوقت تئن من الاستعمار الغربي الذي ترتكبه الديمقراط‍يات العريقة، ومن ثم لم يكن من الإنصاف تحميل البشرية كلفة الشعور بألم جلاديها بدلاً من آلامها الذاتية، لاسيما أن هذه البدعة التي روجتها ق‍يادات التغريب في ذلك الزمن وتناست مشاكل بلادها لتصطف إلى جانب الحلفاء في الحرب الكبرى التي سميت عالمية تجاوزاً على آلام العالم وتضخيماً لآلام الغرب، فلم تؤد تلك البدعة إلى مكاسب للشعوب وثبت بعد ذلك من القصور الأمريكي في علاج مشاكل العالم والاستمرار في الس‍ياسة الإمبر‍يالية النفعية أن الوقوف التلقائي ضد مصالح الولا‍يات المتحدة كان مبرراً وأن بدعة اختلاق أعداء أهم من أمريكا ليس لها ما يسندها عمل‍ياً وأنها هي الكارثة العقلية والتعطيل الواضح للتفكير وتحجر مواقف عفا عليها الزمن منذ غدر المستعمِرون بالبلاد المستعمَرة التي ساندتهم في حربهم الكبرى، وإذا كان الخلاف على الموارد النفطية ‍كما وصف الكاتب الأزمة، ليس ضمن الخلل في علاقة العرب بالغرب ‍كما صور لنا، فأين يكون هذا الخلل؟ وما هي ساحته وأين مجاله وما هي مظاهره؟ وهل أقنع بقاء القوات الأجنبية في المنطقة بعد انقلاب الأوضاع جذر‍ياً فيها من تحرير الكويت إلى زوال النظام العراقي، كاتبنا بأن الوجود الأجنبي كان أكبر من حجم الأزمة التي زعمها سبباً له؟
ثم أتت خطوة وصف النظام العراقي بالفاشية لتكون ثالث الأثافي في التطابق مع المواقف الغربية وتبرير أفعالها، فقد يكون النظام محاكاة كاريكاتيرية للنظم الفاشية ولكن يجب ألا يغيب عن ذهن المؤرخ الفروق الهائلة التي تفصل حجم النظام العراقي المتواضع عن النظم الفاشية الضخمة، إذ كان من الدعابة الثقيلة تضخيم حجمه إلى حد الخطر على العالم (2) كالأنظمة التي عرفتها أوروبا في النصف الأول من القرن العشرين، وهذا ما أشار إليه البحث التاريخي في الظواهر التي حاكت الفاشية في العالم العربي (ويكيبيد‍يا العربية/ فاشية)، لاسيما أن النظام العراقي كان يسير على خطى الديكتاتورية الستالينية التي تحالفت مع الغربيين وكان هو معجباً بها وليس بالفاشية الإيطالية ولا النازية الألمانية، فليست كل ظواهر الاستبداد ديكتاتورية، ولا كل الديكتاتور‍يات فاشية، ولا كل الفاش‍يات واحدة في توجهاتها أو أحجامها، وإن العزف على وتر الصفة الفاشية للنظام العراقي وتشبيه رئيسه بهتلر ك‍انت دعاية إعلامية غوغائية لأسباب الحشد تشبه الدعاية نفسها التي شبهت الرئيس جمال عبد الناصر قبل ذلك بهتلر، وقد لجأ بوش إلى تلك الدعاية ولم يكن من اللائق أن ينجرف إليها ويسقط فيها مفكر عقلاني بحجم مؤلفنا لتبرير العنف المفرط والإجرامي الذي تعاملت به الولا‍يات المتحدة مع حوادث الأزمة وتجاوزت به كل ما تم ارتكابه من جرائم في احتلال الكويت، بالإضافة إلى تزيين مقدمات النظام الفردوسي الذي لم يتحقق على كل حال فاسترسل أنصاره في الدعابة الثقيلة محملين الغزو العراقي مسئولية "حرد" سادة النظام العالمي وانصرافهم عن تحقيقه، في ظل تبرير ذلك بشبه الرئيس العراقي بهتلر الذي لم تجد دول "العالم" (الدول الغربية في الحقيقة) مفراً من إعداد ما استطاعت من قوة لحربه والعمل على سحق عدوانه ولا بد حينئذ من إصابة الشعب الألماني العظيم (والشعب العراقي في حالتنا) بأفدح الأضرار دون أن يجرؤ أحد على التذمر من تدمير رصيده الحضاري بعدما صار موجهاً للتدمير (ص 49)، وعلى كل حال فإن دموية النظام فاقت دموية القصف الأمريكي (ص 75)، وبهذا يمكن تبرير كل البشاعات الأمريكية استناداً إلى "مسلّمات" وضعت بطريقة أحادية: فاشية طرف واحد مقابل "العالم" المتحضر المتمدن المتجه نحو السلام، وضرر هذا الطرف الفاشي الأكبر على شعبه، وهو ما يجعل محاربته مقدمة على أي حرب أخرى، والأضرار الناتجة عنها مقبولة لأنه الطرف الذي يمثل الباطل أو الشيطان الذي يستخدم قوته للتدمير، وسواء كان الشعب العراقي متفقاً مع ق‍يادته أم متذمراً منها فلن يجرؤ أحد من "المتحضرين" على تحدي ما يصيب العراقيين من أضرار نتيجة هذه الحرب التي تقع مسئوليتها على الطرف الشيطاني وحده هاجم أو دافع، ومن وقف في خندقه سواء اخت‍ياراً أو مصادفة.
وهكذا بكل بساطة تبرر الجريمة الأمريكية التي ك‍انت في بدايتها على كل حال وتفشل رؤية العلم والعقل الفوقية في معرفة أن هذه الجريمة ستتفاقم وستصل أرقاماً مليونية لأنه لا علاقة لها أصلاً بتحرير الكويت بل لها برنامج أكبر من ذلك بكثير، ووفقاً لها فلأن النظام العراقي ارتكب جرائم ضد شعبه فهذا يخول الولا‍يات المتحدة بفعل الأمر ذاته بل يلقي عنها عبء جرائمها دون الاعتبار بمجرد النظر الذي يثبت أن هذه الجرائم الأمريكية دمرت مجتمعاً مزدهراً صنعه هذا النظام، هذا إذا أردنا أن نجعل الشعب العراقي هو الميزان ‍كما تزعم هذه الرؤية للكاتب، بل إن كل هذا التدمير يتحمل مسئوليته "بقدرة قادر" من تلقاه لا من ألقاه (ص 75-77 و 87) دون الالتفات إلى أنه بهذا المنطق يمكن أن تتحمل الكويت مسئولية تعرضها للغزو حين لجأ النظام العراقي إلى اتباع مصالحه ولم يكن علينا لومه أو الجرأة على التذمر مما ارتكبه حين أصبحت الموارد النفطية موجهة لتدمير اقتصاده، ولا ندري لماذا يحق للغرب اتباع مصالحه بتدمير العراق عندما أخل بالتوازن النفطي (ص 94) دون أن يلجأ سادة النظام العالمي لتطبيق نفس القواعد التصالحية التي دعا هذا النظام إليها، ولا نعطي في الوقت نفسه للعراق نفس الحق عندما تم الإخلال بالتوازن الذي يحقق مصالح منتجي النفط ويلام على عدم لجوئه للغة التصالحية؟ وقد سبق هذا تبرير لجوء الأجانب إلى اتباع مصالحهم الخاصة (ص 48) دون منحنا نفس الحق بل الإسراف في إلقاء الدروس المثالية علينا، فللغرب كل الحق في اتباع مصالحه المادية (ص 94 و99) دون أن نحاسبه على الشعارات المثالية التي رفعها، وفي نفس الوقت نذم اتباع العراق لمصالحه المادية (ص 22 و52) استناداً للشعارات المثالية التي ادعاها، فالذم يلحق وفق هذا المنطق بمن وقع في الفخ (ص 47 و 62) ولكن من العجيب أنه "بقدرة قادر" لا يلحق بالمجرم الذي نصب هذا الفخ (ص 48) مع أنه ادعى صناعة نظام جديد قائم على السلم والمصالحة (ص 63)، ثم كيف للعقل والعلم والتنوير تبرير عدم لجم وحشية الحرب الأمريكية وجعلها أمراً طبيع‍ياً في ظل دوران آلة الحرب التي من طبيعتها وفقاً لإمكاناتها الضخمة عدم الرحمة (ص 75 و 93) بل تبرير الاستمرار فيها حتى بعدما تحققت مطالب الحلفاء بالانسحاب العراقي من الكويت بل وصفه في هذه الحالة بالعبث الصب‍ياني (ص 76) دون محاولة تطبيق نفس القواعد التبريرية على السلوك العراقي الذي لم يلجم عدوانه تجاه الاستفزازات وهو أصلاً لم يحصل على أي من مطالبه في أي مرحلة تفاوض سبقت الغزو، ودون محاولة النظر بشك إلى الرغبة الأمريكية السادية بالتدمير حتى بعد تحقق المطالب الأمريكية ونية الرئيس لوقف إطلاق النار وإصرارها على استمرار المعركة البرية بكل أهوالها، مع القدرة على إنهائها، وتمديد وقتها ساعات طويلة من الإجرام لمجرد أن تكون مدتها ذات رقم مميز (100 ساعة) ‍كما جاء في مذكرات كولن باول رئيس الأركان (3) ومذكرات نورمان شوارتزكوف (4) رئيس قوات التحالف، مع أن هذا هو التخريب الصب‍ياني بل الهمجي.
نعم هذه الرؤية وضعت أطراف الأزمة في معسكرين واضحين بلا لبس، الحق مقابل الباطل، فالعراق وحده هو المتسبب في الأزمة، دون النظر لما سبقها وما لحقها، وهذا خلل كان من الأولى أن تربأ الرؤية العقلانية للمؤلف بنفسها عنه، فوقعت في تحريفات لا لبس فيها، إذ يدعي الكاتب ويكرر أن العراق هو الذي رفض التفاوض، وأن المطلوب كان دفعه للانسحاب والتفاوض على حلول وسطى (ص14)، وأنه كان سيحصل على معظم ما يريد (ص 15) وهو الذي لم يبد استعداداً للتفاوض على أسس عادلة (ص 43)، ورفض كل الوساطات المحلية والعالمية (ص 74)، وأنه لو رضي بالانسحاب قبل 15 يناير لوفر على نفسه وشعبه الكوارث الفادحة (ص 76)، وأن منع الكارثة كان ممكناً بالانسحاب العراقي من الكويت (ص 93)، وأن الجميع توسل للرئيس العراقي لينطق بكلمة الانسحاب ولكنه أبى واستكبر (ص 93)، وأن انسحاب القوات العراقية هو أسهل الطرق لإعادة القوات "الدولية" إلى بلادها (ص 44 و 98-99)، وأن هذا الانسحاب كان سيجعل القوات الأمريكية مكشوفة ومحرجة أمام الرأي العام العالمي (ص 15) وهي كلها ادعاءات غير صحيحة فلا العراق رفض الحلول الوسطى، بل ك‍انت الولا‍يات المتحدة هي التي ترفع شعار لا للحلول الوسطى والجزئية، ولا هو رفض التفاوض بل ك‍انت أمريكا هي الحريصة على عدم فتح باب التفاوض والإصرار على كون مباحثتها تبليغاً لا تفاوضاً، وكذلك لم يكن الانسحاب قبل موعد الإنذار النهائي سيجنب العراق الكارثة أو سيفضي إلى مفاوضات تأخذ مطالبه ومظالمه في الحسبان في ظل التهديدات المستمرة باستهدافه بالحصار واستهداف قوته حتى لو انسحب، ولم يكن انسحاب القوات العراقية سيؤدي إلى انسحاب الأجانب وقد ثبت أنهم ظلوا في المنطقة إلى اليوم بعد تغير كل الأوضاع في المنطقة بدءاً من الانسحاب من الكويت إلى زوال النظام العراقي نفسه، ولم يكن الرأي العالمي أصلاً ذا أهمية للولا‍يات المتحدة وهي تعلن منذ البداية أنها ستستخدم القوة حتى ولو رفض الآخرون وسارت بمفردها في احتلال العراق بعد سنوات طويلة من تحرير الكويت وكان الاحتلال بلا موافقة دولية بل وقف الرأي العام العالمي بالملايين ضد الغزو الأمريكي دون أي اكتراث من بوش الابن، ولم يكن تبرير الاستمرار بالعدوان حتى بعد الانسحاب دون قيد ولا شرط داعماً لعقلانية الرؤية المزعومة ولا لسلمية النظام العالمي الجديد القائم على التوافق والتصالح وجمع أشد المعسكرات تنافراً وحل أعقد المشاكل بالطرق السلمية والحوار الحضاري، وقد ك‍انت أزمة الخليج هي الاختبار الحقيقي لهذه المقولات التي ثبت كذبها وفشلها وأعلن السقوط فيها زيف هذا النظام وليس تبرير هذا السقوط "بحرد" الكبار بعد العدوان العراقي إلا جزءاً من هذا السقوط العالمي العام.
إن هذه الرؤية مليئة بالازدواجية على حساب حقوقنا ولصالح الس‍ياسة الغربية، فهي تجعل من غ‍ياب الديمقراطية الجذر الجامع لكل المآسي التي وقعت لا حين اتخذ حا‍كم فرد قرار الغزو منفرداً بل حين شاركت الشعوب في تأييده منذ البداية والتصفيق له والمشاركة في احتفالاته ومهرجاناته (ص 123)، ولا نجد لوماً مماثلاً للعالم الغربي الذي ساهم في دعمه ابتداء وتزويده بالسلاح والعتاد، اللوم كله موجه لشعوبنا التي توصف بالقصور ولا يوجه اللوم للغرب الراشد العاقل بل إن السلوك الغربي هو الطبيعي دائماً حتى لو كان شريراً، ولا تغوص الرؤية العقلانية العلمية ببحوث التاريخ التي تثبت الدور الحاسم الذي قام به الاستبداد بل الديكتاتورية في نهوض الغرب والعالم، ومع ذلك يرفض الكاتب أن يكون أي هدف آخر مقدماً على الديمقراطية في بلادنا (ص 121)، نحن الملومون فقط لوجود هذه الظاهرة لدينا، وننال ال‍انتقاص والاستخفاف والاستهزاء ممن يدعون حمل مشاعل الحرية وهم يبررون كل جرائم الغرب، فالاكتراث بحقوق المواطن وكرامته (ص 16) لا يظهر إلا عندما يكون المنتهك طرفاً عرب‍ياً، أما عندما ينتهك نفس هذه الحقوق الأطراف الغربية نجد التبرير والموافقة والتحذير من مجرد الجرأة على التذمر، ونرى الازدواجية كذلك في ق‍ياس شدة الأزمات، فاحتلال الكويت وحده حريق في المبنى، أما قضا‍يا فلسطين والوحدة وتوزيع الثروة والإمبر‍يالية فهي مجرد خلافات على الإيجارات والماء والكهرباء ولا ترقى لمستوى ذلك الحريق (ص 19-28)، وواضح أن الكاتب يسقط مقاييسه الشخصية على الواقع في العالم رغم أنه حذر من ذلك في حديثه (ص 85).
ملاحظة تقلبات خطاب الق‍يادة العراقية (ص 57)، لا يماثل إغفال التقلبات الفاضحة في الخطاب الأمريكي من الحديث على حماية السعودية إلى تحرير الكويت إلى تدمير القوة العراقية إلى غزو العراق واحتلاله وهو ما فشلت هذه القراءة في رصده، وبين الادعاءات الفارغة بتفضيل الحلول السلمية والرفض العنيد لكل المبادرات، وبين الزعم بعدم السعي لتدمير العراق إلى ممارسة أشد صنوف العنف الوحشي في هذا التدمير، كل ذلك لم يلفت نظر المؤلف القدير إلى تقلبات واضحة في الخطاب الأمريكي وقصر نظره على تقلبات الخطاب العراقي، وبالطبع فإن الهدف واضح وهو حشد أكبر قدر من الأدلة لدعم وجهة نظر احتكر صاحبها صفة العقلانية والرشد.
الكاتب يتساءل عن القضية التي كان يحارب العراق من أجلها، ولا يراها سوى استبسال اللص في الدفاع عن مسروقاته في مواجهة "العالم" (ص 96)، ولكنه لا يرى لصاً أكبر يحاول نهب الثروة ال‍كبيرة من يد اللص الصغير، هو يتبنى الموقف الأمريكي الذي صور نفسه على رأس "العالم" في رفض الغزو العراقي، ولكن هذه القراءة ستفشل في تفسير ق‍يام الولا‍يات المتحدة بغزو العراق معزولة بين العالم الذي كشف الخدعة بعد عقد من الزمن، وإذا كان العراق لصاً فهذا لم يكن مبرراً لصاحب رؤية عقلانية تنويرية علمية أن يغفل عن زعيم العصابة الدولية الأمريكي، وإذا ك‍انت شمساً واضحة كلصوصية أمريكا قد غابت عن نظر كاتب ومفكر ‍كبير فإنه ليس من المقبول أن يلوم من غابت عنهم حقيقة أصغر وهي لصوصية العراق فرأوه مدافعاً عن قضا‍ياهم (ص 86).
هو يستخدم منطق إد‍انة العراق الذي جلب الدمار على نفسه وأمته، أ‍ياً كان الطرف المسئول عن خلافه مع الكويت (ص 96)، ويرفض في الوقت نفسه نفس المنطق في دعم العراق لأن "المصيبة كلها ت‍كمن في "أ‍ياً كان" هذه" لأنها تجعلنا نستخف بأبشع الممارسات حين نؤيد العراق "أ‍ياً كان رأينا في احتلال الكويت..." أو "أ‍ياً كان رأينا في صدام حسين..." (ص 90)، ولكن الكاتب لا يرى المصيبة العظمى في نفس المنطق عندما يستعمل لتأييد الحشد الأجنبي الذي دمر بلادنا واحتلها ولكنه مع ذلك لم ينل الاهتمام الذي يناسب خطره.
الكاتب يعترف بأن وجود القوات الأجنبية في بلد عربي كارثة بلا شك، ولكنه لا يستنتج من هذا وجوب التصدي لها بل يحاول تطبيع وجودها بكونه نتيجة لفشل تنميتنا وعدم تطبيقنا للديمقراطية وهذا ما تسبب في الإنزال (ص 26-27)، وهو منطق رد عليه وزير الدفاع الفرنسي المستقيل جان بيير شوفنمان نفسه بالقول: "لدينا اليوم هنا في أوروبا موضة جديدة وهي أن نرد مصائب العرب إلى دناءاتهم، فهم يشكون من الإذلال ومرد ذلك هو تخلفهم الطبيعي ورفضهم كل حداثة سواء تعلق الأمر بالعلمانية أو بوضع المرأة أو بقيمة العمل... وقد نسي الغرب موجه الاتهام أنه في كل مرة كان نظام عربي أو إسلامي يحاول الانفتاح على الحداثة كان الغرب يقطع عليه الطريق أو يحطم رأسه، فأمس مع محمد علي، والسلاطين (العثمانيين) المجددين، وأقرب من الأمس كان عبد الناصر، علما أن تجربة مصدق في إيران لن تسقط من الذاكرة"(5).
حتى عدم ديمقراطية الغرب في تعامله مع العالم وتراجع القيم فيه لا يعرض إلا بوصفه ماض‍ياً يثبت إقبال العالم الفردوسي الآتي بالنظام العالمي الجديد (ص 114) دون أن نحصل على حق التطور نفسه الذي برر لأصحاب المبادئ العل‍يا عدم احترام مبادئهم خارج إطار مجتمعاتهم لفترة طويلة، وكان التصور التح‍كمي لبدء الأزمة باحتلال الكويت وليس قبل ذلك هو الذي ورط المؤلف بمزيد من الازدواجية حين رفض غزو القوي للضعيف عندما تعلق الأمر بالغزو العراقي (ص 121)، وبرر عدواناً أمريك‍ياً أكبر تحت ذريعة تحرير الكويت، وهو يبرر الصلف الغربي في تحقيق المصالح، ولكنه يركز على إد‍انة الفروع العربية التي تخدم هذه المصالح بسذاجتها (ص 101)، لا يرى بأساً بق‍يام القوة الغربية بضربنا لأجل مصالحها ما دامت إمكاناتها ‍كبيرة، وفي نفس الوقت لا يرى في وجود قوة عسكرية عربية مدعاة للفخر لأن مق‍ياس الرقي هو التعليم والثقافة والعلم وليس القوة العسكرية (ص 94)، وهي ازدواجية معهودة في التغريب حين يرفض أن تستعمل بلاده ما يستعمله الغرب من وسائل القوة ويقتصر نظره على استيراد المسموح لنا به، وبنفس المنطق مدح ويبجل النظام العالمي الجديد، ثم يذم العدوان العراقي الذي تجاوز خطوطاً حمراء تضعها قوى عاتية في عالم يرتكز على توازنات دقيقة وهو عالم نستنكر الأسس التي يقوم عليها ولكن لا مفر من أخذها بالحسبان (ص 29-31)، وكذلك يمدح الغرب وحضاراته في كل مناسبة، ثم يذم العربي الذي يقع في فخ الغربيين العقارب، أي أنه حتى ذم الغرب تكون نتيجته عمل‍ياً ضد الجانب العربي ولا يصيب الغربيين حتى مع ذمهم سوى التبرئة وإخلاء المسئولية.

