حسين عبد الرازق

عن شاب: اسمُه محمد شمس الدين
عنده قناة على يوتيوب باسم (الردود العلمية لمحمد بن شمس الدين)
تنبيه: المنشور طويل
فلا أحد يستدرك ذلك، فمن كان يُهمه فليقرأه، ومن لا يهمه فلا يشغل به نفسه، ومن لا يعرف هذا الشاب ولا هو مُتابعٌ له فهو خيرٌ له، ولا حاجة له بقراءة المنشور
ولو قرأ النصائح الأخيرة في المنشور أرجو أن تكون نافعة له إن شاء الله.
أسأل الله الصدق والبيان وابتغاء وجهه بما أكتب
تنبيه ثان: خطابي هنا ليس لمحمد شمس
فقد علمت عنه: أنه شخصٌ لئيم
ولا أثق به، وأستبعدُ قبوله...وستعلمون لماذا قلتُ فيه ذلك إن شاء الله.
وقد علّقتُ أمس على أحد فيديوهاته لأبيّن له، ولأفتح مجالا معه ليعرف أخطاءه فحذف التعليق.
ومع ذلك أفتتح كلامي عنه بالدعاء له: أن يهديه اللهُ ويُصلحه إن كان طالبا للحق، وأن يكشفه ويزيد الناس فيه بصيرةً إن كان يتعمّد الباطل والإضلال.
-إنما أخاطب بمنشوري من يتحرّى الحق ممن يتابع ذلك الشخص.
أولا: كلُّ من يعرفني ويتابع الدروس والمقالات والمنشورات أرجو أنه يعلم عني أنّي لستُ ممن يُشغَل بغيره ويتربص بأحد، لا سيما إن كان له منبر دعوى أو تعليمي، بل واللهِ إني لمن أكثر من يمد جسور التواصل والتعاون مع كل من يدعو إلى الله على هدى وبصيرة، وإن كانوا أصغر مني بسنوات.
-وإني واللهِ أريد بهم ولهم الخير وأبادر بإرسال الرسائل لهم والتواصل والتشجيع لهم والثناء عليهم وإبداء أني أستفيد منهم لأكسر الحاجز بيننا وأقطع كل وسوسة للشيطان.
-واللهُ شهيد عليَّ أني مشغول ليلا نهارا بما يمكن أن أنفع به المسلمين أبناءً وشبابا ونساء وآباء وطلابَ علم ودعاة ومُعلّمين ومصلحين، وأسأل الله أن يُديم علينا فضله ويهدينا فيما نطلب.
-وأرجو أني أحتاط في الكلام في الناس عموما وأنه يثقُل عليّ جدا أن أكتب في شخصٍ، وأني من أوسع الناس التماسا للعذر، وحملا للكلام على أحسن وجه.
-وليس بيني وبين محمد شمس أي خصومة شخصية، ولا أعلم أنه تكلّم فيّ بسوء، بل قبل مدة رأيت له تعليقا على إحدى محاضراتي يُثني عليها ..وأخبرتي قبل مدة شخصٌ أن محمدا ذكر ردّي على أحد من يروجون للشرك، فليس بيني وبين محمد خصومة شخصية.
ووالله لو كانت خصومةً شخصيةً لما أنفقتُ لها ثانية في التفكير فيها فضلا عن الكتابة.
-ولو أن شخصًا كثرتْ أخطاؤه، لكنه على هدىً وخيرٍ في الجملة فإني لا أتكلم عنه عموما إلا لبيان ذلك الخطأ بقدْره، بل أجتهد في نصحه والبيان له، والدعاء مبذولٌ مني لكل من أراد بالمسلمين خيرا، وطلب أسبابه وسعى.
#إلا أن أجد أنه من الواجب عليّ بيانُ ذلك في حق شخصٍ، لا سيما إن كان كثيرٌ جدا من الناس عموما والشباب خصوصا يحسبونه:
إماما في العلم، وحامي حمى العقيدة وحافظا لجناب التوحيد، وصادِعا بالحق، ويتخذه كثيرٌ منهم قدوةً ..
وما هو كذلك
بل هو مُتعالِمٌ متشبّعٌ بما لم يُعطه، يستعمل حيلا ليضع على نفسه هالةً من العلم والوقار والهيبة= يعلمُ من له علمٌ أنها هواءٌ وكسرابٍ بقيعة يحسبه الظمآن ماءٍ حتى إذا جاءه لم يجده شيئا
لكنه يستغفل بها جمهوره
وهو كذابٌ ومُفتَر، ويُدلّس عليهم ويغشّهم
وهو جبانٌ لا يعمل إلا في المناطق التي لا تسبب له أدنى حرج، ويبتعد كل البُعد عن أدنى ردٍّ يسبب له ضررا، مع أنه يُوهم من يتابعه أنه صادع بالحق.
-وما هو إلا فردٌ من فرقِ الطعن في المصلحين والدعاة إلى الله، والتربُّص بهم وتصيُّد الأخطاء وتضخيمها، والافتراء عليهم لتشويههم وصد الناس عنهم -وإنْ تظاهَر بأنه يرد عليهم، وأنه ليس منهم- فهو لئيم ومكّار ليس ككثير منهم الذين يكشفون أنفسهم- وهو جمعَ مع شرّهم أنه يطعن في العلماء السابقين.
وهو مُضلٌّ للشباب وقاطعُ الطريق عليهم: حيث يصرف من يتابعه منهم عمّا يحتاجه من العلم النافع والعمل الصالح
*******
ثانيا: قبل عامين تقريبا رأيت فيديو لشاب اسمه محمد شمس
والذي لفت انتباهي أنه شاب واضحٌ عليه أنه مبتدي في تلقي المعلومات لكنه يتكلم بثقة عالية، ويختار موضوعات كبيرة عليه، ويعيش دور القاضي وأنه ميزان أهل السنة
تتبعت بعض مواده فوجدت عامتها ردودًا
ولاحظتُ أنه اتخذ هذا الطريق كمنهج عام
ثم انشغلتُ عن الأمر، ولم أكن وقتها أعلم عنه سوى ذلك
بعد مدة رأيت له منشورا متداولا يضع فيه صورة (صوف خروف) ويقول: هذه الصوفية
وصورة (شعر محلوق) ويقول: هؤلاء الأشعرية!
فقلتُ: ما هذه السخافة، ما هذا بالدين ولا بالبيان والهدى ولا بالنصح، وإنما هو أليق بالسفهاء الذين اتخذوا الردود مادة للشهرة، والاستظراف والنّكت لا من يريد هداية مخالفه وبيان الحق له ودعوته.
#المهم لم أهتم كثيرا للأمر
قبل ستة أشهر التقيت بأخٍ حبيب وفتح معي ذكر هذا الشخص فذكرتُ له أنه متعالم ويعيش وهْمًا كبيرا، ونفسُ مشروعه غلط-إن كان مؤهلا له فكيف وهو ليس أهلا- وله أثره السيئ على متابعيه ..
فقال لي صديقي: أظنه على خير ولعلك تفيده وترشده ..فهل يمكن أن أعطيه رقمك للتواصل؟
قلتُ: مرحبا ..هو أخي المسلّم، وأحب له الخير.
حينما عُدت من السفر قدّر الله لي أن أطّلع على بعض مواده المرئية فوجدته يجمع مع التعالم التصيُّد والتربّص والطعن في علماء الإسلام من المتقدمين، ويتبع نهج شخص جاهل آخر ويُروّج له
شخصٍ قابع في سرداب ينشر منه الضلال، يتكلم أيضا بثقة مفرِطة، ويُغرر بمن يتبعه من الشباب والصبيان، ويجرئهم على الطعن في أئمة الإسلام وتبديعهم، ويصرفهم عما يحتاجونه من العلم النافع والعمل الصالح..ولعلي قريبا -إن شاء الله- أتكلم عنه.
لكنّ محمد شمس هذا فيه لؤمٌ ودهاء بخلاف صنوِه الذي يُصرّح أكثر بمنهجه الفاسد فيكشف نفسه (وما يُخفي صدرُه أكبر)
ومحمد يستعمل حيلا لوضع هالة على نفسه في لبسه وجلسته وطريقة كلامة ويتكلم بثقة، ويضع أحيانا صورا من كتب توهم بأنه كبير في العلم وقور وأنه يعرض المصادر بصدق، ويضع عناوين برّاقة جذابة كذّابة ليجذب جمهوره
وكل ذلك إنما يغر البسطاء!
ولا يعلم هذا المُتصنِّعُ أنّ المكياج -وإن أخفى القُبحَ مدة-سيذهب أثره بعد حين ، وأنَّ من تشبّع بما لم يُعطه فلباسُه ثوبُ زُورٍ وهو ساقطٌ عنه بإذن الله.
وأنّ من كان مقطوعَ النسب في العلم فلابد أن يُفضَح...وأن في الصدق النجاةَ، وأن حبل الإيهام قصيرٌ وأن من سلّ سيف البغي بغير حق قُتِل به، وأنه لا يُفلِح الساحرون.
ثالثا: وفي ردوده يختار من الناس إما شخصا مستهلَكا معلومًا ضلاله كالكيالي وخالد الجندي أو شخصا مستضعفا لا يخشى منه
وردودُ غيره على أولئك المُضلين أقوى وأبلغ منه بكثير.
-ويتصيد أمورا للدعاة وطلاب العلم وهي ليست أخطاء أصلا، ولكنه يُوهم أنها أخطاء ويَحمِلها على أسوأ محمل ليمرر كلامه وطعنه فيهم، ويترك من هم أولى منهم بالرد.
-ومنهجه ومشروعه أسوأ من المداخلة -وإن تظاهر بأنه ليس منهم- ففيه لؤم ومكر
ليس كمن يكشف نفسه بسهوله.
وكل ما اتخذه من حيل ومكر ليضع على نفسه هالةً من العلم والصدع بالحق وتشويه الناس بغير حق هو الذي سيسقط به لأن الله لا يصلح عمل المفسدين ولا يهدي كيد الخائنين، وأنه لا يحيق المكر السيء إلا بأهله
= فلما علمتُ ذلك عنه لم تطِب نفسي للتواصل معه
فصعب على من كان بهذه التركيبة أن يستمع نصحا أو يتواضع لتدله على خطئه.
-وهو مُولَعٌ بركوب التريند والكلام والتعليق على أي أمر شائع
مجرد فرقعة فارغة يفرح به من لا يعلمون معنى العلم ولا يعلمون أن العلم دين.
-ولن تجده يُعنَى بنشر أي محكمات ولا هدى ولا بينات ولا يدل على علم نافع ولا عمل صالح
-اختار مقطعا لشيخ ممن يطعنون في الدعاة وهو يتصيد ل(ذاكر نايك)
فرد محمد شمس على الشيخ في موعظة طويلة : لأن الشيخ بتر كلام ذاكر، وشنّع عليه، وذكر له الفَرق بين (من يفهم كلام المسلمين فهما طبيعيا وبين من يفهمه بحقد وغِل وبين من يحب أن يُمسك للمسلم بغلطة) وشنّع على الشيخ المتكلم في ذاكر نايك بأنه بتر وزوّر وحذف وكذب، وأن يلعب به صبيان المداخلة
ونصحه بالصدق والبيان
وقال : المفروض علينا التحقق والتبيّن، وقال: نريد منك أن تنتهي عن اتباع الزلة بعد الزلة، وأن لا تفرح إن وجدت زلّة لمسلم!
ثم قال للشيخ: هل هذا تعامُل أهلِ السُّنّة؟!
ثم علّم الشيخ الفرق بين من (يدعو إلى بدعة) وبين (من تبحث له عن زلة تريد بها أن تسقطه بها وتبحث عن الزلّة كأنك تبحث عن (كنز)!
هذا عملٌ لا يليق بمسلم!
ثم يختم مقطعه كالعادة بأبيات شعر تذم من تكلم بجهلٍ وهو يحسب نفسه عالما!
قلت:
ومحمد شمس هنا يلبس زورا ثوب الصادق الناصح وهو والله كذاب فعولٌ لما ينهى عنه.
وهو من أكثر من يفهم كلام الدعاة على أسواء محمل، بل يتصيد الكلام ليستخدمه في تشويههم، ويطلب الزلات والعثرات للدعاة والمصلحين ليُشوههم بها ويصُدَّ عنهم، بل ويكذب عليهم ويفتري ويُعمّي على متابعيه ممن يثقون به، وهو أكثر من يخالف هدي أهل السُّنة في ردّه.
ومحمد هذا من أكثر من يلبس ثوب العالم الكبير ويجعل نفسه ميزانًا، ويعيش وهْما كبيرا ساهم فيه نفخُ المتابعين له الذين يُسرفون في الثناء ولا يُقدرون الأمور ويغرّهم حالُه (إن كانوا متابعين حقا وليسوا ذبابا)
وما اختار محمدٌ شمس (ذاكرِ نايك) ليذب عنه إلا لأنه مستضعَفٌ ومُضيّقٌ عليه ليس له نشاط دعوي واسع الآن، ولعلّه يريد أن يركب الموجة لشهرة الرجل.
-ومحمد شمس نفسه الذي يعظ بالتحري والعدل والتفريق بين الدعاة للبدعة وتصيد الأخطاء والزلات للدعاة=هو الذي تصيّد لأحد الشباب الدعاة في الغرب (بريطانيا) الذين عُلِم عنهم حب الإسلام والاعتزاز به والذَّب عنه، ولهم جهد كبير في دعوة الناس، والرد على الملحدين وغيرهم، وكان حق الشاب عليه أن يدعوه وأن ينصحه وأن يبين له -إن كان من أهل العلم-وإن كان يريد الإصلاح أصلا.
محمد الذي سخر من الشيخ الذي تعجّل ورد على المقطع المبتور واتهمه بالظلم = هو الذي ردّ على مقطع مبتورٍ للشاب البريطاني، ولم يرجع إلى المقطع الكامل الذي فيه براءة الشاب مما رماه به.
ومع أن محمد شمس تبيّن له أن حلقته السابقة عن ذلك الشاب كان الكلام فيها مبتورا، وأن الشاب يُثبت لله ما ثبت له من صفاته، وأنه على عقيدة السلف وإنما يقصد أن نُحدِّث الناس بما تبلغه عقولهم، ورد طريقةً يراها خطأً في تدريس العقيدة ...علِم ذلك كله محمد شمس ومع ذلك
ثم جعل الرجل مُميعا لكونه يدعو إلى التعاون على البر بين المسلمين وإن كانوا على بدعة..
مع أن الشاب لم يقل: نكتم حقا أو نقول بباطل
وكتب الشاب البريطاني تعليقا على فيديو محمد شمس، وبيّن أنه يثبت جميع صفات الله و يتبع أحمد بن حنبل في الأصول والفروع، وأن المقطع المنشور مجتزأ، وأن القول بأنه جهمي زور ..
ومع ذلك كله أبقى محمد شمس الفيديو الأول (مع وضع تعليق لا قيمة له ضمن العنوان)
(نعم يُناقَش الشابُ في ذلك، ويُبيَّنُ له أن آيات الصفات تتلى وتُعلّم كسائر القرآن..وواضح أن ذلك الشاب يحتاج تعليما وإرشادا ..الخ)
يحتاج ثناء عليه وتشجيعا وتعليما، لا أن نُسقطه.
لكن محمدا ترك الفيديو الأول الذي يطعن فيه في الشاب ويفترى عليه.
-وتصيّد لأحد القائمين بمشروعات كثيرة وكبيرة، ومحمد يعلم أنه من أهل السنة وأنه رجل فاضل عامل في الخير...فتصيّد له كلاما وانتظر الوقت الذي هو مستضعف فيه حينما كثُر عليه الخصوم ليتكلم فيه!
وقد كان يداهنه قبل ذلك وقت شهرته خوفا من أن يسقط إن تكلّم فيه.
-وقبل يومين صور فيديو من ثلاث دقائق
كذب فيه على أحد الدعاة، وادّعى أن الرجل كذب على البخاري ست كذبات، وأوهم متابعيه: أن الرجل يكذب على البخاري، ويطعن فيه، وأنه أشعري، ويقول بقول الجهمية، وأنه من المداخلة الجدد الذين يطعنون في العلماء الأولين ..الخ
واستخف بهم ووضع لهم بعض صور لصفحات يوهمهم أنه يُوثِّق لهم الأمر = فانهالوا على محمد شمس بالثناء العظيم من عيِّنةِ :
الأمة بخير ما دام فيها أمثالُك....اطمأن قلبي برؤية الدليل....هذا هو الرد ولّا بلاش...حفظك الله للأمة ..أنت شمس الأمة .. إلخ
ونزلوا طعنا في الرجل واستحلوا عرضه اعتمادا على كلام هذا المُفتر الأفّاك..
وكثير من المُعلقين قال: الحمد لله أنك كشفت لنا حقيقته،،، وآخر يقول: لعله لما كان معتقلا لحسوا عقله...إلخ
وأولئك المعلقون إما أنهم من ذُباب محمد شمس أو متابعون حقا، فإن كانت الأولى فهو أفّاكٌ متشبع بما لم يعطه، وإن لم يكونوا ذبابا فهو من أضلّهم
وهو يضع لهم إعجابات على تعليقاتهم التي يعلم أنها افتراءٌ على الرجل وثناءٌ عليه بالكذب!
ومحمد شمس كذاب مدلس مفتر ويعلم أنه مفتر ويعلم أن من يتهمه ...على نقيض ذلك تماما فهذا عين الإفك ..بل محمد شمس هو الطعان في أئمة الإسلام لكنه يدخل في ذلك بلؤم ومكر ولا يريد أن يورط نفسه.
وهو يعلم أن ذلك الرجل قدم سلسلة حوالي عشر ساعات كلها في توقير العلماء والرد على الطاعنين فيهم-ومحمد شمس منهم وممن ينشر منهجهم- وإنما غاظ محمدا ما قاله فيه الشيخ فيهم، وما استطاع أن يُجيبه بحرف، ففتش عما يفتري به عليه كعادة من لا يجد جوابا ممن يستحلون الكذب.
ولمّا دافع شخصٌ عن ذلك الشيخ الذي افترى عليه محمد شمس
كتب محمد شمس عليه هذا الدعاء: أسأل اللهَ ألا يحشرك إلا مع الفجّار كما اتهمتني زورا وبهتانا!
مع أن محمدا أفّاكٌ مفتر كذب على الرجل وطعن فيه وفتح الطريق لمتابعيه المتهورين أن يخوضوا في عرض الرجل بالبهتان.

وغيرُ ذلك كثير.
#هذه الأخلاق من محمد شمس وأمثالُها ما تجعلني أصف ذلك الشخص بأنه لئيمٌ ومُدلّس وأكتب فيه منشورا كنتُ قد عزمتُ عليه منذ مدة.
علما بأني علقت له على منشور تعليقا طويلا ذكرت له فيه شيئا من كذبه وتدليسه وبيّنت جهله بالمسألة التي تكلم فيها . فحذفه من القناة ..وسأضعه في التعليقات إن شاء الله.
ولو تتبعتُ محمدا هذا لذكرت لكم عشرات الأمثلة على فساد منهجه ولؤمِه وكذبه.
وأقول أخيرا :
1-الردُّ على المضلين وأهل الباطل وأصحاب البدع وتتبُّعُهم= هذا مِن أعظم ما أُنزلَ له القرآنُ لتستبين سبيلُ المجرمين، والقرآنُ وحديثُ النبي صلى الله عليه وسلّم وهديُ الصحابة فيها بيان كل حق وردٌّ لأصول كلِّ باطل.
قال ابن تيمية رحمه الله :
‏فإن بيانَ العلم والدين عند الاشتباه والالتباس على الناس أفضل ما عُبد الله -عز وجل- به، {هُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِینِ ٱلۡحَقِّ لِیُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّینِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِیدࣰا}.
قلتُ: وهذا أخصّ ما بُعِث له الأنبياء عليهم السلام
قال الله عز وجل: ((كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ))
وما ردّي على محمد شمس إلا من هذا الباب لأن أمره التبس على بعض الناس وهو عندي صاحب بدعةٍ ومُضِلُّ لمتابعيه وصارفٌ لهم عن السبيل.
ولكن ينبغي هنا التنبيه على أمور:
أولا: ينبغي أن يكون الأصلُ في التعليم والدعوة: هو بيان المحكماتِ في العلم والعمل
بيان (الإيمان بالله وأسمائه وأفعاله ومحامده، والإيمان بكتب الله ورسله واليوم الآخر والقدر)
وما بني عليه الإسلام: الشهادتان والصلاة والزكاة والحج وصوم رمضان
وسنن النكاح والطلاق والبيوع وغيرها من المعاملات، وبيان أخلاق المؤمنين
وبيان اجتناب ما نهى الله عنه من الشرك والكبائر كالزنا والسرقة وعقوق الوالدين وشهادة الزور وغيرها
فيتعلم المؤمن: لماذا هو مسلم، وكيف يعيش مسلما مهتديا بهدى رسول الله ظاهرا وباطنا، في قوله وعمله
وأن يتعلم واجب الوقت عليه في كل شأنه وأن يُحَث عليه
لم تُذكر تلك الأعمالُ مُعظمة في الشريعة =إلا لتكون مُعظمةً في نفوس المؤمنين، و في خطاب الدعاة ..
-والداعيةُ المتبعُ الموفق المتبع للوحي هو الذي تكون دعوتُه تبعا للوحي، ما عظمه يُعظمه، وما أكثرَ من الحديث عنه يُكثر الحديث عنه.
أقول ذلك في وقتٍ شَغلَ كثيرٌ من الدعاة والعلماء أنفسَهم والناسَ (في الخطب والدروس والفيديوهات) بمسائل وعظّموها وشددوا فيها، بل وأعطوها من الوقت ما لا تستحق، وجعلوها محنةً يُوالون و يُعادون عليها
وأهملوا في طلبهم وعملهم ودعوتهم كثيرا من مباني ومحكمات الدين والشريعة التي كانت أولَى بالبحث و العلم و الدعوة و النشر.
و يبقى سامعوهم، وجُلساؤهم منهمكين مشغولين متخاصمين في أمور لا تستحق ولا يحتاجونها، وهم جُهالٌ بفرائضَ الإسلام، والإيمان، وأخلاق الإسلام.
و شغلوا العامة بنزاعات و خلافاتٍ لا منفعة لهم بالانشغال بها .
#إن أعظم دور يقوم به الداعي: أن يتبع الوحي في علمه وعمله و دعوته، ينطلق منه، ويصدرعنه، ويَزنُ به، فهذا معنى: ( أدعو إلى الله على بصيرة)
أدعو إلى الله، إلى دينه إلى شريعته، ليس إلى نفسي، ليس إلى منهجي، وجماعتي
#كثير من المسائل أُرِيدَ لها أن تحتل مساحةً من البحث والتعليم والدعوة والخصام و الخلاف والجدال =لمصالح سياسية، وأنعشها أشخاصٌ عن غفلة أو عن عمد، بل أُنشِأت لها المعاهد وأُنفِق عليها الأموال الطائلة ..وهي واللهِ مثل [مسجد الضِّرار] لتفريق المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله والدعاة إلى الله.
#الشاهدُ من كل هذا: أن تبقى محكماتُ الإسلام هي الأصل، والغذاء الذي ينبغي أن يعيش عليه المسلم ويكثر في خطاب الدعاة والمصلحين والمُربين والمُعلّمين والخطباء
#ويحتاجون كذلك إلى تتبع الباطل وأهله وبيان أصول الباطل وردّه
ويحتاجون إلى بيان ال‍شبهات وكشفها، وردّ البدع والمُحدثات، والرد على المُضلين
لكن ذلك يكون بمنزلة الدواء الذي يؤخَذ في وقته وبقدْره مع بيان المحكمات في ذلك الباب.
ثانيا: أن يكون المتولي للرد والبيان أهلا لما يرد
ثالثا: أن يكون بقسط وعلم وصدق
رابعا: أن يكون عند الحاجة وعلى قدر الحاجة
خامسا: إرادة وجه الله والنصح للمسلمين لا الفضيحة
سادسا: الجمع بين حفظ الدين وحفظ حقوق المسلمين عموما وعلماء الإسلام خصوصا
قال ابن تيمية رحمه الله لما عوتب على مخالفته لبعض الأئمة الفقهاء، واتهمه بعض أتباعهم بأنه يقدح في العلماء:
((نعوذ بالله سبحانه مما:
- يُفضي إلى الوقيعة في أعراض الأئمةِ
- أو انتقاصٍ بأحدٍ منهم
أو عدمِ المعرفة بمقاديرهم وفضلهم
- أو مُحادّتهم وترك محبتهم وموالاتهم
-نرجو من الله سبحانه:
أن نكون ممّن يحبهم ويُواليهم ويعرف من حقوقهم وفضلهم ما لا يعرفه أكثر الأتباع , وأن يكون نصيبُنا من ذلك أوفرَ نصيبٍ وأعظم حظ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
#لكن دين الإسلام إنما يتم بأمرين :
أحدهما: معرفة فضل الأئمة وحقوقهم ومقاديرهم , وترك كل ما يجر إلى ثلبهم .
والثاني: النصيحة لله سبحانه ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم , وإبانة ما أنزل الله سبحانه من البينات والهدى.
ولا مُنافاة إن شاء الله سبحانه بين القسمين لمن شرح الله صدره , وإنما يضيق عن ذلك أحد رجلين :
1- رجل جاهل بمقاديرهم ومعاذيرهم.
2- أو رجل جاهل بالشريعة وأصول الأحكام .
وهذا المقصود يتلخص بوجوه :
#أحدها : أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة , وهو من الإسلام وأهله بمكانة عليا قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور , بل مأجور لا يجوز أن يتبع فيها مع بقاء مكانته ومنزلته في قلوب المؤمنين)) انتهى كلامه ..من كتابه (بيان الدليل على بطلان التحليل)
هذا فضلا عن كتابه عظيم القدر التأسيسي في بابه (رفع الملام عن الأئمة الأعلام)
الذي كتب فيه خلاصة عظيمة تجمع بين حفظ حق المسلم عموما، و الأئمة خصوصا، وأسباب الخطأ، وإعذارهم، وبين طلب الحق وتقديم السّنة لمن استبانت له على كل قول.
وهو من أهم الكتب التي أتدارسُها مع الشباب منذ عشرين عاما لأهميته في هذا الباب
وقريبا جدا إن شاء الله سأراجعه معهم للشباب ليكونوا على بينةٍ من أمرهم في هذا الباب
2-أيها الشابُّ الكريم المُقبِل على العلم:
اعلم بارك اللهُ فيك: أنّ هذا العلم دينٌ فانظروا عمن تأخذون دينكم
وأكثِرْ من هذا الدعاء: اللهم اهدني وسدِّدني
وانتق من تتابع بعناية لأنك حتما متأثر به في مطالبه وعلمه وخلقه ولسانه ومشروعه.
فمنذ عشرين عاما خالطتُ آلاف(آلاف) الشباب والكبار في طلب العلم
واللهِ ما رأيتُ شخصا منهم مشغولا بتتبع زلات العلماء والطعن في الناس والخصومات والجدل
إلا وأجده يُصرَف به عن العلم النافع والعمل الصالح
وأجدُه يفرح جدا كلما وجد سقطة لأحد، بل هو الذي يسعى في تتبُع ذلك، ويصبر عليه، ويُمضي فيه أوقاتًا طويلة جدا جدا، ويصبر على الجدال بالساعات
وهو نفسه لا يصبر لا على القرآن ولا الحديث ولا النوافل.
وإذا ابتُليتَ بمُجالسةِ أحد هؤلاء يكون أقصى ما تطلبُ أن تقوم من مجلسه وليس عليك إثمٌ، من كثرة غِيبته وبُهتانه، وسلاطة لسانٍ يُبرِّرُها-زورًا- ب(نُصرة الحق)
وتجد في قلبك قسوةً وضِيقًا من كثرة جداله
وكلما سعيتُ لأُحوِّل المجلس للمُدارسة والتواصي بالخير ضاق منه وأثار أمور الجدال والخصومات.
وواللهِ ما أعلم واحدا منهم حصَّل شيئا يُذكر في أي باب من علوم الشريعة إلا مجموعة مسائل يعيش عليها ويمتحن الناس بها،
ويأكل بها، ويُعيد ويزيد فيها لأنه فاضي.. فارغ.. مُفلِس
وإن انتهى فيها الكلام فلن يجد ما يتكلم فيه من بعده!
وإني واللهِ لأُشفق على شباب الإسلام أن يُتابعوا أولئك ويقتدوا بهم متوهّهمين أنهم حماةُ الدين، وأنهم فرسان العقيدة، وأنهم هم الذين لا يخافون في الله لومةَ لائم، وأنهم الصادعون بالحق... الخ
وهم واللهِ قُطّاعُ طرق.. صادون عن سبيل الله
صارفون شباب الإسلام عن العلم النافع والعمل الصالح، ومُبغِّضوهم في أهل العلم الثقات والدعاة والمُصلحين.
ويصورون لأتباعهم أن منهجهم هو الحق الخالص، وأنهم صفوة الناس وخلاصة المؤمنين.
وما هم إلا سُفهاء أحلام استخفّهم أولئك ووظّفوهم في معاركهم الشخصية وما يطمعون فيه من الرياسة والشهرة.
ولا يُفلح الساحر حيث أتى
واللهُ يعلمُ المُفسد من المُصلح
ولا يهدي كيد الخائنين
ولا يصلح عمل المفسدين
*****
3-وأنا أعلم أن محمدا هذا لعله إن قرأ منشوري سيبحث عن صورة شخصية لي ويكلِّف أحدهم بعمل غلاف مُبهِر وعنوان جذّاب عني وسيُطلقُ ذُبابه وسينطلق معهم ذبابُ ذاك الشخصِ المختبئ في سردابه على دروسي ومحاضراتي ومنشوراتي ليتصيّدوا منها ما يمكن أن يردوا به عليّ، وأعرف أن ألسنتهم ستنطلق فيَّ، ولا يشغلني ذلك.
وإنما يهمني أن أبيّن حال ذلك الشخص الذي أراه مُفسدا غرّ كثيرًا من الناس وأضلّهم عما يحتاجونه من العلم النافع والعمل الصالح وأطلق لسانه كذا وزورا في الدعاة والمصلحين وعلماء الإسلام السابقين وسنّ سنن سيئة في الشباب كل ذلك بلؤمٍ ومكر.
اللهم ربّنا طهّر العمل الإصلاحي من كل كاذب، وأصلح عمل الصادقين
وإن كنتَ تعلمُ أني قمتُ بها لوجهك ونصيحةً للمسلمين وتحرّيتُ فيها الحق فادفعْ عني ودافعْ وانصرْني
و(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)
وحسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.
اللهم اهد شبابَ الإسلام للثقات المهتدين المُخلصين من أهل العلم
واشرح صدورهم لكتابك وحديث رسولك والاستقامة على الهدى
واكشف كلَّ من يُضل الشباب ويُغرر بهم

منذ عامين و 6 شهور
حسين عبد الرازق

(فَأَعۡرِضۡ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكۡرِنَا وَلَمۡ یُرِدۡ إِلَّا ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ)
نمط للحياة:
الشخص الذي يعيش في كسل ونوم وتضييع وقت ويشرب خمرًا ويفعل الفواحش.. الخ
هذا النمط كثير من الناس يكرهه ولا يريد أن يكون مثله.. نعم
لكن يوج نمط آخر:
شخص مهتم بوقته وصحته وشكله ولِبسه ولياقته البدنية وتطوير نفسه في شغله
وكثير منهم مشهور جدا في مجاله وله متابعون على قنواته
ممكن تجد له صورة في الچيم، وأخرى ببدلة شيك، وساعة فخمة وهو يشرب نسكافيه، وثالثة يجلس في حديقة بيته يقرأ كتابا، ورابعة وهو في سيارة جميلة.. وهكذا
وناجح في شغله
لكنه لا ينشغل بدينه ولا إيمانه ولا عبادته، ولا يأتي ذكرُ الله ولا الدار الآخرة على لسانه
بل كثير منهم كافر ملحدا كان أو نصرانيا..
وكثير منهم صار قدوة لكثير من شباب وفتيات الإسلام، يريدون ان يكونوا مثله في لبسه وأهدافه وتفكيره ونمط حياته!
هذا هو الفَخُّ والخدعة والشُبهة..
#لازم تفهم أن النمط الأول كما أنهم فشلة، ولا ينبغي أن يكونوا لك قدوةً= فكذلك النمط الثاني لا ينبغي لك قدوة فهم أيضا فشَلة،وعلى ضلال مُبين أيضا
وقد ذكر الله أقواما كانوا على معرفة دنيوية وبُنيان وقوة لكنهم ضلوا عن سبيل الله واستكبروا ونسوا الله والدار الآخرة فما أغنت عنهم قوتُهم ولا أموالهم شيئا عند الله.
ويجب ألا تريد أن تكون مثلهم، بل تأخذ منهم - فقط- ما عندهم من نشاط وجِد
الذي يجب أن تفهمه أن الضلال والضياع سُبل متنوعة وليس محصورا في فعل الفواحش وشرب الخمر والكسل والنوم وإهمال الصحة... إلخ
بل أعظم ضلال : أن تعمَى عمّا خُلقتَ له، وتنسى الله، ولا تعمل للدار الآخرة وترضى بالحياة الدنيا وتطمئن لها
﴿إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (٧) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٨) ﴾
هذا أعظم ضلال
فاعلمْ أنك لو تطلب تغيير نفسك للأفضل وإصلاح أحوالك فمقدمةُ ذلك أن تُصلح دينَك الذي هو عصمة أمرك
وأن تسعى في إصلاح باقي أبواب الحياة( لوجه الله) تبتغي به رضا الله والعونَ على طاعته
لا ليُقال: ناجح.. يُطور نفسه.. يحافظ على وقته وصحته
وأكثر الناجحين في هذه الدنيا يبتغون بنجاحهم حظوظ أنفسهم من المال والشهرة والجاه والمنزلة
أما المسلم فهو مصبوغٌ بصبغة الله في أهدافه وأعماله وأسبابه ورُدود أفعاله..
ويعرف: ما الذي ينبغي أن يطلبه ويسعى إليه
وحتى لو أعجبه شخصٌ في أي مجال من المجالات فإنه يأخذ منه أحسن ما عنده، ولا يُقلّده تقليدًا أعمى..
فأحِب نفسك وانشغل بها واسْعَ في الخير مُبتغيا وجه الله، واعلمْ أنك كادحٌ إلى ربّك كدحا فمُلاقيه
فاعملْ لهذا اللقاء.