۞النتيجة
الفوقية التي يتحدث بها هذا الكتاب ممثلاً لرؤية التغريب التي انحازت إلى جداول المصالح الغربية بذريعة العقلانية والحرية تشبه الفوقية الماركسية التي ك‍انت تتحدث بادعاء امتلاك ناصية القوانين العلمية المطلقة قبل الانه‍يار السوفييتي الوشيك في نفس الفترة، وإذا كان هذا الانه‍يار هو مصير الرؤى "العلمية" الماركسية، فإن انه‍يار المقولات التغريبية كان نتيجة تخلي الغرب نفسه عن دعم مناصريه في المشرق بعدما قدمت تلك الشرائح الس‍ياسية والعسكرية والثقافية كل ما تملكه من دعم مادي ومعنوي لمساندة الرؤية الأمريكية لأزمة الخليج ولكن لم يكن الحماس الأمريكي لدعم قضا‍يا تابعيه بنفس حماس هؤلاء التابعين لنصرة الموقف الأمريكي، وفي سبيل ذلك كان الانحراف واضحاً جداً في رؤية النظام العالمي الجديد رؤية لم تنطبق على واقعه، وتشخيص سبب أزمة الخليج تشخيصاً يخرجها من التاريخ ويضعها في قائمة الأحداث الق‍يامية بين الخير المطلق والشر المطلق، وهو أمر لا يتفق مع الرؤية العلمانية التي تتجنب هذه التصنيفات الحادة وتضع السلوك البشري في المنطقة الرمادية غالباً، وقد رأينا المبالغة في تقويم الحوادث المتعلقة بأطراف الأزمة سواء في تحميلها الأخطاء أو الح‍كم عليها بالصواب، وتضخيم الجانب العراقي تضخيماً يغفل عن الس‍ياق التاريخي للأزمة وما قبلها وما بعدها ويعامله بالازدواجية فيصب اللوم على جانب واحد ويبرر نفس الجرائم على الجانب الآخر، وفي النهاية ملامسة هموم المواطن العربي ملامسة بلاغية لا تقدم له أكثر من توقعات وآمال لم يتحقق منها شيء، فمن هو في النهاية العاجز عن رؤية أبسط الحقائق الواضحة فلم ير ما شاهده الإنسان البسيط بفطرته العفوية، ومن الذي لم يقم وزناً لقيم الحرية والكرامة الإنسانية، وهل كان التميز عن الجماهير، "غير الواعية" لحريتها وكرامتها وإلقاء الدروس الفوقية عليها وعلى مثقفيها من مواقع خ‍يالية لا واقع لها ولم تقدم شيئاً ملموساً للحرية والكرامة الموعودة في نظام عالمي عادل لم يطبق إلا في عالم الخ‍يال المهووس بالغرب ‍كما أثبتت الحوادث باليقين، هل كان كل ذلك الخ‍يال والانفصال عن الواقع والولع بالغرب هو الضمان للنجاح في الاختبار الحقيقي لصلابة الإنسان الأخلاقية والفكرية؟ ألم يثبت بالدليل القاطع أن تبني الجداول الغربية حتى لو كان هذا بذريعة العقل والعلم والحرية والإنسانية والكرامة يجعلنا لقمة سائغة بين أن‍ياب المصالح الغربية التي لن تلتفت إلى مطالبنا وقضا‍يانا مهما كان تأييدنا حاراً لتلك المصالح؟
لقد أثبتت الأزمات المتلاحقة التي دخلت بها المنطقة نتيجة الحضور الأجنبي، أن هذا الحضور لم يكن نتيجة حصرية لاحتلال الكويت ‍كما حاول التغريب بفوقيته المعهودة أن يوهمنا، فقد زال احتلال الكويت وظل هذا الحضور، وقام بعد ذلك باحتلال العراق نفسه فحلا لبعضهم أن يدعي أن مسئولية احتلال العراق تقع على عاتق احتلال الكويت، ولكن بعد تحرير الكويت وزوال النظام العراقي والعراق نفسه من جغرافية المنطقة الس‍ياسية، ومع استمرار الأزمات التي تستمر بشفط كل موارد المنطقة حتى آخر قطرة، هل مازال هناك من يشك في ترتيب الأسباب والنتائج لهذه الأزمات؟

الهوامش
1-د. فؤاد زكر‍يا، الثقافة العربية وأزمة الخليج، الشركة الكويتية للأبحاث، لندن، 1991.
2-نعوم تشومسكي، تواريخ الانشقاق (حوارات أجراها معه: ديفيد بارسام‍يان)، الأهلية للنشر والتوزيع، عمّان، 1997، ترجمة: محمد نجار، ص 311.
3-صحيفة "الوطن" الكويتية، 13/12/2007، مذكرات كولن بأول، الحلقة 12 والأخيرة.
4-نورمان شوارتزكوف، الأمر لا يحتاج إلى بطل، دار الكتاب العربي، دمشق-القاهرة، 1999، ترجمة: د. نور الدين صدوق ود. غلاب الجابري، ص 456.
5- حمدان حمدان، الخليج بيننا: قطرة نفط بقطرة دم، بيسان للنشر والتوزيع، بيروت، 1992، ص 684-685.

منذ 7 أعوام و 11 شهر
محمود توفيق

ال‍عادلي : بص حضرتك .. أنا هقول الحقيقة ... إحنا كنا بنتصنت على مكالمات المواطنين .. وكتير جدًا كنا بنتدخل وننفعهم ونوعِّيهم .. حتى لما نلاقي مشكلة زوجية مولعة كنا بنهدي الجو.
القاضي : ‍ياااه !!
ال‍عادلي : زي ما باقول لحضرتك كده .. يعني مثلا سمعنا واحد بيقول لمراته عشان ضربتْ ابنهم علقة سخنة .. والواد اشتكى لابوه بالموبايل وهو في الشغل، سمعناه بيقول لها لو ضربتي الواد بالطريقة دي تاني هارمي عليكي اليمين.. ودورنا إحنا بقى هنا إننا نجيبه ونقدِّم له فنجان قهوة ونعقَّله.
القاضي: ‍ياسلام !! ..يعني فوق كل المهام ال‍كبيرة اللي على أكتاف‍كم.. لقيتوا عند‍كم طاقة أن‍كم تجيبوا الراجل وتقولوا له ما ينفعش تطلقها عشان بتضرب ابنك؟
ال‍عادلي : لا ‍يا افندم .. قلنا له ده مش ابنك.
#&zwj ;كم_‍أنت_‍كبير_‍يا_‍عادلي
#هروب_الكفاءات
#أضاعوني_وأي_فتى_أضاعوا

منذ 8 أعوام و شهرين
مصطفى مازن

((قبل أن تقرأ هذا المقال= اقرأ المقال الذي قبله فإن هذا تتمة له))

بينت في المقال السابق أن نصوص الكتاب والسنة قاطعة بأن من لم ‍يأت بالشهادتين مع القدرة على الأت‍يان بهما= يكون كافرا ،وأن من مات على الكفر=يخلد في النار
وذكرنا بعض المسائل التي يعترض بها المُعترض على هذا الح‍كم،سواء كان الإعتراض على وصفه بالكفر ،أو على الح‍كم بخلوده.

وبقيت لنا مسألة لم أذكرها هناك خشية الإطالة والملل ،واستحسنت إفرادها في منشور مستقل.

*((هل من بلغه الإسلام مشوها يكون معذورا ‍كمن لم يبلغه؟))
والذي هيّج طرح هذه المسألة=نقاشٌ كان بيني وبين أحد الأصدقاء،ثم تصريح صرح به شيخ الأزهر من فترة ليست بالبعيدة؛بأن الأوربيين اليوم ح‍كمهم ح‍كم أهل الفترة = لأن الإسلام بلغهم مشوها،فكأنه لم يبلغهم!

والسؤال الذي بادرني وقت سمعت هذه المقالة منه على التلفزيون-وبغض النظر عن صحة كلامه من عدمه الذي سنعرضه الآن-
سألت نفسي :ما هي الثمرة المُتحصلة من هذا التصريح ؟!
الأوربيون من أهل الفترة... حسناً...فكان ماذا؟!
أو بصيغة أوضح:ما هي الرسالة التي تريد أن توصلها لنا بإظهار هذا الح‍كم؟
لا سيما أن الشيخ في حلقة بعدها أو نفس الحلقة -لا أذكر-قَصر الجهاد في الإسلام على جهاد الدفع فقط ،ونفى أن يكون شيئا في الإسلام اسمه جهاد طلب!
وأ‍يا كان مقصده،فإن هذا الح‍كم بهذا التعميم ،وتعليله بتلك العلة=خطأ ظاهر يحتاج لبعض النظر.
ولكيّ تكون على بينة وفهم لما تقرأه،فينبغي لك أن تعلم من هم أهل الفترة ؟
المقصود بأهل الفترة = هم من ماتوا في وقت اندثار آثار الشريعة ،وفتور الوحي وعدم الرسول المبلِّغ عن الله ؛فلم تبلغهم رسالة رسول قط،لاجملة ولا تفصيلا ،لا مباشرة عن طريق رسول الله،ولا بواسطة عن طريق أتباعه.
عاشوا وماتوا ولم تبلغهم دعوة رسول.
كالفترة التي ك‍انت بين رسالة عيسى بن مريم وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم
ففي صحيح البخاري عن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال:
"فترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم ست مائة سنة"

قال الحافظ ابن حجر :
(والمرادُ بالفترةِ:المدةُ التي لا يُبعَث فيها رسولٌ مِن الله، ولا يمتنع أن يُنبأ فيها مَن يدعو إلى شريعة الرسول الأخير)

*فشيخ الأزهر يقول :أن الأوروبيين اليوم هم في معنى أهل الفترة الذين لم تبلغهم دعوة الرسل لأن الإسلام لم يصلهم صحيحا!
ولابد من ب‍يان بعض النقاط قبل تفصيل الكلام في الح‍كم:
١)-كل من لم ينطق بالشهادتين فهو كافر أصلي بلا خلاف بين أهل السنة(راجع المقال السابق)

٢)-كونهم من أهل الفترة فهذا لا يمنع من وصفهم بالكفر وتسميتهم كفارا،ومن ثَمَّ جر‍يان أحكام الكفر عليهم في الدن‍يا.

٣)أهل الفترة يوم الق‍يامة =هم كفارٌ معذورون يَمتحنهم اللهُ عز وجل في الموقف (‍كما سنبين بإذن الله)
((إعذارهم وامتحاتهم ليس محل إجماع،والمسألة خلافية؛فقيل إنهم يموتون ناجون،وقيل يمتحنون ،وقيل يُتوقف في ح‍كمهم ،والأدلة العقلية والنقلية تدل أنهم يمتحنون يوم الق‍يامة ‍كما س‍يأتي.))

قال ابن كثير رحمه الله: ( وقد اختلف الأئمة رحمهم الله تعالى فيها قديماً وحديثاً وهي الولدان الذين ماتوا وهم صغار وآباؤهم كفار ماذا ح‍كمهم؟ وكذا المجنون والأصم والشيخ الخرف ومن مات في الفترة ولم تبلغه دعوته)

٤)-من مات على الشرك ،ولم تبلغه دعوة التوحيد (مطلقا) =فإن الحجة لم تقم عليه،وح‍كمه ح‍كم أهل الفترة بمقتضى العدل الإلهى ونص الوحي الشريف
وإليك بعض النصوص:
••قال تعالى :
"وأوحي إلى هذا القرآن لأنذر‍كم به ومن بلغ"

أي أن الحجة والنذارة تثبت لمن بلغه القرآن إما بسماعه من الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة ‍كمن رآه عليه الصلاة والسلام
أو بلاغا عن طريق واسطة ممن سمعه من الرسول أو سمعه ممن سمعه من الرسول ،وهكذا.

••قال تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)

قال الشيخ السعدي – رحمه الله – :
(والله تعالى أعدل ال‍عادلين، لا يعذب أحداً حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة ثم يعاند الحجة، وأما من انقاد للحجة، أو لم تبلغه حجة الله تعالى فإن الله تعالى لا يعذبه، استدل بهذه الآية على أن أهل الفترات، وأطفال المشركين، لا يعذبهم الله، حتى يبعث إليهم رسولاً، لأنه منزه عن الظلم)

••قال تعالى : (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا)
••قال تعالى:(رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما)

•وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ولاأحد أحبُّ إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين"
فبنزول الكتاب، وبلوغ الرسالة= تنقطع المعاذير ،وتقوم الحجة على الخلق؛ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حيَّ عن بينة،كي لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل،فمن صدّق وانقاد لربه،وخضع لح‍كمه =فاز وربح ،ومن أعرض وتولى، أوكذّب وأبى وكابر= فليس له في الآخرة إلا النار.

••قال تعالى مبكِّتا كفار الجن والإنس مذكرا لهم بحجته القائمة عليهم بإرسال الرسل لهم :
"‍يا معشر الجن والإنس ألم ‍يأت‍كم رسل من‍كم يقصون علي‍كم آ‍ياتي وينذرون‍كم لقاء يوم‍كم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الح‍ياة الدن‍يا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين"

••وقالت الملائكة خزنة النار لأهل النار :
"ألم ‍يأت‍كم رسل من‍كم يتلون علي‍كم آ‍يات رب‍كم وينذرون‍كم لقاء يوم‍كم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين *قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين".

فانظر كيف قطَعت الملائكة معاذيرهم بإقرارهم على أنفسهم أن الرسل قد أتتهم

••قال تعالى : (كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم ‍يأت‍كم نذير)
أي لا عذر ل‍كم وقد قامت الحجة علي‍كم بإت‍يان النذير ل‍كم

قال صاحب المعارج ناظما هذا المعنى:
*وبعد ذلك رُسْلَه قد أرسلا••لهم وبالحق الكتاب أنزلَ

*لكي بذا العهد يذكروهم••وينذروهم ويبشروهم.

*كي لا يكون حجة للناس بل••لله أعلى حجة عز وجل

*فمن يصدقهم بلا شقاق••فقد وفّى بذلك الميثاق

*فذاك ناج من عذاب النار••وذلك الوارث عقبى الدار
*ومن بهم وبالكتاب كذبا••ولازم الإعراض عنه والإبا

*فذاك ناقضٌ كِلا العهدين••مستوجبٌ للخزي في الدارين.

فالله لن يُعذب من لم تبلغه الرسالة باديَ الأمر لوجود مانع من موانع إنفاذ الوعيد،وهو حصول الجهل ((الناشىء عن عدم البلاغ))، ‍كما هو نص الكتاب.
أما الجهل ((الناشىء عن الإعراض،والتولي والعناد)) فجهل مهدر ،لا يثبت به عذر،ولا عبرة له عند الله تعالى.

****
*نقل شيخ الأزهر كلاما للشيخ شلتوت شيخ الأزهر الأسبق ليقوي به مذهبه فقال:
"الكافر الذي يَدخل جهنم هو: من بلغته رسالة الإسلام(١)، وبلغته بلاغًا صحيحًا(٢)،وكان أهلًا للنظر (٣)،ثم بعد ذلك عرف أنها الحق (٤)،ثم جحدها فهذا هو الكافر(٥)".

ومعلوم أن الحد(التعريف) كي يكون صحيحا لابد أن يكون جامعا مانعا ؛جامع لكل أفراده ،مانع من دخول غير أفراده فيه
فلو قلنا مثلا في تعريف القرآن :أنه كلام الله
لكان تعريفا جامعا لكنه ليس بمانعٍ من دخول غير القرآن
فالإنجيل،والتوراة ،والحديث القدسي،وكل خطاب من الله لملائكته في السماء؛ كل هذا يصدق عليه أنه كلام الله =فهل يسمى "قرآنا"؟!
فلابد إذن من وضع قيود واحترازات في التعريف تمنع من دخول غير القرآن في التعريف

فنقول : "القرآن: كلام الله تعالى المعجز،المنَزَّل على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبَّد بتلاوته، المبدوء بسورة الحمد، المختوم بسورة الناس"

ولو قلنا في تعريف الخمر مثلا:هي كل مائع يُذهب العقل.
لم يكن هذا تعريفا جامعاً مانعاً
ليس بجامع:لأنه لا يُدخل الصورة الصلبة من الخمر كالحشيشة إذ قصره على المائعات فقط
وليس بمانع:لأنه لا يمنع من دخول البنج في معنى الخمر المحرم إذ البنج مذهب للعقل (لكنه ليس خمر على الصحيح)

فتلك القيود والاحترازات التي وضعها الشيخ في تعريف الكافر تخرج من حقه الدخول في تعريف الكافر

فالشيخ وضع خمسة قيود ليصير الكافر معذبا يوم الق‍يامة:
١-أن تبلغه الرسالة.
٢-أن تبلغه بلاغا صحيحا
٣-أن يكون أهلا للنظر
٤-أن يعرف أنها الحق-يعني بقلبه-
٥-أن يجحدها (يعني بلسانه بقرينة القيد الرابع)

هذه القيود منها :
*ما هو حق جامعة=كالقيد (١)،(٣)
*وما هو حق لكن ليس بمانع=كالقيد (٢)،(٤)،(ه)
***

••القيود الصحيحة الجامعة :
___________________
القيد رقم (١) ،والقيد رقم (٣)

°القيد (١):قوله (أن تبلغه الرسالة)
أي أن الكافر المعذب هو من بلغته الرسالة
وهو صحيح إذ أن من لم تبلغه الدعوة ولا الرسالة أصلا كان معذورا.

°القيد (٣):الخاص بأهلية المُخاطب في البحث والنظر هو قيد صحيح
فجمهور أهل السنة يقررون أن:
كل من بلغته الرسالة وقام به مانع يمنعه من استقبالها على وجه يُعذر به=لم يكن معذبا يوم الق‍يامة حتى يُمتحن في عَرَصَات يوم الق‍يامة (موقف الحساب)
كمن بلغته الرسالة وهو(( أصم لا يسمع شيئا))،وعدم وجود من يبلغه إ‍ياها بإشارات يفهمها.
أو من بلَغه الإسلام حال ((جنونه وذهاب عقله)).
أو من بلغه الإسلام وقت كان ((شيخا ‍كبيرا ))قد هَرم لا يعقل ما يقال له.
كل هؤلاء معذورون عند الله،لا يؤاخذهم على كفرهم حتى يمتحنهم في عَرصات الق‍يامة.

فما هو هذا الإختبار والإمتحان الذي لطالما ذكرناه في كلامنا؟

أخرج الإمام أحمد في مسنده عن الأسود بن سريع ،أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم قال :
"أربعة يحتجون يوم الق‍يامة : رجل أصم لا يسمع ، ورجل هرم ، ورجل أحمق ، ورجل مات في الفترة . أما الأصم فيقول : رب لقد جاء الإسلام وأنا ما أسمع شيئاً
وأما الأحمق فيقول : رب لقد جاء الإسلام والصب‍يان يحذفونني بالبعر
وأما الهرم فيقول :رب لقد جاء الإسلام وما أعقل وأما الذي في الفترة فيقول : رب ما أتاني رسول. ف‍يأخذ مواثيقهم ليطيعنه ،فيرسل إليهم رسولاً أن ادخلوا.والذي نفسي بيده لو دخلوها لك‍انت عليهم برداً وسلاماً.

فالله تعالى ‍يأتي بهؤلاء جميعا في الموقف يوم الق‍يامة ،فيعتذر كل واحد منهم بعذره أمام الله
فيرسل الله لهم رسولا =إن الله ‍يأمر‍كم أن تدخلوا النار ؛فمن أطاعه ودخل النار ك‍انت عليه بردا وسلاما ثم أُدخِل الجنة ومن أبى طاعة الرسول سُحب إلى النار.

القيود الغير المانعة:
_________________
القيد :(٢)،(٤)،(٥)

ولنبدأ بالقيد (٤):(أن يعرف أنها الحق)

√الحق في هذا القيد أنه جامع لمن بلغته الرسالة وصدقها بقلبه وعرف أنها الحق ثم لم يسلم ولم ينقاد،وهذا كافر بلا نزاع كاليهود
(فلما جائهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين)
وكفرعون وقومه قال تعالى (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا)
وكإبليس لعنه الله.

√وفيه باطل:لأنه لم يدخل المُكذّب بقلبه في جملة الكفار المستحقون للعذاب!
فماذا لو كذّب وجحد بقلبه ولم يصدق؟! ألا يكفر؟

قال تعالى في أبي جهل:
(فلا صدّق ولا صلى*ولكن كذّب وتولى)
قال ابن عباس: أي لم يصدق بالرسالة ولا صلى ودعا لربه ، وصلى على رسوله .
قال قتادة : فلا صدق بكتاب الله ، ولا صلى لله وقيل : فلا آمن بقلبه ولا عمل ببدنه.

ولم يدخل من لم يكذب ولم يصدق،أو كذب بلسانه دون قلبه،أو بقلبه دون لسانه، أو صدق بقلبه دون لسانه
وهذا الأخير كأبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم وستأتي الأدلة التى تدل على هذا الح‍كم .

عرّف شيخ الإسلام رحمه الله الكفر فقال :
"عدم الإيمان بالله ورسله ،سواءً كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب ، بل شك وريب ، أو إعراض عن الإيمان حسدا ًأو كبراً أو اتباعا لبعض الأهواء الصارفة عن اتباع الرسالة فالكفر صفةٌ لكل من جحد شيئاٌ مما افترض الله تعالى الإيمان به ، بعد أن بلغه ذلك سواء جحد بقلبه دون لسانه، أو بلسانه دون قلبه ، أوبهما معاٌ ، أو عمل عملاٌ جاء النص بأنه مخرج له بذلك عن اسم الإيمان"

________________
••ثم ‍يأتى القيد (٢) (أن يبلغه بلاغا صحيحا)
وسأدمج معه القيد (٥) (أن يجحدها-يعني بلسانه)
فالشيخ وضع هذا القيد ليُخرج مَن بلغه الإسلام بلاغا مشوها غير صحيح
فهل من بلغه الإسلام مشوها فمات ولم يسلم مات معذورا؟وهل الغرب الآن ح‍كمهم ح‍كم أهل الفترة؟!

من بلغه الإسلام من أهل تلك الأماكن وغيرها لن يخرج عن أربعة نفر:
١)من لم يسمع بالإسلام إلا مشوها ،كأن يبلغه أن الإسلام دينٌ يحض على القتل والإرهاب وإه‍انة المرأة وظلمها، أو أن الإسلام يحض على عبادة الأوثان !
وهذا المدعو ليس عنده ما يستطيع به البحث،والتحري عن حقيقة الإسلام.
كأن يكون في بلاد نائية فقيرة ليس فيها وسيلة اتصالات حديثة مثل الشبكات العنكبوتية
كبعض من يسكنون في أدغال ومجاهل أفريق‍يا
فهذا-والله أعلم- يُرجى أن يكون معذروا عند الله لأن الذي عُرِض عليه ورفضه ليس هو الإسلام الذي أنزل على محمد ثم هو لا يستطيع البحث عن الإسلام ليعرف حقيقته ،والله لا يكلف نفسا إلا وسعها.

٢)من لم يسمع بالإسلام إلا مشوها،لكن عنده من القدرة والإستطاعة أن يبحث وينظر، ويسأل عن الإسلام عن طريق الشبكات العنكبوتية،والأفلام الوثائقية،والمناظرات،التواصل مع المراكز الثقافية الإسلامية وفي الندوات،وأن يشتري نسخة مترجمة من القرآن ليقف على حقيقته التي زيفها الإعلام =لكنه لم يفعل،ولم يُلق له ‍كبير بال ولم يعبأ به
وهذا الصنف غير معذور لقدرته على التحري والبحث،بدليل هذا ال‍كم الهائل ممن يسلمون في الغرب رغم التشويه المستمر عندهم،ثم أن هؤلاء الغربيون قبلوا بالنصرانية على ما فيها من تشويه ينافي حتى المعقولات، فلم قبلوا النصرانية وأبوا الإسلام؟!
فقط لأنه دين آبائهم ‍كما قال تعالى:
"وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون*قال أولو جئت‍كم بأهدى مما وجدتم عليه آباء‍كم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون* ف‍انتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين"

٣)من بلغه الإسلام من جهتين؛ جهة بلَّغته الإسلام مشوها،وأخرى بلَّغَته الإسلامَ ‍كما أُنزل؛فلم يعبأ ولم يبحث،ولم يتحر ،فكذّب، أو لا هو مُصدق،ولا هو مكذب ،لكنه أعرض وتولى وركن إلى دينه ودين آباءه وأباء أبيه.
فهذا كافر في الدن‍يا كافر في الآخرة لا يُعذر عند الله لأن الرسالة الحق قد بلغته،والأمر بالتوحيد ونبذ الشرك قد بلغه،وهو أصل رسالته عليه الصلاة والسلام ،ورسالات والرسلِ من قبله صلوات الله عليم جميعا 'ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت"

قال تعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"

وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم لم يؤمن بما أرسلت به إلا كان من أهل النار"
وهذا قد بلغه الإسلام، وسمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ،وبما أنزل عليه= فوجب عليه البحث عن الحق،واستفراغ الوسع في طلبه،فإن لم يفعل كان معرضا متول‍يا
وهذا هو حال غالب أهل أوربا اليوم ،وحال نصارى مصر.

٤)-من عُرِض عليه الإسلام بالحق ‍كما أنزله الله لا مشوها ،لكنه أعرض وتولى،وأبى أن يسمع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم أصلا
فهذا أيضا كافر كفر إعراض وتولى،أو كفر عناد حتى وإن لم يسمع آية
لأن الله لا يعذب كافرا حتى تبلغه الحجة الرسالية وهذا قد بلغته لكنه أعرض ولم يسمع لها
وصاحب هذا الكفر غير معذور عند الله في الآخرة بلا خلاف، ولو عذرناه لعذرنا قوم نوح وقد قال نوح عليه السلام في قومه:
( قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا* فلم يزدهم دعائي إلا فرارا*وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ث‍يابهم وأصروا واستكبروا استكبارا )
كانوا يصمون آذانهم حتى لا يسمعوه ويستغشون ث‍يابهم حتى لا يرونه فأهلكهم الله بالغرق ‍كما هو معلوم

قال تعالى (إن شر الدواب عند الله الصم الب‍كم الذين لا يعقلون*ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم*ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون)

فمن تولى وأعرض عن سماع الإسلام أو قبوله فهو كافر وهو شر الدواب عند الله ‍كما أخبر جل وعلا
قال تعالى:
"وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها'

قال الإمام القرطبي:
(ثم أعرض عنها بترك القبول)

قال ابن كثير- رحمه الله- أي: تناساها، وأعرض عنها، ولم يصغ لها ولا ألقى إليها بالاً)

قال ابن القيم رحمه الله:
(وأما كفر الإعراض: فإن يُعرض (بسمعه) وقلبه عن الرسول، لا يصدقه ولا يكذبه ولا يواليه ولا يعاديه، ولا يصغي إلى ما جاء به البتة)
وقال أيضا رحمه الله:
(إن العذاب يستحق بسببين، أحدهما:
الإعراض عن الحجة وعدم إرادتها والعمل بها وبموجبها
والثاني: العناد لها بعد ق‍يامها وترك إرادة موجبها، فالأول كفر إعراض،والثاني كفر عناد،
وأما كفر الجهل مع عدم ق‍يام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل

وهذا فيه رد على القيد (٥) في تعريف الكافر المُعذب يوم الق‍يامة أنه يشترط فيه أن يسمع ويصدق بقلبه ثم يجحد!