منذ 3 أعوام
حسين عبد الرازق

فَأَعۡرِضۡ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكۡرِنَا وَلَمۡ یُرِدۡ إِلَّا ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ..
يوجد نمط للحياة:
الشخص الذي يعيش في كسل ونوم وتضييع وقت ويشرب خمرًا ويفعل الفواحش.. الخ
هذا النمط كثير من الناس يكرهه ولا يريد أن يكون مثله.. نعم
لكن يوج نمط آخر:
شخص مهتم بوقته وصحته وشكله ولِبسه ولياقته البدنية وتطوير نفسه في شغله
وكثير منهم مشهور جدا في مجاله وله متابعون على قنواته
لكنه لا ينشغل بدينه ولا إيمانه ولا عبادته، ولا يأتي ذكرُ الله ولا الدار الآخرة على لسانه
بل كثير منهم كافر ملحدا كان أو نصرانيا..
وكثير منهم صار قدوة لكثير من شباب وفتيات الإسلام..
هذا هو الفَخُّ والخدعة والشُبهة.. انبهروا بهم
ويريدون يكونوا مثلهم في التفكير والأهداف والطموح، ويتكلمون بلسانهم
وهذا النمط ضلالٌ مُبينٌ وهم فشلة أيضا

وقد ذكر الله أقواما كانوا على معرفة دنيوية وبُنيان وقوة لكنهم ضلوا عن سبيل الله واستكبروا ونسوا الله والدار الآخرة فما أغنت عنهم قوتُهم ولا أموالهم شيئا عند الله.

ويجب ألا تريد أن تكون مثلهم، بل تأخذ منهم - فقط- ما عندهم من نشاط وجِد
وأنت في غنى عنه أيضا، لأنك ستجد في المسلمين المصلحين الناجحين على مر العصور الأسوة.
فالذي يجب أن تفهمه أن الضلال والضياع سُبل متنوعة وليس محصورا في فعل الفواحش وشرب الخمر والكسل والنوم وإهمال الصحة... إلخ
بل أعظم ضلال : أن تعمَى عمّا خُلقتَ له، وتنسى الله، ولا تعمل للدار الآخرة وترضى بالحياة الدنيا وتطمئن لها

هذا أعظم ضلال
فاعلمْ أنك لو تطلب تغيير نفسك للأفضل وإصلاح أحوالك فمقدمةُ ذلك أن تُصلح دينَك الذي هو عصمة أمرك
وأن تسعى في إصلاح باقي أبواب الحياة( لوجه الله) تبتغي به رضا الله والعونَ على طاعته
لا ليُقال: ناجح.. يُطور نفسه.. يحافظ على وقته وصحته
وأكثر الناجحين في هذه الدنيا يبتغون بنجاحهم حظوظ أنفسهم من المال والشهرة والجاه والمنزلة
أما المسلم فهو مصبوغٌ بصبغة الله في أهدافه وأعماله وأسبابه ورُدود أفعاله..
ويعرف: ما الذي ينبغي أن يطلبه ويسعى إليه
وحتى لو أعجبه شخصٌ في أي مجال من المجالات فإنه يأخذ منه أحسن ما عنده، ولا يُقلّده تقليدًا أعمى..
فأحِب نفسك وانشغل بها واسْعَ في الخير مُبتغيا وجه الله، واعلمْ أنك كادحٌ إلى ربّك كدحا فمُلاقيه
فاعملْ لهذا اللقاء.

منذ 3 أعوام و شهر
معتز عبد الرحمن

مجتمع يتشكل .. بين الأحقاف والحجرات
-
في رحلة بين سورتي الأحقاف والحجرات، مرورا بسورتي محمد والفتح، لمحت في خلفية آياتهم العظيمة ومشاهدهم الجليلة خطا متصلا يصف حال تكون المجتمع المسلم الداعي إلى الله، ويفصّل تحدياته في كل مرحلة.
في الأحقاف، مرحلة الدعوة والمناظرة، وطرح الحجج والبراهين، وربط رسالة النبي صلى الله عليه وسلم بالرسالات السابقة، ومعاناة التعامل مع أهواء المشركين و‍شبهاتهم واحتجاجاتهم ‍وردودهم الباطلة وربما المستفزة، (قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ..)، (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ..)، وغيرها، فيظهر وسط الظلام الشديد نور وثمرة لهذه الدعوة، (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13)) (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ).
-
بعدما كان المجتمع كله في ضلال، ظهر النور رويدا رويدا، حتى بدأ الصراع بين النور والظلام حتى داخل الأسرة الواحدة (وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17))، بل واتسع النور حتى وصل إلى غير البشر، ليبدأوا هم أيضا نضالهم (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30))، وهذا التدافع بين الحق والباطل وبين الحجة والمكابرة به من المشقة ما الله به عليم، مشقة تطيل وقت المعاناة وتدفع المؤمنون لاستعجال الحسم، فكان التكليف الذي ختمت به السورة (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)).
-
ولكن الصبر المكلف به النبي صلى الله عليه وسلم تتعدد صوره ولا يقف عند الصبر على المحاججة وتحمل الإيذاء فقط، بل يمتد للجهاد كما في سورة (محمد) التي تأتي بعد سورة (الأحقاف) لترسم جزء آخر من مسار مجتمع النور الوليد، مرحلة بناء (الشوكة) المدافعة عن الحق الذي أسسته الحجة قبل ذلك، فقد توعدت سورة (الأحقاف) المعاندين بخزي وعذاب الدنيا، وهذا لا يكون في الأمم التي كلفت بالجهاد عبر العقوبات والآيات الكونية فقط، بدأ المجتمع المسلم يجاهد خلف نبيه صلى الله عليه وسلم وتظهر له شوكة، فتظهر له تحديات لم تكن ظاهرة في أيام الاستضعاف والمقارعة اللفظية فقط، إنهم المنافقون، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16))، دخلوا الإسلام خوفا من شوكته الموجهة نحو الكفار وطمعا في ثمارها، ولكفرهم الباطن يصبحون عبئا إضافيا على المجتمع الجديد، ‍شبهات وتخذيل وخيانات، تجعل المسلم ينظر أمامه بعين واحدة بينما ينظر خلفه وحوله بألف عين، فيعينه الله تعالى بالأحداث والمقادير التي تكشف له أمرهم وتسهل عليه مهامه (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)).
-
يصمد المجتمع المسلم في معركتي الحجة والشوكة، وتبدأ الثمار تنضج، ثمار الفتح الكبير، وثمار المغانم، وقد كشفت مرحلة بناء الشوكة حال الكثير من المنافقين وألقت بهم إلى الهوامش التي رأوا فيها الأمان سابقا، فيسيل لعابهم من جديد ويحاولون الدخول إلى المشهد بأي طريقة، في سورة (الفتح) يأتي ذكر تلك المحاولات
-
(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11))
(سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15))
-
وكأن المجتمع المسلم في تلك المرحلة سيحتار في أمرهم من جديد، من يا ترى يريد أن يتوب فعلا، ومن لا يزال يخادع ويخفي غير ما يظهر، فتعطيهم سورة (الفتح) الحل العملي الصالح لكل زمان ومكان، فالعمل هو ما يصدق القول أو يكذبه (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16)).
-
استمر المجتمع في انتصاراته وتجاوز أكثر تحديات المراحل السابقة وزاد استقراره، فبدأ يواجه تحديات جديدة، آفات القوة والنصر والاستقرار، فتخاطبه سورة (الحجرات) لتقيه شر نفسه، فتحذره من أخبار الفساق الكفيلة بإهلاك أي مجتمع مهما قوي والتي تكون أشد عليه من السيف والرمح، ثم النزاع النزاع، فالمجتمع الذي كان ضعيفا لا شوكة له بالأمس، أصبح به من القوة ما قد يكفي لقيام حرب بين فئاته (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)، المجتمع الذي كان قليل العدد محدود التنوع قد توسع وكثرت فئاته وطبقاته، فيظهر بين أبنائه التمييز والسخرية (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11))، والظن والتجسس والغيبة، فمن لم يمزق لحم أخيه بالسيف في صراع داخلي قد يأكل لحمه ميتا بالغيبة والبهتان، فتنهاه السورة كل هذا، وتذكره بأصل قد ينساه المرء بسبب القوة والترف (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)).
-
ولأن المجتمع القوي يغري من حوله بالانتماء إليه، مع إغفال أن الانتماء إليه مرتبط بأصل عقائدي متين وليس بعرق أو انتساب إلى أرض وحدود، تنبه السورة لأهمية التفريق بين الانتماء العقدي الحقيقي المتكامل، وبين الانتماء الشكلي السريع الذي لم ينضج بعد، وأن الاختبار وتصديق العمل للقول لم ينته بل سيظل دائما هو المحك الذي يحاسب عليه المرء والذي تكمن فيه القوة الحقيقية للمجتمع

(قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15))
-
فالمجتمع المسلم لا يفرح لمجرد زيادة عدد أفراده دون نظر إلى حقيقة ذلك الانتماء، بل يبقى الأصل في الاستضعاف هو هو الأصل وقت النصر، أن الفرد هو من يفرح بتوفيق الله له أن اهتدى للإيمان.
(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18))
# رمضان_ 1443

منذ 3 أعوام و شهرين
محمد شاهين - التاعب -

صدر من مركز #رواسخ كتاب
‏الوجود التاريخي للأنبياء… وجدل البحث الأركيولوجي .. ‍شبهاتوردود
‏للدكتور #سامي_عامري ⁦‪⁩
‏دكتوراه في مقارنة أديان
‏ويتقن السريانية واللاتينية والعبرية المكتوبة والفرنسية والانجليزية
‏ما يقوي دراسته بكشف مغالطات المستشرقين وأوهامهم وعثراتهم المنهحية في نفي وجود الأنبياء تاريخيًا معتمدين على ما يعرف بالدليل الأركيولوجي وتكذيبهم للكتب السماوية واعتبار ماورد فيها من أسماء الأنبياء عبارة عن خرافات بما في ذلك القرآن!
الكتاب ‬يعتبر
إضافة نوعية وجديدة للقارئ العربي
والمؤلف يفرد صفحات وفصولا نقدية منهجية لأطروحات المؤلفين العرب من مقلدي الغرب في التشكيك بوجود الأنبياء مثل #فراس_السواح و #خزعل_الماجدي مبيناً سبب احتفاء اللادينيين و#الملاحدة العرب بهم والترويج الكبير لكتاباتهم!

منذ 4 أعوام
محمد شاهين - التاعب -

الحمد لله.. صدر الكتاب الجديد
صدر اليوم كتابي الجديد "الوجود التاريخي للأنبياء، وجدل البحث الأركيولوجي.. ‍شبهاتوردود".. وهو ضمن سلسلة "الانتصار للقرآن" في الردّ -حصرًا- على ‍شبهة يجتهد الملاحدة واللادينيون في الشرق والغرب في ترويجها، وهي أنّ علم الآثار (الأركيولوجيا) قد أثبت خرافية كلّ الأنبياء الوارد ذكرهم في القرآن الكريم..
لم تكن عندي نيّة لأن أكتب في هذا الموضوع في هذه السلسلة قبل أن أستبين انتشار هذه الدعوى في العالم العربي على وسائل التواصل، والترويج الكبير لدعاوى فراس السواح وخزعل الماجدي، فقررتُ أن أجعل البحث في فصل واحد ضمن كتاب أكبر.. ثم تطوّر الحديث في تفاصيل الموضوع؛ فأفردته في كتاب في أكثر من خمسمائة صفحة..
الكتاب جدل علمي في الأركيولوجيا في ضوء أحدث الدراسات التخصصيّة الأكاديمية دفعا لدعاوى التيار الأركيولوجي المتطرف في الغرب (خاصة Thomas L. Thompson وPhilip R. Davies )، وأذنابه في بلاد العرب، ومناقشة لل‍شبهات التي تُساق لإنكار تاريخية جميع الأنبياء الوارد ذكرهم في القرآن بالاسم، بعد باب أول تأصيليّ في حجيّة الدليل الأركيولوجي في مسألة تاريخية الأنبياء.. مع كشف التناقضات الكثيرة للسواح، وتحولاته (الخفية والعجيبة) من مذهب إلى آخر، وفضيحة متابعته لإسرائيل فنلكشتاين الذي نقض في آخر كتبه ما أسّس عليه السواح معارضته لوجود داود عليه السلام ومملكته.
هذه حجّتنا، نعرضها للمباحثة العلمية، في ضوء الدليل العلمي.. وإن كان المسلم يستغني عن كلّ دليل مادي؛ لأنه يستدل لتاريخية الأنبياء بربانيّة القرآن الذي قامت على صدقه الشواهد..
ولعلّي -بإذن الله- أقدّم بعض الفيديوهات في الأسابيع القادمة في شأن مادة الكتاب، ومنهجه، وتحدياته..
الكتاب متاح الآن للتوزيع في مكتبة طروس في الكويت، وللشحن عن طريق الناشر (مركز رواسخ: الواتس 0096590963369) خارج الكويت.. وسأشير إلى توفره خارج الكويت عندما يتاح ذلك بإذن الله

اللهم ارزقنا الإخلاص.. ولا تنسوني من دعوتكم
فهرس الكتاب في التعليقات.

منذ 4 أعوام
محمد علي يوسف

أعوام طويلة مرت..

عشرات بل مئات السنوات مضت منذ أوى الفتية إليه كهفهم

أكثر من ثلاثة قرون قضوها في سبات عميق

أجيال رحلت وأجيال أتت وممالك سقطت وأخرى قامت وهم في كهفهم لا يعلمون شيئا عن كل ما تموج به الدنيا من أحداث

ثم كانت العودة..

فجأة دبت الحركة في أطرافهم والحيوية رجعت من جديد إلى عروقهم

لقد بعثوا..

ربما لم يلحظوا بعد قدر المدة التي مكثوها في سباتهم ولم يدركوا أنها لم تكن أبدا نومة عادية

لكن سرعان ما سيفعلون

مجرد التعرف على ذلك الحال الجديد وتلك الهيئة التي صاروا إليها بعد مرور كل تلك السنوات على سباتهم سيجعلهم ينتبهون إلى حقيقة أن غفوتهم ربما لم تك مجرد يوم أو بعض يوم

ثمة أمر خوارقي مرَّ بهم

لكنهم في النهاية بشر...

ورغم ما أجرى الله لهم من الكرامة إلا إنهم يتصفون بما يتصف به غيرهم ويمتلكون ذات الغرائز التي يمتلكها المخلوقون

لذا كان أول ما شعر به أصحاب الكهف من مشاعر إنسانية بعد تلك النومة الطويلة والتساؤل عن مدتها = الحاجة إلى الطعام

تحركت تلك الغريزة واستشعرت بطونهم ذلك الاحتياج الطبيعي للبشر

إن المعجزة قد تمت وعادت خصائصهم البشرية للعمل من جديد

لكن هذه الغرائز الطبيعية لم تكن أبدا بمعزل عن القيمة المركزية التي ضحوا بكل شيء لأجلها

قيمة الدين

الشرع

ما يرضى الله

فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا

تأمل الكلمة

"أزكى"

قال ابن عباس‏:‏ أزكى أي أحل ذبيحة؛ لأن أهل بلدهم كانوا يذبحون على اسم الصنم، وكان فيهم قوم يخفون إيمانهم‏.‏

إذاً فقد ظل هم صحة الدين وصواب الاختيار وعدم التفريط في مرضاة الله = هو المطلب الأول والقيمة المركزية العظمى التي تبدأ الأشياء عندها وتنتهي..

إنهم يصرون رغم حاجتهم إلى الطعام على أن يكون هذا الطعام هو الأزكى

الأطهر

الأحلَّ

رغم أنهم كما رُوي كانوا من أبناء الأمراء والوزراء وعلية القوم إلا إنهم حين ابتغوا طعاما لم يقولوا ائتنا بالأفخم أو الألذ طعما أو الأغلى ثمنا

بل طلبوا الأزكى

لم تحملهم غرائزهم أو يدفعهم جوعهم أو تضطرهم شهوتهم إلى نسيان حقيقتهم

إنهم فتية آمنوا بربهم

إنهم قوم أصحاب عقيدة ودين

قوم يتحرون الحلال في كل شيء ويقصدون إلى الأطهر من كل شيء ويعمدون إلى الأزكى بين كل شيء

قوم يحركهم دين ويضبط حركتهم شرع

وحتى في أحلك المواقف وأصعب الأحوال يظل المقام محفوظا والفكرة المركزية لا يتقدم عليها شيء ولا يعلو فوقها شيء

هذا المشهد القرآني بين مشاهد كثيرة ومواطن متعددة في كتاب الله ترسخ لهذا المبدأ المحوري والقاعدة المهمة من قواعد القرآن وأساليبه التغييرية

المركزية
مركزية الدين في حياة المسلم...

ذلك المفهوم والتصور الذي يعد من أخطر المحاور التغييرية في القرآن

أن يكون الدين هو المركز الذي تنبعث منه تصوراتك، والأصل الذي تُبنى عليه أقوالك وأفعالك، والنواة التي تدور حولها سائر خياراتك وتنبثق منها أهم قراراتك

وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ

من خلال هذه الآية المحكمة تنبعث تلك المركزية المفترضة والأصل الجامع

إلا ليعبدون

تلك هي الغاية وهذا هو المقصد المركزي

العبادة

لكنها هنا عبادة بمفهوم شامل جامع لا يقتصر على الشعائر وإنما يمتد ليشمل سائر الأقوال والأفعال والأخلاق والمعاملات والسلوكيات

والهموم ويحركها هدف مركزي واحد

إرضاء الله

حين أخبر النبي ﷺ أصحابه عن مدة مكث المسيح الدجال في الأرض وأيامه الأربعين والتي منها يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم

= عندها توقف الصحابة عند أمر عجيب ربما لا يكون هو أول ما يتبادر إليه الذهن عندما يروى أمر خارق للطبيعة ومخالف لنواميس الكون المعتادة

يوم كسنة!

الذي يتبادر للذهن قد يكون سؤال عن الكيفية أو الحكمة أو تفاصيل هذا اليوم الطويل وهل يكون ليلا كله أم نهارا كله وهل هذه ظاهرة قد تتكرر أم لها ارتباط بالخوارق المعاصرة للدجال إلى آخر قائمة الأسئلة التي قد يبدو كثير منها منطقيا وبديهيا

لكن الصحابة سألوا عن شيء مختلف تماما

سألوا عما يشغلهم..

عن الهم المركزي الذي كان يملأ صدورهم

عن الشيء الذي يشكل المساحة العظمى من تفكيرهم الذي انبثق من استيعابهم لمركزيته في القرآن

- يا رسول الله فذاك اليوم الذي كسَنَة أتكفينا فيه صلاة يوم؟

هكذا سألوا

ولقد أجابهم النبي ﷺ: لا، اقدروا له قدره

السؤال كان واضح الدلالة كما ترى

لقد استفهموا عن الصلاة

عن الطاعة

عن الوسيلة لنيل مرضاة الله

كان هذا هو الهم المركزي الذي شغل قلوبهم وعقولهم وعنه تفرعت جل أقوالهم و أعمالهم

ونشأ ذلك من ترسيخ القرآن لهذه المركزية

" قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ

قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ

إنها بحق نقلة فكرية و روحية هائلة من عقيدة شاذة ، وتصور للدين شائه مقزم منقوص إلي عقيدة راقية وتصور للدين واضح كامل متكامل جليل

علي حين جرت العادة بين الخلائق قرونا قبل بعث النبى ﷺ؛ أن يوجه الناس ما لقيصر لقيصر ، وما لله لله ، وأن ينعزل الدين عن الحياة ، ويظل حبيسا بين جدران دور العبادة فلا يعود يُذكر إلا حين الحاجة إليه

وعلي حين جرت العادة أن يُنظر دائما إلى الدين على أنه فقط شعائر تعبدية لا علاقة لها بمعايش الناس ولا تدور حولها معاملاتهم وأن تقتصر على صلاة وذكر ودعاء ونسك وما كان على ذلك النسق ، من ملامح العبودية وأمثلتها = جاء الإسلام بدين يعبر حدود الجدران والصدور منتظما كامل الحياة، ومهيمنا علي جميع ملامحها ومجالاتها وأنشطتها علي السواء

تصور لم يعرفه العرب قبل البعثة ، ولا تصورته الأمم في سالف الأديان ..

هذه الآية المحورية تفاجئ أصحاب تلك الأفكار الإقصائية - للدين- بمعنى مباين تماما لما يظنونه ويهوونه، بل وتستريح إليه نفوسهم الأمارة بالسوء، المحجوبة عن شهود حقيقة العبودية الجامعة

إنها تفاجئهم بأن الدين منظومة مركزية كبرى

حياة شاملة متكاملة

منظومة المحيا فيها لله ، والممات لله ، وليس فقط النسك و الصلاة..

لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ

هكذا تختم الآية بذلك الحسم ولتظهر الثمرة الكبرى لتلك المركزية الحياتية للدين

ثمرة توحيد الوجهة

وذلك هو الفارق بين من تمزقت حياته بين شركاء متشاكسين ؛ من درهم ودينار وشهوة و‍شبهة ، وبين من وجد وجهته ، وعرف طريقه والمحور الذي ينبغي أن تتمركز حوله حياته = فسارع إليه ، ولم يكتف بمجرد المعرفة والمسارعة ، وإنما آثر السبق واختار أن يكون بين السابقين الأولين المكرمين

ولقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستفتح صلاتنا بإعلان هذه الوجهة الواحدة ، كما فعل إبراهيم عليه السلام فى السورة نفسها ، فقال : "إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِين"

، ثم بإقرار المحيا والممات والصلاة والنسك من قبلها لله تعالى وحده بلا شريك ،

واستفتاح الصلاة بالذات بهذا الإعلان التوحيدى الخالص له مدلول مهم على تلك الفكرة التي يرسخها القرآن ويغير بها مفاهيمنا وتوجهاتنا

المركزية

فهاهنا مقام عبادة ، ورغم ذلك لا ينسى العابد أن توحيد وجهته ليس قاصرا على العبادة فحسب ، وإنما يمتد ليشمل جميع نواحى الحياة والممات

بل حتى الموتة الصغرى تمتد إليها تلك الفكرة المركزية وتتأثر بها..

وأعني بالموتة الصغرى النوم

ظهر ذلك الامتداد في لفظ مهم من حديث الرجل الذي كرر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة واتبعه سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص ليعلم بماذا نال هذه المنزلة وتلك البشرى

الرجل كان إذا أوى إلى فراشه وغط في نومه = كلَّما تعارَّ وتقلب في مضجعه؛ سبَّح، وكبَّر، وهلَّل، وحَمِد اللهَ

وفي رواية أن الرجل انتبه في جوف الليل، فقال: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، آمنتُ بالله العظيم - ثلاثًا - لا حول ولا قوة إلا بالله - ثلاثًا - ثم نام حتى سمع غَطيطَه،

ثم انتبه انتباهةً أخرى، فقال مثلها، ثم نام، فانتبَه وقد جاء الصبح، فقال: يا ابن أخي، قُمْ فتوضَّأ؛ حتى نصلِّيَ ركعتي الفجر، ثم ندركَ الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

ثلاثَ ليالٍ لا يَزيد الرجل على هذا

في الحديث كما ترى نموذج واضح لتلك الحالة التي نتحدث عنها

التمركز الكامل حول معاني الدين لدرجة ظهور آثار ذلك عند التقلب في أثناء النوم

هم وإشفاق وانشغال يحويه الصدر ويؤثر على الإنسان في شتى مواضعه خصوصا تلك التي تخلو من تكلف كمثل التقلب في فراشه

لقد وصف القرآن مثل هذه الحالة بوضوح في سورة السجدة

"تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ"

تأمل وصف قيامهم لصلاة الليل والذي تشعر من خلاله أنه غير متكلف إذ الجنوب لا تطيق دفء المضجع الوثير نظرا لذلك الهم الذي لخص في كلمتين

خوفا وطمعا

هذه هي الفكرة المركزية التي أقامتهم وحركتهم ودفعتهم للإنفاق بعد ذلك

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تحدث عن رجلين يعجب منهما الله

أحدهما؛ رجل ثار من وطائه ولحافه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي" رواه أبو داود

تأمل العلة من جديد

رغبة وشفقة

هذا هو ما يشغله ويملأ نفسه ويحركها ويدفعها للعمل

ويظهر ذلك لا محالة عبر انشغالها وما يلفت انتباهها

إنه الهم..

الفكرة المركزية التي تدور حولها سائر المفاهيم الأخرى

مركزية الدين في حياتنا

والحق أن القرآن ضرب أمثلة أكثر من أن تحصى لتلك المركزية التي تظهر في كلمات ‍وردود أفعال من ترسخت لديهم وتشربتها قلوبهم

كلمات تعبر بوضوح عن كون الدين هو ما ينشغلون به في شتى الظروف ومختلف المواقف

- أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا

كانت تلك هي أولى الكلمات التي نطق بها الرجل المؤمن أثناء حواره مع صاحب الجنتين المغتر بدنياه

رغم قسوة كلمات الغني وتعاليه ورغم إهاناته المتوالية وتذكير المؤمن أنه أقل غنى منه إلا أن أول ما جال في صدره وانعكس على لسانه كان الأمر المركزي الأهم

كان الدين

عن الكفر سأله

وللإيمان بالخالق دعاه

الذي خلقك..

من تراب..

ثم من نطفة..

ثم سواك رجلا..

إنه تذكير بالنعم الأصلية التي لا تعد جنته شيئا إلى جوارها

استدعاء لذلك الحين من الدهر الذي لم يكن فيه شيئا مذكورا

لَٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا

والحل سهل..

وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ

أرجع الفضل لصاحبه

علق القلب بالمنعم

اعرف حقيقة النعمة وأنها محض مشيئة إلهية

واعرف منبع القوة ومصدرها

وقل ذلك معتقدا إياه

ذلك هو الحل ببساطة

ولقد كان ذلك قبل أن يتطرق إلى الحديث عن فقره أو قلة ولده مقارنة بصاحب الجنتين

وحتى حين تطرق لذلك كان من خلال منظور إحسان الظن بربه ورغبته في جزيل عطائه

إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَىٰ رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا

الحوار كله كما ترى يدور حول ذات الفكرة المركزية التي يرسخ القرآن لضرورة وجودها في قلب المؤمن

الدين

ومركزيته

واستدعاءه عند كل مناسبة في كل حال

نفس ما فعله ذو القرنين حين طلبوا منه بناء السد مقابل أجر

"ما مكني فيه ربي خير"

هكذا كانت الإجابة المبدئية

وكذلك كان الذكر المركزي

ذكر ربه

التمكين الذي أنا فيه الآن والقوة والعلم اللذان أتمتع بهما ما هما إلا بفضله ومنه وكرمه

استدعاء لنفس المعنى كما ترى

ثم بُني السد...

وماذا بعد أن تم البناء واكتمل الإنجاز؟!

لم يقل ذو القرنين هذه عبقرية مني

ولم يتحدث عن مدى قوته وتمكنه اللذان تسببا في تلك الإنجازات المبهرة

ولم يدَّعِ أن هذا بفضل علمه بصناعة السبائك المعدنية والتقدم العلمي والمعرفي الذي بلغته حضارته

ولم يدندن حول شعارات الإنجازات العظيمة أو يدغدغ مشاعر التشنج والقوة التي يهواها البعض في مثل تلك المواقف فيصمون الآذان بالأغاني والأشعار وهتافات الثناء على السواعد الفتية والمجهودات العلية لمن قاموا ببناء السد المهيب

لم يفعل شيئا من ذلك

جملة واحدة اكتفى بها في قمة تمكينه وفي خضم إنجازه الهائل ببناء السد الشاهق

هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي

من الله

محض فضله وبركته وتيسيره

ورحمته

وهو على قوته وصلابته ليس بخالد ولا منيع أمام إرادة الله وقضائه

فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ

وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا

حديث عن الآخرة كما تلحظ تلى حديثه عن ربه ورحمته وفضله

إنه الدين إذاً.. حاضر بقوة كالعادة في كل سياق
في سياق الإنجاز
وفي سياق البلاء..

تأمل إقدام نبى الله إبراهيم عليه السلام على ذبح ولده إسماعيل ببعيد عن الأذهان
ترى كيف كانت مشاعره فى تلك اللحظات و هو يتفرس فى ملامحه وينظر إلى قسمات وجهه الذي طالما اشتاق إليه ؟!
كيف كان حال قلبه المتدفق بمشاعر الأبوة الحانية و هو يردد على مسامعه "يا بنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى"

هنا رد الولد الصالح الذى ورث عن أبيه الخليل أدبه مع الرب الجليل "يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين"
لقد كان المعيار واضحا
الدين...
الأمر الإلهي
هذا ما تم استدعاؤه هنا أيضا
"ما تؤمر"
ما دام الأمر من الله
ما دام سعيا إلى رضاه
ما دام تحقيقا لمراده
فلا بأس
ولا ضير

وكذلك قال السحرة في بلاء أشد وأعظم
وهم مقبلون على الموت
وليس أي موت
إنه موت مقرون بعذاب وتمزيق جزاء تمسكهم بدينهم ومعتقدهم

" لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون"

هي جملة تظهر بوضوح حقيقة الغاية والهدف والهم الذي حملوه الذي حين يترسخ في الوعي = يهون كل شيء مهما بدت صعوبته
لقد أظهر السحرة ذلك من خلال إثبات ونفي..
هذا الإثبات وذلك النفي كانا متعلقين بعدوهم الطاغية الذي يعتبر نموذجا يضرب به المثل لسائر الطغاة عبر العصور

لقد أثبتوا له قضاءً وأثرا على عاجل دنياهم "إنما تقضي هذا الحياة الدنيا"
لكنهم نفوا الضير
قَالُوا لَا ضَيْرَ
كيف؟!
تقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف وتصليبهم وتعذيبهم؛ كل ذلك لا يعتبرونه ضيرا رغم إقرارهم بإمكانية وقوعه

السبب ببساطة هو وضوح الغاية والفكرة المركزية الذي تحدثنا عنه والذي يظهر بعدها مباشرة

إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ

هذا هو ما ترسخ في أنفسهم فصار الهم الحقيقي الذي تحمله صدورهم هو هم ذلك اللقاء وتلك الساعة وأزاح من هذه الصدور كل هم آخر مهما بلغت قسوته
إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِين
هذا هو الهدف وذلك هو المراد الذي انشغلوا به
إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى
إن الانشغال بالله وبدينه إذا استقر فعلا في قلب العبد = هون عليه الكثير مما يلاقي
ولقد كان السحرة مثالا لحمل هذا الهم والانشغال الحقيقي به

لم يستنكف السحرة رغم ما لديهم من العلم السائد في عصرهم قبل الإيمان ورغم بطولتهم في الصدع والتضحية بعد الإيمان = أن يعلنوا ببساطة حقيقة الأمر
رضا الله والجنة
هذه هي حقيقة الغاية والهدف دون تقعر أو تعقيد
رضا الله
والجنة...
الدار الآخرة
وحين تعظم الغايات = تسهل البطولات وتهون التضحيات
وهذا ما حدث ويحدث دائما

في الحديث أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج يوما إِلَى الخَنْدَقِ ، فَإِذَا المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالجُوعِ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَهْ ، فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرَهْ ، فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ : نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا
تأمل الفكرة التي يرسخها في هذا السياق من التعب والجوع والبلاء وتربص الأعداء..
إن العيش عيش الآخرة...

ولقد كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم إذا رأى شيئاً يعجبه من الدنيا يقول نفس الكلمات : لبيكَ ، إنَّ العيشَ عيشُ الآخرة
إن الإنسان إذا رأى ما يعجبُه مِن الدُّنيا رُبَّما يلتفت إليه فيُعرض عن الله وينسى الدين بسبب النعمة كما قد يسخطه البلاء
هنا تأتي الكلمة : ( لبيك ) استجابةً لله عزَّ وجلَّ، ثم يوطِّنُ نفسه فيقول ( إنَّ العيشَ عيشُ الآخرة ) فهذا العيش الذي يعجبك عيش زائل كما أن البلاء الذي قد يسخطك زائل أيضا
والعيش حقيقة هو عيش الآخرة
ولهذا كان من السُّنَّة إذا رأى الإنسانُ ما يعجبُه في الدُّنيا أن يقول: لبيك إن العيشَ عيشُ الآخرة

في كل سياق كما ترى يذكر النبي ﷺ بنفس الفكرة المركزية
الدين...
رضا الله وما عنده في الدار الآخرة
هكذا تعلم من سياقات القرآن وكلام الأنبياء والصالحين فيه
أولئك الذين لم تلفتهم سراء ولا ضراء ولا بلاء ولا نعمة ولا شهوة ولا فتنة عن هذا المعنى
يوسف عليه السلام عند مراودة امرأة العزيز يصيح مستدعيا الدين " مَعَاذَ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ رَبِّیۤ أَحۡسَنَ مَثۡوَایَۖ إِنَّهُۥ لَا یُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"
موسى عليه السلام بعد سقيا الفتاتين يستدعي الدين ويذكر مولاه "فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰۤ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّی لِمَاۤ أَنزَلۡتَ إِلَیَّ مِنۡ خَیۡرࣲ فَقِیرࣱ"

يونس عليه السلام في هو في خضم البلاء وبين ظلمات الليل والبحر وبطن الحوت استدعى نفس الفكرة المركزية " فَنَادَىٰ فِی ٱلظُّلُمَـٰتِ أَن لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّاۤ أَنتَ سُبۡحَـٰنَكَ إِنِّی كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ"
وكذلك فعل أيوب حين طال عليه الضر واستحكم الابتلاء فنادى ربه "أَنِّی مَسَّنِیَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّ ٰ⁠حِمِینَ"
وسليمان عليه السلام حين جاءته هدايا سبأ وأدرك محاولة استمالته بشيء من متاع الدنيا = استدعى الدين أيضا وقَالَ " أَتُمِدُّونَنِ بِمَالࣲ فَمَاۤ ءَاتاني ٱللَّهُ خَیۡرࣱ مِّمَّاۤ ءَاتَاكم بَلۡ أَنتُم بِهَدِیَّتِكُمۡ تَفۡرَحُونَ"
وحين رأي عرش ملكة سبأ مستقرا عنده لم ينس إرجاع الفضل لصاحبه أيضا وقَالَ " هَـٰذَا مِن فَضۡلِ رَبِّی لِیَبۡلُوَنِیۤ ءَأَشۡكُرُ أَمۡ أَكۡفُرُۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا یَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّی غَنِیࣱّ كَرِیمࣱ"
وحين علمت امرأة عمران أنها حبلى ذكرت نفس القيمة المركزية التي لا ينساها صالح أبدا فنذرت ما في بطنها لله خالصا "إِذۡ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ عِمۡرَ ٰ⁠نَ رَبِّ إِنِّی نَذَرۡتُ لَكَ مَا فِی بَطۡنِی مُحَرَّرࣰا فَتَقَبَّلۡ مِنِّیۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ"

وحين وضعت فوجت أن ما رزقت به أنثى لم تغفل عن نذرها ولم تنس إكمال مناجاتها وتعوذاتها وقَالَتۡ "رَبِّ إِنِّی وَضَعۡتُهَاۤ أُنثَىٰ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا وَضَعَتۡ وَلَیۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ وَإِنِّی سَمَّیۡتُهَا مَرۡیَمَ وَإِنِّیۤ أُعِیذُهَا بِكَ وَذُرِّیَّتَهَا مِنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ ٱلرَّجِیمِ"
وامتدت نفس الفكرة للمنذورة العابدة المتبتلة فكانت حين تُسأل عن النعم والرزق ترجع الأمر لمن هي لا تنشغل بغيره
" كُلَّمَا دَخَلَ عَلَیۡهَا زَكَرِیَّا ٱلۡمِحۡرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقࣰاۖ قَالَ یَـٰمَرۡیَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَاۖ قَالَتۡ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ إِنَّ ٱللَّهَ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُ بِغَیۡرِ حِسَابٍ"
وحين رأت الروح متمثلا أمامها في محرابها فخشيت أن يكون ممن ينتوون الشر صاحت من جديد مستدعية نفس الفكرة التي لا تغادر عقول وقلوب الصالحين" إِنِّیۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحۡمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِیࣰّا"
لقد تعوذت بربها
وذكرت مولاها سبحانه وتعالى
وهكذا

دوما هي الفكرة نفسها
تتكرر في سائر السياقات القرآنية التي لا يمكن حصرها في هذه السطور مهما طالت

إنها الخصيصة الكبرى التي من خلالها تستطيع أن تدرك عمق التدين والاستقامة والصلاح في نفسك بينما أنت تحاسبها
همُّك
انشغالك
إشفاقك
وأولولياتك
أين الدين وصاحبه في ترتيب ذلك كله؟
القرآن يصحح ذلك الترتيب ويضبطه ومن ثم يغيرك للأفضل
يغيرك بوضع الدين في مكانه الصحيح
المركز من كل شيء في حياتك...

الفصل الحادي عشر من كتابي #القرآن_غيرني

#القرآن_يغيرنا 11

منذ 4 أعوام و 8 شهور
صفحة قناة البينة

سنة 2009 دخلت روم في برنامج ال ياهو(أيام ما كان ال ياهو فيه رومات للدردشة) وكان فيه شخص اسمه رامي نصراني بيسب في أم المؤمنين عائشة فار الدم في عروقي ولما لا فهي من هي حبيبة رسول الله وبنت حبيب رسول الله ﷺ والدفاع عنها وعن عرضها فرض عين على كل مسلم. (هكذا عقيدتنا وعلى هذا فطرنا الله تبارك وتعالى)
كان عمري وقتها 18 سنة، فشتمته كما شتم أمنا فطردوني، فدخلت مرة أخرى باسم آخر وقلت له تناظرني! وأنا لا أفقه شيء في أي شيء فقط شاب غار على دينه وعرض أمه زوج رسول الله فطلب المناظرة.
فناظرته فغلبني وجعلني أضحوكة وقال لي " روح اتعلم يابن عائشة" أصل لو فيه رجالة كانوا عرفوا يدافعوا عنها.
بكيت كثيرًا حتى كاد قلبي أن ينخلع وعزمت على أن أعود لنفس الغرفة ولنفس الشخص لكي أغلبه.
وجدت الأخ " مسلم عبدالله" صاحب برنامج "ثبت رجلك" يناظرهم وعجبني اسلوبه وقتها وبالعامية" مكنش حد قادر عليه" حينئذٍ لم أكن أعرفه ولا يعرفني فدخلت له على الخاص فطلبت منه يعلمني أو يرشح لي بعض الكتب لكي أتعلم منها، فرشح له بعض الكتب البسيطة وصحح لي نيتي فقال تعلم لله ودافع عن دين الله لله ليس ليقال عنك "دا مفيش زيه أو دا فلان غلب فلان " لكن يكون دفاعك لله وليس غلبة للنفس. وقال لكي تتمكن من رد ال‍شبهات ومناظرة الغير لابد أن تثبّت رجلك أولا في الإسلام.
فأخذت بنصيحته وحمّلت الكتب وقرأت ولن أفهم شيء فابتعدت عن البرامج الحوارية أكثر من عام ليس لي شغل إلا الدراسة المدرسية وحضور الدروس في المسجد (لكي أفهم ما لم أفهمه من القراءة) بانتظام والمداومة علي الصلاة في جماعة، ثم تحميل سلاسل الدروس الدينية من الانترنت. فاستمعت لدروس كثيرة جدا وقرأت كتب " ككتاب إظهار الحق وكتاب الجواب الصحيح" وحملت مكتبة نور البيان الإسلامية بعدما دخلت برنامج البالتوك فتعلمت مع الأخوة فن محاورة الغير في غرفة الشيخ وسام عبد الله ، ثم أصبحت أدمن في غرف " ابن مريم رسول الله" ثم سوبر أدمن"في جيل الصحوة" ثم أصبحت محاور مايك.
وكل هذا في وقت ليس بالوقت الطويل، بل قلت لنفسي كيف أتأسس في الإسلام ولا أحفظ القرآن فإلتحقت بدار تحفيظ القرآن الكريم وفي ستة أشهر حفظت 17 جزء ، وبدأت في سماع التفسير أون لاين ومتابعة التفسير في كتب التفسير، وإذا صعبت عليّ مسألة سألت شيخ المسجد أو أحد الأخوة على البالتوك.
دخلت بعد ذلك لنفس الغرفة علي الياهو ومازلت الكلمة التي قالها النصراني تتردد في أذني " روح إتعلم يابن عائشة لو كان لها رجال كانوا دافعوا عنها" فدخلت له فلم أجده فانتظرته طويلا حتى ظهر مرة أخري فناظرته وبعد عشر دقائق انسحب وقال أنه مشغول فحددنا موعد فلم يحضر ثم موعد فلم يحضر ثم موعد فلم يحضر فعرفت وقتها أنه هرب ولم يعد يدخل الغرف الحوارية مرة أخرى ، فحمدت الله وسجدت له شكرًا وبكيت كثيرًا كبكائي السابق بل أشد. نظرت لنفسي إذا بي أرى في نفسي شاب يدافع عن دين الله ويقول قال الله وقال رسول الله! سبحان الله منذ عام ونصف فقط كنت أبكي بسبب جهلي ولأني لم أستطع الدفاع ولو بكلمة عن ديني والآن أبكي لأن هذا الشتام السباب هرب مني وأنا وقتها كنت يعتبر بين أقراني أصغر شخص محاور في البالتوك كان عمري وقتها 19 سنة.
ومنذ هذا الوقت اتكفت على دراسة رد ال‍شبهات فحمّلت مئات الفيديوهات لل‍شبهاتوردودها من أكثر من شيخ وكنت أجمع الردود كلها وأوفق بينها وأخرج من بين كل هذه الردود رد واحد فقط سهل بسيط ميسر لعوام الناس يقرؤنه فيفهمون مضمون الرد بدون الدخول في تفاصيل كثيرة أو إستدلالات تضعهم في دوامة.
فالحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، والله أسأل أن يوفقني وإياكم لما يحبه ربنا ويرضى.

كتبه #إظهار_الحق

منذ 5 أعوام و 9 شهور
كريم حلمي

..|[ عن حجة الإتقان والإحكام، ومسالك المتكلمين، ومحاسن الصدف، وأشياء .. فوائد كلامية وفلسفية وفيزيائية متفرقة ]|..
هذه فوائد متفرقة، جمعتها من تعليقاتي على منشورٍ لبعض الأفاضل يتعلق بمقطع مرئي ناقد لحجة الإتقان والإحكام عند المسلمين، وذلك في سياق زوبعة الدحيح، وحلقة الصدف .. والمراد من ذلك هو نشر الفائدة الموضوعية للمهتمين، فأرجو الابتعاد عن أي شخصنة.
.
⦿ عن حجة الإتقان بين المسلمين والنصارى:

• من الغلط البيّن = تصوير أن الدليل التيليولوجي هو دليل مسيحي في المقام الأول، وأن المسلمين لما انقطعوا عن تراثهم واشتغلوا بمقالات الغرب ‍وردود النصارى أخذوا هذا الدليل عنهم، أو أنه موجود في كلام المسلمين لكن مع التضعيف والتوهين وعدم الاعتماد، وأن من أبرزه واتكأ عليه هم النصارى.

• أما القول بأنه دليل مسيحي في المقام الأول، وأن [الاتكاء] عليه مستورد من اللاهوت المسيحي فواضح البطلان، لن أتكلم هنا عن استحضار ويليام بالي العجيب في هذا السياق، وكأن ويليام بالي المتأخر جدًا هو الذي نشر الدليل التيليولوجي في الأوساط المسيحية ثم المسلمة! .. على أية حال، فالمعلوم المرصود في دراسات اللاهوت المسيحي أن أول من اعتنى بهذا الدليل وانتشر عنه هو توماس الأكويني، بل بالي أشار إلى تأثره به أصلًا، وهنا تنبيهان:
أولهما: أننا نتكلم هنا عن توما الأكويني، أي في القرن السابع الهجري، بعد استقرار المدونات الفلسفية والكلامية الإسلامية في الجملة، هذا مع الأخذ في الاعتبار ما هو مشهور أكاديميًا من اتكاء الأكويني على اللاهوت الإسلامي عمومًا، وعلى ابن رشد خصوصًا، خاصة مناهج الأدلة وغيره، وقد تكلم عن ذلك غير واحد من الأكاديميين المسلمين والغربيين، مثل الدكتور محمود قاسم في رسالته العظيمة للدكتوراه في السوربون، وابن رشد من أهم الفلاسفة المتوسعين في دليل الإتقان، المؤسسين له، فلو أردنا الحق لقلنا إن اللاهوت المسيحي تأثر بالثيولوجيا الإسلامية فيما يتعلق بالدليل التيليولوجي وغيره، لا العكس!
الثاني: أن الدليل التيليولوجي لم يكن يوما الدليل المعتمد والمقدم في إثبات وجود الله عند الأكويني أو في اللاهوت المسيحي عمومًا، بل الأمر لا يكاد يختلف عن الموجود في علمي الفلسفة والكلام الإسلاميين، كدليل الحركة الأرسطي، ودليل العلة المؤثرة مع منع تسلسل العلل، ودليل التخصيص والإمكان، وكل هذا مقدم عندهم على الدليل التيليولوجي نصًا! .. ومن بالغ في أمر دليل الإتقان في اللاهوت المسيحي من الفلاسفة المتأخرين مثل كانط = غالط واهم، وإنما اعتنى به لتصور استغنائه عن العقل المحض.

• هذا لا يمنع من اشتهار هذا الدليل أكثر من غيره بين العامة، سواء كان ذلك بين المسلمين أو المسيحيين، لسهولته، وقربه من الفطرة، ومن لغة القرآن وحججه بالنسبة للمسلمين، ولذلك تجده في كلام المتقدمين وغير المشتغلين بالعقليات من الفقهاء والمحدثين والمفسرين أكثر من غيرهم.

• وأما أن الدليل ضعيف مردود عند المسلمين وغير معتمد فضعيف كذلك، وعلى أية حال فعدم اعتماد حجة ما لا يعني ردها والتفريط فيها والتسليم لكل ناقض لها، فاعتماد دليل المعجزة لخصائصه البرهانية عند جمهور المتكلمين غير مانع من الاستدلال بغيره، ولا يعني أنهم يسلمون نقض ما يُستدل به لنبوة النبي صلى الله عليه وسلم تبعًا، من أمارات صدقه وأمانته وطهارة نفسه، فليس معنى أن المعجزة دالة على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم بغض النظر عن صدقه وأمانته، أنه لو خرج من يطعن في صدقه وأمانته أنّا نغض الطرف عن ذلك لأن المعجزة كافية في إثبات المطلوب فلا نتشاغل بغير ذلك مع زعم عدم برهانيته.

• المتكلمون أنفسهم يذكرون الأدلة الإقناعية ويقررونها ويبينون أنها أنفع للعامة وأوقع في النفوس، لما في الأدلة العقلية من فتح باب ال‍شبهات، ولما فيها من الصعوبة والتعقيد، والإفضاء إلى الحيرة والاضطراب والضلال، هذا مع عدم قصور الأدلة الإقناعية عن إصابة المطلوب، وها هو الفخر الرازي يقول في المطالب كلامًا نفيسًا عاليًا: " والاستكثار من الدلائل الإقناعية قد ينتهي إلى إفادة القطع. وذلك لأن الدليل الإقناعي الواحد قد يفيد الظن، فإذا انضم إليه دليل ثان، قوي الظن، وكلما سمع دليلا آخر ازداد الظن قوة، وقد ينتهي بالآخرة إلى حصول الجزم واليقين .. فيثبت: أن الجدل قد يقوم مقام البرهان في إفادة اليقين. وأولى المواضع برعاية الاحتياط فيه، والمبالغة في التقرير، وإزالة الشكوك، وال‍شبهات: معرفة الإله المدبر الحكيم".

• هذا مع كون دليل الإتقان هام كلاميًا، ومستعمل في تقرير المعتمد من أدلة إثبات القديم وصفاته ووحدانيته، وقد استعمله أكثر المتكلمين في تقرير صفتي العلم والحكمة، وذكر الآمدي في الأبكار أن هذا هو المسلك المشهور، وهذا معروفٌ معلوم، وقدمه العضد في المواقف، وكلام الشريف في الشرح طافحٌ به في مواطن كثيرة، من أول المقدمة، واتكأ عليه تمامًا في مسألة القوى، والاتكاء على الدليل في الجملة مسلك كثير من الفلاسفة المتقدمين، كالكندي ورئيس الصناعة في النجاة، وابن رشد من المتأخرين، واتكاؤه عليه بيّن، وكذلك اتكأ عليه المعتزلة كالقاضي في الأصول الخمسة، واتكأ عليه طوايف من المتكلمين كثيرة كما أسلفنا، وتجده في كلام الأشعري في اللمع، وفي كلامه أو كلام ابن مجاهد - أيًا يكن - في الرسالة إلى أهل الثغر، والقاضي في التمهيد، والغزالي في مواطن متعددة من كلامه، وتجده في كلام أكثر المتقدمين قبل ظهور الأدلة الكلامية والفلسفية، كقصة الإمام أبي حنيفة الشهيرة، وقد نقلها الرازي في التفسير وأقرها، بل الرازي نفسه يتكئ على الدليل كثيرًا في تفسيره وفي أسرار التنزيل.
وليت شعري هل تأثر هؤلاء باللاهوت المسيحي أم ماذا؟!
وأما ما يُذكر من تضعيف هذه الحجة كما في كلام التقي المقترح، وفي كلام طوايف من المتكلمين كالسيف الآمدي في الأبكار، أو الإشارة الخجولة التي في شرح المقاصد أو غير ذلك = فأكثره كلام ضعيف، مردود عند جماهير المتكلمين وغيرهم.

• هذا كله مع أن الدليل الأنطولوجي وغيره لا يمثل مشكلة بالنسبة لدعاة الإلحاد المعاصر بقدر دليل الإتقان! .. بغض النظر عن منشأ ذلك من الجهل أو السفسطة التي لا نهاية لها أو غير ذلك .. ومن هؤلاء على سبيل المثال دوكنز، الذي صرح في أكثر من مرة أن مشكلة الـ fine tuning هي اللغز الأصعب في مناقشة المؤمنين، ولهم كلام مشابه عن معنى الإحكام العام كذلك، وليس الـ fine tuning بخصوصه.
فأنا الآن بين يدي دليل مستعمل بكثرة في كتب المسلمين من الفلاسفة والمتكلمين بمختلف أطيافهم، ودليل يصرح الملحدة الجدد بإشكاله وصعوبته، فأخرج أنا لأتكلم عن خطأ هذا الدليل، وضعفه، ومسيحيته، وتفاهته! .. ولأجل ماذا؟! .. لأجل زوبعة حول شخص هامشي! .. أو لأجل فهم مغلوط للدليل الصحيح، كتصور أن ثبوت الأكوان المتعددة يومًا ما سيهدم دليل الإتقان أصلًا، فضلًا عن أن يهدم البناء الحجاجي الكلي لوجود الله.

• الربط بين هذا وزوبعة الدحيح السرمدية = لا معنى له، فهل لو افترضنا أن برنامج ما يروج لمقالات الإلحاد الجديد التي يتكرر في أدبياتها هدم قضية الإتقان تمامًا، والتوسل بذلك إلى إثبات العشوائية المطلقة أو غير ذلك ..
هل هذا ينفي الحرج عن البرنامج بغض النظر عن اقتناع المرء بمدى فاعلية أسلوب هؤلاء الملاحدة الجدد في هدم الدين وأن الحجج التي يريدون هدمها ليست معتمدة؟! .. هل هذه المشكلة الوحيدة هنا؟! .. هذا اختزال شديد للمشكلة وتسيطح لها.
بغض النظر عن إن نفس البرنامج أشار إشارات أخرى إلى ما يُستعمل في خدش الدليل الأنطولوجي ودليل الإمكان والوجوب عند نفس الملاحدة، بنفس نصوصهم، وبجعل كتبهم هي مصادر ذلك.
.
⦿ عن استعمال الغربيين للحجج وغلط الاتكاء عليهم:

• ليس معنى اقتباس الثيولوجيا المسيحية من الكلام الإسلامي أنهم يقررون الأدلة كما يقررها المسلمون من كل وجه.

• كلام الغربيين من القائلين بالتصميم الذكي وغير ذلك مليء بالمغالطات والسقطات، ومن المسلمين من يستورد كلامهم بغثه وسمينه ومخالفاته لعقايد الإسلام وأهل السنة، والتراث الفلسفي والكلامي الإسلامي أنفع وأعظم وأجل وأسلم على ما في أكثره من بدع ومخالفات في بعض الأبواب، والغربيون عندما يقررون دلالة الضبط الدقيق (Fine tuning) وغيره من تجليات الإحكام = يلزم من كلامهم بدع وضلالات وكفريات، لكن الاستعمال الباطل للحجة الصحيحة لا يبطلها من كل وجه، وإنما يصح الاعتراض لو كان الاستدلال بشيء ما يستلزم تقرير الباطل من كل وجه.
.
⦿ عن كلام التقي المقترح في تضعيف الاستدلال بالإتقان والإحكام على العلم الإلهي:

• أما كلامه في شرح الإرشاد فقد وافق الجويني - فيما صار إليه في البرهان - في أن الإحكام لا معنى سوى أن الأكوان خصصت الجواهر، وأن الأكوان لا اختصاص لها بالدلالة على العلم، وقد ذكر مثله في الأسرار العقلية، وهذا الكلام - وإن كان لا يمنع أصل الاستدلال بالإحكام - باطل، وقد رده على أبي المعالي عامة من جاء بعده من المتكلمين، ومنهم الشرف ابن التلمساني، تلميذ المقترح، فأجاب في شرح المعالم بأن الإحكام ليس مقصورًا على ما ذكره الجويني، بل ينضاف إليه كيفيات خاصة، وضرب من الصفات والأعراض على مقدار، وهذا صحيح لائح، وقد قرر ذلك الكلام السنوسي وغيره.

• وأما قول المقترح بأن الفعل بمجرده دالٌ على العلم الإلهي، فهذا لا يمنع الاستدلال بالإحكام، لأن الإحكام يتضمن الفعل وغيره، والدليل هو الموصل إلى المقصود، والاستدلال بالإحكام موصلٌ إليه وزيادة، من تثبيت العلم بالجزئيات والحكمة والوحدانية وغير ذلك، فالكلام هنا عن صحة الاستدلال به، وليس عن جهة الدلالة على المدلول، وهذا موجودٌ في كلام كثير من المتكلمين كذلك، قال الشرف ابن التلمساني: "ثم دلالة غير الإحكام من وقوع الفعل على وفق الاختيار وإن كان منتجًا = لا يمنع من دلالة الإحكام عليه، بل دلالة الإحكام أوضح، لأنه يدل على العلم بالضرورة، والاختيار يدل عليه بالنظر"، وأقره السنوسي في شرح الكبرى كذلك، وعلق قائلًا: "فخرج من هذا أنه يصح الاستدلال على كونه جل وعلا عالمًا بوجهين: الإحكام والاختيار، وأن الأول أوضح من الثاني"، وقال اليوسي في حواشيه على الكبرى: "لكن إذا دل الفعل مطلقًا على العلم = كانت دلالة الإحكام أولى وأحرى"، وأشباه هذا موجود في حواشي ابن عوض والدسوقي كذلك على ما أذكر.

• هذا كله على فرض تسليم أن الإحكام لا يفيد العلم أو غيره إلا من جهة تضمنه الفعل، وهذا غلط، من وجوه عدة، منها:
تنويع المتكلمين أنفسهم لطريق إثبات العلم، وجعل طريق الإحكام مباينًا لطريق القدرة، مع تبنههم لإشكال توسط القدرة، كما أشار إليه السعد في شرح المقاصد بشيء من الطول والحشو، ثم لخصه الفاضل السيالكوتي في حاشية شرح المواقف وبيّنه.
وأيضًا مما يدل على نفي التوسط أن دلالة الإحكام على العلم بالكليات والجزئيات والحكمة وغير ذلك أمر ضروري، لا وسائط فيه أصلًا، وهذا من معاني قولنا (دالٌ على المقصود وزيادة) فالزيادة ههنا زيادة كمية وكيفية، فالكمية دلالته على غير مطلق العلم معه، وأما الكيفية فضروريته.

• وأما كلام المقترح في شرح البرهانية، فقد انفرد به عن عامة المتكلمين من أصحابه وغيرهم فيما أعلم، وفي كلامه إشارة إلى ضعف الدليل للاختلاف بالنسب والإضافة، وهذا ضعيف جدًا، لأنه ليس من شرط مقدمة الدليل التسليم بالإحكام في كل شيء، أو حتى التسليم بتمام الإحكام أصلًا، بل يكفي التسليم بقدر من الإحكام في بعض الأمور بما ينتفي معه الجهل والعبثية والاتفاقية، وهذا القدر ضروري من جهة الدلالة على العلم وأصل الحكمة بله الوجود، وتحققه ضروريٌ كذلك لا يخالف فيه إلا معاند مسفسط، وأمثلة ما يسمى بالتعقيد غير القابل للاختزال كثيرة جدًا، من الكواركات إلى المجرات مرورًا بالكيمياء الحيوية وبيولوجيا الكائنات الحية وغيرها، فالملحد والمؤمن وكل عاقل – سوى بعض أهل السفسفطة ممن لا اعتبار لهم - متفقون على وجود إحكام، أو حد أدنى منه على الأقل (وإن قال بعض هؤلاء بوجود ما يسمى بأخطاء التصميم)، لكن موضع الخلاف هو تفسير مصدر الإحكام.
وقد أشار إشارة لطيفة إلى رد النقض بالنسبية أو عدم تمام الإحكام غير واحد من المتكلمين، منهم العضد في نفس المواقف، والسيد الشريف في الشرح.
فإن قيل: ما تأويل ما يراه المرء مثبجًا من الأفعال والأقدار؟ رد: بأن هذا فيه تفصيل فلسفي واسع، لكن يُقال إن ثبتت الحكمة بغير المثبج من المتفق عليه وغير ذلك = رد المتشابه إلى المحكم، ويُستحضر هنا ما يُقال في نقض الرحمة واللطف والإرادة والقدرة وغير ذلك بوقوع الشرور والآلام والكفر.

• وإن أراد المقترح أن الإضافيات والاعتباريات لا وجود لها في الخارج فلا يُتكأ عليها، فإن هذا غير مانع من الاستدلال، ويدخل في الكلام فيها ما يدخل في الاستدلال بما يشتبه بالاعتباريات عمومًا كالحدوث والوجوب والإمكان وغير ذلك، وفيه كلام كثير، لكن نقول ههنا إن الإحكام الذي هو أمر اعتباري ليس معلولًا لعلة ما نحتج به على وجودها، لكن محل البحث هو اتصاف الأشياء الخارجية به في نفس الأمر، والذي هو ضروري معلوم، فهذا الاتصاف لابد له من علة، ثبوتًا أو تصديقًا.

• أكثر المتكلمين وغيرهم من علماء المسلمين مطبقون على رد طريقة المقترح هذه من نبذ الاستدلال بالإحكام على العقايد، فحكاية كلام المقترح على أنه الممثل لطريقة جمهور المسلمين في التعامل مع هذه الحجة = لا يخلو تموي وتدليس، فإن أكثر المتكلمين قبله لم يلتفتوا إلى ذلك مع كونه غير عويص ولا دقيق، وكذلك أكثر المتأخرين ردوا كلامه وكلام غيره من القادحين في دلالة الإحكام على العلم كما يُفهم من كلام الجويني أو كلام الرازي في المطالب وغير ذلك، سواء كان ذلك تصريحًا أو تلميحًا.
.
⦿ عن الاستدلال الإحكام والإتقان على وجود الله سبحانه:

• أما الكلام عن الاستدلال بالإحكام على وجود الله سبحانه وتعالى فمعلومٌ أن أكثر المتكلمين لا يذكرونه، وهذا ليس دالًا على رده أو ضعفه في نفس الأمر، مع أهمية التنبه إلى إشارة طوايف من الفلاسفة والمتكلمين من المعتزلة والأشعرية له، وعلى رأسهم أبو الحسن الأشعري، ونقله عنه طوايف من المحققين كالشهرستاني وغيره، وهو موجود في كلام الرازي في التفسير، بل في المطالب، في الفصل الذي عقده لجمع نبذ من الأدلة الإقناعية التي ترتقي باجتماعها إلى الجزم واليقين، وتجده مبثوثًا كذلك في كلام الشريف وغيره من أهل الطبقة، واعتنى به المعاصرون وبسطوا الكلام عليه، كالشيخ أبو دقيقة رحمه الله تعالى في القول السديد.

• ثم نحن نقول فيه ما قلناه في الاستدلال بالإحكام على العلم، إن شئت قلت (إن كان الاستدلال بالإحكام لأجل ما فيه من إحداث فهذا رجوع للقول بأن الدليل هو الحدوث)، ونحن نقول لا بأس، فهو دليل واحد، سهل المأخذ، واضح المبنى، قريب إلى الفطر والقلوب، دالٌ على حدوث المخلوق واختيار الخالق وقدرته وعلمه بالكليات والجزئيات وحكمته وغير ذلك، فما وجه المنع من الاستدلال به أو رد القوادح عنه؟! .. فهذا الاعتراض يصح لو كان المخالف يقول بأن الإحكام دالٌ على إثبات الصانع دون الحدوث، وهذا لا يقول به أحد.

• هذا مع كون دلالة الإحكام على وجوده سبحانه فيها ما في دلالته على العلم، فالإحكام المشاهد في الكون دالٌ بالضرورة على حدوثه، وأن محدثه فاعلٌ مختار قادر عالم حي، ودلالة بالإحكام على هذا ضرورةً = موجود في كلام كثير من الفلاسفة والمتكلمين، المسلمين وغير المسلمين، وهذا سبب قربه إلى الفطرة، وسلطانه على قلوب العامة.
.
⦿ عن الدلالة القرآنية على الإتقان والإحكام:

إن قال قائل: إن القرآن لم يستدل بالإتقان على وجوده تعالى ولكن على أمور أخرى بحسب الآيات وسياقها = قلنا تنزلًا: لا بأس، يكفي أن القرآن استدل بالإتقان والإحكام، سواء كان ذلك على وجوده أو وحدانيته أو عظيم منته أو جناية جاحده أو غير ذلك، والذي أزعجني لم يكن ترك الاستدلال بالإتقان والإحكام على وجوده سبحانه، وإنما القول بسذاجة الاستدلال بالإتقان والإحكام على شيء من المطالب العالية، أو تهوين قضية نسبة الإتقان المشاهد إلى الصدفوية مطلقًا، طالما أنه لا يمس البناء الحجاجي لوجود الله سبحانه.
.
⦿ الداروينية وحجة الإتقان:

بغض النظر عن الموقف (العلمي المحض) من نظرية داروين، فالقدر الذي (قد) نسلّمه إمبريقيًا، أو على القانون الإبستمولوجي المستقيم، وبغض النظر عن الحواشي الأيديولوجية والخطابية = لا يفضي إلى نقض دليل الإتقان أصلًا، ولا نقض الضبط الدقيق، ولا التعقيد غير قابل للاختزال، بل لو تصورنا العشوائية المطلقة في الحقل البيولوجي، وأنا أجزم - من جهة علمية محضة – أن هذا غير متصور في ضوء معرفتنا العلمية = فهذا غير ناقض للدليل أصلًا، لأن الدليل أوسع كثيرًا من الحقل البيولوجي بكافة فروعه العلمية، ونقض احتياج الدليل إلى وجود الإحكام في كل شيء وكونه إحكامًا مطلقًا = مشهور في كلام المتكلمين من المتقدمين والمتأخرين، وهو واضح بيّن.
ولو قال قائل (لو ثبت صحة ما قاله داروين لم يتأثر البناء الحجاجي للمسلمين على وجود الله) = فلا وجه للإنكار عليه، ولا أظن أن هناك عاقلًا متكلمًا في الجدال الإسلامي الإلحادي يقول إن الداروينية تهدم الدلالة على وجود الله بحال، سواء كان مؤيدًا للداورينية أم لا! .. هذا بعض النظر عن تشبث المحلدة الجدد بها للخروج من (بعض) مآزق الإيمان.
.
⦿ الاقتران العادي وحجة الإتقان:

لا أرى أن قول جمهور الأشعرية بالاقتران العادي يمنع - على طريقتهم - من الاستدلال بالإتقان والإحكام، وبصيغة منضبطة من حجة الضبط الدقيق وغيرها، ولا زال متكلمو الأشعرية يجمعون بين الأمرين، ولو صححنا عدم إمكان الجمع فهذا يرجع على طريقة الأشعرية بالإبطال لا العكس، فإن التفسيرات العلمية للقوى وتأثير الأسباب ستوصل منكرها تمسكًا بذلك الأصل إلى ضرب من السفسطة أو الخلاف اللفظي والتترس برسوم العبارات.
ومما آسف له، أن بعض إخواننا الأشعرية يحاولون التملّص من حجة الإتقان مطلقًا والتبرّؤ منها والتخلص من عبئها ومؤنة التشبث بها من غير نقض لأصولهم في الحكمة والأفعال، والحقيقة هذا استسهال قبيح جدًا في موطن لا يصح فيه ذلك، وأستشعر في كلام بعضهم روح (التلصيم) وليس (التحرير والاجتهاد والتجديد) ..
.
⦿ عن الكسب والقوة المودعة:

• خالف كثيرٌ من المتكلمين طريقة جمهورهم في الكسب وتأثير قدرة العبد في إيجاد الفعل، ومنهم الأستاذ والفخر والأصفهاني على الطوالع، وقرره أبو المعالي في آخر قوليه، ثم تابعه على ذلك طوايف من المحققين، لكن أكثر هؤلاء لم يقولوا بالقوة المودعة، فإطلاق قولهم بها فيه نظر، لكن يُقال إن تسويغ القول بها هو مقتضى كلامهم على أقل تقدير، فوجه المنع في المسألتين إثبات مؤثر مع الله، وعدم جواز أن يقع مقدور بين قدرتين مؤثرتين، والقدرة الإنسانية المؤثرة نفسها هي نوع من أنواع القوة المودعة، فالقايل بتجويز تأثير القدرة - بله المثبت لتأثيرها - وأن ذلك لا يتعارض مع أن الله خالق كل شيء = يلزم من كلامه تجويز القوة المودعة عموما على نفس القانون، بل الحق إن القدرة المؤثرة أدخل في خدش الوحدانية المُدّعى من تأثير الجمادات ونحوها بإذن الله، لما في قدرة العبد من معاني المشيئة والاختيار، ويُفهم الترابط بين القول بالمسألتين من كلام أقوام من المحققين الكبار كمستجي زاده، والمجاوي، والكوراني، وشيخه العلامة الدجاني القشاشي، وهو قد قال ذلك في سياق الانتصار لمقالة إمام الحرمين في النظامية، وقد أثنى الكوثري في تحقيقه لها على الدجاني وأنه علامة محقق، بل تجد كثيرا من المتكلمين يربطون في مصنفاتهم بين المسألتين ويذكرونهما في سياق واحد.
ثم السؤال .. إن سلّم المرء بسواغ - أو وجاهة - تأثير القدرة المخلوقة في إيجاد الفعل بإذن الله ومشيئته، ولم يبدع القايل به أو يضلله، فما الذي ينقمه حينئذ على القايل بتأثير قوة مخلوقة بإذن الله ومشيئته غير مستقلة؟! .. ما الأصل الزائد هنا المقتضي للتبديع أو التضليل؟!

• على أية حال .. من القائلين بالقوة المودعة صراحة طوايف من الماتريدية، وفي كلام بعضهم ما يفضي إلي ذلك، وقد تنبه إليه ورده من لم يقل بذلك منهم، وقد نسب القول بالقوة المودعة صراحة لبعض الماتريدية الآلوسي المفسر في تفسيره، وله تحقيق في المسألة كما أشار الكوثري على ما أذكر، وهو نفسه قايل بالقوة، وممن نسبه إلى جمهورهم العلامة المحقق مستجي زاده الحنفي في أكثر من موضع من خلافياته بين المتكلمين والحكماء.
وممن قال بها صراحة العلامة الدجاني، وكذا تلميذه الشيخ العلامة المحقق إبراهيم الكوراني في رسالته مسلك السداد، وهي مخطوطة، وقد حقق فيها وحرر وأطال النفس وحشد الأدلة، وحقق نسبة القول بذلك إلى القاضي البيضاوي، وجمع الشواهد عليه، وهو ممن أشار إلى كلام الغزالي عن تأثير القوة، وليس كلام الدردير في توجيه كلام الحجة والسيوطي ونحوهما بأوجه من كلامه وكلام غيره في التمسك بظواهر كلامهم، فهي دعاوى، وقد قال بذلك أيضًا العياشي تلميذ الكوراني.
وممن قال بذلك أيضًا العلامة عبد القادر المجاوي الجزائري في رسالته تحفة الأخيار، ونسبه إلى كثيرٍ من المحققين، وأطال النفس في هذه الرسالة، وحقق وحرر، ونقل عن رسالة الكوراني وغيرها، ونسب القول بذلك للقاضي البيضاوي أيضًا، ونقل ذلك أيضًا عن السيد محمد البرزنجي المدني مفتي الشافعية، في شرحه على البيضاوي (أنهار السلسبيل)، وهو من تلاميذ العلامة الكوراني كذلك.
وهو قول أبي محمد ابن حزم، وظاهر صنيع الطاهر ابن عاشور في التفسير.
ونقل الإمام السفاريني من أصحابنا مواطن من رسالة الكوراني أيضًا وقررها، وانتصر للمسألة في شرح عقيدته، ووافقه عليه الشيخ حسن الشطي، وأما القاضي من أصحابنا فقد تابع الأشعرية في مسألة الكسب في مختصر المعتمد، وذلك على عادته فيه فيما ليس لأصحابنا كلامٌ صريح، وأما ابن عقيل فإنه رد كسب الأشعري وأثبت تأثيرًا للقدرة في الإرشاد، وظاهر كلامه في الواضح عدم القول بالقوة عند كلامه عن مسألة الطبع، لكن السياق دالٌ على إرادة القوة المستقلة بالإيجاد وإن كان مفعولًا بها، وهذا وأشباهه موجودٌ في كلام بعض من ذكرنا عن قدرة العبد، وهو ليس بسديد، ومن مثارات الغلط في باب المقالات الغفلة عن التفصيل والتوسط، وممن أثبت تأثيرًا للقدرة أبو الحسن ابن الزاغوني في الإيضاح، وفي كلام جماعة من أصحابنا إشارات إلى إثبات القوة المودعة، كالطوفي في الإشارات، والعليمي في التفسير، وغيرهما.
وفي كلام جماعة من متقدمي الأشعرية ومتأخريهم إشارات إلى وجاهة القول بالقوة المودعة، ومن المعاصرين منهم الشيخ النظّار محمد صالح الغرسي، فقد نص على أن القول بالقوة المودعة مع نفي الاستقلال = وجيه وله حظٌ من النظر، وأن إطلاق القول ببدعيته هو مما أحدثه بعض المتأخرين.

• ينبغي التنبه إلى أن في كلام جميع من ذكرنا تباينًا، فمنهم من ظاهر تقريره للباب أقرب إلى المعتزلة وإن لم يقل بمقالتهم، ومنهم من ظاهر تقريره أقرب إلى الأشعرية وإن لم يقل بمقالتهم، ومنهم من توسط، وقد يُعتذر لمن قارب طريقة المعتزلة بصعوبة البيان في تلك المسايل العويصة كما أشار إلى ذلك جماعة من المحققين كشيخ الإسلام والرازي والسعد، فيحسن حمل الكلام على أحسن المحامل.
.
⦿ عن مبدأ الـ naturalness في الفيزياء:

• قبل الكلام عن مبدأ الـ naturalness ينبغي التقديم بمقدمتين:
- أولًا: مشكلة الـ Naturalness هي مشكلة خاصة بفيزياء الجسيمات في المقام الأول، بل لا تكاد تخرج عن الـ QFT (نظرية الحقل الكمومي) أو (حقل هيجز)، وقد قرأت لطايفة من علماء الفيزياء النظرية رفض تعميم هذه القضية وما يتعلق بها على بقية فروع الفيزياء فضلًا عن العلوم الأخرى.
- ثانيًا: مصطلح الـ fine tuning يطلق بالاشتراك على عدة معانٍ، بحسب مجال الطرح، فالـ fine tuning في مجال فيزياء الجسيمات وفي سياق الكلام عن مبدأ الـ naturalness يختلف بشكل كبير عن الـ fine tuning المستعمل في مجالات البحث الأنطولوجي والفلسفي والثيولوجي، فالـ FT في مجال فيزياء الجسيمات هو ضد naturalness، ومع ذلك، فالأرقام الـ natural أو الـ fine tuned (وفقًا لمصطلح فيزياء الجسيمات) يُظن أن جميها – أو أغلبها ع الأقل - fine tuned (وفقًا للمصطلح الأنطولوجي أو الفلسفي أو حتى الفيزيائي العام).
أقول هذا لأن كثيرًا من المتكلمين في البحث الفلسفي - حتى بعض علماء الفيزياء النظرية منهم - يخلط خلطًا فاحشًا بين المفهومين، ويستعمل المصطلح الفيزيائي بشكل زائف ليهاجم المصطلح الفلسفي، ويصور أن تفسير الـ FT of universe مرتبط بحل مشكلة unnaturalness في مجال فيزياء الجسيمات، وهذا خطأ، وقد قرأت بنفسي واستعمت لأكثر من أستاذ كبير في مجال الفيزياء النظرية وهم يتبرمون بهذا الخلط الأيديولوجي القبيح، مع إن منهم من يبدو أن له ميولًا إلحادية.

• مع ذلك، فإن مفهوم الـ naturalness يستعمل بشكل أقل دوغمائية في نقض حجة الضبط الدقيق، وذلك من خلال عدة مداخل، منها: تقوية الحاجة إلى مفهوم الـ multiverse لتفسير الـ unnatural numbers وجمع ذلك إلى المشكلات الأخرى كالأبعاد الإضافية وغيرها ، وأيضًا من خلال تزييف قيمة الثوابت، خاصة الثابت الكوني.
والحق أن هذا الاستدلال ضعيف، ولا يكاد يكون له قيمة، بل هو وهن على وهن، لأن مفهوم الـ naturalness نفسه في الحقل الفيزيائي الجسيمي = واهٍ أصلًا، وليس له أي ثقل برهاني أو قيمة دلالية متماسكة، ثم مع تسليمه فالاستدلال به ضعيف كما ذكرنا، فحصر التفسير - إن كان ثمة ما يحتاج إلى تفسير - في فرضية الـ multiverse هو شيء في منتهى السذاجة، وكذلك فإن تغير قيمة الثابت بين التنظير والملاحظة - إن سلّمناه أصلًا - لا يمنع كونه ثابتًا، وأن الخلل اليسير سواء على مستوى التنظير أو الملاحظة مفضٍ إلى خللٍ كوني كبير.

• أما مبدأ الـ naturalness على مستوى فيزياء الجسيمات نفسها، فالحق أني لما قرأت عنه بشكل موضوعي علمي وبعض جذوره التاريخية وبعض كلام بول ديراك عن فرضية الأرقام الكبيرة والجمال وتقديمه على البساطة = شعرت لوهلة أني أمام واحدة من أغبى 8 أشياء علمية قرأتها (أو 9 لا أتذكر!)، وكذلك وقع في نفسي ما ذكرته بالأعلى، ثم شككت في نفسي وفي فهمي، حتى قرأت كلامًا في استسخاف المبدأ لعالمة الفيزياء النظرية الشهيرة والمجنونة، سابينا هاسينفيلدر، ثم اطلعت على ورشة عمل عظيمة انعقدت في العام الماضي بعنوان (Naturalness, Hierarchy, and Fine Tuning)، استمعت لما استطعت الوصول له من الـ Speaks وقرأت كل أوراق العمل أو الملخصات تقريبًا، فبدا لي أني لم أكن مهرطقًا! ..
وعلى أية حال، فمبدأ الـ naturalness نفسه يرد عليه أسئلة تشكيكية كثيرة جدًا، مثل:
- ما معنى الـ naturalness أصلًا؟! (أين الضابط العلمي المستقيم؟) .. وهل هو قابل للقياس؟
- ما الذي يجعل الـ natural = natural ، والـ unnatural = unnatural؟
- ما هو الضابط العلمي للـ problem؟ وعلى أي أساس الـ fine tuned numbers تعتبر problem؟
- ما الذي يجعل الـ unlikely يكون unnatural؟! ومن جهة فلسفة العلم ما معنى الـ likeliness؟! وهل هذا وصف ذاتي أم إضافي؟ وهل تُبنى البراهين العلمية على مثل ذلك؟
- هل النجاحات النظرية المنسوبة للمبدأ صحيحة فعلا؟ بمعنى إنها اعتمدت عليه ولو وافقته؟
- ما تفسير الإخفاقات المتعددة والجوهرية المتعلقة بالمبدأ؟ أين الـ new physics المدعاة مع خرق المبدأ؟ .. أين الافتراضات الكثيرة التي بُنيت على تلك الفرضية من سنوات طويلة؟ .. أين الـ supersymmetry؟ .. وهل خروقات المبدأ - كما في الثابت الكوني وكتلة هيجز - تدعونا إلى التشكيك في المبدأ نفسه - والذي ليس له أساس علمي متين بل هو مبدأ استاطيقي كما يصفه جماعة من علماء الفيزياء النظرية أنفسهم - أم البحث عن تفسيرات خزعبلية للخروقات في المبدأ غير العلمي ثم البناء على ذلك أيضًا في الحقل الفلسفي والأنطولوجي؟!! .. ما هذا؟!!
وأسئلة أخرى كثيرة فعلًا!

• خلاصة القول إن غاية ما (قد) يمكن أن (نسلم) به فيما يتعلق بمبدأ الـ naturalness أنه guide في وضع الافتراضات وترتيبها من حيث الأولوية والترجيح المبدئي بينها، وذلك في مجال فيزياء الجسيمات خصوصًا، بل الـ QFT تحديدا، فهو مبدأ غير إمبريقي، غير برهاني، لا يُعتمد عليه علميًا بشكل نهائي، فهو أشبه بصورة مختلفة من نصل أوكام.
.
⦿ عن بعض مثارات الغلط في الاقتباس العلموي:

هذا الحقيقة ينقلني إلى الإشارة إلى قضية هامة جدًا، وهي أهمية عدم الخلط بين الأدوات المعرفية لمجالات مختلفة، ونحن هنا نتكلم خصوصًا عن مجالي العلم التجريبي والفلسفة / الثيولوجيا، ومن أمثلة ذلك:

• ما ذكرناه الآن من الكلام عن الـ guides ، فهي أداة بحثية جيدة في المجال العلمي، لكن ليس لها أي قيمة برهانية في البحث الفلسفي، فاستدعاؤها فيه خطأ معيب، فأنا لو كنت في معمل فيزياء الجسيمات وسألتني عن الـ naturalness principle فقد أخبرك أنه مفيد جدًا، ويساهم في رسم criteria بحثية جيدة .. إلخ، وقد يتفق على ذلك المجتمع العلمي، وإن كان هذا غير حاصل طبعًا في حالتنا تلك، ومع ذلك فاستدعاء ذلك في البحث الفلسفي معيب جدًا وغفلة عن تباين معايير البحث والقبول والرد بين المجالين، ويمكن أن نذكر هنا كذلك الـ simplicity principle ، أو نصل أوكام كمثال مشهور لذلك، فأنا أتعجب جدًا من إخواننا الذين يتكئون على هذا المبدأ في المجال الفلسفي والبرهاني، أو حتى يسلمون للمخالف الاحتجاج بذلك المبدأ الذي لا معنى له ولا قيمة في ساحة البرهان العقلي!

• أيضًا بالنسبة للـ problem، خاصة المشكلات التفسيرية، فالذي يعتبر في المجال العلمي المادي مشكلة وغير مُفسَّر - بعيدًا عن الهوس المنتقد في ذلك الباب - فهذا لا يعني أنها مشكلة في الحقل الفلسفي، لأن أدواته أوسع كثيرًا، فأنا داخل مختبري ليس عندي مشكلة أن أبحث عن تفسير مادي للـ fine tuning، وبالتالي أفترض وجود ذلك التفسير، لكن في رواق الفلسفة لا أعتبر الـ FT مشكلة، ولا أمرًا غير مفسر، بل هو مستند إلى تفسير ثابت قطعًا، والـ FT هو levels وصور مختلفة، وغاية ما سيفعله اكتشافي لتفسير مادي لليفيل من الـ FT أو (صور الإحكام وتجلياته) أنه سيفتح بابًا على level مجهول آخر وغير قابل للتفسير المادي، وهكذا، نفس اللعبة في مشكلة الحدوث.

• كذلك بالنسبة للافتراضات ومقدرتها التفسيرية، فأنا في الأكاديمية العلمية، وبلغة الجو الأكاديمي، (قد) أتفق أن الافتراضية هذه أو النظرية = معتبرة أو راجحة أو صحيحة (وإطلاق الصحة هنا تجوّز مخل)، وذلك اتكاء على مبادئ أكاديمية غير برهانية مثل مبدأ البساطة أو الاحتمال، أو أنها المفسر [المادي] الوحيد للملاحظات غير المفسرة، أو أن مقدرتها التفسيرية أكبر من النظريات [المادية] الأخرى، لكن في الحقل الفلسفي كل هذا غير مقبول بمجرده، وهذه من مغالطات الاحتجاج المجرد بالمجتمع العلمي وآرائه في المجال الفلسفي بدون عرضها على قوانين البرهان، بل يصل الأمر إلى استدعاء أعمى للمعجم العلموي، فأنت تجد العلماء الماديين يطلقون على بعض النظريات أنها حقائق (Facts)، ويفسرون هذا بما ذكرناه سابقًا من كون هذه النظرية أفضل مفسّر [مادي]، ويفعلون هذا مثلًا مع الداروينية، ولو سلمنا بقبول تطبيق (لا مشاحة في الاصطلاح) ههنا، فاستدعاء ألفاظ مثل (Facts) في الحقل البرهاني بدون تمحيص ونقد = قبيح جدًا وغفلة صارخة.

منذ 5 أعوام و 10 شهور
إياد قنيبي

تابعت بعض الأصداء والتعليقات والردود على حلقة (هل ينشر الدحيح العلم أم الإلحاد وال‍شبهات؟)..ولدي الملاحظات التالية:

1. هناك مستوى ممتاز من الوعي بفضل الله تعالى. عامة المعلقين يحترمون النقاش العلمي ويطلبون الرد على الحجة بالحجة، وما عاد ينفع معهم الخداع واللعب بالعواطف. وهذه ظاهرة مبشرة جداً.

2. دخل على خط النقاشات ملحدون بلا أخلاق..وفي الرد على هؤلاء يستخدم بعض إخواننا عبارات نابية تتجاوز الملحد إلى أهله..فأُذكر إخواني الأحبة بأننا في النهاية محكومون بشرع ربنا في عباراتنا ‍وردود أفعالنا. الشدة مطلوبة في الرد على من يتجاوزون الأدب بل ويسبون رب العالمين والعياذ بالله. لكن (ولا تزر وازرة وزر أخرى)..لا نتجاوز هؤلاء لأهاليهم ولا نستخدم معهم من الألفاظ ما لا يليق يا كرام.

3. كثير من المعلقين يحتاج أن نرشده إلى حلقات سابقة. فترى من يقول: (إن كان هناك إله خلق الكون كما تقولون فمن أوجد هذا الإله؟)..وأحيانا يكون في عباراتهم سوء نرد عليه، لكن هذا لا يمنعنا يا أحبة من أن نرشده إلى ما قد يهديه الله به من الحلقات السابقة..فمثل هذا مثلا يمكن ان يقال له: اذهب وشاهد حلقة (سؤال: من خخلق الله؟) ونضع له رابطها...في النهاية نحن نريد الهداية للناس. ولأَن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حُمُر النَّعم.

4. يسأل بعض الإخوة: ماذا نفعل مع المشككين ومن ينشرون الإلحاد وال‍شبهات خفية أو علناً؟ ألا نشتكي على قنواتهم؟ ألا نطالب السلطات في بلادهم بإيقافهم...إلخ؟
نصيحتي: الشكوى عليهم لن تجدي عادة، وكثيرا ما تكون "كالمستجير من الرمضاء بالنار"! بل قد تعطيهم "شرعية" في عيون متابعيهم كــ"تنويريين محارَبين"!
وإنما ما أنصح به إخواني: تعلُّم العلم وبثُّه بين الناس، تحصين الناس فكرياً بسلاسل علمية، والردود العلمية على غرار الحلقات التي ننشرها. وسترى حينئذ مصداق قوله تعالى:
(بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق)...
ولا سبيل للمشككين بعدها إلا أن يكفوا عن الكذب والتضليل ويؤثروا الله ودينه على ما سواه، فيصبحوا إخواناً لنا يبثون معنا علما نافعا، نتقوَّى بهم ويتقوون بنا، وإما أن ينفض الناس عنهم، يتكلمون فلا يُسمع لهم...أسواقهم فارغة وبضاعتهم كاسدة ووجوههم ذليلة بعد أن فُضحوا.