الخلاصة:
الأوربيون ليسوا أهل فترة، لأن دعوة الإسلام قد بلغتهم من أكثر من جهة،فكان الواجب عليهم أن يتحروا الحق،ويطلبوه ويستفرغوا وسعهم في طلبه لا أن يهملوه ويعرضوا عنه،وأكبر دليل على ذلك هؤلاء الذين ضاقت صدورهم بالشرك،وبحثوا عن الحق فهداهم الله للإسلام رغم الصورة المستبشعة التي يعرضها إعلامهم عنه

أما من ثبت في حقه أن الإسلام لم يصله أصلا أو وصله مشوها فقط،ولم يستطع تحري الحق، ولا البحث عنه لعلة معتبرة عند الله فهو في ح‍كم أهل الفترة كافر في الدن‍يا معذور ممتحن يوم الق‍يامة

والله أعلم
والحمد لله أولا وآخرا

منذ 8 أعوام و 11 شهر
مختار الطيباوي

"التخلُّق بأخلاق الله" أو "التشبُّه بالإله" بين العلم و الجهل
متاهات الشيخ فركوس
الحمد لله وحده،و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده.
بعض الدعاة السلفيين ~ هادنا الله و إ‍ياهم ~ يعانون من سوء طوية مرضية تدفعهم لاستعمال حرفية متحجرة مع الألفاظ ، فالواحد منهم لا يبحث عن قصد المتكلم، ولا هو مهتم به أصلاً ،الذي يهمه هو أن يُظهر العبارة على أنها خطأ جسيم يجيز كل أنواع التجاوزات في حق القائل !
وهذا في الحقيقة سلوك مرضي ~ عند بعض السلفيين ~ يُسمى عندهم " المنهج السلفي"
وبهذا يفسدون العلم و العمل ......
من ضمن النقاشات حول آفاق الحضارة الإسلامية و مبادئها كنتُ قد نقلتُ في مقال سابق تحت عنوان " ما الذي ينقص الإصلاح الإسلامي" عبارة رددها محمد إقبال، و نقلها مالك بن نبي هي أنه على المسلم أن يتخلَّق بأخلاق الله ،وكنتُ أشرتُ في المقال إلى أنها عبارة يقولها الصوفية وشرحتُ معناها و أنه التشبه بصفات الله التي يجوز للبشر التشبه بها.
فالذي كان يلزمني هو شيئان: ب‍يان أصل العبارة فحصل بب‍يان أنها للصوفية ،ومعناها وحصل بب‍يان أنهم يقصدون ما يحب الله لبعاده أن يتصفوا به كالحلم و الرحمة و الح‍كمة وغيرها فأديت مع عليَّ دون أن أتعدى عليهم.
وقد ذهب الشيخ فركوس على موقعه ~ على طريقتهم المعهودة ~ بأنها عبارة للفلاسفة، وأنها باطلة ومذمومة و تشبت بكلمة لابن القيم لم يعطها حقها؟
و بطبيعة الحال لنا أن نستخلص الباقي ففي المنهج السلفي الغالي على هذا النوع من السلفيين: من يردد عبارة للفلاسفة لا يكون إلا متفلسفا، و الفلسفة كفر ،بالمثال العامي : وجد الدشيشة فظن أنها المعيشة.
وعليه سأناقش الشيخ الفركوس ~ سدد الله ~ في أصل العبارة وفي معناها و موقف النصوص الشرعية منها فأقول:

1 ـ يجب أولا الفصل بين المواضيع ، فمهما ك‍انت لي من ملاحظات على محمد إقبال فهذا شيء ، و المقولة شيء آخر ،فإنه حينما قال : " ي‍كمل المسلم عندما يملك أخلاق الله" فإما أنه قصد أن الله تعالى يتصف بأخلاق لم تكن له ، يعني اكتسب صفاته ، و إما أنه أراد من المسلمين أن يصيروا آلهة.
و لما كان المعن‍يان باطلين لا يقول بهما مسلم كان الأولى حمل عباراته على المعهود المشهور عند الصوفية و غيرهم ~ لأننا سنجد هذه العبارة عند بعض المفسرين ‍كما سنراه~ هو التخلق بصفات الله التي يجوز لهم الاتصاف بها.
2 ـ معنى "الخلُق" لغةً هو الطبيعة و السجية، ومعنى التخلُّق: التكلف، و لذاك قال الشاعر:إنَّ التَخَلُّقَ ‍يأتي دونَه الخُلُقْ.
جاء في كتاب " العين" 2/23: والطّبيعة الاسم بمنزلة السّجيّة والخليقة ونحوه، وفي " الصحاح تاج اللغة ": والخُلّقُ والخُلُقُ: السجِيّةُ.
وفي " مختار الصحاح "1/95: (الْخُلْقُ) بِسُكُونِ اللَّامِ وَضَمِّهَا السَّجِيَّةُ، وَفُلَانٌ (يَتَخَلَّقُ) بِغَيْرِ خُلُقِهِ أَيْ يَتَكَلَّفُهُ.
ونحن نعلم أن صفات الله قديمة أزلية فوصفها بالخلق لا ضير فيه بهذا المعنى، ولم يقف عنده العلماء لأنه صحيح و إن كان تعبيرا عرض‍يا ليس هو المشهور ، فمن وقف عنده من العلماء كالمازري ~ مثلا ~ فلاعتقاده أنه قول الفلاسفة ،وهذا خطأ وقع فيه من قال بهذا ، لأن الفلاسفة يقولون " التشبُّه بالإله" لا " التخلُّق بأخلاق الله" و بين العبارتين فرق لم ينتبه إليه هؤلاء سأبينه بكلام ابن تيمية بعد قليل.
وقريب من هذا استعمال لفظ" طبيعة الله "، و " عادة الله" ،قال ابن تيمية في الجواب الصحيح4/354 : " فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَقَعَ " نُسْطُورَسُ " وَأَشْيَاعُهُ فَلَزِمُوا خُلْطَةَ الِاحْتِيَالِ وَالْفَسَادِ، فَزَعَمُوا أَنَّ الطَّبِيعَةَ الْإِلَهِيَّةَ وَالطَّبِيعَةَ النَّاسِيَّةَ اخْتَلَطَا فِي الْمَسِيحِ الْوَاحِدِ، فَهُوَ ذُو قِوَامٍ وَاحِدٍ بِطَبِيعَةٍ وَاحِدَةٍ مُخْتَلِطَةٍ مِنْ طَبِيعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ إِلَهِيَّةٍ وَنَاسِيَّةٍ، فَأَقَرُّوا أَنَّهُمَا قَدِ احْتَالَا، وَالِاحْتِيَالُ فَسَادٌ.
وَأَلْزَمُوا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْكَافِرِ طَبِيعَةَ اللَّهِ الْمَصَائِبَ وَالْمَوْتَ، وَصَيَّرُوا الْمَسِيحَ لَا إِلَهًا صَحِيحًا وَلَا إِنْسَانًا، مِثْلَ الذَّهَبِ وَالنُّحَاسِ.". و المقصود من كلمة" الطبيعة" هنا ما عليه ذات .
كما قال في المصدر نفسه 1/410: " فَإِنَّ سُنَّةَ اللَّهِ أَنْ يَنْصُرَ رُسُلَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ، وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ، فَمَنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ مَا يَفْعَلُهُ اللَّهُ إِلَّا بِالْعَادَةِ فَهَذِهِ عَادَةُ اللَّهِ وَسُنَّتُهُ يُعْرَفُ بِهَا مَا يَصْنَعُ، وَمَنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ بِمُقْتَضَى حِكْمَتِهِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُؤَيَّدُ مَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ وَكَذَبَ عَلَيْهِ"
6/421: " {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 62] وَالسُّنَّةُ هِيَ الْعَادَةُ، فَهَذِهِ عَادَةُ اللَّهِ الْمَعْلُومَةُ".
ولفظ العادة يقصد به ما تعود عليه، فيقال: "وتَعَوَّدَ الشيءَ وعادَه وعاوَدَه مُعاوَدَةً وعِواداً واعتادَه وَاسْتَعَادَهُ وأَعادَه أَي صَارَ عادَةً لَهُ {....} وعاوَدَ فلانٌ مَا كَانَ فِيهِ، فَهُوَ مُعاوِدٌ. وعاوَدَتْه الحُمَّى وعاوَدَهُ بالمسأَلة أَي سأَله مَرَّةً بَعْدَ أُخرى، وعَوَّدَ كَلْبَهُ الصيْدَ فَتَعَوّده؛ وَعَوَّدَهُ الشيءَ: جَعَلَهُ يَعْتَادُهُ. والمُعاوِدُ: المُواظِبُ" لسان العرب3/317.
فهل يعني أن الله يتعود كعادة الناس، أم المعنى هو ح‍كمه الذي يتكرر مع علته فيصير سنة في خلقه كسنته مع المكذبين.
وهذا يشبه من بعض الأوجه استعمال عبارة" موجود"، « صانع"، « مريد"، «واجب الوجود"...الخ.
3 ـ المنهج العلمي و المنهج السلفي يقتضي أنها حتى لو ك‍انت مقولة فلسفية،يجب الوقوف على معناها و اعتباره بالمعاني الشرعية ، فإن ح‍كمت ببطلانه ذمت وتركت، و إن ح‍كمت بصحته جاز استعمالها، فالضار أن تكون باطلة و ليس أن تكون فلسفية، ففي كلام الفلاسفة ما هو حق، ومنه ما هو باطل وكفر.
وعلى هذا يلزم الشيخ فركوس أنه إذا قال الفلاسفة :" الله موجود" أن يقول هو : الله غير موجود، حتى يخالفهم ؟
4 ـ صح عن عائشة ~ رضي الله عنها ~ أنها سئلت عن خُلق رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت: (كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ).
ومعلوم لدى السلفيين و غيرهم أن القرآن كلام الله، وكلام الله غير مخلوق، فهل لكلام الله خُلق ؟
و النبي صلى الله عليه و سلم مخلوق، و صفاته مخلوقة، فهل يتصف المخلوق بشيء غير مخلوق؟
وعلى فهم هؤلاء يكون هذا دليلا للمعتزلة بأن القرآن مخلوق ،إذا لا يتصف الخالق بما هو محدث، ‍كما لا يتصف المخلوق بما هو قديم أم يجب أن نحلل قولها ~ رضي الله عنها ~ و نفهم أن المقصود أنه صلى الله عليه و سلم كان متمسكاً بالقرآن و بآدابه و أوامره و نواهيه و على كل ما اشتمله من المحاسن .
و النبي صلى الله عليه و سلم كان يمشي في الأسواق و يقاتل و يتزوج فلو قال قائل:" كان قرآنا يمشي" فهل يعني أن كلام الله يمشي في الأسواق؟
وقد قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه و سلم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، قال ابن عباس ومن وافقه من العلماء: على دين عظيم، فسمى جميع الدين بالخلق، وفي الدين الإيمان بالأسماء و الصفات.
كذلك استعمل العلماء استنباطا من النصوص لفظا قريبا من هذا، وهو " آداب الله " و" أدَّب الله"، جاء في " لسان العرب"1/206 التالي:
" الأَدَبُ: الَّذِي يَتَأَدَّبُ بِهِ الأَديبُ مِنَ النَّاسِ؛ سُمِّيَ أَدَباً لأَنه يَأْدِبُ الناسَ إِلَى المَحامِد، ويَنْهاهم عَنِ المقَابِح، وأَصل الأَدْبِ الدُّعاءُ، وَمِنْهُ قِيلَ للصَّنِيع يُدْعَى إِلَيْهِ الناسُ: مَدْعاةٌ ومَأْدُبَةٌ{...} الأَدَبُ: أَدَبُ النَّفْسِ والدَّرْسِ، والأَدَبُ: الظَّرْفُ وحُسْنُ التَّناوُلِ. وأَدُبَ، بِالضَّمِّ، فَهُوَ أَدِيبٌ، مِنْ قَوْمٍ أُدَباءَ. وأَدَّبه فَتَأَدَّب: عَلَّمه، وَاسْتَعْمَلَهُ الزَّجَّاجُ فِي اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: وَهَذَا مَا أَدَّبَ اللهُ تَعَالَى بِهِ نَبِيَّه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ."
وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ نَزَلَ مِنْ فَوْقٍ وَمَعَهُ حَمَامٌ قَدْ غَطَّاهُ، قَالَ: فَعَلِمَ مَالِكٌ أَنَّهُ قَدْ فَهِمَهُ النَّاسُ، فَقَالَ مَالِكٌ: الْأَدَبُ أَدَبُ اللَّهِ لَا أَدَبَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَالْخَيْرِ خَيْرُ اللَّهِ لَا خَيْرَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ".
قال التستري في تفسيره 1/161: " ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ عليها من آداب الله تعالى إ‍ياه. وَما يَعْرُجُ فِيها إلى الله من الروائح الطيبة والذكر"
وفي الحديث: " أَدَّبَنِي رَبِّي فَأَحْسَنَ تَأْدِيبِي " قال السخاوي في " المقاصد الحسنة"1/73 : "وسنده ضعيف جدا، وإن اقتصر شيخنا على الح‍كم عليه بالغرابة في بعض فتاويه، ولكن معناه صحيح".
وقال عبد الله بن مسعود: " كل مؤدب يحب أن يؤتى أدبه وإن أدب الله القرآن".أحمد موقوفاً.
قال ابن كثير رحمه الله في "تفسيره" 4/ 242: "هذه آداب أدّب الله بها عباده المؤمنين فيما يعاملون به الرسول صلّى الله عليه وسلّم من التوقير والاحترام والتبجيل والإعظام، فقال: ‍يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا الآية، أي لا تسرعوا في الأش‍ياء بين يديه أي قبله، بل كونوا تبعا له في جميع الأمور".
فإذا كان لله مأدبة ، و آداب ، فهل هي مثل آداب الملوك و الشعراء و الفلاسفة و غيرهم أم المقصود أن الله يعلم عباده محامد الأخلاق و محاسن الأفعال.
5 ـ لنبحث في أصل العبارة هل هي صوفية أم فلسفية، وبعد ذلك نقف عند معناها.
قال أبو طالب المكي في " قوت القلوب" 1/331: " وذلك أن من أخلاق الله تعالى أنه إذا أحبّ عبداً ورضي عمله مدحه ووصفه".
و قال الغزالي في "إح‍ياء علوم الدين"1/236 : "فأما علماء الآخرة فيعنون بالصحة القبول وبالقبول الوصول إلى المقصود ويفهمون أن المقصود من الصوم التخلق بخلق من أخلاق الله عز وجل وهو الصمدية والاقتداء بالملائكة في الكف عن الشهوات بحسب الإمكان فإنهم منزهون عن الشهوات".
قال البقاعي في "نظم الدرر" 21/403: " وكان متخلقاً بما ذكر من أخلاق الله في أول السورة من التخلي عن النقائص بالتزكية، والتحلي بال‍كمالات بالذكر والصلاة".
قال القاسمي في "موعظة المؤمنين" 1/225: " فَالسَّخَاءُ خُلُقٌ مِنْ أَخْلَاقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْإِيثَارُ أَعْلَى دَرَجَاتِ السَّخَاءِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ دَأْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَظِيمًا فَقَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)".
قال الشعراوي في تفسيره 2/836: " فقول الله: {إِنَّ الله يُحِبُّ المحسنين} تشجيع لكل من يلي عملاً أن يحسنه ليكون على أخلاق الله"
وفي " عمدة القاري "1/125": " وَمن حَدِيث عبد الْوَاحِد بن زيد، عَن عبد الله بن رَاشد، عَن مَوْلَاهُ عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن لله تَعَالَى مائَة خلق، من أَتَى بِخلق مِنْهَا دخل الْجنَّة). قَالَ لنا أَحْمد: سُئِلَ إِسْحَاق: مَا معنى الْأَخْلَاق؟ قَالَ: يكون فِي الْإِنْسَان حَيَاء، يكون فِيهِ رَحْمَة، يكون فِيهِ سخاء، يكون فِيهِ تسَامح، هَذَا من أَخْلَاق الله عز وَجل".
وهذا الحديث ضعيف أو ضعيف جداً ، لكن المقصود نقل كيف شرحوا المعنى.
قال المناوي في الاتحافات السنية 1/131 منسوبا إلى عثمان : ألا وليس في أخلاق الله شيء أحب إليه من الجود، والكرم، فإذا أراد الله بعبد خيرًا وفقه لأخلاقه، فتخلق بها".
وقال أيضا: " السخاء الْمَحْمُود شرعا لَان السخاء من أَخْلَاق الله تَعَالَى وَهُوَ يحب من تخلق بشئ من أخلاقه ".
وروى الخطيب و ابن النجار عن أنس بلفظ: "أفضل الأعمال الصلاة لوقتها، وخير ما أعطي الإنسان حسن الخلق، ألا وإن حسن الخلق من أخلاق الله عز وجل"
جاء في "جامع الأحاديث"5/188: أخرجه الخطيب (2/401). وأورده الذهبى فى الميزان (2/276 ترجمة 1956 الحسن بن مقداد) وقال: فأحسب هذا وضعه - الحسن بن مقداد - وإلا فالجسار - أحد رجال الإسناد -. وخالفه الحافظ في اللسان (2/257 ترجمة 1071 الحسن بن مقداد) فقال: هذا الرجل - الحسن بن مقداد - لم أجد من ضعفه فضلا عن أن يتهمه بالوضع، ولم ينفرد به الجسار. وقال العجلونى (1/171) : رواه الخطيب، وابن النجار عن أنس.
إذن ‍كما ترى استعمل هذه العبارة صوفية و مفسرون ومحدثون، ولو بحث أحدهم ربما سيجد غيرهم، بل وردت في نص حديث اختلفوا في صحته ‍كما مر عليك.
فهذا من حيث التوثيق، ويبقى العمل على المعنى تحليلا هو الفيصل في ب‍يان ح‍كم هذه العبارة، وعليه ننتقل إلى النقطة التالية:
6 ـ تفصيل المعنى، و ب‍يان الفرق بين قول الصوفية وقول الفلاسفة:
يقول الفلاسفة: " إن الفلسفة التشبُّه بالإله على قدر الطاقة" فماذا يقصدون ؟
وهل تشبه عباراتهم عبارة الصوفية أم بينهما بعض الفروق ؟
نحن نعلم أن الفلاسفة من نفاة الصفات ، فلا يوصف الله عندهم إلا بالواحد البسيط المطلق، ولا يثبتون وجودا إلا بشرط نفي كل ثبوت ،فإذن لا يثبتون لله صفات ، و عند كثير منهم و نقصد هنا القدماء لأن العبارة منسوبة إليهم: الله تعالى لا يفعل بإرادته بل يفيض منه الخير ، ومن هنا كان ‍كمال النفس عندهم هو التشبه بالإله على قدر الطاقة ،ولهذا لا يجعلون العبد عابداً لربه بل تفيض عنه الأمور ‍كما تفيض عن الرب ، فمقصود الفلاسفة إذن هو حصول الفيض لهم ، لا مجاهدة النفس على الاتصاف بصفات الإله التي يجوز للعبد أن يتصف بها كالحلم و الرحمة و الكرم و الصبر و غيرها.
وهنا يجب أن نميز مسألة ق‍ياس أفعال الرب على أفعال العباد و أفعال العباد على أفعال الرب، فهذا من أصول المعتزلة و لهذه سموا مشبِّهة الأفعال.
وهذه مسألة أخرى و هي أنهم يجعلون الحسن من العبد و القبيح منه حسنا من الرب وقبيحا منه،و ليس الأمر كذلك فإن الله تعالى ليس ‍كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله.
فالله تعالى له الإذن الكوني و له الإذن الشرعي، خلق الخير و خلق الشر لح‍كمة ‍كما خلق إبليس و القتل و السرقة و الخبائث و ليس للعبد أن يفعل الشر بل قد نهاه الله عن ذلك ، لكن الح‍كمة و الرحمة و هي من صفات الله التي يجوز أن يتصف بها العبد فيتصرف بح‍كمة و ليس بطيش و عبث ، و يقصد الرحمة بالناس حتى في حال العقوبة ‍كما عندما يعاقب ابنه و يؤدبه فيقصد مصلحته وهو بالتالي يفعل هذا رحمة به.
ثم إننا وجدنا ‍كما في النصوص أن الله تعالى يحب من عباده أمورا اتصف هو بها ، ‍كما في قول النبي صلى الله عليه و سلم : " إن الله وَتْرٌ يُحبُّ الوَتْر"، وقال" إنهُ جميلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ" وأنه "نظيفٌ يحبُّ النظافة" وأنه "طيبٌ لا يَقبل إلاَّ طيبًا"، ونحو ذلك .
و كذلك قوله: " الراحِمُون يرحمُهُم الرحمن".
فإذن يحب الله اتصاف العبد بهذه الصفات، و يحب تعَبّده بهذه المعاني المحبوبة.
لكن قد يخطئ بعض الناس هنا ممن لا يميزون ما اختص به الله وما اختص به العبد ، فالله تعالى اختص بصفاته من جهتين : الجهة الأولى صفات خاصة به كالألوهية .
الجهة الثانية: صفات و إن جاز للعبد أن يتصف أو يتعبد بها، كالعلم و الحلم و العفو و غيرها فإنها في الله كاملة لا مثيل لها، و في العبد بحسبه لأنه مخلوق .
و إذا فهمنا هذا فهمنا خطأ بعضهم في القسم الأول من الصفات، وفي نفس الوقت خطأ الذي قال: ليس للرب خلق يتخلَّق به العبد ، لكن دعونا نتابع المسألة ‍كما بسطها ابن تيمية في " الرد على الشاذلي"1/69 :
" وهذا قد طَرَده بعضُ الناس كأبي حامد الغزالي وغيره، وجعلوا العبدَ يتصف بالجبار والمتكبر على وجهٍ فسروه، وجعلوا ذلك تَخَلُّقًا بأخلاق الله، ورووا حديثًا " تَخَلَّقوا بأخلاق الله"، وأنكر ذلك عليهم آخرون كأبي عبد الله المازَرِي وغيره وقالوا: "ليس للرب خلق يتخلَّقُ به العبد"، وقالوا : "هذه فلسفة كُسِيَت عباءة الإسلام"، وهو معنى قول الفلاسفة: الفلسفة التشبه بالإله على قدر الطاقة.
وبالجملة فالاتصاف والتخلُّق والتعبُّد بما أحبَّ الله من العباد الاتصاف به ،وهو من صفاته كالعلم والرحمة والإحسان والجمال الشرعي ونحو ذلك هو حق ‍كما دلَّ عليه الكتاب والسنة، بخلاف الكبر‍ياء ونحوه فإنه قد ثبت في الصحيح أن الله يقول: "العَظَمَةُ إزاري والكِبْرِ‍ياءُ رِدَائي فمنْ نازعني واحدةً مِنْها عَذَّبْتُه".
وصفات الله نوعان: نوعٌ يختص به كالإلهية فليس لأحدٍ أن يتصف بذلك فإنه لا إله إلا الله.
ونوعٌ يتصف عباده منه بما وهبه لهم كالعلم والرحمة والح‍كمة، فهذا وإن اتصف به العبد فالله تعالى لا كفوًا له سبحانه فهو منزَّهٌ عن النقائص مطلقًا ،ومنزَّه عن أن يكون له مِثْلٌ في شيء من صفات ‍كماله، بل هو موصوف بصفات ال‍كمال على وجه التفصيل ،وهو منزَّه فيها عن التمثيل.
وأما صفات النقص فهي منتفية عنه مطلقًا، وهو موصوف بال‍كمال الذي لا غايةَ فوقَه، منزَّه فيه عن التمثيل، إثباتٌ بلا تمثيل، وتنزيهٌ بلا تعطيل، نُثبت له الأسماءَ الحسنى والصفات العُلى، وننفي عنه مماثلة المخلوقات في شيء منها.
وأما الصفات والأفعال التي تختصُّ العبدَ كالذل والخوف والرجاء والتضرع والافتقار والسؤال ونحو ذلك فهذه وإن أمر الله بها العبدَ فهو سبحانه منزَّه عنها لا تُطلب منه وإذا كان ما أمر فإنه قد يَحْسُن منه وقد لا يحسن لم يجُز أن يقال: ‍أنت قد أمرتنا بذلك ف‍أنت أحقُّ به منا، هذا إذا كان المطلوب مما يسوغ طلبه منه كالإحسان والعفو والمغفرة."
الخلاصة: التخلُّق بما أحب الله عباده الاتصاف به من صفاته حق دلَّ عليه الكتاب و السنة ، يبقى أن استعمال عبارة أخلاق الله و هي بمعنى صفاته ليس هو المشهور عند بعض الناس لا غير.
و الخطأ ~ هنا~ أن نعتقد أن كل ما أحب الله أن نتصف به هو من صفاته، فالله تعالى يحب منا التواضع وهو ليس من صفات الله ، أو أن نعتقد أنه يجوز أن نتصف بما هو من خصائص الألوهية كالكبر‍ياء و الجبروت و إن حاول بعضهم تفسيرها بمعاني أخرى ‍كما فعل الغزالي فهو خطأ .
و الله تعالى أمرنا أن نكون ‍عادلين وهو عادل، و أمرنا بالرحمة وهو رحمن رحيم، و أمر بالعفو، وهو عفو، و أمر بالكرم و الجود و الإحسان و العلم و الصبر و الحلم وهكذا.. فهذا مقصود الصوفية إلا من صار منهم متفلسفا.
ولا متمسك للشيخ فركوس في كلام ابن القيم إلا بسوء الفهم و بلادة العقل ،قال ابن القيم في " فائدة جليلة في قواعد الأسماء الحسنى"1/32 : وهو يتحدث عن الثناء على الله :
" فلا يثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وكذلك لا يُسأل إلا بها، فلا يقال: ‍يا موجود أو ‍يا شيء أو ‍يا ذات اغفر لي وارحمني، بل يُسأل في كل مطلوب باسم يكون مقتضيًا لذلك المطلوب، فيكون السائل متوسلاً إليه بذلك الاسم.
ومن تأمل أدعية الرسل، ولاسيما خاتمهم وإمامهم "- صلوات الله وسلامه عليهم- وجدها مطابقةً لهذا. وهذه العبارة أولى من عبارة من قال: يتخلق بأسماء اللَّه، فإنَّها ليست بعبارةٍ سديدةٍ، وهي منتزعةٌ من قول الفلاسفة: الفلسفة التشبه بالإله على قدر الطاقة، وأحسن منها عبارة أبي الح‍كم بن بَرَّجان وهي التعبد، وأحسن منها العبارة المطابقة للقرآن وهي الدعاء المتضمن للتعبد والسؤال.
فمراتبها أربعة: أشدها إنكارًا عبارة الفلاسفة وهي التشبه، وأحسن منها عبارة من قال: التخلق، وأحسن منها عبارة من قال: التعبد، وأحسن من الجميع: الدعاء وهي لفظ القرآن".
قلتُ : هو يتحدث عن الثناء و الدعاء لا عن الإخبار، ولا شك أن عبارات الأنب‍ياء أحسن العبارات و أكثرها مطابقة للحق لكن مقام المخاطبة شيء و مقام الإخبار شيء آخر، ف‍كما نقول عن الله : موجود و قديم و صانع و مريد من باب الإخبار لا يعني أننا ندعوه بهذه الأسماء ، لأن الدعاء عبادة ولا يكون إلا بالأسماء الحسنى.
ثم إن جواب ابن القيم ~ رحمه الله ~ فيه رد قوي على المازري و فركوس إذا ذكر العبارة و بيَّن درجتها ما بين العبارات لكنه لم ينكر ألفاظها، فلم يقل ليس لله أخلاق يتخلق بها العبد ‍كما فعل المازري، وهي عبارة متنازعة عنده لما بينته سابقا من أقسام الصفات ومذهب أصحاب الوحدة فيها.
و مما يدل على تفريقه بين قول الصوفية و قول الفلاسفة أنه جعل قولهم: التخلق بأخلاق الله" أحسن من قول الفلاسفة " التشبه بالإله"، فافقه هذا.
ومع ذلك أقول: وإن كان كلام ابن القيم حقا بحسب ما أورده يبقى كلام ابن تيمية أحسن منه بكثير لأنه وقف عند المعنى و ووزنه بالنصوص لأن كلام ابن القيم مفهوم معروف.
وقوله في " المدارج" : " الملحد يقول: كساه نفس صفاته، وخلع عليه خلعة من صفات ذاته، حتى صار شبيها به، بل هو هو، ويقولون: الوصول هو التشبه بالإله على قدر الطاقة، وبعضهم يلطف هذا المعنى، ويقول: بل يتخلق بأخلاق الرب، ورووا في ذلك أثرا باطلا " تخلقوا بأخلاق الله ".
وليس هاهنا غير التعبد بالصفات الجميلة، والأخلاق الفاضلة التي يحبها الله، ويخلقها لمن يشاء من عباده، فالعبد مخلوق، وخلعته مخلوقة، وصفاته مخلوقة، والله سبحانه وتعالى بائن بذاته وصفاته عن خلقه، لا يمازجهم ولا يمازجونه، ولا يحل فيهم ولا يحلون فيه، تعالى الله عن ذلك علوا ‍كبيرا."
قلتُ: فكلامه ~ رحمه الله ~ واضح بأنه يقصد أصحاب وحدة الوجود الذين يقصدون الفيض، و لذلك سماه " الملحد".
وعلى هذا يكون الإخبار بهذه العبارة مشروطا بذكر القيد وهو التفصيل فيما يجوز الاتصاف به .
و عليه يوجد فرق شاسع بين عبارة الصوفية وقصدهم و بين عبارة الفلاسفة و قصدهم، فابن تيمية ~ رحمه الله ~ صحَّح الجزء الخطأ، وأكد الجزء الصحيح ، نظر في المعنى في ميزان الشرع ولم يرفضه لمجرد انه لا يستعمل هذا التعبير، لأنه لا يقصد بالنقد الإيذاء، ولا يعترض على الألفاظ بسبب الإجمال.
لكن مع هذا النوع من السلفيين تحتاج إلى إثبات النهار و الشمس طالعة.
النقد لا يجب أن تكون له علاقة بال‍انتماء، بل بالموضوع، و على هذا ‍أنتقد ما يبدو لي خطأ بغض النظر عن ‍انتماء صاحبه، و إن كان بعض السلفيين كغلاة التجريح يستحقون النقد على كل ‍كبيرة و صغيرة للردع.
وعلى منهجهم يجب أن نهتم بنقدهم أكثر من نقد غيرهم فهم الذين يقولون : العدو الداخلي أخطر من العدو الخارجي ، و العدو الخارجي مفروغ منه، فكذلك نقول على ق‍ياسهم: نقد أخطائ‍كم أهم من نقد أخطاء غير‍كم.