ختاماً: تأخرنا كثيييراً في رحلة اليقين لظروف منها متابعة مرض الحبيبة سارة ثم وفاتها..ثم الانشغال بشواغل كثيرة أسرية ودعوية وأكاديمية..لكن أبشركم بأن الحلقة القادمة ستكون قريبة ومميزة بإذن الله، فترقبوا يا كرام.
والسلام عليكم ورحمة الله.

منذ 5 أعوام و 10 شهور
محمد عبد الواحد

عاوز تفهم؟ ركز معي.. منشور مهم جدا:
_________________
إذا قلنا: الحنابلة بعد ابن تيمية يخالفونه ويعظمونه، ولا تعارض، ويتركون النقل عنه في المواضع المشكلة كأن الله لم يخلقه: إما وأدا للخطأ، وإما صيانة له، ويعرفون كيف يتعاملون معه=
قالوا: هم مخلطون ولا يفهمون ولا يوزنون به، ولا قيمة لموافقتهم أو مخالفتهم!

ثم تراهم ينقلون عنهم تزكيتهم للشيخ في الاعتقاد، ويذكرون نقلهم عنه في بعض مسائله!

فكيف احتججتم الآن بتزكية قوم لا تحقيق عندهم، وبنقل من لا يفهمون؟!

- الشاهد ولندخل في الموضوع مباشرة:
هل الإمام المرداوي موافق لابن تيمية في قيام الحوادث بالله من أجل ما نقله في "التحبير" في صفة الكلام؟!
بداية: المرداوي في التحبير نقل كل الأقوال التي قيلت في المسألة وأطال فيها جدا، وبيّن غرضه في ذلك فقال:
"وإنما أطلت الكلام في هذه المسألة، ونقلت كلام العلماء المعتبرين فيها؛ ليعلم ذلك، ويعلم أقوال العلماء، والقائل بكل قول، ويعرف قائله وقدره ومكانته في العلم وعند العلماء؛ إذ غالب الناس في هذه الأزمنة يقول: (من قال: إن الله يتكلم بصوت، يكون كافرا) ... فإذا نظر الإنسان المنصف في كلام العلماء الأئمة الأعلام المقتدى بهم، واطلع على ما قالوه في هذه المسألة= علم الحق، وعذر القائل، وأحجم عن المقالات التي لا تليق بمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر، وعلم أن هذه المسألة من جملة مسائل الصفات.
ولهذا قال الحافظ العلامة ابن حجر: (قد صحت الأحاديث بذلك، فما بقي إلا التسليم أو التأويل) ، كما تقدم عنه.
فليس لأحد أن يدفع حديث النبي ﷺ ويقول بعقله: هذه الأحاديث مشكلة، ويلزم منها المحذور العظيم.
فقول من نتبع؟! قول هذا القائل، أو قول من اتبع الأحاديث على حكم صفات الله اللائقة بجلاله وعظمته؟! والله أعلم.
ونسأله التوفيق لما يرضيه عنا من القول والعمل والنية، إنه سميع قريب مجيب".
هذا كلام المرداوي ويبين فيه بوضوح سبب الإكثار من النقل، وما نقله عن ابن تيمية مما فيه كون آحاد الكلام حادثا ونحوه= هو من هذا الباب، ولأصل إثبات الحرف والصوت.
ومن رأى أن نقله ذلك موافقة منه له= فليجعل نقله عن الموفق نقولا صريحة في التفويض ونفي الأدوات= كذلك،
وليجعل بقية النقولات عن الأصحاب المخالفة لمذهب ابن تيمية= كذلك!

والأمر ليس ذلك أصلا، بل الغرض هو ما بينه هو ولم يحوجنا إلى تخرص واستنباط.
***
***
وأما إذا أردت معرفة رأي المرداوي ورأي المذهب -في نظره- في كون الصفات قديمة أو لا؛ فاقرأ هذا الكلام الذي عقده بالقصد لهذه المسألة:
قال المرداوي: "(فأما صفات الله تعالى فقديمة، وهي حقيقة عند أحمد وأصحابه وأكثر أهل السنة، ومذهب المعتزلة حدوثها، والأشعرية حدوث صفات الفعل).
قال الحافظ أبو الفضل ابن حجر في "شرح البخاري": (اختلفوا هل صفة الفعل قديمة أو حادثة؟ فقال جماعة من السلف منهم أبو حنيفة: هي قديمة. - قلت: وهو مذهب أحمد وأصحابه وأكثر السلف، كما نقله ابن مفلح-.
قال: وقال آخرون منهم: ابن كلاب، والأشعري: هي حادثة لئلا يكون المخلوق قديما.
وأجاب الأول: بأنه يوجد في الأزل صفة الخلق ولا مخلوق.
فأجاب الأشعري: بأنه لا يكون خلق ولا مخلوق، كما لا يكون ضارب ولا مضروب.
فألزموه بحدوث صفاته، فيلزم حلول الحوداث بالله.
فأجاب: بأن هذه الصفات لا تحدث في الذات شيئا جديدا.
فتعقب: بأنه يلزم أن لا يسمى في الأزل خالقا ولا رازقا، وكلام الله قديم، وقد ثبت فيه أنه الخالق الرازق.
فانفصل بعض الأشعرية: بأن إطلاق ذلك إنما هو بطريق المجاز، وليس المراد بعدم التسمية عدمها بطريق الحقيقة.
ولم يرتضه بعضهم بل قال وهو المنقول عن الأشعري نفسه -: إن الأسامي جارية مجرى الأعلام، والعلم ليس بحقيقة ولا مجاز في اللغة، وأما في الشرع؛ فلفظ الخالق والرازق صادق عليه تعالى بالحقيقة الشرعية، والبحث إنما هو فيها، لا في الحقيقة اللغوية، فألزموه بتجويز إطلاق اسم الفاعل على من لم يقم به الفعل.
فأجاب: بأن الإطلاق هنا شرعي لا لغوي) انتهى كلام الحافظ.
وقال: (تصرف البخاري في هذا الموضع يقتضي موافقة القول الأول، والصائر إليه يسلم من الوقوع في مسألة حوداث لا أول لها) .
ثم ذكر المرداوي كلام المعتزلة وحججهم.
وتبعه ابن النجار.

فانظر عمن نقل، وما الذي جعله هو وابن مفلح مذهب أحمد وأصحابه وأكثر السلف متدخلا في كلام ابن حجر بجملة اعتراضية؟
أن الصفات قديمة، وهو الذي نسبه ابن حجر لأبي حنيفة.

ولم يذكر المرداوي كلام ابن تيمية أصلا ولا حججه ولا ردوده، بل نقله كله عن الأشاعرة،
ومثله صنع ابن النجار.
وهذا محل ذكر قول ابن تيمية في المسألة لو كانوا يعتبرون به أصلا!
هذا والمرداوي من أكثر الأصحاب نقلا عن ابن تيمية وموافقة له وانتصارا لاختياراته ونشرا لها!

بل مِن قَبلهم ابن مفلح تلميذ ابن تيمية وناقل أقواله وحافظها وناشرها والحفي بها؛ فعل نفس الفعل، لم يذكر ابن تيمية ولا حججه ‍وردوده أصلا، وذكر قدم صفات الله بإطلاق.
قال ابن مفلح:
"فأما أسماء الله وصفاته فقديمة، وهي حقيقة عند الإمام أحمد وأصحابه وجمهور أهل السنة".
***
***
بل إن المرداوي في موضع آخر لما ذكر حجة المعتزلة على أهل السنة بإلزامهم بتعدد القدماء أو حلول الحوادث= نقل جواب الرازي 🙂 ولم يعتبر كلام ابن تيمية أصلا ولا أشار إليه!
قال: "و‍شبهة المعتزلة: أن هذه الصفات إن كانت حادثة لزم قيام الحوادث بالقديم، أو قديمة لزم تعدد القديم، والنصارى كفروا بالتثليث، فكيف بادعاء تسمية الذات وثمان صفات؟
وأجاب الرازي وغيره: أن النصارى عددوا ذوات قديمة لذاتها، ونحن نقول: القديم واحد وهذه صفاته، هي ممكنة في نفسها، ولكن وجبت للذات لا بالذات، فلا تعدد في قديم لذاته، فلا قديم لذاته إلا الذات الشريفة) انتهى، وتقدم هذا الجواب في قولنا: (وأما صفات الله تعالى فقديمة)".
فانظر ذكر جواب من، وترك من؟! وأعاد ذكر جواب الأشاعرة وأحال عليه، ولم يلتفت لكلام ابن تيمية بحال.
بل إنه لم ينقل جواب الرازي الذي يفرح به التيميون ويلهجون به ويذكره ابن تيمية لإلزام الأشاعرة به!
فأين ما يقال من أن المرداوي والحنابلة يوافقون ابن تيمية أو يتحصنون بردوده؟!

وهذه المسألة -كما هو معلوم- من أعظم مسائل ابن تيمية التي أطال فيها النفس والحجاج وخالف فيها جمهور الحنابلة.
فأين نقلهم عنه أو ذكرهم رأيه أصلا؟!
وتبعهم على ذلك من كتب في اعتقاد الحنابلة متونا؛ كابن بلبان وعبد الباقي وعثمان والسفاريني، وقبلهم ابن حمدان، وغيرهم كثير.
فهل يترك هذا كله وهو موطن المسألة، وينقل كلام المرداوي في مسألة الحرف والصوت التي نقل فيها كل الأقوال وبَيّن بنفسه مراده من ذلك كما ذكرناه؟!
***
امممم
فلندع هذا كله ولنرجع إلى حجة: ليسوا محققين، وهم مخلطون.
ودوخيني يا لمونة.

لا بأس فنحن نفيد الطلبة بذلك ونفيد طالبي المعرفة كما هي، دون انتظار إنصاف من الخصوم. وبالله التوفيق.

منذ 5 أعوام و 11 شهر
مشاري الشثري

أئمة الدعوة النجدية .. وفريةُ تكفيرِهم المسافرين إلى بلاد الشرك

PDF:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعدُ:
فلا يزال المعترضُ يبحثُ عن قشَّةٍ لخلاصِه من معرَّة حكايته مع (آل فيروز)، وكان آخر ذلك محاولته في منشوره الأخير والذي زعم -أقول: زعم- أنه سيختم به هذا الجدال.
وقد تعاظمتْ بلايا المعترض -عفا الله عنه-، ومذْ بدأ السجال وهي تتراكم شيئًا فشيئًا، حتى إني أتحيَّر في صَدرِ كلِّ مقالةٍ فيما آتي منها وأذر!
وأما ما يتعلَّق بمنشوره الأخير فأولًا:
ما زال المعترض يُساجِلُ ويرُدُّ، وفي نفس الوقت ما زال يَعِدُ بعدم الرد، وأنه بمساجلته ‍وردوده لم يُخلِفْ وعدَه!
وقد حاولَ التحيُّل على وعده السابق بأنها مقيَّدٌ بجديدِ ما أكتبه، لا قديمِه .. ولما كان من الممكن أن يتساءل القارئ عن هذا القيد، إذْ لم يصرِّح به من قبل، بل كان وعدُه مرسَلًا عامًّا = أتى المعترض بالأمر الثاني، فقال: (وأنا أعلم بمرادي) .. وهذا يُذكِّرُنا بأولى محاولات خلاصه من حكاية آل فيروز، فهنا فسَّر سالفَ وعده بأنه مخصوصٌ بمقدَّرٍ في ضميره، كما كان قبلُ قد قدَّر في ضميرِه أسماءَ آل فيروز!
وأنا لا أدري ما الذي يضطُرُّه إلى كلِّ هذا؟
وثانيًا:
ففي ضمن محاولات المعترض للخلاص من حكاية آل فيروز نبَّه -وقد تكرر منه ذلك- على أنه يعرف الفرقَ بين عبد الوهاب وأبيه.
وهو هنا يظن قضيتي -ويا لنَصَبي في شرح قضيتي للمعترض!- بيانَ إنْ كان يعلم ذلك أو يجهله، وأنا ذكرت في المقالة تلك أنه يعرف ذلك ويدرك الفرق، لكن الشأن في أنه خلَّط حين تحدَّث عمَّن كفره إمام الدعوة، فأحال الأب ابنًا والابن أبًا، ثم أخذ في تلاوة تهاويله.
هذه قضيتي، لا أنه يعرف صاحب الحاشية أو لا، وقد صرَّحتُ في مقالة (ماذا فعلتُم بنا يا آل فيروز؟!) بـ (أنَّ كلَّ حنبليٍّ -ومنهم المعترض- يعرفُ أن الحاشية للابنِ عبدِ الوهاب ولا علاقة للأب بها).
ومع وضوح ذلك إلا أن المعترض لا يدركه .. فما خطيئتي إن كانت هذه حاله؟!
ولكنه مِن هَوْلِ ما أصابه أراد تعمية شأن القضية التي هي محل البحث .. وهيهات!
ولذلك أتانا بذكر الشيخ عبد الوهاب وحاول إقناعنا بأننا نكفره، كما أتانا بالبحثِ في مسألة حكم الإفادة من الكافر المرتد أو ممن وقع فيما يُكفَّرُ به، فأخذ يحاول إقناع المتابعين بكفر عبد الوهاب حسب قواعدنا، ثم أعاد إلزامَه بحرمة إفادتنا من كتبه.
وقلت له بأن قضيتي ليست شيئًا من ذلك، وإنما (قضيتي أن المعترض مُفتَضَحٌ بحكايةٍ، فقصصتُ تلك الحكاية، وبينتُ بها أن المعترض «إنما يحسن العويلَ والتهويلَ» وفقط .. هذا منتهى الأمر. بعد ذلك للمعترض أن يفتحَ من صفحات البحث ما شاء، لكن على أن يحفظَ لتلك الحكاية وقارَها وقرارَها، ثم لْيُجادِلْ عن كل شيء بكلِّ سبيلٍ يراه، على أن يجانب فلسفته الجدليَّة الفاردة، والتي ملخصها أن من براعة المجادل أن يقول الخطأَ، ليحيصَ خصمُه ويَضِلَّ عن صوابه!).
ومع ذلك فالمعترض لا يحسن الفهم، على أني سِرْتُ معه شيئًا، وشرحتُ في مقالة (التذفيف) جهالَتَيه، وهما: (أن تكفير الإمام محمد بن عبد الوهاب مُلْزِمٌ لمن بعده، وأن من لم يكفر من كفَّره الإمام محمد بن عبد الوهاب فهو كافر عند الإمام وأتباعه) ونقضتهما عليه، ولكنه لا يحسن أيضًا أن يفهم شيئًا من ذلك.
ثم عاد في منشوره الأخير وقرَّر نحوَ ما تقدم وزادَه أعجوبةً:
بيان ذلك أن المعترض ذكر أن الشيخ عبد الله العنقري لا يفرق بين عبد الوهاب وأبيه من حيث الاعتقاد، وأن الشيخ يقرر أن حال الابن والأب في الاعتقاد واحد.
كيف ذلك؟
ذلك أن الشيخ العنقري اعتُرِضَ عليه في نقله في حاشيته عن الشيخ عبد الوهاب بن محمد بن فيروز وحاله في الاعتقاد معلوم، فأجاب الشيخ: (إنما أخذت عنه في الفروع دون الاعتقاد).
هذا نصه كما نقله المعترض، لكن المعترض -على عادته، وكما قلتُ قبلًا- (يفهمُ غيرَ ما يقرأ، ثم يكتب غيرَ ما يفهم!) إلا أني قلتُ فيما مضى: (يبدو وكأنه) .. أما هنا فأقول ذلك جازمًا دون هذه الجملة الاحترازية، فليُصحَّحْ.
فالذي قيل للشيخ: أن حاله في الاعتقاد معلومٌ .. بينما المعترض يقرأ هذه الجملة على أنها: وحاله وحال أبيه في الاعتقاد واحدة!
فمن أين أتى هنا بذكر الأب وأن حالهما واحدة؟!
ثم إن الشيخ العنقري أجاب بأنه إنما يأخذ عنه في الفروع، لا في الاعتقاد.
وهذا جوابٌ مسدَّدٌ بيِّنٌ واضحُ المخرج، كما لو قيل لمن يقرأ كتاب «بداية المجتهد» لابن رشد: كيف تقرأ له وحاله من الاعتقاد معلوم؟ فسيقول لك بلسان عربي مبين: أنا آخذ عنه الفروع دون الاعتقاد.
وهذا يقال في حق كل من أخطأ أو ضلَّ أو خلَّطَ في بابٍ معيَّنٍ من العلم، فيستفاد في غير ما ضلَّ فيه..فكان ماذا؟
لكن المعترضَ يقرأ النص بأسلوب مغاير تمامًا، فقال معلقًا:
(وهل كان العنقري وسائله يجهلان أن مؤلف الحاشية هو الابن كما بهتني الثرثار؟! أم أن المتقرر عندهم أن حال الابن كحال أبيه، ومن هنا سأل السائل متعجبا؟!).
فهنا ترى كيف قرأ (حاله في الاعتقاد معلوم) كما لو كان يقرأ (وحاله وحال أبيه في الاعتقاد واحدة) فهذا المقدَّرُ -وما أكثر مقدَّراته!- الذي تَبَرَّعَ به المعترض للسائل لا يُدرى من أين أتى به.
ثم أتى المعترض بكلام صاحب الكتاب الذي نقل منه وقوله في الهامش عن عبد الوهاب بن فيروز:
(وعبد الوهاب يظهر أنه كرع من مشرب أبيه في منابذة الدعوة النجدية).
فكيف قرأ هذا الهامش؟ قال المعترض:
(والظريف أن المحقق السلفي الوهابي يعلق على كلام العنقري بأن عبد الوهاب ظهر منه أنه كرع من مشرب أبيه في منابذة هؤلاء الوهابية).
أرأيتَ مبلغَ المعترض من سوء الفهم لِمَا يقرأ؟ في الهامش أن عبد الوهاب (يظهر أنه ...) يعني: يبدو أنه .. والكاتب أمينٌ، لأن عبد الوهاب -وكما قلتُ من قبل- لم يأت في كلامه ما يدل صراحةً على منابذته للدعوة، قصارى ما أتى به المعترض أنه كتب كتابًا لأبيه في الرد على الوهابية، لأن أباه كان كفيفًا، ولأجل هذا قال المؤلف إنه يظهر منه .. ففسر المعترض: (يظهر أنه) بأنه: (ظهر منه) وما هي بأولى عجائبه!
ونحن حين نقول بأن الشيخ عبد الوهاب لم يأتِ في كلامه ما يدلُّ صراحةً على منابذته للدعوة لا يعني أننا نقول بأنه كان من صقور أئمة الدعوة النجدية! بل نقول أنه لم يَسِرْ على مسلك والده في مناكدة الدعوة ومنابذتها والتصدي لها. ولكن المعترض لا يحسن أيضًا فهم ذلك.
ثم إن المعترض أتى بكارثةٍ، وذلك حين علَّق على جملة: (وحاله من الاعتقاد معلوم) في السؤال الموجه للشيخ العنقري وكأنها تقتضي التكفير العيني!
كيف ذلك؟ يقول المعترض تعليقًا على ما نقله من سؤالٍ وجوابٍ:
(ويبقى السؤال قائما: كيف تأخذون الفقه عن كافر مرتد عدو للتوحيد، والعلماء ينصون على أن الفاسق المسلم لا يقبل قوله؟!).
يعني بما أن الشيخ العنقري قال بأن حاله من الاعتقاد معلوم، وأن المؤلف لما ذكر في الهامش أن الشيخ عبد الوهاب يظهر منه أنه كرع من مشرب أبيه = فهذا يقتضي أن الشيخ العنقري يكفره عينًا ولذلك أخذ عنه الفقه دون الاعتقاد، وهذا ما لا يرضاه المعترض فأعاد سؤاله والذي محصله: ما دام كَفَّره فلِمَ يأخذ الفقهَ عنه؟
أتدري لِمَ كانت هذه كارثةً؟
لأن المعترض يريد أن يجترح قاعدةً تكفيريةً جديدةً، وهي: تسلسل تكفير الأعيان بمطلق التأثر!
فعنده أنَّ الإمامَ محمدَ بنَ عبد الوهاب لما كَفَّرَ عينَ محمد بن فيروز، فيلزم من ذلك أن أي رجلٍ تأثر به أو كرع من مشربه فهو كافرٌ عينًا عند الإمام!
دعْ عنك إلزامنا بذلك، فنحن لا يلزمُنا أصلًا تكفير الإمام لمحمد بن فيروز، وأرهقني شرح ذلك، ولكنه يريد أن يقول بأن الإمام -ونحن من بعده- يكفر محمد بن فيروز عينًا، ثمَّ يكفر من تأثر به عينًا!
فهذه جهالاتٌ متراكمة، من جهة عدم فهم المقروء، وتحميله ما لا يحتمل، ثم الإلزام بما لا يلزم، وتقعيدِ التكفير بما لا يُكفَّر .. فلا حول ولا قوة إلا بالله، ولكن -وكما قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن عن أحدِ خصوم الدعوة-: (هذا الرجل تمكنت عداوته واشتدت جهالته، فصرنا منه في عناء وتعب، ولولا غربة الدين وندرة من يعرف الحقائق من المدعين، لَمَا صرفتُ أوقاتًا فاضلةً وساعاتٍ مباركةً في ردِّ أباطيله وكشف تساجيله، والله أسأل أن يكون كلامنا في هذه المواضع من الجهاد في سبيله والدعوة إلى صراطه بدليله).
حَدِّثْني بعد ذلك عن القوم ومأزقهم في فهم أوليات العلوم!
ومع ذلك يأتي المعترض ويقول بأن هذا السطر الذي قرأه مغنٍ عن ألفِ سطرٍ أكتبه!
وأنا أُصدِّقُه في ذلك وأُقِرُّه عليه لو كنتُ أخاطبه بتلك الأسطر الألف، إذًا لكان جهدي ضائعًا وعملي ذاهبًا، لكني أخاطب من يعقل ويحسن أن يفهم .. هذا نجازُ المقدِّمة، فلْآتِ إلى جوهر المقالة.

******

هل من المكفِّرات المقرَّرة عند أئمة الدعوة: السفر إلى بلاد الشرك؟
يحاول الحنابلة الجدد إيهامَ المتابعين بأن علماء الدعوة يكفرون المسافرين إلى بلاد الكفر والشرك، ابتغاءَ تشويه هذه الدعوة وتقريرات علمائها .. وأعجبُ من ذلك أنهم يجعلون هذه القضية من القضايا التي شَرِقَ بها كلُّ منافحٍ عن الدعوة وعلمائها، حتى قال ورَّاقُهم:
(أعجب من الفضلاء الذين يناقشون أتباع التوحيد الانتقائي في زيارة النبي ﷺ ومسائل الصفات. هؤلاء لا يقطعهم إلا الحديث عن ضابط بلاد الإسلام والكفر، وتكفير المسافرين، والهجرة، ومقارنة تراثهم بالواقع المعاصر وكنت قبل 15 سنة -وأنا دون الثلاثين وقتها- أُخرِس كبارَهم بها ولا يستطيعون الجواب).
إذًا فهذه قضية مركزية لها مقامها عند القوم، ويرونها محلَّ إخراسٍ للكبار فضلًا عن غيرهم.
في مقامٍ آخر ذات الورَّاق أتى ليقول متهكمًا:
(البعض يجادل في تكفير المسافرين، وليعلم أنه مرَّ بأربع مراحل:
1. أن المسافر إليها كافر، وضابط الكفر عندهم انتشار الأضرحة. انظر المخطوط المرفق.
2. أنه آثم وسفره معصية. انظر كتب بن سحمان فيه مزيد تفصيل.
3. أنه محرم إلى 1995 تقريبا.
4. أنه مباح وعليه غالب المشايخ وعلى رأسهم هواة زواج المسفار).
وسيأتي البحث فيما تضمنه المخطوط.
المهم هنا ما يتعلق بالمرحلتين الأوليين اللتين ذكرهما، وهو أنه يرى أن مبتدأ الأمر أن المسافر إلى بلاد الكفر كافر، وهذا كما يقول: (عندهم). يعني عند علماء الدعوة، بدليل إتيانه بالمخطوطِ المتضمِّن نصًّا لبعضهم فُهِم منه التكفير بالسفر لبلاد الكفر، ولأن سياق البحث عن علماء الدعوة فقد جعل ثانيَ مراحلهم في تقرير المسألة والذي أبانتْه كتب ابن سحمان: النزولَ بحكم المسألة من الكفر إلى المعصية.
ثم إنَّ ذاتَ الورَّاق لما رآني رددتُ عليه وعلى من معه فريةَ إبطال أئمة الدعوة للعمل بالكتب الفقهية أتى في مقامٍ ثالثٍ ليطلب مني المناظرة، لكن لا على موضوع الرد، بل في موضوع تكفير المسافرين! فقال:
(قرأتُ منشورك الأخير عن تغريداتي، ما دمتَ مطلعا على تراث الدعوة أدعوك إلى جلسة مصورة خاصة نتناقش فيها عن تكفير المسافرين وضابط بلاد الإسلام والكفر مع تطبيقها على الواقع المعاصر، فلم نجد من أتباع التوحيد الانتقائي إلا الفرار من المواجهة، فإن رفضتَ لا بأس أن تكون كتابيه).
فهنا أيضًا ترى أن القضية لديهم ليست ذات مركزٍ هامشيٍّ، بل هي على مقامٍ من الأهمية لدرجة أنه ترك موضوع الرد وطلب المناظرة في هذه القضية، أعني قضية تكفير المسافرين في تراث الدعوة.
ولستُ فيما أكتبه ملتفتًا إلى مقدَّمهم في العلم فكيف إلى ورَّاقهم، وإذا كنتَ رأيتَ مبلغ مقدَّمهم من الفهم والمكابرة فما ظنك بمَن وراءه؟!
ولِتعلَمَ أني لا أبغي على الورَّاق ولا أجازف، فقد أتى نفسه في مقامٍ رابعٍ وطرح قضية تكفير المسافرين، فأتى بنصٍّ من كتابٍ للشيخ الرحالة محمد العبودي جاء فيه قوله:
(أما المسائل التي خالف فيها الشيخ إبراهيم ابن جاسر مشايخه آل سليم فإنها فيما يقال كثيرة، ولكن رؤوسها سبع مسائل). ذكر منها: (ومنها إباحة السفر إلى بلاد المشركين لمن قدر على إظهار دينه).
كيف فهم الورَّاق هذا النص؟ قال معلِّقًا:
(قبل 80 سنة كان في القصيم خلاف محتدم بين أهل العلم، وكانوا على قسمين:
الأول يمثله آل جاسر درس بعضهم على حنابلة الشام.
والثاني آل سليم وكانوا موافقين لمشايخ الرياض.
وكان الخلاف في مسائل منها: تكفير المسافرين للدول العربية.
هذه الصفحة تطوى عمدا ولا تروى، وممن أثارها مؤخرا المؤرخ العبودي).
أرأيتَ؟!
الوثيقة تتكلم عن بحثٍ في إباحة السفر من عدمه، فقرأها الورَّاق على أنه بحث في تكفير المسافرين!
ومع تنبيه المتابعين له على ذلك إلا أن الوراق كتب تغريدة ردًّا عليهم فيها أن (البعض يشكك مع أن الكلام واضح)!
صدق وبَرَّ .. واضحٌ فلِمَ يشككون؟!
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن:
(أكثر الناس في خفارة جهله وكثافة طبعه، كالبعير الذي يعقله أهله، لا يدري فيمَ عُقِلَ، ولا فيمَ أُطلِق!).
*
من هذا العَرض تعلم مركزيَّة هذه القضية في مناكدة علماء الدعوة وأتباعهم.
لم يقف الأمر عند ورَّاق الحنابلة الجدد.
بل أتى المعترضُ، وهو مقدَّمُهم -ومُقدَّمُ كلِّ طائفةٍ بحسبها-، فأثار هذا الموضوع، وأتى بذات الوثيقة المخطوطة التي أتى بها الوراق -وسيأتي القول فيها تفصيلًا إن شاء الله-، وطرح على جوانبها حزمةً من الأسئلة المتعلقة بحكم السفر إلى البلاد التي بها أضرحة وقباب ظاهرة، وما حكم من يبيح ذلك، وهل نحن وهابية فعلا مطردون على تأصيل مشايخنا، إلى غير ذلك.
فإذًا، القضية لم تقفْ عند ورَّاقهم، بل حتى مقدَّمُهم يثير تلك القضية، وبه يقف المرء متأمِّلًا في المسألة مقلبًا النظرَ فيها، ويقع في وهمه لأول وهلةٍ أن هناك إشكالًا حقيقيًّا في تقريرات علماء الدعوة فيما يتعلق بحكم السفر، وأن من المكفرات عندهم السفر إلى بلاد المشركين.
وغاية ما حرره هؤلاء في هذه المسألة أنْ تناقلوا بينهم مخطوطًا، فصوروه، ثم ظللوا منه موضع الإشكال، ثم قذفوا به .. هكذا يحررون المسائل.
ولأني إنما أخاطب بما أكتبه -من قبل والآن وما سيأتي بعدُ إن شاء الله- القراء لا هؤلاء، فسأطرح القضيَّةَ كما يفهمها كلُّ ذي عقل يُحسِنُ أن يفهم، وإلا فلو تكلَّفتُ شرحها على ما يليق بهم لَمَا كان لما أكتبه منتهًى، وقد علمتَ شأنهم في البَدَائه فكيف هي حالهم فيما هو فوقَها.

******

وهنا أرجع لإثارة ما بدأتُ به، وهو:
هل من المكفِّرات المقرَّرة عند أئمة الدعوة: السفر إلى بلاد الشرك؟
أعرض للقارئ الكريم تقريراتِ علماء الدعوة الذين رأيتُ لهم كلامًا في هذه المسألة، ثم آتي لما أثاره الحنابلة الجدد وأبسط القول فيه، لتعلمَ أن كلمةَ علماء الدعوة في هذا الباب واحدةٌ، من أولهم إلى آخرهم، وهي تقرير حرمة السفر إلى بلاد المشركين لمن لم يقدر على إظهار دينه، وأنها من جملة المعاصي لا المكفرات.
- أبناء إمام الدعوة:
سئل أبناء الإمام رحمهم الله تعالى وعفا عنهم: عن السفر إلى بلاد المشركين للتجارة؟
(فأجابوا بما حاصله: أنه يحرم السفر إلى بلاد المشركين، إلا إذا كان المسلم قويا له منعة يقدر على إظهار دينه) الدرر السنية (8: 412 - 413).