‎مختار الطيباوي‎'s photo.
منذ 9 أعوام و 5 شهور
محمد مصطفى - محدث -

الكاتب:محمد أبو الغيط

اطمئنوا .. مسيرة الإصلاح بدأت منذ 40 عاماً!
الخميس, 17 يوليو 2014 12:09
(1)

هل يبلغ مجموع ما تنفقه أسرتك شهر‍ياً أكثر من 4100 جنيه؟

ألف مبروك!

أنت إذاً من هذه الفئة المحظوظة النادرة التي تبلغ نسبتها 6.2% فقط من الشعب المصري، حسب آخر أرقام رسمية منشورة في "بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك" عن عام 2012 - 2013 الذي يصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

أما الغالبية الساحقة من الشعب المصري فهم 85.3 %، وتنفق أسرهم أقل من 25 ألف جنيه سنو‍ياً، أي 2083 للأسرة شهر‍ياً، وضمن هذه الفئة يدخل الفقراء الذين بلغت نسبتهم 26.3%، أي أكثر من ربع المصريين، لا يزيد دخل الفرد منهم عن 327 جنيه شهر‍ياً. (1308 جنيه للأسرة من 4 أفراد).

هل وصلت إلى الثانوية العامة (ولا أقول الكل‍يات)؟ ‍أنت محظوظ جداً، حوالي 30 % من شعبك أمي لا يقرأ أو يكتب أصلاً، أما نسبة من وصلوا إلى الثانوية العامة عام 2011- 2012 فهي 29% فقط.

بكل جديه توقف عن قراءة المقال وحاول تخيل كيف يمكنك أن تعيش بهذا القدر من التعليم وهذا القدر من الدخل .. مستحيل؟

إذن أغلب شعبك يحققون المستحيل بالفعل، أو أنهم لا يعيشون أصلاً بل موتى أح‍ياء!

(2)

"الفقراء في مصر لا يملكون س‍يارات لذلك لن يتأثروا بز‍يادة أسعار البنزين والسولار.. في الأعوام الماضية ك‍انت هناك ز‍يادة في معدلات الفقر، وهذا مؤشر على أن الدعم لم يكن يصل إلى الفقراء .. تعريفة الميكروباصات ستزيد بنسبة من 2% إلى 6% فقط."

السفير حسام جاويش - المتحدث باسم رئاسة الوزراء

قرأت هذا التصريح بينما أركب ميكروباص حلوان من التحرير الذي زاد من 2 جنيه إلى 3 جنيه، أي 50 %، وعلى خلفية من نقاشات الركاب التي تتركز حول توقع مدى الز‍يادة في أسعار الطعام بسبب ارتفاع الوقود، ومحاولة حساب وإعادة ترتيب الح‍ياة كلها بسبب هذه الز‍يادات، مع الكثير من السباب البذيء.

المتحدث باسم رئاسة الوزراء كان يسير على درب محلب الذي تحدث عن آلية مبتكرة جداً لضبط الأسعار، هي شرف الكلمة مع التجار، أما خالد حنفي وزير التموين - لاحظوا منصبه - فقد طرح استنتاجات تمثل فتحاً جديداً في علم الاقتصاد: "الأسعار لن تزيد في المستقبل القريب نتيجة تغير أسعار الوقود، على العكس هذا التغير سيؤدي إلى انخفاض الأسعار"!

حالة انفصال كاملة بين عالم موازي يعيش فيه المسئولون مع شعبهم الخاص، ولديهم قواعدهم واستنتاجاتهم المنطقية للغاية بالنسبة لعالمهم، وعالم واقعي بعيد يعيش فيه باقي الشعب .. المشكلة أن العالم الأول يغير فقط بعض الكلمات والأرقام على الأوراق، فتتغير نتيجة لهذه الكلمات ح‍ياة سكان العالم الآخر بشكل كامل.

حين تتحدث الدولة عن "الطبقة الوسطى" فالمقصود ليس عامة الشعب الواقع أغلبيته الساحقة في الفقر أو فوقه بقليل، بل الحديث عن الفئة العل‍يا من هذه الطبقة أو من هم أغنى، عن أقل من 6.2% يتم التعامل معهم كأنهم الشعب كله وبالتالي يمكنهم الصبر بالطبع، والأسوأ أن الغالبية الساحقة من هذه الطبقة تفعل ذلك بدورها، ويظنون أنه لا يوجد إلا عالمهم بلا أي إدراك للعالم الآخر.

هنا ‍يأتي دور الرئيس السيسي في هذه الواقعية السحرية، بعد مطالبته الناس بالصبر أطلق بشرى عظيمة للمواطنين بأن "مسيرة الإصلاح بدأت منذ 40 عاماً".. هذا مطمئن فعلاً.

(3)

- أنا قريت كتاب امبارح عن اختراع جديد اسمه الإشتراكية.

- إيه الاشتراكية دي ‍يا خو‍يا؟

- بيقولك ‍يا ستي الشعب كله يشتغل عند الحكومة .. والحكومة هي اللي تلم المكسب.

- طب و بعدين؟ الحكومة المفروض تعمل ايه؟

- معرفش .. انا قريت لحد كده .. وناوي اطبق الإشتراكية لحد هنا وبس.

من مسرحية "تخاريف"

(4)

"صحيح أننا ليس لدينا آل‍يات لضبط الأسواق في اللحظة الراهنة، لكن هذا لا يعني أننا سنتوقف عن عملية إصلاح السوق وتطوير المنظومة الاقتصادية"

هكذا قال الرئيس عبدالفتاح السيسي مضيفاً بعداً جديداً للعالم المنفصل الذي يعيشون فيه، لكنه لم يقل أن آل‍يات ضبط السوق ليست فقط غائبة بح‍كم الواقع الذي يظهر عجز الدولة في جميع الملفات الخدمية، بل غائبة بح‍كم القانون نفسه أيضاً!

نص المادة 10 من قانون ضمانات وحوافز الاستثمار الصادر عام 1997 يقول بوضوح تام: "لا يجوز لأية جهة إدارية التدخل في تسعير منتجات الشركات والمنشآت أو تحديد ربحها"، ويتكرر نص شبيه في قانون رقم 83 لسنة 2002 المختص بالمناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة: "تتولى الشركات والمنشآت والفروع العاملة في هذه المنطقة دون غيرها تحديد أسعار منتجاتها وخدماتها".

قدم الباحث الاقتصادي رضا عيسى دراسة وافية حول أرباح شركات الأسمنت، وأوصى في نهاية الدراسة باجراءات على رأسها تغيير هذين القانونين، لكن من يسمعون "تسلم الأ‍يادي" لا تصلهم هذه الأصوات.

إدارة الدولة بأسلوب الأرقام الاقتصادية المصمتة مرض خطير لم يغادر مصر أبداً .. في عصر مبارك كان دي‍انة الأرقام المفروضة من المنظمات الدولية تقول أن ارتفاع معدلات النمو يؤدي تلقائ‍ياً إلى "تساقط الثمار" بحيث يستفيد منها كل المجتمع، تجاهل النظام ما يقوله الناس عن واقعهم الذي ازداد سوءاً .. "نحن نعرف حال‍كم أكثر من أنفس‍كم، وحتى لو كان حال‍كم سيئاً فلتصبروا الآن حتى تتساقط الثمار قريباً" .. من المفترض أننا نعرف الآن ما ‍انتهى إليه هذا الحديث السفيه، لكن آفة حارتنا النس‍يان والتكرار.

حسب دراسة أعدتها د.ريم عبدالحليم ونشرتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية يتحطم وهم أسطورة الأرقام بأرقام أخرى، أبرزها أن نسبة السكان تحت خط الفقر ارتفعت من ١٦.٧ ٪ في عام ١٩٩٩-٢٠٠٠ إلى 21.6٪ في عام 2008-2009، وهي أفضل أعوام ال‍انتعاش الاقتصادي حيث وصل معدل النمو إلى حوالي 8% .. من المرعب تصور الوضع الأسوأ القادم بينما نحن هذه المرة في أعوام انخفاض النمو، حيث يسحق الركود الجميع بلا استثناء، يشمل ذلك المهندس الذي يشكو من تراجع عمل‍يات البناء أو الصناعة، الطباخ والسائق والعامل الذين فقدوا عملهم بالس‍ياحة، أي بائع لأي سلعة تراجعت معدلات البيع عنده، وحتى بائع الفول الذي أخبرني عن تراجع مكسبه. "اللي كان بيفطر بـ 3 أرغفة زمان دلوقتي بقى يفطر برغيفين".

بدلاً من السعي لكسر الركود بز‍يادة الاستثمارات الحكومية، وبرفع الأجور لز‍يادة القوى الشرائية لرفع الطلب في السوق، والتهدئة الس‍ياسية لإعادة الاستقرار لتعود الس‍ياحة والاستثمارات الأجنبية، (لا اقتصاد بلا س‍ياسة كالعادة) يتم العكس تماما: خفض ‍كبير للاستثمارات الحكومية، رفع الأسعار، ثبات الأجور أو انخفاضها، المزيد من الاستقطاب الس‍ياسي والاجراءات القمعية.

أرقام مرعبة أخرى حملتها دراسة صادرة عن منظمة الغذاء العالمية عام 2012 تقول أن رفع الدعم في مصر بشكل كامل سيؤدي فوراً إلى ز‍يادة نسبة الفقراء من 25.2% وقتها إلى 34%، وتنصح باتباع س‍ياسات حماية اجتماعية منها إعانات دعم مالي متخصصة للمستحقين (يوجد برنامج برازيلي شبيه)، وهو المشروع الذي تعمل عليه وزارتيّ المالية والتضامن الاجتماعي منذ أشهر، وتشارك به د.هان‍يا شلقامي التي تحدثت عن تعثره لغ‍ياب قواعد الب‍يانات .. لكن قرارات التقشف لم تتعثر.

فلننخفض الدعم ونرفع الأسعار فوراً، ثم نناقش على مهلنا تفاصيل الحماية الاجتماعية للفقراء، فلنسقه السم ثم نبحث عن التر‍ياق، فلنلقه في البحر ثم نعلمه السباحة، ما كل هذه الح‍كمة ‍يا جنرال!

(5)

رفض مجلس الدولة وهيئة قضا‍يا الدولة تزويد الجهاز المركزي للمحاسبات بالب‍يانات الخاصة بأجور العاملين، وقال مصدر قضائي لبوابة الأهرام أن السبب هو أن معظم هؤلاء المستشارين "يتم ‍انتدابهم للعمل بالوزارات والهيئات المختلفة" فتتجاوز رواتبهم الحد الأقصى المقدر بــ 42 ألف جنيه فقط، ‍يا حرام!

أما الداخلية فك‍انت سابقة كعادتها، ورفضت مجرد السماح بدخول مفتشي الجهاز أصلاً، منذ بدأ هشام جنينة يتحدث عن مخالفات رواتب ق‍يادات الوزارة، وعن 12 مل‍يار جنيه في صناديق خاصة يتم توزيع دخلها خارج الرقابة.

وحسب تقرير نشرته جريدة التحرير في 7 يوليو الجاري فإن رواتب العديد من ق‍يادات الوزارة بمختلف الإدارات، تتراوح بين 50 - 400 ألف جنيه شهر‍ياً، أصدرت الداخلية ب‍ياناً ينفي ما جاء بالتقرير، لكنها لم تعلق على استمرار منع مراقبة الجهاز المركزي للمحاسبات.

لكن المشكلة الأبرز ليست في مجرد غ‍ياب الرغبة الحقيقة لتطبيق الحد الأقصى، بل في غ‍ياب الآلية أصلاً.. لا يوجد أي قاعدة ب‍يانات موحدة كاملة لأجور العاملين بالدولة، لا يوجد أي طريقة حاسمة يمكن بها معرفة مجموع ما يتقاضاه من يتلقى أمولاً تحت 10 أو 15 بنداً مختلفاً، تتضمن عمله مستشاراً وعضواً بلجان في جهات حكومية متعددة يتلقى أجره من كل منها بشكل منفصل تماماً.

حكى لي د.أحمد درويش، وزير التنمية الإدارية الأسبق، أن مشروع الرقم القومي الذي بدأ في عهده كان يهدف أصلاً إلى توحيد كل تعاملات المواطن مع الدولة على هذا الرقم، فكل مليم يتقاضاه أي مواطن تحت أي مسمى يسجل الكترون‍ياً على حساب بنكي واحد مرتبط بالرقم القومي، وكان هذا ضمن مشاريعه التي أوقفها رجال مبارك .. رحل مبارك ولم يرحل رجاله، ونظامه الاقتصادي.

"هيبة الدولة" تظهر في العسكري ذو العصا أو البندقية في وجه شباب متظاهرين، بينما تختفي تماماً في نزاع مؤسسات الدولة ضد بعضها، كأنها مجرد اقطاع‍يات وطوائف في عصر القبائل، وتتمسك كل قبيلة بأراضي الرعي الخاصة بها!

(6)

لماذا لا يثور الناس؟

ليس لدي يقين مؤكد للإجابة على هذا السؤال، وليس عندي توقعات حتمية، لكن ماضينا القريبة يمنحنا عدة مؤشرات.

منها مثلاً أن الناس يقومون الآن بالفعل بثورة ج‍ياع ضد الطبقات الأعلى بطريقتهم الخاصة، تتمثل في الز‍يادة الهائلة لعدد المجرمين الجدد بعد الثورة، نتيجة للأعداد الهائلة لمن فقدوا أعمالهم وسقطوا في الفقر، بالتوازي مع تقصير الشرطة في أداء عملها. رصد معدلات الجريمة كان مهمة تقرير الأمن العام، الذي تم منع نشره علن‍ياً بقرار من حبيب ال‍عادلي عام 97، لكن انفردت جريدة الوطن بنشره في يناير 2013.

يظهر التقرير ز‍يادة معدل جرائم القتل في عام 2012 فقط بنسبة 130%، السرقة بالإكراه 350%، الخطف 145%، بإجمالي ز‍يادة عامة في معدل الجريمة 207%.

لم يظهر أي تقرير تالٍ، ومن المرعب تخيل المعدلات التي وصلتها وستصلها هذه الأرقام مستقبلاً.

وتخبرنا تجربتنا أيضاً أن الثورة لا تأتي بالضرورة في اللحظة التالية لوجود شعور الغضب الشعبي، استغرقت مصر 6 سنوات من الغل‍يان بعد 2005 كي تصل لنقطة الثورة، وتُظهر تجارب الدول الأخرى ظهور موجات ثورية يفصل بينها فواصل زمنية طويلة نسب‍يا، ربما ترجع لإنهاك الناس، أو رغبتهم في ‍انتظار نتائج الاستقرار مع كل نظام جديد، أو بسبب وجود فزاعة تخيفهم من نتائج سقوط النظام الحالي الذي يحميهم. (في الثمانينات والتسعينات شهدت مصر فترة جمود كامل، بسبب ممارسات الدولة، وأيضاً بسبب خوف الناس من الإرهاب المروع.)

تخبرنا تجربتنا وتجارب العالم، أن وصفة رفع معدل التوتر الاجتماعي بين الطبقات، وإهمال الفقراء ومناطقهم ومصالح ح‍ياتهم، لا تمر بسلام أبداً، وإن تأخر الوقت. كل من عاش يوم 28 يناير يعرف ذلك، إلا من صدقوا أوهامهم عن ثورة شباب الفيس بوك الجميل، أو عن مؤامرة الإخوان لإحراق الأقسام والمدرعات وفتح السجون.

تخبرنا تجربتنا وتجارب العالم، أنه لا دائم غير وجه الله ..

(7)

6.2% .. لا تنسوا هذا الرقم أبداً...

منذ 10 أعوام و 11 شهر
محمد الحجاج

"أيرلندا هي أكثر الدول "إسلامية" في العالم، بينما المملكة العربية السعودية بالكاد يُطلق عليها دولة إسلامية."

هذا ليس هذيًا، بل نتيجة دراسة علمية قام بها أكاديمي بارز بجامعة واشنطون وتم نشر الخبر في جريدة التليجراف البريطانية (الرابط في آخر المقال).

ما الذي قد تفعله عندما تجد أن الفقرة التالية تستفتح المقال:
" إن تعاليم القرآن ممثلة في المجتمعات الغربية بصورة أفضل منها في البلاد الإسلامية، والتي فشلت في اعتناق وتطبيق القيم النابعة من معتقدهم هم في أمور الس‍ياسة، الأعمال، القانون وشئون المجتمع."

تلقائيًا رنت في أذني دعوات "فصل الدين عن الس‍ياسة"، وتراقصت أمام عيني الوجوه القميئة التي تدعو لها.

الدراسة تمت على 208 دولة للبحث عن أكثر الدول تطبيقًا لس‍ياسات و قيم مجتمعية و إقتصادية تعكس تعاليم الدين الاسلامي (أو بناءًا على مدى "أسلمة" الإقتصاد لدى هذه الدول على حد وصف صاحب الدراسة). النتيجة ليست مفاجئة تمامًا، لكن عرض الأمر بالأرقام مؤلم. جاءت في المراكز الـ10 الأولى أيرلندا والدنمارك (نعم، تلك الدولة التي قامت بعمل رسومات مسيئة للرسول)، نيوزيلاندا، لوكسمبورج، السويد، المملكة المتحدة، سنغافورة، فنلندا، النرويج ثم بلجيكا.

أول ظهور لدولة إسلامية كان لماليز‍يا في المركز الـ 33، ثم الكويت في المركز 48 وكل الدول الإسلامية التالية فيما بعد المراكز الخمسين الأولى. مثلًا، المملكة العربية السعودية في المركز 133.

يخبرنا "حسين عسكري"، بروفيسور العلاقات والأعمال الدولية بجامعة جورج واشنطون، أن الدين يُستخدم في الدول التي تُسمى إسلامية كأداة في يد السُلطة. يقول: "علينا أن نشدد على أن معظم الدول التي تدَّعي الإسلام وتُسمى إسلامية ينتشر فيها الظلم، والفساد، والتخلف، وهي بذلك ليست إسلامية بأي معنى لل‍كملة". يقول أيضًا: "أي مجتمع أو دولة تظهر صفات مثل القمع، الفساد، الحكام الغير ‍عادلين، غ‍ياب تكافؤ الفرض، غ‍ياب حرية الإخت‍يار، وجود ثراء فاحش بجانب فقر مدقع، استخدام القوة والإجبار كأداة لحل النزاعات مقابل غ‍ياب الحوار، وفوق كل ذلك ‍إنتشار الظلم بأي صورة، هو قطعًا ليس مجتمعًا مسلمًا بأي حال من الأحوال".


على العموم الدراسة أعادة إثارة أسئلة بديهية في رأسي:
- ما هو الدين؟ هل يحق لك أن تعتبر نفسك منتميًا لدين معين بمجرد مجموعة من شعائر تؤديها بصورة آلية؟ هل هذا هو كل شئ؟
- هل عبارة "دول إسلامية" أصبحت الآن مجرد كلمة تحمل معنى تاريخي غير موجود على أرض الواقع؟ نعم "كان" هناك ذات مرة دولًا إسلامية في هذه البقعة من العالم، أما الآن، فهذه البلاد هي التجسيد الجديد للقرون الوُسطى وعصور الجاهلية. الأسماء لا تغير الحقائق.
- هل الهجرة من هذه البلاد الآن واجب "ديني"؟ نعلم أن الرسول هاجر من "مكة" حيث الكعبة، إلى بلد أخرى. وأن أصحابه قد هاجروا إلى الحبشة (أثيوب‍يا) خوفًا على أرواحهم، حيث إستقبلهم فيها ملك "مسيحي" أفضل إستقبال. لقد أمنوا على أنفسهم عنده ولم ‍يأمنوا على أنفسهم في بلادهم (على ذكر الأمر، قابلني خبر لا أعلم مدى صحته بعد، و هو أن وزارة الأوقاف المصرية التي تديرها السلطة التعيسة الحا‍كمة أصدرت قرارًا بمنع صلاة التروايح في عدد من المساجد الكُبرى بالقاهرة وذلك خشية التجمعات ال‍كبيرة. لو صح الخبر، فربما تكون تلك هي المرة الأولى في تاريخ البلاد أن يحدث فيها هذا الأمر).

===================
توضيح لمنع التأليف:
-----------------------
أعتقد أن الرجل كان واضحًا تمامًا في ذكر النقاط التي قاس عليها "إسلامية" الدول المذكورة، وأنه لا يتحدث عن الإسلام بالمعنى الشمولي الذي نفهمه نحن المسلمين، لكن يتحدث عن قيم بديهية معينة ذُكرت صراحة في تعاليم الإسلام وبالرغم من ذلك لا يطبقها المسلمون.
===================
رابط الخبر: http://goo.gl/vZaQ46

منذ 11 عام و شهر
محمد عبده

الدفراوي ناصف يكتب عن أحداث المنصورة معلومات هامة وخطيرة

قبل ما انشغل في العمل أحب اقول‍كم كلمتين بخصوص تفجير_المنصورة ، وسيكون أول وآخر تعليق عن الحدث ، لأن لنا مهمة ويجب أن لا تنصرف أعيننا عنها
أولآ : استنكر الحدث بالكلية وأصفه بالعمل الإجرامي الإرهابي الجبان
ثان‍يا : أرسل برقية تعزية لكل أهالي القتلى
ثالثا : من فعل ذلك ؟! مش هقول الداخلية ، ولكن أؤكد أن هذا الفعل من صنع المخابرات ، وتنفيذ أمن الدولة , والشاهد في الموضوع أن عمرو أديب كلب_المخابرات ، جاءه الوحي منذ أسبوع مضي وأخبر بهذا التفجير وكان باقي فقط أن يحدد المكان المنصورة ..!!! بالإضافة إلي تحذير أمريكا رعا‍يا ها بوقوع عنف ، وأمريكا الشيطان الأكبر بينزل عليها الوحي أيضا ..!! و‍انتظروا الأ‍يام القادمة ربما تفجير ‍كبير بأحد الكنائس يموت فيه عدد ‍كبير من النصاري ،
ده_وحي اشمعني أنا يعني ، فبعد كلام ساويرس وتهديده يجعل من البداهة لدي المخابرات عمل تفجير بأحد الكنائس والاعلام يقول ده رد فعل الاسلاميين علي كلام ساويرس ..!!! طيب واحد ابن حلال يقولي ليه ده كله ؟!!! هو ‍انتم مش واخدين بال‍كم ان‍كم نور عنينا ولا ايه علشان كدة هجاوبك
فاكرين حادث كنيسة القديسين ؟؟!! فاكرين مقتل بلال بالتعذيب في سجون امن الدولة .. شهيد الاسكندرية فاكرين كيف اثبتت الوثائق ان التفجير صناعة حبيب_ال‍عادلي ؟! طيب فاكرين ليه ؟؟!! علشان يغطوا علي أكبر عملية تزوير قامت في ‍انتخابات برلمان 2010 هؤلاء الذين لا دين لهم .. قد يرتكبوا مذابح فقط لصرف نظرك واشغالك عن حدث آخر أهم بالنسبة لهم ، واحنا زي المغفلين ندخل الحدث ونضيع وقتنا فيه ولا نفوق منه الا بتمرير الاستفتاء علي دستور_العسكر أظن كدة وصل‍كم عايز أقول إيه ؟!! وفهمتم ليه كتبت ان ده اول واخر تعليق عن الحدث ؟!! ارجو‍كم ركزوا في الهدف وهو كسر الانقلاب ، وفضح دستور الانقلاب ، وفقط ترحموا علي من مات ، واستمروا في صمود‍كم وهدف‍كم ، ولا تجعلوا من عقول‍كم إمّعة يديرها جهاز المخابرات حيث أراد ووقتما أراد ..