- أحفاد الإمام:
(1) عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب:
سئل رحمه الله عمن سافر إلى بلاد المشركين للتجارة؟ فقال:
(أما السفر إلى بلاد المشركين للتجارة فقد عمت به البلوى، وهو نقص في دين فاعله، لكونه عرض نفسه للفتنة بمخالطة المشركين، فينبغي هجره وكراهته، وهذا هو الذي يفعله المسلمون معه، من غير تعنيف ولا سب ولا ضرب. ويكفي في حقه إظهار الإنكار عليه، وإنكار فعله، ولو لم يكن حاضرًا، والمعصية إذا وجدت، أنكرت على من فعلها أو رضيها إذا اطلع عليها) الدرر السنية (8: 275).
(2) سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب:
سئل رحمه الله: هل يجوز للمسلم أن يسافر إلى بلد الكفار الحربية، لأجل التجارة، أم لا؟ فقال:
(الجواب: الحمد لله، إن كان يقدر على إظهار دينه، ولا يوالي المشركين = جاز له ذلك، فقد سافر بعض الصحابة رضي الله عنهم كأبي بكر رضي الله عنه وغيره من الصحابة إلى بلدان المشركين لأجل التجارة، ولم ينكر ذلك النبي ﷺ كما رواه أحمد في مسنده وغيره.
وإن كان لا يقدر على إظهار دينه، ولا على عدم موالاتهم، لم يجز له السفر إلى ديارهم، كما نص على ذلك العلماء، وعليه تحمل الأحاديث، التي تدل على النهي عن ذلك، ولأن الله تعالى أوجب على الإنسان العمل بالتوحيد، وفرض عليه عداوة المشركين، فما كان ذريعة وسببا إلى إسقاط ذلك لم يجز) الدرر السنية (8: 161 - 162).

- أبناء أحفاد الإمام:
إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب:
قال رحمه الله:
(وأما من يسافر إلى بلدان المشركين للتجارة، فهؤلاء إن لم يصدر منهم موالاة ومداهنة وملاطفة للمشركين والمرتدين، فهم أخف حالا ممن تقدم ذكرهم، وهم مشتركون معهم في التحريم، متفاوتون في العقوبة، لأن الإقامة تصدق على القليل والكثير، والحكم منوط بالإقامة والمجامعة في النصوص، لكن كلما خفت المفسدة خف الحكم) الدرر السنية (8: 308).
وقد بحث الشيخ إسحاق هذه المسألة تفصيلًا في كتابه (الأجوبة السمعيَّات) وسيأتي ذكر بعض ما جاء فيه.

- أبناءُ أبناءِ أحفاد الإمام:
محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب:
قال رحمه الله في سياق حديثه عن المتظاهرين بالكفر والشرك:
(والمسافر إليهم مرتكبٌ أيضًا حرامًا ... قال علماؤنا: المقيم بين ظهراني المشركين، والمسافر إليهم لأجل التجارة مشتركون في التحريم مفاوتون في العقوبة) الدرر السنية (8: 457).
فهذه أربع طبقات من علماء الدعوة، أبناء الإمام وأحفاده وأبناء أحفاده وأبناءُ أبناءِ أحفاده .. وينقل بعضهم ذلك عن علمائهم بما يقتضي أنه قول مجموعهم .. سئلوا عن السفر إلى بلاد المشركين فاتفقت كلمتهم على أن ذلك محرم فقط، ولم يأتوا بلفظ الكفر البتة، وحرمةُ ذلك مقيَّدةٌ بما إذا لم يقدر المسافر على إظهار دينه.
*
وعلى ذلك درج علماء الدعوة ومشايخهم من غير ذرية الشيخ:
فقال الشيخ أبا بطين في مسألة الإقامة -وهي أغلظ من مجرد السفر-:
(وما ذكرتَ من حال من يكون بين ظهراني المشركين، فإن كان يقدر على إظهار التوحيد بحيث يظهر لهم القول بأن هذه الأمور الشركية التي تفعل عند القبور وغيرها باطل وضلالة، وأنا بريء منه وممن يفعله، فمثل هذا لا تجب عليه الهجرة. وإن كان لا يقدر على إظهار ذلك، مع اعتقاد بطلانه، وأنه الشرك العظيم، فهذا ترك واجبا عليه، ولا يكفر بذلك) الدرر السنية (8: 295).

وتكلم الشيخ حمد بن عتيق عن هذه المسألة، وقال في بيانها:
(وفي أجوبة آل الشيخ لما سئلوا: هل يجوز للإنسان أن يسافر إلى بلاد الكفار لأجل التجارة أم لا؟).
ثم أتى بنص جواب الشيخ سليمان بن عبد الله المتقدم [انظر: سبيل النجاة والفكاك (100 – 101)، الدررالسنية (8: 412 – 413)].

وقال ابنه الشيخ سعد بن حمد بن عتيق:
(وأما الانتقال من بلاد الإسلام إلى بلاد القبوريين، والتحيز إلى جماعة المشركين، وعدم المبالاة في ذلك، فمن المصائب العظام والدواهي الكبار، التي وقع فيها كثير من الناس، وتساهلوا فيها واستصغروها، وخف شأنها عند كثير من الناس، الذين ضعفت بصائرهم في دين الإسلام، وقل نصيبهم من معرفة ما بعث الله به نبينا محمدا ﷺ وما كان عليه الصحابة، ومن تبعهم من الأئمة الأعلام. وما زال الأمر بالناس، حتى صار النهي عن ذلك، والكلام في ذمه، وذم من فعله من المستنكر عند الأكثر، وصاروا لا يرون بذلك بأسا، وينسبون من ينهى عنه وينكره على من فعله، إلى الغلو في الدين، والتشديد على المسلمين. وفي القرآن الكريم والسنة النبوية ما يدل من في قلبه حياة على المنع من ذلك، وكلام العلماء مرشد إلى ذلك، فإنهم صرحوا بالنهي عن إقامة المسلم بين أظهر المشركين من غير إظهار دينه ... قال ابن كثير في الكلام على هذه الآية -يعني آية النساء: «إن الذين توفاهم الملائكة»-: وهذه الآية عامة في كل من أقام بين أظهر المشركين، وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنا من إقامة الدين = فهو مرتكب حراما بالإجماع ونص هذه الآية) الدرر السنية (8: 458 - 459).

وقال الشيخ سليمان بن سحمان:
(فمن أظهر دينه جاز له السفر والإقامة، ومن لا يقدر على إظهار دينه لا يجوز له السفر ولا الإقامة بإجماع العلماء) الدرر السنية (8: 471).
وقال:
(إن السفر إلى بلاد أهل الشرك لمن لا يقدر على إظهار دينه من الوسائل والذرائع المحرمة كما نبه على ذلك أهل العلم) الجواب الفائض (127).
*
إذًا:
تعلم بما مضى أن الحكم لدى علماء الدعوة لا يجاوز تقرير الحرمة لمن لم يقدر على إظهار دينه، وهم في ذلك على ما عليه أهلُ العلم، ومن هنا تجد بعضهم يستشهد لتقريره بما في كتب الفقهاء، ولا سيما الإقناع وشرحه.
بعد هذا .. ألا ترى معي أخي القارئ وبعد مَسْرَدِ هذه النصوص التي توزَّعت طبقات علماء الدعوة أنَّ الذي يُوهِمُ القراء ويَكذِبُ عليهم بأن تراثَ الدعوة على تكفير من سافر إلى بلاد المشركين لا يعدو أن يكون كاذبًا رقيقَ الديانة!
وإن لم يَحجِزْه دينٌ أفلا يحجزه الحياء؟ إذ كيف ينسب إلى تراث الدعوة تكفير المسافر لبلاد الشرك حتى زمن ابن سحمان ونصوصهم متواترةٌ على خلاف ذلك؟
ولمْ يَقتَصِرْ على ذلك، بل قرر في سياق تهكمي أن العلماء والمشايخ ما زالوا يُرقِّقون من هذه المسألة حتى أباحوها، وخاصةً هواة زواج المسفار على حد تعبيره .. أمثل هذا يعد طرحًا علميًّا، أم دناءةً أخلاقيةً؟

******

ما الذي تمسَّك به الورَّاقُ ومَن معه ليقرروا فرية تكفير علماء الدعوة للمسافر إلى بلاد الشرك؟
هناك نصٌّ في ضمن مخطوطةٍ تضمَّن قولًا لاثنين من علماء الدعوة يُوهِمُ ظاهرُه خلافَ ما تقدَّم، وهما:
1)الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب.
2)الشيخ حسن بن حسين بن علي بن حسين بن محمد بن عبد الوهاب.
فالأول من طبقاة أبناء الأحفاد، والثاني من الطبقة التي تليها.
وأنا أذكر لك المحكَمَ من تقريراتهما، لتعلمَ به أنهما على سَنَن من قبلهم من علماء الدعوة، وأن كلمة علماء الدعوة واحدةٌ في هذا الباب.
ثم أعرضُ لك النصَّ المتشابِه وأبيِّنُ جهتَه ومخرجَه، وأنه لو كان مشكلًا عصيًّا على المعالجة لكان الردُّ إلى المحكم هو سنن الذين يتحرَّون الحق ويطلبونه، فكيف وهو بيِّنُ السياق؟
ولكنْ قد نبأنا الله تعالى أنَّ من كتابه المحكمَ والمتشابهَ، وأن الذين في قلوبهم زيغٌ يتبعون (ما تشابه منه ابتغاء الفتنة)، فإذا كان هذا مع كلام الله تعالى فكيف هي الحال مع كلام المخلوقين .. والموفَّق من سلَّم الله صدرَه.
*
- أمَّا الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن:
فقال رحمه الله:
(وأما السؤال عمن يسافر إلى بلد المشركين، التي يعجز فيها عن إظهار ما وجب لله من التوحيد والدين، ويعلل بأنه لا يسلم عليهم ولا يجالسهم، ولا يبحثونه عن سره، وأنه يقصد التوصل إلى غير بلاد المشركين، ونحو ذلك من تعاليل الجاهلين = فاعلم: أن تحريم ذلك السفر قد اشتهر بين الأمة، وأفتى به جماهيرهم، وما ورد من الرخصة محمول على من يقدر على إظهار دينه، أو على من كان قبل الهجرة. ثم إن الحكم قد أنيط بالمجامعة والمساكنة، وإن لم يحصل سلام ولا مجالسة، ولا بحث عن سره، كما في حديث سمرة: «من جامع المشرك أو سكن معه، فإنه مثله». فانظر ما علق به الحكم، من المساكنة والاجتماع، وتعليق الحكم بالمشتق يؤذن بالعلة، فإن وقع مع ذلك سلام ومجالسة، أو فتنة بالبحث عن عقيدته وسره، عظم الأمر، واشتد البلاء؛ وهذه محرمات مستقلة، يضاعف بها الإثم والعذاب) الدرر السنية (8: 313).
وقال:
(وأهل المذهب لا يختلفون في أن حكم السفر حكم الإقامة، يمنع منه من عجز عن إظهار دينه) الدرر السنية (8: 318).
وهنا يُنبَّه على قضية مهمة، وهي أن علماء الدعوة -بما فيهم الشيخ عبد اللطيف- إذا كانوا لا يكفرون بمجرد الإقامة، فكيف يكفرون بمجرَّد السفر!
وهنا وفي غير موضعٍ يصرح الشيخُ بقول أهل المذهب، وأن ما يقرره هو ما عليه المتأخرون وعليه إفتاء جماهيرهم، بما يعني أن قوله قولهم، وأن حكم السفر حكم الإقامة، وهو التحريم في حق من لم يقدر على إظهار دينه.
ومما قاله في ذلك ما تقدم نقله، وهو قوله:
(... والخط الذي تسأل فيه عما نفتي به في مسألة السفر إلى بلاد المشركين، قد وصل إلينا، والذي كتبناه للإخوان به كفاية للطالب وبيان، ولم نخرج فيه عما عليه أهل الفتوى عند جماهير المتأخرين) الدرر السنية (8: 329).
وذكر في موضعٍ أن ما ذكره في هذه المسألة هو المشهور عند المتأخرين، فقال:
(مع أن الذي كتبناه في هذه المسألة، موافق للمشهور عند المتأخرين، لم نخرج عنه كما تقدم ذكره) الدرر السنية (8: 339).

وقال في ذات الرسالة:
(نص عبارات علمائنا، وظاهر كلامهم، وصريح إشاراتهم: أن من لم يعرف دينه بأدلته وبراهينه، لا يباح له السفر إليهم، فالرخصة مخصوصة بمن عرفه بأدلته المتواترة في الكتاب والسنة، ومثل هذا هو الذي يتأتى منه إظهار دينه، والإعلان به) الدرر السنية (8: 332).
وقال فيها:
(لا بد في إباحة السفر إلى بلاد المشركين من أمن الفتنة فإن خاف بإظهار دينه الفتنة، بقهرهم وسلطانهم، أو ‍شبهات زخرفهم وأقوالهم، لم يبح له القدوم إليهم والمخاطرة بدينه) الدرر السنية (8: 335).
وقال:
(وقد ذكر علماؤنا تحريم الإقامة والقدوم إلى بلد يعجز فيها عن إظهار دينه، والقيم للتجارة والتكسب والمستوطن، جحكمهم وما يقال فيهم حكم المستوطن ... إذا تبين هذا فالأقسام مشتركون في التحريم، متفاوتون في العقوبة) الدرر السنية (8: 356 - 357).
ومن عجبٍ أن الشيخ عبد اللطيف يكاد يكون أكثر علماء الدعوة كلامًا في هذه المسألة، وكل ما تضمنته رسائله من ذلك لا يتضمن الحكم بالكفر، بل هو يقرر ما قرره من قبله، وإن كان قد يُغلِّظُ من أمر الحرمة والإنكار لما يراه من أحوال المسافرين، وأحوالِ من يسافرون إليهم، دون أن يبلغ بذلك حدَّ الكفر، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله.

- وأما الشيخ حسن بن حسين:
فقد تضمَّن رأيَه تقريظٌ كَتَبه لكتاب الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن (الأجوبة السمعيات لحل الأسئلة الروافيات)، وهو كتابٌ مختصٌّ ببحث هذه المسألة ونظائرها، قال الشيخ إسحاق في أولها:
(فقد كتبتَ تسألني عن الصواب عندنا في: حكم بلدان المشركين، وهل يجوز السفر إليها لمن أظهر دينه، وما إظهار الدين الذي تبرأ به الذمة؟).
ولما بحث الشيخ إسحاق مسألة حكم السفر قال:
(وأما المسألة الثالثة، وهي مسألة السفر إلى أوطانهم، ففرعٌ عمَّا تقدَّم، فمن حرَّم الإقامة بين أظهرهم إلا بشروطها حرَّم السفر، ولكن ليس كمن أقام بين ظهراني المشركين يشهد ما هم عليه من الكفر الجلي البواح، والحكم بالقوانين، ورد الأحكام الشرعية، وغير ذلك مما لا يحصى، بل لكل درجات مما عملوا، فذنب المسافرين أخف من ذنب المقيمين، وذنب المقيمين فقط أخف من ذنب من تولاهم بالمحبة والنصرة والطاعة مما هو بنص القرآن منافٍ للإيمان) الأجوبة السمعيات (98).
وهذا الكتاب للشيخ إسحاق نال تقريظ جمع من علماء الدعوة، وهم: حمد بن عبد العزيز العوسجي، عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ، عبد العزيز بن محمد آل الشيخ، إبراهيم بن عبد الملك آل الشيخ، محمد بن إبراهيم بن محمود، سعد بن حمد بن عتيق، عبد الله بن حسين المخضوب. ومنهم الشيخ حسن بن حسين آل الشيخ، ونصُّ تقريظِه بعد المقدمة:
(... أما بعد: فقد وقفت على ما أملاه الأخ الشيخ الفاضل إسحاق بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن في هذه الأوراق، فرأيتها مشتملة على ما يجب على كل إنسان القطع بصحته وقبوله، وإبطال ما خالفه ورده).
فهو إذًا يصادق على ما جاء في هذا الكتاب، ومن عُمَده مسألة حكم السفر إلى بلاد المشركين، والتي قرَّر فيها الشيخ إسحاق حرمةَ ذلك لمن لم يقدر على إظهار دينه، وما كان للشيخ حسن أن يُقَرِّظَ كتابًا ويثني على ما فيه وأنه يجب على كل إنسان القطع بصحته، والحال أن هذ الكتاب يقرر مجرد حرمة ما يراه هو كفرًا!
ومما يدل على رأي الشيخ حسن أيضًا، أن أحدَ خصوم الشيخ حسن لما أراد التشنيع عليه وصفَه بأنه يحرم السفر إلى بلاد الكفر إلا بشروط يتعذر وجودها على زعمه [انظر: علماء نجد (4: 324) وتحديدًا ما جاء في رسالة المترجَم إلى محمد بن رشيد (4: 329)] .. فكان إذًا أقصى ما أخذه عليه في ذلك ذكر شروط متعذرةِ التطبيق، ولو أنه علم منه التكفير بالسفر لَمَا فرَطت من بين يديه.
فإذًا: بان لك أن رأي الشيخ حسن لا يعدو أن يكون تحريمَ ذلك، فيكون بذلك موافقًا لتقريرات سائر علماء الدعوة، وبه يتأكَّد أن كلمة علماء الدعوة في هذا الباب واحدةٌ.

******

تقرَّرَ بما مضى أن الذي تضمَّنه تراث علماء الدعوة هو تحريم السفر إلى بلاد الشرك لمن لم يقدر على إظهار دينه.
على ذلك: أبناء الإمام، وأحفاده (عبد الرحمن بن حسن، سليمان بن عبد الله)، وأبناء أحفاده (عبد اللطيف بن عبد الرحمن، إسحاق بن عبد الرحمن)، وأبناءُ أبناءِ أحفاده (حسن بن حسين بن علي، محمد بن عبد اللطيف)، وغيرهم من علماء الدعوة (عبد الله أبا بطين، حمد بن عتيق، سعد بن حمد بن عتيق، سليمان بن سحمان). ولم يُنقَل عن غيرهم خلافٌ لهم، ولا أشار بعضُهم إلى وقوع الخلاف في ذلك، وقرَّظ كتابَ الشيخ إسحاق الذي تناول هذه المسألة جماعةٌ من علماء الدعوة، من ذرية الشيخ وغيرهم، صادقوا على ما فيه وأقروه.
وقد قال الشيخ سعد بن حمد بن عتيق مبينًا أن قول أئمة هذه الدعوة في قضية الإقامة عند المشركين -وهي أغلظ من مسألة السفر- إنما هو المنع، ولو كان كفرًا لصرح به. قال رحمه الله:
(وكلام العلماء في المنع من الإقامة عند المشركين، وتحريم مجامعتهم، ووجوب مباينتهم = كثيرٌ معروف، خصوصًا أئمة هذه الدعوة الإسلامية، كالشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأولاده، وأولادهم، وأتابعهم من أهل العلم والدين، ففي كتبهم من ذلك ما يكفي ويشفي من «كان له قلب أو أو ألقى السمع وهو شهيد») الدرر السنية (8: 460).

كل هذا لا يلتفت إليه هؤلاء الحنابلة الجدد، ولا يشيرون إليه، ويتعامون عنه، اتباعًا لما تشابه من تقريرات علماء الدعوة، ابتغاءَ الفتنةِ وصَرفِ الناس عن هذه الدعوة وأعلامها.
والآن آتي إلى ذلك النص المتشابه وأقف معه وقفةً أبين من خلالها جهة النظر في تناول مثل هذه النصوص.
وعلى ما تضمنه صنيعُ الورَّاق ومَن معه مِن تجنٍّ على تراث الدعوة إلا أنَّ له بعضَ المَنِّ عليَّ بإثارته هذا الموضوع، وحفزِه إياي لمناقشته، ليكون ذلك أنموذجًا لما شرحتُه في مقالةٍ سلفت تناولتُ فيها أقسامَ تقريرات علماء الدعوة، والتي فرَّقتُ فيها بين التقرير التأصيلي للمسائل، والتقرير الذي يتضمن فتوى لها معطياتها الخاصة.
فقد ذكرتُ في تلك المقالة أقسام تقريرات علماء الدعوة، وكان خامسها: (تقريرات تضمنتها فتاوى لهم بحسب المعطيات التي وقفوا عليها وشاهدوها أو نقلت لهم، والتي رتبوا على وفقها أحكامًا متعلقة بالحكم على الأعيان والبلدان).
وفي بيان هذا القسم قلتُ:
(وأما القسم الخامس فهو أكثرُ الأقسام إشكالًا والتباسًا، وهي التقريراتُ التي تضمنتْها فتاوًى لهم بحسب المعطيات التي وقفوا عليها وشاهدوها أو نقلت لهم، والتي رتبوا على وفقها أحكامًا متعلقة بالحكم على الأعيان والبلدان، ومن هذه التقريرات ما يكون مفرَّعًا عن أصلٍ عقديٍّ ومنها ما يكون مفرعًا عن أصلٍ فقهيٍّ.
والموقف من تقريراتهم في هذا القسم أن طالبَ العلم لا يلزمه أصلًا تسجيل موقفٍ فيها -لا إيجابًا ولا سلبًا- ما دام لم يعايشْها أو يقفْ على المعطيات الكافية في الحكم عليها، وهي من جنس الأحكام القضائية التي يرتهن الحكم فيها لمفصَّل النظر في الواقعة نفسها ومدى انطباقها ...
وهذا القسم ليس مفترًعا مبتكرًا لمجرد دفع اللائمة عن علماء الدعوة، بل نحن في أمسِّ الحاجة له في تعاملنا مع سائر علماء الإسلام من مختلف الأقطار، من علماء المشرق والمغرب، وهو نهجٌ يعرفه من تمرَّس بكتب أهل العلم وطالع وقائعَهم ونظر في مخاطباتهم وأحكامهم على الحوادث والأعيان. ثم إن النظر هنا ليس في حسم مادة النقد، ولكنْ في قضية جعل ذلك مفترَقًا، وأما من اتَّسع همَّه لملاحقة أفراد هذه التقريرات فليفعل ذلك متى ما توفَّرت له المعطيات).

وعن مسألتنا هذه فقد تقدَّم لك التقرير التأصيلي عن علماء الدعوة بمختلف طبقاتهم، بما فيهم الشيخان عبد اللطيف بن عبد الرحمن وحسن بن حسين.
وأما الفتوى الآتية فهي من جنس القسم الخامس الذي بينتُ الموقفَ منه وجهة النظر فيه، فليكن بحثُ هذا النصِّ المتشابهِ إذًا أنموذجًا لهذا القسم .. والموفَّق من سلَّم الله صدرَه.
***

الفتوى التي تعلَّق بها هؤلاء من كلام الشيخ حسن بن حسين هي قوله رحمه الله:
(مسألةٌ: ما تكون حال من يرى أن الكويت والزبير بلاد كفر. أفتونا مأجورين.
الجواب: الحمد لله، اعلم أن العلماء رحمهم الله تعالى قديما وحديثا قد قرروا أن كل بلد تظهر فيه شعائر الشرك فهي بلد كفر، وقد ظهرت شعائر الشرك في الكويت والزبير ظهورا جليا، أما بلد الزبير ففيه قبة على قبر الزبير يقصدونها في صلاتهم، والقباب الذي تعبد في هذا البلد كثيرة، مثل قبة على قبر أنس وطلحة وغيرهما، وأما أهله فإنهم ارتكبوا أمورا كبارا كل أمر منها يخرجهم عن الإسلام ويستحقون به إطلاق الكفر، منها أنهم انتقلوا من بلاد المسلمين إلى بلاد المشركين، وهذه النقلة ردة عن الإسلام بمجردها، كما قرر ذلك شيخنا عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى. قال: المنتقلون من بلدان المسلمين إلى الأحساء مرتدون بمنزلة من ذهب من صف الرسول وأصحابه يوم بدر على المشركين من قريش وظاهروهم، وهذا من أعظم أسباب الردة نعوذ بالله من الخذلان).

هذا ما يتعلق منها بمحل بحثنا والذي حرَّرَ هؤلاء القولَ فيه بمجرد التظليل والتلوين على عادتهم.
وأنتَ ترى لأول وهلة أن ظاهرَ هذا النصِّ مشكلٌ، فلا بُدَّ من تحليل أجزائه، لأنه يمثل بمجموعه بحثًا مركَّبًا، ثم ننظر في كل مسألةٍ على حدةٍ لنقف على حقيقة حكم السفر في هذا التقرير.

تضمَّن هذا النص أمورًا:
الأول: أن كل بلد تظهر فيه شعائر الشرك فهو بلد كفر.
الثاني: أن مظاهر الشرك قد ظهرت في الكويت والزبير ظهورًا جليًّا.
الثالث: وهو مركبٌ من الأمرين الأولين، وهو أن الكويت والزبير بلاد كفر.
الرابع: أن أهل الزبير ارتكبوا مكفرات، كل واحد منها يخرجهم من الإسلام.
الخامس: أن من تلك المكفرات (الانتقالَ من بلاد المسلمين إلى بلاد المشركين) وأن هذه النقلة ردةٌ عن الإسلام (بمجردها) .. قرَّر ذلك الشيخ حسن، ثم نقل عن الشيخ عبد اللطيف نظير ذلك في كلامه عن الانتقال إلى الأحساء.

هذا مفصَّل ما تضمنه النص، وللنظر في المسألةِ محلِّ البحث وتحقيقِ القول فيها أقول:
أما الأمر الأول فبحثٌ في تأصيل اجتهادي.
وأما الثاني: فبحثٌ في تحقُّقٍ تاريخي.
والثالث مركبٌ من الأولين.
وأما الرابع فيُنظَر فيه إلى تلك المكفرات، وهل هي كذلك، ثم ينظر فيه وقوعها منهم فأولهما تأصيلي، وثانيهما تحقيقي.
وهذه الأمور الأربعة جديرةٌ بالبحث والتقصِّي، وكذا ما جاء في كلام علماء الدعوة من نظائر ذلك، وليس هذا محلَّ البحث هنا.
وأما الأمر الخامس الذي تضمنه النص فالقول في الانتقال من بلاد المسلمين إلى بلاد المشركين، وأن هذه النقلة ردةٌ عن الإسلام بمجردها. وهذا بحثٌ تأصيليٌّ، وهو محل بحثنا هنا فلا بد من تحريره، فأقول:
البحث في هذه الفتوى ليس متعلِّقًا بأصل قضية السفر إلى بلاد المشركين وأنه كُفْرٌ أو لا، بل هو في أن ذلك السفر هل يعدُّ موالاةً عمليةً للمشركين فيكون بمجرده ردَّةً، أو لا؟
هذه هي جهة البحث .. والشيخ حسن بن حسين يقرر أن ذلك بمجرَّدِه ردةٌ، لكونه مظاهرةً وموالاةً عمليَّةً، واستشهد لذلك بفتوى للشيخ عبد اللطيف تحدث فيها الانتقال إلى بلد الأحساء الذين يراهم معادين لدعوة التوحيد محاربين لها، فعدَّ الانتقال إليهم مظاهرةً لهم.

وهذا بيِّنٌ إذا استحضر الناظرُ ثلاثةَ أمور:
الأول: تقريرات الشيخين في رسائلهم وكتاباتهم الأخرى.
الثاني: سياق الكلام.
الثالث: واقع الأحساء في تلك الحقبة الزمنية، والتي كانت محل حديث الشيخ عبد اللطيف والذي استشهد به الشيخ حسن.

وهنا لا بد من تثبيت قضيةٍ:
وهو أن المقام الذي أقصد إليه في هذه الكتابة متعلقٌ بالمنهج العلمي في قراءة هذه الفتوى ونظائرها، وتحديد جهة البحث فيها .. وهذا هو محور النظر والإشكال مع الحنابلة الجدد، فهم يزعمون بناءً على هذه الفتوى أن مطلق السفر لبلاد المشركين كفرٌ عند علماء الدعوة، وأنَّ هذه الفتوى دالةٌ على ذلك، ولذلك يستطيلون بها، ويقررون أن ذلك من الخافي على كثيرين، وأن كثيرًا من المخطوطات تحمل كثيرًا من البلايا .. فأنا أريد أن أبين فساد قراءتهم التجزيئية هذه، وما رتبوه عليها من نتائجَ فاسدة تعلمُ بها مقامهم من النظر والتحرير.

- أما الأمر الأول فقد تقدَّم البحث فيه تفصيلًا، وتقرَّرَ فيه أن تقريرات الشيخين جاريةٌ على سنن أهل العلم وعلماء الدعوة.