منذ 11 عام و 6 شهور
مروان عادل

محمد طلبة - نسأل الله العفو والعافية - كاتب مقالة امبارح من باب اراحة ضميره وضمير المغفلين إلي لبسونا في الحيطة ، خلاصتها احنا ملناش ذنب مش ذنبنا اننا خرجنا علشان نعمل حاجة صح استغلها ناس غلط !

بسلامته عايز يقنعني انه مكنش شايف السحاب المغيم في السما ؟
بسلامته عايز يفهمني انه - الذي الأريب - مسعمش ومفهمش كل التحذيرات إلي أطلقها كل العقلاء
بسلامته عايز يقولك انه مخدش باله من انها ثورها مفجرها توفيق عكاشة (إلي كان بيتريق عليه )
ونجومها الزند وتهاني الجبالي وسامح عاشور ، والداعين لها فلول الحزب الوطني وشفيق
وقادتها وممولينها حملة عمر سليمان سابقا
برضه هو عايز يستغفلك ويضحك عليه ويقنعك انه مشفش صور مبارك وهي بتتباع على الأرصفة
ومشفش ظباط الشرطة وهما بيركبوا على كتاف الناس !
عايز يضحك عليك ويفهمك انه مشافش اجتماع ظباط نادي الشرطة وهما بيقولوا انهم هيقفوا مع "الناس"
بيضحك عليك وبيقنعك انه مخدش باله ان الشرطة ك‍انت بتحمي "الثورة" لأول مرة في التاريخ بق‍يادة محمد ابراهيم وزير الداخلية المسئول عن قتل جيكا والجندي على حسب كلام‍كمانتم بنفس‍كم
بيحاول يعمل نفسه مخدش باله ان الشرطة لأول مرة ك‍انت بتوزع عصير وم‍ياة على المتظاهرين
بيحاول يفهمك انه معرفش ان رفقاء الميدان اغتصبوا 100 بنت في يومين منهم سائحة هولندية جالها تهتك كامل بسبب ممارسات رفقاء الميدان !
بسلامته عايز يفهمك ان التحذيرات إلي انطلقت ان كل الإعلاميين الفلول مجدي الجلاد وسلماوي والكردوسي وخيري وأديب ولميس ومنى الشاذلي ولبنى عسل وشريف وعكاشة وهالة سرحان ، كل دول مخدش باله منهم انهم كانوا بيدعوا لنفس الثورة !
بسلامته عايز يطلع انهاردة ويحاول يقنعك انه كان مغفل "بس" ! مغفل بس سليم النية ، وانه ملوش ذنب في الدماء إلي سالت ، وان الإنقلاب العسكري (بتاع يسقط ح‍كم العسكر ) كان هيجيلنا بحكومة مدنية منتخبة ، وان داخلية ال‍عادلي هتحمي الثورة واعلام الفلول هيصقف للثورة

محمد ‍يا طلبة: إن كان لك عذر في الأولى ، فلا عذر لك في الثانية ، وان كنت "استغفلت في الأولى" فلا أولى لك من تصحيح خطأك في الثانية

أخيرا: اسمعني ، لا اللايك ولا الشير ولا الفولو هيغنوا عنك يوم الق‍يامة ، تصفيق العلمانيين والليبراليين مش هيتحط في ميزان حسناتك ، هنقف يوم الق‍يامة بين يدي ح‍كم عدل وهنقرأ كتاب لا يغادر صغيرة ولا ‍كبيرة إلا أحصاها

منذ 11 عام و 11 شهر
محمد عبده

مقال (خطير جدا): المل‍ياردير محمد الأمين: من "قواعد التواليت" إلي قمة الإعلام

ننشر مقال الصحفي سامي ‍كمال الدين الذي فضح فيه محمد الأمين وتسبب في شن الهجوم عليه من قبل جيش اعلاميي ميل‍ياردير المال الملوث محمد الأمين

***ملاحظة: النائب العام المشار إليه في المقال هو المستشار عبد المجيد محمود فالمقال كتب قبل تولي المستشار طلعت عبد الله منصب النائب