- وأما الأمر الثاني، وهو سياق الكلام:
فظاهرٌ من سِبَاقِ هذا التقرير في النص ولِحَاقِه أن البحث إنما يقع على النُّقلَة التي تُعَد مظاهرةً، بدليل تقريره أن ذلك (بمنزلة من ذهب من صف الرسول وأصحابه يوم بدر على المشركين من قريش وظاهروهم).
فجعلُه هذا النقلةَ بمنزلة من ذهب إلى صف المشركين وظاهَرَهُم صريحٌ في المراد.
وقول الشيخ حسن: (وهذه النقلة ردة عن الإسلام بمجردها) يعني أن مجرد تلك النقلة إلى بلاد المشركين في الصورة محل البحث تعد مظاهرةً وموالاةً عمليَّةً فتكون بمجرِّدها كفرًا، لا أنه يعني أن أي سفر لبلاد المشركين يعد كفرًا، فلو سافر لبلاد المشركين لغرض دنيوي كالتجارة فإنه يكفر بذلك!
ومما يقوِّي هذا المعنى -زيادةً على سياق الكلام- أن الوارد في كلام الشيخ حسن وما نقله عن الشيخ عبد اللطيف إنما هو مصطلح النُّقلة والانتقال، لا السفر، والانتقال في مثل هذا السياق يحمل معنًى أخصَّ من السفر، فإن فيه معنى الانحياز، وهذا -والله أعلم- هو ما جعل الشيخين يعبران هنا بالانتقال، للدلالة على أن البحث ليس في مجرد السفر، وإنما هو في السفر الذي يعد مظاهرةً.
إذا تقرَّر هذا:
فالذي ينبغي أن يتجه إليه الحنابلة الجدد بالإشكال هو قضية التكفير بالمظاهرة والموالاة العملية، لا أصل السفر إلى بلاد المشركين، فهذا النصُّ الذي ضلُّوا عن جهة البحث فيه لا يتعلق بأصل السفر إلى بلاد المشركين بحيث يشمَلُ كلَّ سفر إليهم مهما كان غرضُه.
وطالبُ الحق السالمُ من الهوى يدرك الفرق بين المقامين، ويعلمُ فرقَ ما بين التقريرِ التأصيليِّ والبحثِ المتعلقِ بمعطًى خاصٍّ اقتضى الخروج عن ذلك الأصل، ويدرك الفرق بين القول في مطلق حكم السفر وبين النقلة التي احتفَّ بها معطًى رأى العالمُ فيه ما يقتضي خروج المسألة عن أصلها.
وأما صاحب الهوى فيهوى الخلط بين الأوراق -إن كان يدرك الفرقَ أصلًا- ويهجر النظرَ في المحكمات تعلُّقًا بالمتشابهات .. والموفَّقُ من سلَّم الله صدرَه.

- وأما واقع الأحساء وظرفها السياسي الذي تمخَّض عنه رأي الشيخ عبد اللطيف:
فالذي تدل عليه تقريرات الشيخ عبد اللطيف أن الأحساء حينها كانت مركزًا لعداء الدعوة ومحاربتها، فقد استطال أمرها واتسع شررها عما كان عليه الأمرُ أول تاريخ الدعوة، حيث كانت الدعوة قبل ذلك عامَّةً ظاهرةً، ومما يدل على ذلك تعليق الشيخ عبد اللطيف على فتوى والده عبد الرحمن بن حسن السابق ذكرها، وذلك بقوله:
(الذي وقع في هذه الأعصار وكلامنا بصدده أمرٌ يجل عن الوصف، وقد اشتمل مع السفر على منكرات عظيمة، منها: موالاة المشركين، وقد عرفتم ما فيها من النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، وعرفتم أن مسمى الموالاة يقع على شعب متفاوتة: منها ما يوجب الردة، وذهاب الإسلام بالكلية، ومنها ما هو دون ذلك، من الكبائر والمحرمات) الدرر السنية (8: 341 – 342).
وقال في ذات الرسالة مبينًا ظرفَ فتوى والده وفرق ما بينه وبين زمانه:
(الجواب في الجاري في وقته مع ظهور الإسلام وعزته، وإظهار دين من سافر إلى جهاتهم، وليس في ذلك ما في السفر إليهم في هذه الأوقات) الدرر السنية (8: 343).
ويُنبَّه هنا على أن الشيخ لا يخالف والده في أصل الحكم، وإنما يتحدَّث عن قدر التغليظ في الإنكار، وأن ذلك يختلف بحسب ذيوع أمر التوحيد وانتشاره وحال الناس في ذلك.
وقال الشيخ في رسالة أخرى:
(أما بعد، فأحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو على نعمائه، والخط الذي تسأل فيه عما نفتي به، في مسألة السفر إلى بلاد المشركين، قد وصل إلينا. والذي كتبناه للإخوان به كفاية للطالب وبيان، ولم نخرج فيه عما عليه أهل الفتوى عند جماهير المتأخرين.
نعم، فيه التغليظ على من يسافر إلى بلادٍ هجم عليها العدو الكافر الحربي المتصدي، لهدم قواعد الإسلام، وقلع أصوله وشعائره العظام، ورفع أعلام الكفر والتعطيل، وتجديد معاهد الشرك والتمثيل، وإطفاء أنوار الإسلام الظاهرة، وطمس منار أركانه الباهرة. وهو العدو الذي اشتدت به الفتنة على الإسلام والمسلمين، وعز بدولته جانب الرافضة والمرتدين، ومن على سبيلهم من المنحرفين والمنافقين) الدرر السنية (8: 329).
وقال في ذات الرسالة مؤكدًا سببَ التغليظ وإن لم يصل به إلى حد الكفر:
(الوجه السادس: أنَّا لا نسلم دخول هذه البلدة التي الكلام بصددها في عبارات أهل العلم ورخصتهم، لأن صورة الأمر وحقيقته: سفر إلى معسكر العدو الحربي الهاجم على أهل الإسلام، المستولي على بعض ديارهم، المجتهد في هدم قواعد دينهم، وطمس أصوله وفروعه، وفي نصرة الشرك والتعطيل، وإعزاز جيوشه وجموعه) الدرر السنية (8: 336).
وقال في رسالةٍ أخرى:
(فأهل الأحساء قد اشتهر حالهم، وأنهم ألقوا السلم إلى عساكر الدولة، واختاروا ولايتهم، وصرحوا بطاعتهم، ونصروهم بالقول، وعاملوهم معاملة الأخ مع أخيه، بل جاءت خطوط التجار المترفين أولي النعمة بتزكيتهم والثناء عليهم) الدرر السنية (8: 376).
فهنا يقرر الشيخُ حال زمانه، وصرَّح بأنه فيما يتعلق بأصل المسألة -السفر إلى بلاد المشركين- جارٍ فيه على ما عليه الفتوى عند جماهير المتأخرين، يعني حرمة ذلك فقط لمن لم يقدر على إظهار دينه، ولكنه نبَّه على معطًى استجدَّ في زمنه، من أجله غَلَّظَ في قضية الرخصة حتى لمن قدر على إظهار دينه، وذلك أن البلاد محل البحث بلاد هجم عليها العدو الكافر الحربي بالأوصاف التي ذكرها، وذكر أن ذلك استدعى منه تغليظًا زيادةً على ما تقدَّم.
وتلحظ هنا أنه لم يصرح بكون ذلك كفرًا، بل كل فتاويه في المجاميع التي تضمنت رسائله ليس فيها التصريح بالتكفير، بل يقرر أن ذلك السفر في تلك الحال اشتمل على منكرات، منها الموالاة، وصرح بأن (مسمى الموالاة يقع على شعب متفاوتة: منها ما يوجب الردة، وذهاب الإسلام بالكلية، ومنها ما هو دون ذلك، من الكبائر والمحرمات) الدرر السنية (8: 341 – 342).
ولكني أفَضْتُ القول في بيان محمل رأيه لو صدر منه الحكم بالكفر -على نحو ما نقله تلميذه الشيخ حسن بن حسين- وقد بينت أن سياق الفتوى يعالج قضية النُّقلَة الذي تعد مظاهرةً، فتكون حينها بمجردها ردَّةً عند من يقرر التكفير بالموالاة العملية.
فهذه النصوص بينة ظاهرةٌ في المراد، وأن الشيخ عبد اللطيف لم يخرج بذلك عما قاله من تقدمه من علماء الدعوة، وإنما حصل من مزيد من التغليظ في حكم السفر للظرف الذي عايشه وما ترتب على السفر فيه من منكرات، منها الموالاة، وهي شعبٌ منها ما هو كفر ومنها ما هو دون ذلك.
والقاعدة أن كلام العالم الواحد إذا تفرَّق فيُحْمَل مجملُه على مفسَّره، ويُعطَفُ موجَزُه على مفصَّله.
وما نقله الشيخ حسن بن حسين عنه فقصاراه أنه متشابهٌ يُرَدُّ إلى محكم تقريرات الشيخ، ولو لم يأتنا من كلامه إلا ذلك النص لكان له مخرجٌ على نحو ما رأيتَ، فكيف والحال ما ترى، لا سيما والنصوص المحكمة هي من كتابات الشيخ نفسه لا من نقل الناقلين عنه .. والموفَّق من سلَّم الله صدرَه.
هذا، وأقدِّرُ أن تلك الفتوى وذلك التغليظ كان في أواخر حياة الشيخ، وأن الحال التي يعنيها الشيخ عبد اللطيف كانت عَقِبَ الخلافات التي بُلِيَت بها الدولة السعودية الثاني بين أبناء الإمام فيصل بن تركي (عبد الله وسعود)، والتي كان من آثارها تصدُّع الدولة وانحلال نظامها، ومكَّنت القوى المناوئة من السيطرة على بعض أنحاء الدولة، حتى إن عبد الله بن فيصل بعث برسالةٍ إلى والي بغداد مدحت باشا يستعين بها على أخيه، فرآها والي بغداد مدحت باشا فرصةً سانحةً للاستيلاء على الأحساء، أعقبت ذلك محاولات عثمانية للزحف نحو الأحساء، حتى دخل الفريق محمد نافذ باشا الهفوف سنة 1288هـ كما ذكرته الكتب التي تنوالت تاريخ الأحساء السياسي، وكان ذلك أواخر حياة الشيخ عبد اللطيف.
ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن عبد الله بن صباح جهَّز من الكويت جيشًا حمله في السفن وقاده بنفسه وجيشًا بريًّا قاده أخوه مبارك بن صباح، وذلك مؤازرةً للجيش العثماني الغازي للأحساء، فدخلا القطيف واستولوا عليها، ثم على بقية أنحاء الأحساء كالعقير والهفوف، ثم عزَّزت القوات العثمانية وجودها في الأحساء بعد ذلك، بعد ذلك صارت تلك المنطقة سجالًا وحربًا بين القوات السعودية والعثمانية.
ومما يدل على ذلك ما جاء في رسالة للشيخ عبد اللطيف بعد أن تحدث عن بعض ما تعلق بعهد سعود بن فيصل:
(وبعد ذلك أتانا النبأ الفادح الجليل والخطب الموجع العظيم الذي طمس أعلام الإسلام ورفع الشرك بالله وعبادة الأصنام في تلك البلاد التي كانت بالإسلام ظاهرة، ولأعداء الملة قاهرة، وذلك بوصول عساكر الأتراك، واستيلائهم على الأحساء والقطيف، يقدمهم طاغيتهم داود بن جرجيس داعيًا إلى الشرط بالله وعبادة إبليس. فانقادت لهم تلك البلاد، وأنزلوا العساكر بالحصون والقلاع) الدرر السنية (8: 393).
وكتب الشيخ في ذلك أبياتًا تدل على عظم الأمر وفداحته، وما آل إليه الأمر من ظهور مظاهر الشرك وانتشاره وشيوع أمر المنكرات والذي جرَّه مقدم العسكر على عادتهم في كل أرض يحلُّونها.
هذا الظرف التاريخي لا بد من تقييده هنا والإشارة إليه لفهم سياق تلك الفتوى وبيان جهة الاجتهاد فيها فيما يتعلق بجعل النُّقلَة حينها ضربًا من المظاهرة والموالاة العملية.
ومما يدل على أن تقريرات الشيخ عبد اللطيف إنما تبحث هذه الحال، ومما يدل على واقع الأحساء حالتَئذ = فتوًى وردت للشيخ عبد اللطيف جاء فيها: (وسئل: عمن يجيء من الأحساء، بعد استيلاء هذه الطائفة الكافرة على أهله). فالسؤال يتعلَّق بحالٍ جدَّ فيها ذلك، ولذلك قال الشيخ في الجواب:
(الإقامة ببلد يعلو فيها الشرك والكفر، ويظهر الرفض ودين الإفرنج، ونحوهم من المعطلة للربوبية والإلهية، وترفع فيها شعائرهم، ويهدم الإسلام والتوحيد، ويعطل التسبيح والتكبير والتحميد، وتقلع قواعد الملة والإيمان، ويحكم بينهم بحكم الإفرنج واليونان، ويشتم السابقون من أهل بدر وبيعة الرضوان، فالإقامة بين ظهرانيهم -والحالة هذه- لا تصدر عن قلب باشره حقيقة الإسلام والإيمان والدين) الدرر السنية (6: 354 - 355).

فإذا علمتَ الظرف الذي صدرتْ فيه تلك الأحكام وذلك التغليظ بانتْ لك بذلك جهة النظر .. وأؤكد ما قررتُه سلفًا، وهو أن القصد هنا بيان المنهج في قراءة هذه الفتاوى وظروفها العلمية والسياسية، لا تقييد رأيٍ فيما يتعلَّق بالمناط الذي من أجله حُكِمَ على هذه البلدة أو تلك بأنها بلد كفر أو لا، وما رُتِّبَ عليه من أحكامٍ متعلقة بمظاهرتهم وموالاتهم .. هذا منتهى القول فيما يتعلَّق بواقع الأحساء.

******

تقرَّرَ بما مضى أن القول المستقر عند علماء الدعوة بمختلف طبقاتهم هو حرمة السفر إلى بلاد المشركين لمن لم يقدر على إظهار دينه.
وأما فتوى الشيخ حسن بن حسين، والتي تضمنت النَّقلَ عن الشيخ عبد اللطيف = فتبَيَّنَ أنَّها تبحث حكم النُّقلَةِ التي تُعَدُّ مظاهرةً، وقد دل على ذلك سياق الكلام، والنظر في الظرف التاريخي السياسي للفتوى، مع ما تقدم نقله من بيانٍ لتقريرات الشيخ عبد اللطيف والشيخ حسن في مسألة السفر إلى بلاد الشرك.
على أني أنبه هنا أن ما نقله الشيخ حسن بن حسين يحتمل أنه نقلٌ بالمعنى، فمع وفرة ما وصلنا من كلام الشيخ عبد اللطيف، وخاصة في المسألة ذاتها، إلا أني لم أجد حتى الآن ما يطابق معنى ما ذكره الشيخ حسن، بل قصاراه التغليظ في الحرمة والإنكار، ولم أجد في رسائله تصريحًا بالكفر، بل قال بأن ذلك يتضمن منكر الموالاة، ثم هي على شُعَبٍ .. ولكن إن تعاملنا مع ظاهر النقل فوجهه ما تقدم.
ثم لنفرضْ أن ذلك قولٌ للشيخ حسن بن حسين -وليس كذلك-، وأهملنا كل الاعتبارات العلمية التي تبين مخرج ذلك النقل وجهة النظر فيه، وأهملنا كل تقريرات الشيخ عبد اللطيف التي كتبها بنفسها وبثها في رسائله .. فمن أين للحنابلة الجدد التشنيع بذلك على الدعوة وعلمائها بنسبة ذلك إلى تراث الدعوة، فضلًا عن جعل ذلك -في زعمهم- محلَّ إحراجٍ وإخراسٍ لكل من يحامي عن ذلك التراث؟!
ولكن الشأن كما قاله العلامة عبد الله أبا بطين:
(ولو قدرنا أن إنسانا يقع منه جراءة وجسرة على إطلاق الكفر جهلًا منه، فلا يجوز أن ينسب إلى جميع الطائفة، وإنما ينسب إليهم ما يقوله شيخهم، وعلماؤهم بعده، وهذا أمر ظاهر للمنصف، وأما المعاند المتعصب فلا حيلة فيه) الدرر السنية (1: 362).
وقد كتبتُ في مقالةٍ سلفت (أنه على فرض ثبوت رأي معين لعلماء الدعوة وكان ذلك الرأي مما يستنكر، فليس بمنهجٍ أن ينسب لعموم الدعوة لمجرد صدوره عن أحدهم، ولستُ أعني أن لا ينسب لجمهورهم رأي فيما كان من هذا الباب، لكن إذا أراد الناظر صنع ذلك فعليه أن يقيم من الشواهد والبراهين ما يمنحه حق إثبات ذلك التعميم، لا أن يكتفي في ذلك بمجرد بُدُوِّ الرأي من أحدهم).
هذا على فرضِ ذلك، وقد بان لك في هذه المسألة وجهُ الحق فيها إن شاء الله.

******

بعد كلِّ ما مضى:
فإني لا أدري لِمَ لا يكلف هؤلاء الحنابلة الجدد أنفسَهم بقراءةٍ عابرةٍ لكتب أئمة الدعوة لينظروا في واقع تقريراتهم قبل جِدِّهم في خَلْق الأباطيل والتمويه بإشاعة الأكاذيب؟!
وقد قدَّمتُ في مقالةٍ مضتْ أن هؤلاء القوم إنما يلوكون أباطيلَ قد تقدَّمَتْ، ولا يحسنون ابتكارَ أيِّ جديدٍ يشغبون به، وهذا ما عليه حالهم في مسألتنا هذه، وذلك أن فرية التكفير بمجرد السفر إلى بلاد الكفار قد بُلِيَ بها من قَبلُ أحد مشايخ الدعوة، وهو الشيخ سليمان بن سحمان، وجرتْ في ذلك قصةٌ بينه وبين بعض مشايخ القصيم (عبد الله بن علي بن عمرو) حيث صنف رسالةً زعم فيها أن الشيخ ابن سحمان يُكَفِّر مَن سافر إلى بلاد المشركين، ويكفر من أجاز ذلك، وحمَّل كلامَه ما لا يحتمل، فأنكر الشيخ ابن سحمان ذلك في كتابٍ فصَّل القولَ فيه. وبه طُوِيَتْ صفحة هذا الزَّعْم الذي تبرأ منه الشيخ نفسه.
ولكن هؤلاء الجُدُدَ قصدًا للنكاية والمناكدة جعلوا من الفرية حقيقةً علميَّةً، ثم لم يقنعوا حتى جدُّوا في تعميمِها وإيهامِ مَن يقرأ لهم بأن هذا هو ما عليه تراث علماء الدعوة!

قال الشيخ ابن سحمان:
(أمَّا دعوى تكفير من أجاز السفر إلى بلاد المشركين فهي دعوى كاذبة خاطئة، «ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم»، ولكن قبله من بَهَتَ أئمة هذه الدعوة الإسلامية وأنهم يكفرون بالذنوب لمَّا أمروا بتوحيدالله ونهى عن ضده من الإشراك بالله من دعاء الأولياء والصالحين).
إلى أن قال:
(ثم إني -ولله الحمد- لا أكفر إلا من كفر اللهُ ورسولُه بعد بلوغ الحجة وقيامها، وأمَّا من أقام بين ظهرانَي المشركين أو سافر إلى ديارهم من أهل الإسلام، وكان قادرًا على الهجرة ومفارقة المشركين، ولم يتمكن من إظهار دينه المعتبر عند أهل العلم الذي تبرؤ به الذمة = فهو مرتكبٌ حرامًا، عاصٍ لله ورسوله بإقامته بين أظهر المشركين، لا كافر. فمن نسب عني غير ذلك، وزعم أني أكفر بمجرد الإقامة أو السفر = فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا قَبِلَ الله منه صرفًا ولا عدلًا، وفضحه على رؤوس الأشهاد، «يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار») الجواب الفائض (52 – 53).

وقال:
(... وأمَّا دعواه أنِّي أكفر من أجاز السفر مطلقًا فبهتانٌ وكذبٌ وافتراءٌ، ولا يوجد ذلك في شيءٍ من كلامي، بل لا أكفر من جلس في ديار الكفر وهو مسلمٌ عاجزٌ عن الهجرة وعن إظهار دينه، أو قادر على ذلك ولكن آثر حب المسكن والعشيرة أو الأهل والمال والتجارة مع الإيمان بالله ورسوله) الجواب الفائض (239).
ولهذا الكلامِ للشيخ سليمان بن سحمان، وهذا التغليظِ الشديدِ = قيمةٌ جليلةٌ، وذلك أن التكفير بذلك لو كان محقَّقَ النسبة لأحد علماء الدعوة -ولا سيما كبارهم ومقدميهم- أو كان منقولًا عن جمع منهم، لم يبالغ الشيخ ابن سحمان في رد هذه الفرية على هذا النحو الذي رأيتَه، وبه تعلم أنها فريةٌ مختلقةٌ من خصوم الدعوة وشانئيها.

وختامًا:
فقد تناولتْ هذه الكتابةُ أنموذجًا لمغالطة الحنابلة الجدد فيما يتعلَّق ببحث المسائل، كما تناولت الكتابة السابقة (عنوان النيروز لمرتاد حال محمد بن فيروز) أنموذجًا لمغالطتهم فيما يتعلق بالحكم على الأعيان .. وعليهما فقِسْ كثيرًا مما يُثَارُ ضدَّ تقريراتِ علماء الدعوة في باب تأصيل المسائل أو باب الحكم على الأعيان.
وأدعو هنا الحنابلة الجدد -كما دعوتُ من قبل- دعوةَ مشفقٍ ناصحٍ إلى أن يكونوا سليمي الصدر لإمام هذه الدعوة وأتباعه، وما عليهم بعد ذلك من حرجٍ لو نقدوا بعضَ ما تضمَّنه تراث الدعوة، لكنْ بشرط أن يكون نقدًا متحرِّيًا للصدق في مقدمات النقد وما رُتِّبَ عليها من نتائج، نقدًا يريد به الناقدُ شرفَ بيان العلم وصيانتَه وحبَّ الخير لهذه الأمة، مع حفظ أقدار علمائها والعاملين في سبيل رفعتها، نقدًا يتمثَّل البحثَ العلميَّ الجادَّ النزيهَ دون الأساليب الصحفية الساقطة .. «والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون».

مشاري بن سعد بن عبد الله الشثري
2/ 12/ 1439هـ

المنشورات السابقة:
[1] أن تكون حنبليًّا

[2] ثرثرةٌ في ثياب فضفضة

[3] من مسالك «الحنابلة الجدد» في الغضِّ من أئمة الدين (1)

[4] أئمة الدعوة النجدية وفرية إبطالهم العملَ بالكتب الفقهية

[5] قل كلمتك وامشِ .. وقصَّة المقلاع والمتيه!

[6] على ضفاف أحدوثة «المقلاع» .. ورقةٌ من تاريخٍ سيُكتَب

[7] كشفُ عورات الحنابلة الجدد .. والعوراتُ الثلاث!

[8] ثقةٌ على غرر!

[9] من مسالك «الحنابلة الجدد» في الغضِّ من أئمة الدين (2)

[10] ماذا فعلتُم بنا يا آلَ فيروز؟!

[11] التَّذْفِيف على ما بَقِيَ من جِرَاح المعترض الظريف!

[12] «عنوان» النَّيروز .. «لمرتاد حالِ» محمد بن فيروز!

DRIVE.GOOGLE.COM

أئمة الدعوة النجدية .. وفريةُ تكفيرِهم المسافرين لبلاد المشركين.pdf

منذ 6 أعوام و 10 شهور
مشاري الشثري

أئمة الدعوة النجدية .. وفريةُ تكفيرِهم المسافرين إلى بلاد الشرك

PDF:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعدُ:
فلا يزال المعترضُ يبحثُ عن قشَّةٍ لخلاصِه من معرَّة حكايته مع (آل فيروز)، وكان آخر ذلك محاولته في منشوره الأخير والذي زعم -أقول: زعم- أنه سيختم به هذا الجدال.
وقد تعاظمتْ بلايا المعترض -عفا الله عنه-، ومذْ بدأ السجال وهي تتراكم شيئًا فشيئًا، حتى إني أتحيَّر في صَدرِ كلِّ مقالةٍ فيما آتي منها وأذر!
وأما ما يتعلَّق بمنشوره الأخير فأولًا:
ما زال المعترض يُساجِلُ ويرُدُّ، وفي نفس الوقت ما زال يَعِدُ بعدم الرد، وأنه بمساجلته ‍وردوده لم يُخلِفْ وعدَه!
وقد حاولَ التحيُّل على وعده السابق بأنها مقيَّدٌ بجديدِ ما أكتبه، لا قديمِه .. ولما كان من الممكن أن يتساءل القارئ عن هذا القيد، إذْ لم يصرِّح به من قبل، بل كان وعدُه مرسَلًا عامًّا = أتى المعترض بالأمر الثاني، فقال: (وأنا أعلم بمرادي) .. وهذا يُذكِّرُنا بأولى محاولات خلاصه من حكاية آل فيروز، فهنا فسَّر سالفَ وعده بأنه مخصوصٌ بمقدَّرٍ في ضميره، كما كان قبلُ قد قدَّر في ضميرِه أسماءَ آل فيروز!
وأنا لا أدري ما الذي يضطُرُّه إلى كلِّ هذا؟
وثانيًا:
ففي ضمن محاولات المعترض للخلاص من حكاية آل فيروز نبَّه -وقد تكرر منه ذلك- على أنه يعرف الفرقَ بين عبد الوهاب وأبيه.
وهو هنا يظن قضيتي -ويا لنَصَبي في شرح قضيتي للمعترض!- بيانَ إنْ كان يعلم ذلك أو يجهله، وأنا ذكرت في المقالة تلك أنه يعرف ذلك ويدرك الفرق، لكن الشأن في أنه خلَّط حين تحدَّث عمَّن كفره إمام الدعوة، فأحال الأب ابنًا والابن أبًا، ثم أخذ في تلاوة تهاويله.
هذه قضيتي، لا أنه يعرف صاحب الحاشية أو لا، وقد صرَّحتُ في مقالة (ماذا فعلتُم بنا يا آل فيروز؟!) بـ (أنَّ كلَّ حنبليٍّ -ومنهم المعترض- يعرفُ أن الحاشية للابنِ عبدِ الوهاب ولا علاقة للأب بها).
ومع وضوح ذلك إلا أن المعترض لا يدركه .. فما خطيئتي إن كانت هذه حاله؟!
ولكنه مِن هَوْلِ ما أصابه أراد تعمية شأن القضية التي هي محل البحث .. وهيهات!
ولذلك أتانا بذكر الشيخ عبد الوهاب وحاول إقناعنا بأننا نكفره، كما أتانا بالبحثِ في مسألة حكم الإفادة من الكافر المرتد أو ممن وقع فيما يُكفَّرُ به، فأخذ يحاول إقناع المتابعين بكفر عبد الوهاب حسب قواعدنا، ثم أعاد إلزامَه بحرمة إفادتنا من كتبه.
وقلت له بأن قضيتي ليست شيئًا من ذلك، وإنما (قضيتي أن المعترض مُفتَضَحٌ بحكايةٍ، فقصصتُ تلك الحكاية، وبينتُ بها أن المعترض «إنما يحسن العويلَ والتهويلَ» وفقط .. هذا منتهى الأمر. بعد ذلك للمعترض أن يفتحَ من صفحات البحث ما شاء، لكن على أن يحفظَ لتلك الحكاية وقارَها وقرارَها، ثم لْيُجادِلْ عن كل شيء بكلِّ سبيلٍ يراه، على أن يجانب فلسفته الجدليَّة الفاردة، والتي ملخصها أن من براعة المجادل أن يقول الخطأَ، ليحيصَ خصمُه ويَضِلَّ عن صوابه!).
ومع ذلك فالمعترض لا يحسن الفهم، على أني سِرْتُ معه شيئًا، وشرحتُ في مقالة (التذفيف) جهالَتَيه، وهما: (أن تكفير الإمام محمد بن عبد الوهاب مُلْزِمٌ لمن بعده، وأن من لم يكفر من كفَّره الإمام محمد بن عبد الوهاب فهو كافر عند الإمام وأتباعه) ونقضتهما عليه، ولكنه لا يحسن أيضًا أن يفهم شيئًا من ذلك.
ثم عاد في منشوره الأخير وقرَّر نحوَ ما تقدم وزادَه أعجوبةً:
بيان ذلك أن المعترض ذكر أن الشيخ عبد الله العنقري لا يفرق بين عبد الوهاب وأبيه من حيث الاعتقاد، وأن الشيخ يقرر أن حال الابن والأب في الاعتقاد واحد.
كيف ذلك؟
ذلك أن الشيخ العنقري اعتُرِضَ عليه في نقله في حاشيته عن الشيخ عبد الوهاب بن محمد بن فيروز وحاله في الاعتقاد معلوم، فأجاب الشيخ: (إنما أخذت عنه في الفروع دون الاعتقاد).
هذا نصه كما نقله المعترض، لكن المعترض -على عادته، وكما قلتُ قبلًا- (يفهمُ غيرَ ما يقرأ، ثم يكتب غيرَ ما يفهم!) إلا أني قلتُ فيما مضى: (يبدو وكأنه) .. أما هنا فأقول ذلك جازمًا دون هذه الجملة الاحترازية، فليُصحَّحْ.
فالذي قيل للشيخ: أن حاله في الاعتقاد معلومٌ .. بينما المعترض يقرأ هذه الجملة على أنها: وحاله وحال أبيه في الاعتقاد واحدة!
فمن أين أتى هنا بذكر الأب وأن حالهما واحدة؟!
ثم إن الشيخ العنقري أجاب بأنه إنما يأخذ عنه في الفروع، لا في الاعتقاد.
وهذا جوابٌ مسدَّدٌ بيِّنٌ واضحُ المخرج، كما لو قيل لمن يقرأ كتاب «بداية المجتهد» لابن رشد: كيف تقرأ له وحاله من الاعتقاد معلوم؟ فسيقول لك بلسان عربي مبين: أنا آخذ عنه الفروع دون الاعتقاد.
وهذا يقال في حق كل من أخطأ أو ضلَّ أو خلَّطَ في بابٍ معيَّنٍ من العلم، فيستفاد في غير ما ضلَّ فيه..فكان ماذا؟
لكن المعترضَ يقرأ النص بأسلوب مغاير تمامًا، فقال معلقًا:
(وهل كان العنقري وسائله يجهلان أن مؤلف الحاشية هو الابن كما بهتني الثرثار؟! أم أن المتقرر عندهم أن حال الابن كحال أبيه، ومن هنا سأل السائل متعجبا؟!).
فهنا ترى كيف قرأ (حاله في الاعتقاد معلوم) كما لو كان يقرأ (وحاله وحال أبيه في الاعتقاد واحدة) فهذا المقدَّرُ -وما أكثر مقدَّراته!- الذي تَبَرَّعَ به المعترض للسائل لا يُدرى من أين أتى به.
ثم أتى المعترض بكلام صاحب الكتاب الذي نقل منه وقوله في الهامش عن عبد الوهاب بن فيروز:
(وعبد الوهاب يظهر أنه كرع من مشرب أبيه في منابذة الدعوة النجدية).
فكيف قرأ هذا الهامش؟ قال المعترض:
(والظريف أن المحقق السلفي الوهابي يعلق على كلام العنقري بأن عبد الوهاب ظهر منه أنه كرع من مشرب أبيه في منابذة هؤلاء الوهابية).
أرأيتَ مبلغَ المعترض من سوء الفهم لِمَا يقرأ؟ في الهامش أن عبد الوهاب (يظهر أنه ...) يعني: يبدو أنه .. والكاتب أمينٌ، لأن عبد الوهاب -وكما قلتُ من قبل- لم يأت في كلامه ما يدل صراحةً على منابذته للدعوة، قصارى ما أتى به المعترض أنه كتب كتابًا لأبيه في الرد على الوهابية، لأن أباه كان كفيفًا، ولأجل هذا قال المؤلف إنه يظهر منه .. ففسر المعترض: (يظهر أنه) بأنه: (ظهر منه) وما هي بأولى عجائبه!
ونحن حين نقول بأن الشيخ عبد الوهاب لم يأتِ في كلامه ما يدلُّ صراحةً على منابذته للدعوة لا يعني أننا نقول بأنه كان من صقور أئمة الدعوة النجدية! بل نقول أنه لم يَسِرْ على مسلك والده في مناكدة الدعوة ومنابذتها والتصدي لها. ولكن المعترض لا يحسن أيضًا فهم ذلك.
ثم إن المعترض أتى بكارثةٍ، وذلك حين علَّق على جملة: (وحاله من الاعتقاد معلوم) في السؤال الموجه للشيخ العنقري وكأنها تقتضي التكفير العيني!
كيف ذلك؟ يقول المعترض تعليقًا على ما نقله من سؤالٍ وجوابٍ:
(ويبقى السؤال قائما: كيف تأخذون الفقه عن كافر مرتد عدو للتوحيد، والعلماء ينصون على أن الفاسق المسلم لا يقبل قوله؟!).
يعني بما أن الشيخ العنقري قال بأن حاله من الاعتقاد معلوم، وأن المؤلف لما ذكر في الهامش أن الشيخ عبد الوهاب يظهر منه أنه كرع من مشرب أبيه = فهذا يقتضي أن الشيخ العنقري يكفره عينًا ولذلك أخذ عنه الفقه دون الاعتقاد، وهذا ما لا يرضاه المعترض فأعاد سؤاله والذي محصله: ما دام كَفَّره فلِمَ يأخذ الفقهَ عنه؟
أتدري لِمَ كانت هذه كارثةً؟
لأن المعترض يريد أن يجترح قاعدةً تكفيريةً جديدةً، وهي: تسلسل تكفير الأعيان بمطلق التأثر!
فعنده أنَّ الإمامَ محمدَ بنَ عبد الوهاب لما كَفَّرَ عينَ محمد بن فيروز، فيلزم من ذلك أن أي رجلٍ تأثر به أو كرع من مشربه فهو كافرٌ عينًا عند الإمام!
دعْ عنك إلزامنا بذلك، فنحن لا يلزمُنا أصلًا تكفير الإمام لمحمد بن فيروز، وأرهقني شرح ذلك، ولكنه يريد أن يقول بأن الإمام -ونحن من بعده- يكفر محمد بن فيروز عينًا، ثمَّ يكفر من تأثر به عينًا!
فهذه جهالاتٌ متراكمة، من جهة عدم فهم المقروء، وتحميله ما لا يحتمل، ثم الإلزام بما لا يلزم، وتقعيدِ التكفير بما لا يُكفَّر .. فلا حول ولا قوة إلا بالله، ولكن -وكما قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن عن أحدِ خصوم الدعوة-: (هذا الرجل تمكنت عداوته واشتدت جهالته، فصرنا منه في عناء وتعب، ولولا غربة الدين وندرة من يعرف الحقائق من المدعين، لَمَا صرفتُ أوقاتًا فاضلةً وساعاتٍ مباركةً في ردِّ أباطيله وكشف تساجيله، والله أسأل أن يكون كلامنا في هذه المواضع من الجهاد في سبيله والدعوة إلى صراطه بدليله).
حَدِّثْني بعد ذلك عن القوم ومأزقهم في فهم أوليات العلوم!
ومع ذلك يأتي المعترض ويقول بأن هذا السطر الذي قرأه مغنٍ عن ألفِ سطرٍ أكتبه!
وأنا أُصدِّقُه في ذلك وأُقِرُّه عليه لو كنتُ أخاطبه بتلك الأسطر الألف، إذًا لكان جهدي ضائعًا وعملي ذاهبًا، لكني أخاطب من يعقل ويحسن أن يفهم .. هذا نجازُ المقدِّمة، فلْآتِ إلى جوهر المقالة.