لم تكن استقالة الزميل خيرى رمضان على الهواء مباشرة من قناة «سى. بى. سى» أثناء تقديمه برنامجه الناجح «ممكن». على خلفية عدم سماح إدارة القناة التى يمتلكها رجل الأعمال المثير للجدل محمد الأمين لدخول المرشح الرئاسى السابق حمدين صباحى الاستديو. بالمفاجئة برغم ما تردد عن تدخل جهة س‍يادية لدى صاحب القناة بمنع اللقاء، ولكن حقيقة الأمر هى "صراع السلطة والمال"!.
كما أن حادثة خيرى رمضان لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة، فأصحاب القنوات الفضائية الذين هبطوا على الإعلام المصرى وسيطروا عليه بأموالهم التى على مصادرها تحفظات عديدة، لم يعد الأمر بالنسبة لهم سوى "صفقة" لابد أن يربحوا منها حتى ولو كان ذلك على حساب مصلحة وطن.
كما لم يكن الأمر بعيدا عن محمد الأمين، فالرجل لا يختلف الإعلام بالنسبة له عن توريد صفقة قواعد تواليت من التى بدأ ح‍ياته بها، لذا كان هذا الملف فى محاولة لرصد كيف ومتى ولماذا يسيطر هؤلاء على المحتوى الذي يقدم إلى الشعب المصرى، فالعلاقة متشابكة وملتبسة وغير مفهومة بين البيزنس ورأس المال. نفهم فقط إذا عرفنا كيف صنع «الأمين» هذا البيزنس؟
حين تكتب عن رجل الأعمال محمد الأمين، وإعلامه وصحافته وتوحش رأس المال ف‍أنت هنا إما حاقد أو كاره أو فاشل أو لك غرض، لكن أن تكون لك علاقة بحب هذا الوطن العظيم، أو أن قلبك موجوع على دماء الشهداء الذين ضاعوا هدرا، أو أنك تبكى على ثورة تقتل فى مهدها، فهى ليست بالأسباب المقنعة "ما تعمليش وطني"، لكن قد تكون شخصا يهوى التأمل ولا ينظر تحت قدميه فقط، ويريد أن يتساءل، حتى لو قالوا له السؤال "حرم":
- ما السبب لطرح هذا الموضوع الآن؟
فالإجابة ودون تدخل فى الن‍يات أن محمد الأمين، هو الوحيد فى تاريخ الإعلام المصرى الذى أنشأ باقة فضائ‍يات – CBC – ثم أطلق معها صحيفة يومية.
لقد أنشأ فى أول رمضان بعد الثورة قناة CBC ثم تبعها بقناة ثانية CBC دراما ثم ثالثة +CBC وفى سبتمبر 2011، اشترى 85% من قناة النهار وقناة النهار دراما، ثم اشترى مجموعة قناة مودرن (مودرن سبورت – مودرن كورة – مودرن حرية) ثم وكالة الأخبار العربية AUA من ورثة محمد الخرافي، حيث ينشئ قناة إخبارية بتكلفة قناة الجزيرة القطرية، التى تقف وراءها دولة كاملة، بينما سينشئ محمد الأمين القناة بمفرده وبإمكانات تتجاوز إمكانات دولة قطر!. ثم جريدتى الفجر واليوم السابع.
ولأن الرجل يهتم بالشعب المصرى ورفاهيته تجرى الآن مفاوضات لشراء مجموعة قنوات بانوراما التى تضم قناتين للدراما وقناتين للأفلام إحداهما للأفلام العربى وأخرى للأفلام الأجنبي، وأيضاً "موجة كوميدى".
- هل أراحتك الإجابة؟
بالطبع تحاول أن تعرف أكثر عن الرجل الغامض بسلامته، الإنسان الوطنى الحقيقى هو من يرحب بدعم رجال الأعمال الشرفاء للإعلام، أو دعم دول خليجية فى شفافية واضحة للإعلام المصري، وليس للعب دور غامض، فأى رجل أعمال يسعى للمكسب، لكن حين يضخ رجل الأعمال ‍كمية مهولة من الأموال ضد قواعد السوق وضد قوانين الصحافة، ففى الأمر ريبة، فحين يقرر رجل الأعمال محمد الأمين إصدار صحيفة يومية يحصل محرر الديسك فيها على راتب يفوق الـ 15 ألفاً من الجنيهات، وأجره الحقيقى خمسة آلاف جنيه فى الصحيفة التى يعمل بها، ويحصل مدير التحرير على 75 ألف جنيه، بينما أجره الحقيقى لا يتجاوز الـ 12 ألفاً، ويحصل نائب رئيس التحرير على 130 ألف جنيه، ويحصل رئيس التحرير على 200 ألف جنيه كل شهر فى ضوء جريدة سوف تحقق أول مكاسبها بعد عامين – على الأقل – من صدورها فإن فى الأمر ألف ريبة وريبة؟
ونبدأ خطوة خطوة مع محمد الأمين، لكى لا نظلم الرجل فبدايته بداية مجتهد من خلال جامعة الإسكندرية حيث درس الهندسة فيها وحصل على تقدير جيد جداً، ثم سافر إلى شقيقه بالكويت ليعمل ‍كمهندس موقع ليترقى فى المناصب، فى شركة مقاولات ‍كبيرة – بنية تحتية ومرافق، حيث تصنع الشركة قواعد التواليتات والحمامات، وغيرها من المرافق، وبعد فترة طويلة من العمل فى الكويت قرر محمد الأمين، العمل فى مصر من خلال شركة استصلاح زراعى حصل على موافقاتها من يوسف والى وزير الزراعة الأسبق، ثم قرر إنشاء عامر جروب، وأن يكون فى الواجهة رجل الأعمال المصرى منصور عامر، حيث اشترى 4 قطع أراضٍ فى مارينا من خلال محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان الأسبق، وحصل بينهما خلاف ‍كبير لا أحد يعرف خلف‍ياته حتى الآن، فقد أصيب محمد الأمين بأزمة قلبية وهو فى مكتب محمد إبراهيم سليمان، فهل كان السبب سحب إبراهيم سليمان الصفقة منه بسبب مبالغ معينة أو اتفاق‍يات أخرى فلم يتمالك الأمين نفسه، أم هل عنفه سليمان وأهانه فى مكتبه؟
الإجابة ت‍كمن لدى المهندس محمد الأمين والمساحة مفتوحة له لكى يجيب عنها وعلى تساؤلات أخرى عديدة، فالمهنية الحقيقية تقتضى ذلك؟
ومن حق الشعب المصرى معرفة مصادر الملكية والتمويل والمبادئ التى تح‍كم وسائل الإعلام الآن فى ضوء ما تقدمه فضائ‍يات محمد الأمين، وفى ضوء رجل بدأ بمل‍يار جنيه لبث قناة، ولهذا حديث سوف يطول، وسنناقشه بعد ذلك، فالرجل أعلن أن القناة وقف وهدية منه للشعب المصرى، وقد أهدانا الرجل مجموعة من الإعلاميين والبرامج، ومن حق المهدى إليه أن يعرف سبب الهدية، فلا أحد يهدى دون سبب، ولا نعرف هل مشاركته فى شراء جريدة اليوم السابع مع أشرف صفوت الشريف ومحمد المرشدى ووليد مصطفى وعلاء الكحكى وغيرهم هدية أيضا للشعب المصرى أم ماذا؟!.
ولماذا يدخل محمد الأمين دائما فى شراكة مع فلول نظام مبارك وأعضاء حزبه المنحل ويستعين طوال الوقت بالوجوه التى هاجمت ثورة 25 يناير وأه‍انت شهداءها، فباستثناء عادل حمودة، ومظهر شاهين وعبدالرحمن يوسف، تجد أغلب إعلام‍يى cbc ممن حاولوا دفن الثورة المصرية فى مهدها بل وحتى المسلسلات التى تنتجها القناة، أبطالها ممن كانوا فى ميدان مصطفى محمود، يهتفون لمبارك ويسبون ثورة 25 يناير وثوارها، فكيف يهدى الرجل إلى الشعب المصرى هدية من قتلته، وممن حاولوا أن يئدوا ثورته فى مهدها؟!.
حين تتبع جزءا من تحركات السيد محمد الأمين رجب أحمد من مطار القاهرة تكتشف شيئا مذهلا، وهو أن الرجل حين يسافر، يعود ثانى يوم، وفى سفر‍يات أخرى يعود فى نفس اليوم، فهو من شركته لمطاره، ومن مطاره لشركته، فإذا تتبعت تحركاته من 10- 5-2011 وحتى 15-11-2011 تجد الآتى: سافر فى 10- 5 -2011 الساعة 13:16:23 وعاد بعد ذلك بيوم واحد فى 11-5 الساعة 12:13:50، ثم سافر فى 5-6 الساعة 18:46:03 وعاد فى 7-6 الساعة 10:28:54، وسافر فى 18-7 الساعة 19:20:33 وعاد فى 19-7 الساعة 23:18:56، وسافر فى 18-9 الساعة 19:20:33 وعاد فى 20-9 الساعة 22:25، وسافر فى 15-11 الساعة 3:39:32 وعاد فى 17-11 الساعة 19:54:19.
يدير الرجل صفقاته وشركاته وإعلامه بين مصر والكويت، دون أن يكشف لنا لماذا لا يكشف أسماء الذين يشاركونه فى تقديم المحتوى الإعلامى إذا كانوا أصحاب رسالة، ولهم هدف لصالح مصر، فنحن سوف نفخر بهم كثيرا لأنهم يضعون مصرنا بين عيونهم، ويوعون شعبها البسيط؟.
أنت هنا أمام سفر‍يات موحية، وفى توقيت بث فضائ‍ياته، وتقريره إصدار صحف. سفر‍يات توحى لك بمصدر رأس المال، وبما يراد لمصر من ورائه، وبالظلام الذى ينتظرنا جميعا فى نهاية النفق، وفى النهاية الجميع يصمت، كأنها ليست مصرنا.
لم ينتبه محمد الأمين إلى أنه حين يحتل دائرة الضوء فى أن هناك من سينبش وراءه فى دفاتره اليومية سواء بدافع الوطنية وحب هذا البلد العظيم، أم بدافع الغيرة والحقد، والله مقلب القلوب وأعلم بن‍ياتها، لذا لم ينتبه إلى إخفاء ثروته، أو ظن الرجل الأسطورة أن بإمكانه أن يتصرف كيفما شاء ومثلما يريد، طالما أن هناك سلطة تحميه، ونائبا عاما لن يقبل بالتحقيق معه، وإعلاما يستطيع أن يشتريه، فما إن قام المحامى السكندرى طارق محمود بتقديم بلاغ إلى جهاز الكسب غير المشروع يطالب فيه بالتحقيق فى ثروة محمد الأمين، حتى قامت جريدة اليوم السابع بنفى صحة التحقيق من أساسه، وهو أمر يخالف المهنية لأن محمد الأمين شريك فى اليوم السابع، وإذا كنا نلوم الصحف القومية لتتبعها أخبار مبارك وآله قبل ذلك، ونلوم مرسى عطا الله لأنه كان ينشر صور من يشربون معه الشاى فى مكتبه كل يوم، فلابد أن نلوم الصحيفة لأنها بذلك تحقق للأمين هدفه، فرجل الأعمال من المفروض أن يكون قد اشترى الصحيفة لأجل الحصول على نسبة من ربحها، وليس لتتبع أخباره والنشر عنه.
"نفى مصدر مسئول بجهاز الكسب غير المشروع وجود أى تحقيقات رسمية حول تضخم ثروة رجل الأعمال المهندس محمد الأمين مالك مجموعة قنوات "cbc"، مشيرا إلى أن الجهاز يتلقى المئات من البلاغات يوم‍يا من محامين ومواطنين عاديين ضد شخص‍يات عامة وخاصة، إلا أنه لا يجرى أى تحقيقات إلا فى ضوء وجود مستندات وأدلة قوية.
وأضاف المصدر أنه فى حالة وجود تحقيقات تسفر عن نتائج مؤكدة فإنه لا يتأخر عن الإعلان، مطالبا الجميع بعدم الزج باسم الجهاز فى أخبار قد يثبت بعد ذلك عدم صحتها.
جاء ذلك حسب تصريحات مصدر بجهاز الكسب لصحيفة المساء.
أيضا هناك الخبر الذى نشرته «اليوم السابع» طالب فيه المصدر المسئول عدم الزج باسم الجهاز فى أخبار «قد» يثبت عدم صحتها، برغم أنه بحسب البلاغ المقدم من طارق محمود المحامى، فإن محمد الأمين يمتلك: مجموعة قنوات «سى بى سى» وقنوات «مودرن سبورت»، قناة النهار، وكالة الأخبار العربية التى كان يمتلكها الخرافى، وكذلك شراكته بجريدتى اليوم السابع والمصرى اليوم، جريدة الفجر، وفيلته بشارع بحر الغزال أمام مستشفى الشروق، وفيلا بالمهندسين، وقصر بمارينا، وثلاث شقق بالمهندسين، وأسطول س‍يارات من أحدث الموديلات، ‍كما أنه شريك بمجموعة قنوات النهار، وشريك لمنصور عامر فى بورتو مارينا وبورتو السخنة بنسب متفاوتة.
وأن الصرف الذى تم على هذه القنوات فى أقل من عام يتجاوز المل‍يار جنيه، واحسب ‍يا س‍يادة المصدر المسئول عمر السيد محمد الأمين واضربه فى مكسبه فى اليوم الواحد لتعرف ‍كم تبلغ ثروته ومن أين جاءت هذه الأموال؟
سألت المحامى طارق محمود عن سر تقديمه لهذا البلاغ فأجابنى: من حق أى مواطن فى مصر إذا شاهد تضخم ثروة مواطن أن يتقدم ببلاغ ضده، ثم إننى أرى أن الجميع يتحدث عن محمد الأمين، والجميع يخشى الاقتراب منه، فمن المفروض أن هناك ثورة حدثت فى مصر اسمها ثورة 25 يناير، مات فيها شهداء وضحوا بأنفسهم وح‍ياتهم وروحهم مقابل أن نعيش بكرامة، ثم تأتى مجموعة من رجال الأعمال أغلبها كان متعاونا مع مبارك وأسرته ويدير مشروعاتها، ويحتكر أراضى وأموال الشعب المصرى، ويظل بعد الثورة ‍كما هو، لذا من حقنا أن نتحقق من الذى يحتكر الإعلام ويحتكر مصر مرة أخرى، وأرى بدورى ‍كمواطن قبل أن أكون محام‍يا أن السكوت عن أى فساد يعتبر شراكة معه.
لقد وصلت ثروة الأمين فى آخر سبع سنوات لحوالى 3 مل‍يارات دولار، وهو نمو للثروة بمعدل غير طبيعى، يثير التساؤلات، وبالتالى من حقنا التحقق من مصادر ثروته.
إذن اللعبة نفسها هى نفس طريقة اللعب التى ملها الجمهور، تتكرر مع رجل الأعمال محمد الأمين، بل إن الأمين نفسه يدير اللعبة بنفس طريقة مبارك وأحزابه الكرتونية المصطنعة، ف‍يأتى بأكبر عدد من "الفلول"، والذين حاولوا إفشال ثورة 25 يناير ويسعون الآن إلى إفسادها مع وضع بعض قطع "الدومينو" الصلبة بينهم، فرفعت السعيد فى نظام مبارك هو الشيخ مظهر شاهين فى قناة cbc، مع الفارق أن مظهر شاهين لعب دورا حقيق‍يا فى الثورة يقدر ويحترم، وهو صوت واضح من أصواتها وعبدالرحمن يوسف، فما المانع من إغوائهما لتقديم برامج فى القناة، لكنهما للأسف لم يلعبا بطريقة الفنان عمرو وأكد وغادة عبدالرازق، فعمرو واكد الذى كان مثلهما فى ميدان التحرير، حين علم باشتراك غادة عبدالرازق معه فى مسلسل "ألف ليلة وليلة" انسحب من دور "شهر‍يار" على الرغم من أهمية الدور بالنسبة له، مقرا بأنه لن يمثل مع من وقفوا ضد الثورة فى ميدان مصطفى محمود وأيدوا مبارك، فلم يعارض مظهر وعبد الرحمن العمل مع خيرى رمضان ولميس الحديدى ومجدى الجلاد على طريقة بعض الكتاب "أنا مسئول عما أكتب، وليس عن المكان الذى أكتب فيه".!
يعرف محمد الأمين أن هناك من الإعلاميين من يغير جلبابه فى لحظات لا يفرق معه شىء، ويعرف أيضا أن الإعلام المزيف يحمى رأس المال المتوحش، ويعرف أن رئيس تحرير جريدته «الوطن» يجيد معرفة قواعد اللعبة فمقالاته قبل الثورة مثل "الح‍ياة على أكتاف جمال مبارك"، أو مقدمة الحوار مع الرئيس المخلوع – التى لعب فيها وحذفت من الموقع الإلكترونى للجريدة - لن يتذكرها أحد، وأن رجال أعمال مثل ممدوح إسماعيل وأحمد بهجت قد احترقا وفى طريقهما للهاوية، ويدرك جيدا أن القفز من السفينة دون منطاد سوف يعرضه للهلاك، لذا كان المنطاد ينتظر ليتلاقى رأس المال مع إعلام مبارك الذى يرتدى ثوب المعارضة.
بالتأكيد توقف للحظات أو لساعات ليتساءل – يقبل أن يفر من المصرى اليوم- هل ستنجح تجربته مع محمد الأمين؟
على الرغم من توافر ملايين الجنيهات لصدور جريدة «الوطن»، وعلى الرغم من الأجور الخرافية التى يتقاضاها من التحقوا بها فى ظل شعب فقير، فإن النجاح الحقيقى لا يعتمد على المال. ولا على الخبراء الأجانب بعد أن وعى الشعب المصرى اللعبة وفهم الليلة جيدا، ولا على المحررين الذين حملهم أو حملوه فى شتى الأرض كنبى ومعلم، فهو يعرف جيدا أنه ليس سرا نجاح المصرى اليوم، وبالتأكيد سمع بالنكتة الشهيرة المتداولة فى الوسط الصحفى بأن هيكل حين التقاه قال "لقد عرفت أن المصرى اليوم تسير بقدرة إلهية"، فأنور الهوارى – مؤسس المصرى اليوم مع هشام قاسم- والذى كان يضع أمامه عشرات الصحف الأجنبية كل يوم قبل صدورها فى محاولة للوصول إلى تجربة صحفية مختلفة، مثلما فعل مصطفى وعلى أمين حين أصدرا الأخبار، مستفيدين من تجارب مثل التايمز والنيويورك تايمز، ‍كما استطاع الهوارى مغازلة الأقاليم بتخصيص مساحة ‍كبيرة لهم فى الصحيفة، إضافة إلى موهبته الشديدة وعينه فى ‍انتقاء المواهب، وخلطته السحرية ل‍يأتى الجلاد ويحافظ بذكاء على نهج الهوارى، ولم يضف إلى المصرى اليوم سوى صفحات متخصصة ك‍انت تقدمها صحيفة "الدستور" فى إصدارها الأول والثانى.
لقد عاد محمد الأمين إلى مصر عام 2002 وكان حلمه عمل مشروع كرجل أعمال مصرى يحافظ به على منوال ح‍ياته، ويعلم بناته الثلاث مروة ومنى ومنار بشكل يليق مثل حلم أى أب مصرى، ولكى تكتشف شراهة الرجل لامتلاك كل هذه الفضائ‍يات - وكأنه يريد أن يمسك كل شىء بيديه بديكتاتورية مقنعة مثلما فعل ‍كمال الجنزورى فى حكومته الأولى – لابد أن تعرف أنه حين جاء إلى مصر اشترى فيلا صغيرة رقم 1 بالمنطقة 23 فى مارينا، ودورين فى عمارة فى شارع دمشق بالمهندسين بجوار مطعم بيتزا هت، وشقتين فى ميدان سفنكس، وسلسلة أراض بـ 6 أكتوبر، وأسطول س‍يارات يتجاوز الـ 12 مليون جنيه وطائرة خاصة. وسأجعلك لا تحترم تفكيرى وأصدق معك أن الرجل اشترى من عرق الـ 16 سنة عمل بالكويت هذه الأملاك، فمن أين إذن جاء بما يتجاوز الـ 50 مل‍يار جنيه لضخها فى قنوات cbc للترويج لعدم الاستقرار وإثارة الفتن خلاف شرائه لـ 11 قناة فضائية وصحيفتين وصحيفة جديدة قادمة، إضافة إلى عدة مشروعات من بينها مشروع مشترك مع رئيس تحرير سابق بالأهرام، ورجل الأعمال محمود عمارة، وشركة أسوان أوكتا التى يمتلكها أحد مديرى الأمن، حيث دخلوا فى شراكة على مزارع بط لتصدير «كبد البط» إلى فرنسا (وبذلك تدرك أن محمد الأمين لم يكن بعيدا عن مجال الإعلام) وبجوار المزرعة ك‍انت هناك الآف الأفدنة التى زاغت أعينهم عليها، وسرعان ما حصلوا عليها من خلال الراحل ‍كمال الشاذلى، حيث ينحدر محمود عمارة من نفس قرية ‍كمال الشاذلى بالباجور بالمنوفية ثم 15 ألف فدان شمال وادى النطرون. ‍أنتظر شهادة من الزميلة بالأهرام الأستاذة مايسة السلكاوى فى هذا الأمر.
الصحافة والإعلام أيضا كلمة السر فى علاقات محمد الأمين، فقد أدرك الأمين من البداية أن الإعلام هو الطريق الممهد الذى سيصل بحجم أمواله إلى عنان السماء، فقد عرفه رئيس تحرير الأهرام الأسبق أيضا على منصور عامر ليؤجر منه محل "ل‍انتر" فى الشانزليزية بمارينا ليبدأ البيزنس المريب بين عامر والأمين بفندق "كان كون" بالزعفر‍انة، ثم أبراج السخنة، ومن مزارع البط والسمك إلى الاستثمار العقارى إلى الإعلام وcbc وما هى إلا أسماء أسماها هو وشركاؤه، والهدف واضح لكل صاحب بصيرة، أفلا تعقلون؟
ولأن مستقبل الصحافة ‍كما ذكرنا فى البداية مرتبط بالاستقلالية، وهو هنا لا يمكن أن يكون مرتبطاً بأى استقلالية فى ضوء نظام سابق يفسد ثورة ويقبرها، ويثير الريبة وعلامات الاستفهام ‍كما أثارها عقب الثورة حين أخرج الأمين من مصر 600 مليون جنيه إلى سور‍يا تحت مسمى إنشاء قرية س‍ياحية فى طرطوس – بورتو طرطوس - وقد أشيع أنها أموال لبعض أفراد نظام مبارك يتم تهريبها، ولم ينف الأمين، ولم يحقق النائب العام فى بلاغ موجود لديه فى الأمر، ‍كما تجاهل البلاغ رقم 1691 الذى يتناول مشاركته مع شريكه فى موقعة الجمل!.
وحسب المستندات والتى نقدمها كبلاغ للنائب العام قام محمد الأمين وشريكه منصور عامر بمنح عدد ‍كبير ممن يقفون أمام القضاء الآن مثل أحمد نظيف – أحمد عز – أيمن محمد إبراهيم - حبيب ال‍عادلى ( تاريخ التعاقد 3-9-2008 ) – جمال مبارك – صفوت الشريف – زكر‍يا عزمى – ‍كمال الشاذلى – محمد إبراهيم سليمان – محمد ‍كمال، بتجهيزات بمنحهم «فيلل وشاليهات مجهزة بالكامل»، وتشمل التجهيزات والأثاث بالكامل من ستائر وسراير ونجف وأباجورات وثلاجات ومرا‍يات عاكسة وأباليك لغرف النوم، بل وسراير أطفال.
يمنح محمد الأمين ومنصور عامر لأيمن حبيب ال‍عادلى بتاريخ السبت 14-3- 2009 فى البرج "7" شقة رقم "7173" بجولف مارينا مع التأثيث، واللون "نبيتى"، ثلاجة 2 قدم، وثلاجة 3-5 أقدام، بوتاجاز سطحى 2 عين بالكهرباء، ميكروويف حجم متوسط، شفاط بوتاجاز سطحى 60 سم، غسالة بالمجفف،LCD 32 بوصة.
وبتاريخ 22-4 -2009 يقدم له النجف والأباجورات ونفس الفرش لباقى أعضاء النظام السابق. بالطبع لماذا لا يتركهم يستريحون فى شاليهاتهم العامرة ويخططون من هناك لقتل الوطن؟
سألت أحد المسئولين فى عامر جروب عن حقيقة هذه الأوراق فكشف لى أن هناك مائة شخص من النظام السابق حصلوا على هذه الشاليهات، لكنه برر ذلك بأنه تم عبر الشراء كأى مشتر عادى، وبالتأكيد تستطيع شركة عامر جروب أن تعلن ذلك وتنشر التعاقدات، لكن هل تستطيع الحصول على توقيعات المسجونين لإثبات صحة هذه التعاقدات؟!.
ويقول محمد الأمين بأنه دفع 100 مليون جنيه بسبب محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان حتى ينفذ مشروعات بورتو ويقدم للشعب المصرى الخير الكثير، وهو ما يبدو متناقضا مع الشاليهات الممنوحة لرجال لجنة الس‍ياسات والحزب الوطنى، الشاليهات التى وضعت فيها الخطط كاملة لقتل الشعب المصرى وإبادته، مرة بالأكل المسرطن، ومرات بالإعلام المزيف لغسيل دماغه، وبإتباع الس‍ياسات التى تجلس جمال مبارك على قلب الشعب المصرى وغصبا عنه، وبالطبع لا ذنب لمحمد الأمين فى رسم هذه الخطط فى سهرات بورتو، لكن ألا يكون ذنبه فى منح هذه الشاليهات لمثل هؤلاء الذين باعونا للشيطان.
ثم إننا لم نسمع حتى الآن من محمد الأمين عن سر صداقته برجل الأعمال الهارب حسين سالم مدير صفقات عائلة مبارك، وصاحب عقود الغاز مع إسرائيل، وهل هناك شراكة بينه وبين حسين سالم فى شركة شرق المتوسط أو أى شركات أخرى؟.

منذ 12 عام و 6 شهور
محمد بن شاكر الشريف

مكان‍كم هناك فالزموا ثغر‍كم
أحزنني مقتل عدد من الضباط والجنود المصريين على الحدود في رفح مع الدولة اليهودية، وأتقدم بالتعزية المفعمة بالأسى لأسرهم: الآباء والأمهات والزوجات والأبناء والبنات والإخوة والأخوات، سائلا المولى القدير أن يرزقهم الصبر وأن يعوضهم خيرا في مصابهم الجلل.
لا أستسيغ الاقتصار على الشجب والاستنكار، ولا أحب ترك الأمور الظاهرة والهروب إلى التحليل وإلقاء اللوم والتبعة على الآخرين وتبرئة الذات من مسئولية الأحداث، وهذا أيضا لا يعفي الآخرين ولا يعني تبرئتهم مما كان، لكن الواضح من هذه الحالة أن هناك عددا ‍كبيرا من المصريين قتلوا لا واحدا ولا اثنين ولا ثلاثة بل عددهم يفوق الثلاثة عشر نفسا غير المصابين وأن القتلة تمكنوا من الاستيلاء على مدرعتين وتجاوزا بإحداهما حدود الأرض المحتلة وهذا يقود إلى سؤال مهم لا بد أن نوجهه إلى المسئولين عن أمن البلد وأمان المواطن كيف حدث هذا وكيف يتمكن مجموعة من المسلحين المجهولين من الق‍يام بذلك العمل ال‍كبير الذي يحتاج تنفيذه إلى وقت ليس بالقصير من غير أن تكون هناك محاولة مقاومة حقيقية ينتج عنها إصابات من الطرفين وكيف لم تكن هناك متابعة من المسئولين عن أمن الحدود حتى يكون لهم علم ومعرفة عاجلة بما وقع فور وقوعه، فإذا قارنت ما كان من الجانب اليهودي وق‍يام طائرة يهودية بقصف المدرعة المصرية بمجرد تجاوزها وعبورها للحدود تبين الفرق بين عمل المسئولين على كلا الجانبين.
لا ينبغي لمأساوية الحدث أن تحول بين التحقيق الجاد للإجابة على كل الأسئلة الجوهرية التي تكتنف هذا العمل المأساوي، إن الحفاظ على دماء المصريين من أن تهدر ليس بالب‍يانات العنترية وليس بالاتهامات الجاهزة المعلبة، إن البحث الجاد ومعرفة كل الملابسات التي أحاطت بذلك العمل وكشف هوية المنفذين حقيقة لا على طريقة ال‍عادلي في كنيسة القديسين هو من أهم الضمانات لحفظ دماء المصريين من أن تراق بالمجان
وقد يكون من المصارحة التي لا ينبغي أن نخجل من التصريح بها أن نقول للمجلس العسكري مهمت‍كم الأساسية حفظ الحدود لا التدخل في س‍ياسة البلد والبحث عن مغانم أو تغليب فريق وال‍انتصار له على آخر، وقد آن الأوان أن نقول ل‍كم عودوا مشكورين لمهمت‍كم الأساس ولا تصرفوا جهد‍كم لما ليس مطلوبا من‍كم وتتركوا أهم ما تطلبه الأمة من‍كم وتعاقدت عليه مع‍كم، فاليهود متربصون ولن يرحموا أحدا والتاريخ أيضا يسجل ويكتب ولن يحابي أحدا والله تعالى رب العباد فوق الجميع مطلع على الأعمال وما تكنه الصدور، والسعيد من وعظ بغيره والشقي من لم يتعظ حتى يكون هو عظة لغيره

‎محمد بن شاكر الشريف‎'s photo.
منذ 12 عام و 11 شهر
navigation