******

هل من المكفِّرات المقرَّرة عند أئمة الدعوة: السفر إلى بلاد الشرك؟
يحاول الحنابلة الجدد إيهامَ المتابعين بأن علماء الدعوة يكفرون المسافرين إلى بلاد الكفر والشرك، ابتغاءَ تشويه هذه الدعوة وتقريرات علمائها .. وأعجبُ من ذلك أنهم يجعلون هذه القضية من القضايا التي شَرِقَ بها كلُّ منافحٍ عن الدعوة وعلمائها، حتى قال ورَّاقُهم:
(أعجب من الفضلاء الذين يناقشون أتباع التوحيد الانتقائي في زيارة النبي ﷺ ومسائل الصفات. هؤلاء لا يقطعهم إلا الحديث عن ضابط بلاد الإسلام والكفر، وتكفير المسافرين، والهجرة، ومقارنة تراثهم بالواقع المعاصر وكنت قبل 15 سنة -وأنا دون الثلاثين وقتها- أُخرِس كبارَهم بها ولا يستطيعون الجواب).
إذًا فهذه قضية مركزية لها مقامها عند القوم، ويرونها محلَّ إخراسٍ للكبار فضلًا عن غيرهم.
في مقامٍ آخر ذات الورَّاق أتى ليقول متهكمًا:
(البعض يجادل في تكفير المسافرين، وليعلم أنه مرَّ بأربع مراحل:
1. أن المسافر إليها كافر، وضابط الكفر عندهم انتشار الأضرحة. انظر المخطوط المرفق.
2. أنه آثم وسفره معصية. انظر كتب بن سحمان فيه مزيد تفصيل.
3. أنه محرم إلى 1995 تقريبا.
4. أنه مباح وعليه غالب المشايخ وعلى رأسهم هواة زواج المسفار).
وسيأتي البحث فيما تضمنه المخطوط.
المهم هنا ما يتعلق بالمرحلتين الأوليين اللتين ذكرهما، وهو أنه يرى أن مبتدأ الأمر أن المسافر إلى بلاد الكفر كافر، وهذا كما يقول: (عندهم). يعني عند علماء الدعوة، بدليل إتيانه بالمخطوطِ المتضمِّن نصًّا لبعضهم فُهِم منه التكفير بالسفر لبلاد الكفر، ولأن سياق البحث عن علماء الدعوة فقد جعل ثانيَ مراحلهم في تقرير المسألة والذي أبانتْه كتب ابن سحمان: النزولَ بحكم المسألة من الكفر إلى المعصية.
ثم إنَّ ذاتَ الورَّاق لما رآني رددتُ عليه وعلى من معه فريةَ إبطال أئمة الدعوة للعمل بالكتب الفقهية أتى في مقامٍ ثالثٍ ليطلب مني المناظرة، لكن لا على موضوع الرد، بل في موضوع تكفير المسافرين! فقال:
(قرأتُ منشورك الأخير عن تغريداتي، ما دمتَ مطلعا على تراث الدعوة أدعوك إلى جلسة مصورة خاصة نتناقش فيها عن تكفير المسافرين وضابط بلاد الإسلام والكفر مع تطبيقها على الواقع المعاصر، فلم نجد من أتباع التوحيد الانتقائي إلا الفرار من المواجهة، فإن رفضتَ لا بأس أن تكون كتابيه).
فهنا أيضًا ترى أن القضية لديهم ليست ذات مركزٍ هامشيٍّ، بل هي على مقامٍ من الأهمية لدرجة أنه ترك موضوع الرد وطلب المناظرة في هذه القضية، أعني قضية تكفير المسافرين في تراث الدعوة.
ولستُ فيما أكتبه ملتفتًا إلى مقدَّمهم في العلم فكيف إلى ورَّاقهم، وإذا كنتَ رأيتَ مبلغ مقدَّمهم من الفهم والمكابرة فما ظنك بمَن وراءه؟!
ولِتعلَمَ أني لا أبغي على الورَّاق ولا أجازف، فقد أتى نفسه في مقامٍ رابعٍ وطرح قضية تكفير المسافرين، فأتى بنصٍّ من كتابٍ للشيخ الرحالة محمد العبودي جاء فيه قوله:
(أما المسائل التي خالف فيها الشيخ إبراهيم ابن جاسر مشايخه آل سليم فإنها فيما يقال كثيرة، ولكن رؤوسها سبع مسائل). ذكر منها: (ومنها إباحة السفر إلى بلاد المشركين لمن قدر على إظهار دينه).
كيف فهم الورَّاق هذا النص؟ قال معلِّقًا:
(قبل 80 سنة كان في القصيم خلاف محتدم بين أهل العلم، وكانوا على قسمين:
الأول يمثله آل جاسر درس بعضهم على حنابلة الشام.
والثاني آل سليم وكانوا موافقين لمشايخ الرياض.
وكان الخلاف في مسائل منها: تكفير المسافرين للدول العربية.
هذه الصفحة تطوى عمدا ولا تروى، وممن أثارها مؤخرا المؤرخ العبودي).
أرأيتَ؟!
الوثيقة تتكلم عن بحثٍ في إباحة السفر من عدمه، فقرأها الورَّاق على أنه بحث في تكفير المسافرين!
ومع تنبيه المتابعين له على ذلك إلا أن الوراق كتب تغريدة ردًّا عليهم فيها أن (البعض يشكك مع أن الكلام واضح)!
صدق وبَرَّ .. واضحٌ فلِمَ يشككون؟!
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن:
(أكثر الناس في خفارة جهله وكثافة طبعه، كالبعير الذي يعقله أهله، لا يدري فيمَ عُقِلَ، ولا فيمَ أُطلِق!).
*
من هذا العَرض تعلم مركزيَّة هذه القضية في مناكدة علماء الدعوة وأتباعهم.
لم يقف الأمر عند ورَّاق الحنابلة الجدد.
بل أتى المعترضُ، وهو مقدَّمُهم -ومُقدَّمُ كلِّ طائفةٍ بحسبها-، فأثار هذا الموضوع، وأتى بذات الوثيقة المخطوطة التي أتى بها الوراق -وسيأتي القول فيها تفصيلًا إن شاء الله-، وطرح على جوانبها حزمةً من الأسئلة المتعلقة بحكم السفر إلى البلاد التي بها أضرحة وقباب ظاهرة، وما حكم من يبيح ذلك، وهل نحن وهابية فعلا مطردون على تأصيل مشايخنا، إلى غير ذلك.
فإذًا، القضية لم تقفْ عند ورَّاقهم، بل حتى مقدَّمُهم يثير تلك القضية، وبه يقف المرء متأمِّلًا في المسألة مقلبًا النظرَ فيها، ويقع في وهمه لأول وهلةٍ أن هناك إشكالًا حقيقيًّا في تقريرات علماء الدعوة فيما يتعلق بحكم السفر، وأن من المكفرات عندهم السفر إلى بلاد المشركين.
وغاية ما حرره هؤلاء في هذه المسألة أنْ تناقلوا بينهم مخطوطًا، فصوروه، ثم ظللوا منه موضع الإشكال، ثم قذفوا به .. هكذا يحررون المسائل.
ولأني إنما أخاطب بما أكتبه -من قبل والآن وما سيأتي بعدُ إن شاء الله- القراء لا هؤلاء، فسأطرح القضيَّةَ كما يفهمها كلُّ ذي عقل يُحسِنُ أن يفهم، وإلا فلو تكلَّفتُ شرحها على ما يليق بهم لَمَا كان لما أكتبه منتهًى، وقد علمتَ شأنهم في البَدَائه فكيف هي حالهم فيما هو فوقَها.

******

وهنا أرجع لإثارة ما بدأتُ به، وهو:
هل من المكفِّرات المقرَّرة عند أئمة الدعوة: السفر إلى بلاد الشرك؟
أعرض للقارئ الكريم تقريراتِ علماء الدعوة الذين رأيتُ لهم كلامًا في هذه المسألة، ثم آتي لما أثاره الحنابلة الجدد وأبسط القول فيه، لتعلمَ أن كلمةَ علماء الدعوة في هذا الباب واحدةٌ، من أولهم إلى آخرهم، وهي تقرير حرمة السفر إلى بلاد المشركين لمن لم يقدر على إظهار دينه، وأنها من جملة المعاصي لا المكفرات.
- أبناء إمام الدعوة:
سئل أبناء الإمام رحمهم الله تعالى وعفا عنهم: عن السفر إلى بلاد المشركين للتجارة؟
(فأجابوا بما حاصله: أنه يحرم السفر إلى بلاد المشركين، إلا إذا كان المسلم قويا له منعة يقدر على إظهار دينه) الدرر السنية (8: 412 - 413).

- أحفاد الإمام:
(1) عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب:
سئل رحمه الله عمن سافر إلى بلاد المشركين للتجارة؟ فقال:
(أما السفر إلى بلاد المشركين للتجارة فقد عمت به البلوى، وهو نقص في دين فاعله، لكونه عرض نفسه للفتنة بمخالطة المشركين، فينبغي هجره وكراهته، وهذا هو الذي يفعله المسلمون معه، من غير تعنيف ولا سب ولا ضرب. ويكفي في حقه إظهار الإنكار عليه، وإنكار فعله، ولو لم يكن حاضرًا، والمعصية إذا وجدت، أنكرت على من فعلها أو رضيها إذا اطلع عليها) الدرر السنية (8: 275).
(2) سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب:
سئل رحمه الله: هل يجوز للمسلم أن يسافر إلى بلد الكفار الحربية، لأجل التجارة، أم لا؟ فقال:
(الجواب: الحمد لله، إن كان يقدر على إظهار دينه، ولا يوالي المشركين = جاز له ذلك، فقد سافر بعض الصحابة رضي الله عنهم كأبي بكر رضي الله عنه وغيره من الصحابة إلى بلدان المشركين لأجل التجارة، ولم ينكر ذلك النبي ﷺ كما رواه أحمد في مسنده وغيره.
وإن كان لا يقدر على إظهار دينه، ولا على عدم موالاتهم، لم يجز له السفر إلى ديارهم، كما نص على ذلك العلماء، وعليه تحمل الأحاديث، التي تدل على النهي عن ذلك، ولأن الله تعالى أوجب على الإنسان العمل بالتوحيد، وفرض عليه عداوة المشركين، فما كان ذريعة وسببا إلى إسقاط ذلك لم يجز) الدرر السنية (8: 161 - 162).

- أبناء أحفاد الإمام:
إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب:
قال رحمه الله:
(وأما من يسافر إلى بلدان المشركين للتجارة، فهؤلاء إن لم يصدر منهم موالاة ومداهنة وملاطفة للمشركين والمرتدين، فهم أخف حالا ممن تقدم ذكرهم، وهم مشتركون معهم في التحريم، متفاوتون في العقوبة، لأن الإقامة تصدق على القليل والكثير، والحكم منوط بالإقامة والمجامعة في النصوص، لكن كلما خفت المفسدة خف الحكم) الدرر السنية (8: 308).
وقد بحث الشيخ إسحاق هذه المسألة تفصيلًا في كتابه (الأجوبة السمعيَّات) وسيأتي ذكر بعض ما جاء فيه.

- أبناءُ أبناءِ أحفاد الإمام:
محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب:
قال رحمه الله في سياق حديثه عن المتظاهرين بالكفر والشرك:
(والمسافر إليهم مرتكبٌ أيضًا حرامًا ... قال علماؤنا: المقيم بين ظهراني المشركين، والمسافر إليهم لأجل التجارة مشتركون في التحريم مفاوتون في العقوبة) الدرر السنية (8: 457).
فهذه أربع طبقات من علماء الدعوة، أبناء الإمام وأحفاده وأبناء أحفاده وأبناءُ أبناءِ أحفاده .. وينقل بعضهم ذلك عن علمائهم بما يقتضي أنه قول مجموعهم .. سئلوا عن السفر إلى بلاد المشركين فاتفقت كلمتهم على أن ذلك محرم فقط، ولم يأتوا بلفظ الكفر البتة، وحرمةُ ذلك مقيَّدةٌ بما إذا لم يقدر المسافر على إظهار دينه.
*
وعلى ذلك درج علماء الدعوة ومشايخهم من غير ذرية الشيخ:
فقال الشيخ أبا بطين في مسألة الإقامة -وهي أغلظ من مجرد السفر-:
(وما ذكرتَ من حال من يكون بين ظهراني المشركين، فإن كان يقدر على إظهار التوحيد بحيث يظهر لهم القول بأن هذه الأمور الشركية التي تفعل عند القبور وغيرها باطل وضلالة، وأنا بريء منه وممن يفعله، فمثل هذا لا تجب عليه الهجرة. وإن كان لا يقدر على إظهار ذلك، مع اعتقاد بطلانه، وأنه الشرك العظيم، فهذا ترك واجبا عليه، ولا يكفر بذلك) الدرر السنية (8: 295).

وتكلم الشيخ حمد بن عتيق عن هذه المسألة، وقال في بيانها:
(وفي أجوبة آل الشيخ لما سئلوا: هل يجوز للإنسان أن يسافر إلى بلاد الكفار لأجل التجارة أم لا؟).
ثم أتى بنص جواب الشيخ سليمان بن عبد الله المتقدم [انظر: سبيل النجاة والفكاك (100 – 101)، الدررالسنية (8: 412 – 413)].

وقال ابنه الشيخ سعد بن حمد بن عتيق:
(وأما الانتقال من بلاد الإسلام إلى بلاد القبوريين، والتحيز إلى جماعة المشركين، وعدم المبالاة في ذلك، فمن المصائب العظام والدواهي الكبار، التي وقع فيها كثير من الناس، وتساهلوا فيها واستصغروها، وخف شأنها عند كثير من الناس، الذين ضعفت بصائرهم في دين الإسلام، وقل نصيبهم من معرفة ما بعث الله به نبينا محمدا ﷺ وما كان عليه الصحابة، ومن تبعهم من الأئمة الأعلام. وما زال الأمر بالناس، حتى صار النهي عن ذلك، والكلام في ذمه، وذم من فعله من المستنكر عند الأكثر، وصاروا لا يرون بذلك بأسا، وينسبون من ينهى عنه وينكره على من فعله، إلى الغلو في الدين، والتشديد على المسلمين. وفي القرآن الكريم والسنة النبوية ما يدل من في قلبه حياة على المنع من ذلك، وكلام العلماء مرشد إلى ذلك، فإنهم صرحوا بالنهي عن إقامة المسلم بين أظهر المشركين من غير إظهار دينه ... قال ابن كثير في الكلام على هذه الآية -يعني آية النساء: «إن الذين توفاهم الملائكة»-: وهذه الآية عامة في كل من أقام بين أظهر المشركين، وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنا من إقامة الدين = فهو مرتكب حراما بالإجماع ونص هذه الآية) الدرر السنية (8: 458 - 459).

وقال الشيخ سليمان بن سحمان:
(فمن أظهر دينه جاز له السفر والإقامة، ومن لا يقدر على إظهار دينه لا يجوز له السفر ولا الإقامة بإجماع العلماء) الدرر السنية (8: 471).
وقال:
(إن السفر إلى بلاد أهل الشرك لمن لا يقدر على إظهار دينه من الوسائل والذرائع المحرمة كما نبه على ذلك أهل العلم) الجواب الفائض (127).
*
إذًا:
تعلم بما مضى أن الحكم لدى علماء الدعوة لا يجاوز تقرير الحرمة لمن لم يقدر على إظهار دينه، وهم في ذلك على ما عليه أهلُ العلم، ومن هنا تجد بعضهم يستشهد لتقريره بما في كتب الفقهاء، ولا سيما الإقناع وشرحه.
بعد هذا .. ألا ترى معي أخي القارئ وبعد مَسْرَدِ هذه النصوص التي توزَّعت طبقات علماء الدعوة أنَّ الذي يُوهِمُ القراء ويَكذِبُ عليهم بأن تراثَ الدعوة على تكفير من سافر إلى بلاد المشركين لا يعدو أن يكون كاذبًا رقيقَ الديانة!
وإن لم يَحجِزْه دينٌ أفلا يحجزه الحياء؟ إذ كيف ينسب إلى تراث الدعوة تكفير المسافر لبلاد الشرك حتى زمن ابن سحمان ونصوصهم متواترةٌ على خلاف ذلك؟
ولمْ يَقتَصِرْ على ذلك، بل قرر في سياق تهكمي أن العلماء والمشايخ ما زالوا يُرقِّقون من هذه المسألة حتى أباحوها، وخاصةً هواة زواج المسفار على حد تعبيره .. أمثل هذا يعد طرحًا علميًّا، أم دناءةً أخلاقيةً؟

******

ما الذي تمسَّك به الورَّاقُ ومَن معه ليقرروا فرية تكفير علماء الدعوة للمسافر إلى بلاد الشرك؟
هناك نصٌّ في ضمن مخطوطةٍ تضمَّن قولًا لاثنين من علماء الدعوة يُوهِمُ ظاهرُه خلافَ ما تقدَّم، وهما:
1)الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب.
2)الشيخ حسن بن حسين بن علي بن حسين بن محمد بن عبد الوهاب.
فالأول من طبقاة أبناء الأحفاد، والثاني من الطبقة التي تليها.
وأنا أذكر لك المحكَمَ من تقريراتهما، لتعلمَ به أنهما على سَنَن من قبلهم من علماء الدعوة، وأن كلمة علماء الدعوة واحدةٌ في هذا الباب.
ثم أعرضُ لك النصَّ المتشابِه وأبيِّنُ جهتَه ومخرجَه، وأنه لو كان مشكلًا عصيًّا على المعالجة لكان الردُّ إلى المحكم هو سنن الذين يتحرَّون الحق ويطلبونه، فكيف وهو بيِّنُ السياق؟
ولكنْ قد نبأنا الله تعالى أنَّ من كتابه المحكمَ والمتشابهَ، وأن الذين في قلوبهم زيغٌ يتبعون (ما تشابه منه ابتغاء الفتنة)، فإذا كان هذا مع كلام الله تعالى فكيف هي الحال مع كلام المخلوقين .. والموفَّق من سلَّم الله صدرَه.
*
- أمَّا الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن:
فقال رحمه الله:
(وأما السؤال عمن يسافر إلى بلد المشركين، التي يعجز فيها عن إظهار ما وجب لله من التوحيد والدين، ويعلل بأنه لا يسلم عليهم ولا يجالسهم، ولا يبحثونه عن سره، وأنه يقصد التوصل إلى غير بلاد المشركين، ونحو ذلك من تعاليل الجاهلين = فاعلم: أن تحريم ذلك السفر قد اشتهر بين الأمة، وأفتى به جماهيرهم، وما ورد من الرخصة محمول على من يقدر على إظهار دينه، أو على من كان قبل الهجرة. ثم إن الحكم قد أنيط بالمجامعة والمساكنة، وإن لم يحصل سلام ولا مجالسة، ولا بحث عن سره، كما في حديث سمرة: «من جامع المشرك أو سكن معه، فإنه مثله». فانظر ما علق به الحكم، من المساكنة والاجتماع، وتعليق الحكم بالمشتق يؤذن بالعلة، فإن وقع مع ذلك سلام ومجالسة، أو فتنة بالبحث عن عقيدته وسره، عظم الأمر، واشتد البلاء؛ وهذه محرمات مستقلة، يضاعف بها الإثم والعذاب) الدرر السنية (8: 313).
وقال:
(وأهل المذهب لا يختلفون في أن حكم السفر حكم الإقامة، يمنع منه من عجز عن إظهار دينه) الدرر السنية (8: 318).
وهنا يُنبَّه على قضية مهمة، وهي أن علماء الدعوة -بما فيهم الشيخ عبد اللطيف- إذا كانوا لا يكفرون بمجرد الإقامة، فكيف يكفرون بمجرَّد السفر!
وهنا وفي غير موضعٍ يصرح الشيخُ بقول أهل المذهب، وأن ما يقرره هو ما عليه المتأخرون وعليه إفتاء جماهيرهم، بما يعني أن قوله قولهم، وأن حكم السفر حكم الإقامة، وهو التحريم في حق من لم يقدر على إظهار دينه.
ومما قاله في ذلك ما تقدم نقله، وهو قوله:
(... والخط الذي تسأل فيه عما نفتي به في مسألة السفر إلى بلاد المشركين، قد وصل إلينا، والذي كتبناه للإخوان به كفاية للطالب وبيان، ولم نخرج فيه عما عليه أهل الفتوى عند جماهير المتأخرين) الدرر السنية (8: 329).
وذكر في موضعٍ أن ما ذكره في هذه المسألة هو المشهور عند المتأخرين، فقال:
(مع أن الذي كتبناه في هذه المسألة، موافق للمشهور عند المتأخرين، لم نخرج عنه كما تقدم ذكره) الدرر السنية (8: 339).

وقال في ذات الرسالة:
(نص عبارات علمائنا، وظاهر كلامهم، وصريح إشاراتهم: أن من لم يعرف دينه بأدلته وبراهينه، لا يباح له السفر إليهم، فالرخصة مخصوصة بمن عرفه بأدلته المتواترة في الكتاب والسنة، ومثل هذا هو الذي يتأتى منه إظهار دينه، والإعلان به) الدرر السنية (8: 332).
وقال فيها:
(لا بد في إباحة السفر إلى بلاد المشركين من أمن الفتنة فإن خاف بإظهار دينه الفتنة، بقهرهم وسلطانهم، أو ‍شبهات زخرفهم وأقوالهم، لم يبح له القدوم إليهم والمخاطرة بدينه) الدرر السنية (8: 335).
وقال:
(وقد ذكر علماؤنا تحريم الإقامة والقدوم إلى بلد يعجز فيها عن إظهار دينه، والقيم للتجارة والتكسب والمستوطن، جحكمهم وما يقال فيهم حكم المستوطن ... إذا تبين هذا فالأقسام مشتركون في التحريم، متفاوتون في العقوبة) الدرر السنية (8: 356 - 357).
ومن عجبٍ أن الشيخ عبد اللطيف يكاد يكون أكثر علماء الدعوة كلامًا في هذه المسألة، وكل ما تضمنته رسائله من ذلك لا يتضمن الحكم بالكفر، بل هو يقرر ما قرره من قبله، وإن كان قد يُغلِّظُ من أمر الحرمة والإنكار لما يراه من أحوال المسافرين، وأحوالِ من يسافرون إليهم، دون أن يبلغ بذلك حدَّ الكفر، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله.

- وأما الشيخ حسن بن حسين:
فقد تضمَّن رأيَه تقريظٌ كَتَبه لكتاب الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن (الأجوبة السمعيات لحل الأسئلة الروافيات)، وهو كتابٌ مختصٌّ ببحث هذه المسألة ونظائرها، قال الشيخ إسحاق في أولها:
(فقد كتبتَ تسألني عن الصواب عندنا في: حكم بلدان المشركين، وهل يجوز السفر إليها لمن أظهر دينه، وما إظهار الدين الذي تبرأ به الذمة؟).
ولما بحث الشيخ إسحاق مسألة حكم السفر قال:
(وأما المسألة الثالثة، وهي مسألة السفر إلى أوطانهم، ففرعٌ عمَّا تقدَّم، فمن حرَّم الإقامة بين أظهرهم إلا بشروطها حرَّم السفر، ولكن ليس كمن أقام بين ظهراني المشركين يشهد ما هم عليه من الكفر الجلي البواح، والحكم بالقوانين، ورد الأحكام الشرعية، وغير ذلك مما لا يحصى، بل لكل درجات مما عملوا، فذنب المسافرين أخف من ذنب المقيمين، وذنب المقيمين فقط أخف من ذنب من تولاهم بالمحبة والنصرة والطاعة مما هو بنص القرآن منافٍ للإيمان) الأجوبة السمعيات (98).
وهذا الكتاب للشيخ إسحاق نال تقريظ جمع من علماء الدعوة، وهم: حمد بن عبد العزيز العوسجي، عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ، عبد العزيز بن محمد آل الشيخ، إبراهيم بن عبد الملك آل الشيخ، محمد بن إبراهيم بن محمود، سعد بن حمد بن عتيق، عبد الله بن حسين المخضوب. ومنهم الشيخ حسن بن حسين آل الشيخ، ونصُّ تقريظِه بعد المقدمة:
(... أما بعد: فقد وقفت على ما أملاه الأخ الشيخ الفاضل إسحاق بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن في هذه الأوراق، فرأيتها مشتملة على ما يجب على كل إنسان القطع بصحته وقبوله، وإبطال ما خالفه ورده).
فهو إذًا يصادق على ما جاء في هذا الكتاب، ومن عُمَده مسألة حكم السفر إلى بلاد المشركين، والتي قرَّر فيها الشيخ إسحاق حرمةَ ذلك لمن لم يقدر على إظهار دينه، وما كان للشيخ حسن أن يُقَرِّظَ كتابًا ويثني على ما فيه وأنه يجب على كل إنسان القطع بصحته، والحال أن هذ الكتاب يقرر مجرد حرمة ما يراه هو كفرًا!
ومما يدل على رأي الشيخ حسن أيضًا، أن أحدَ خصوم الشيخ حسن لما أراد التشنيع عليه وصفَه بأنه يحرم السفر إلى بلاد الكفر إلا بشروط يتعذر وجودها على زعمه [انظر: علماء نجد (4: 324) وتحديدًا ما جاء في رسالة المترجَم إلى محمد بن رشيد (4: 329)] .. فكان إذًا أقصى ما أخذه عليه في ذلك ذكر شروط متعذرةِ التطبيق، ولو أنه علم منه التكفير بالسفر لَمَا فرَطت من بين يديه.
فإذًا: بان لك أن رأي الشيخ حسن لا يعدو أن يكون تحريمَ ذلك، فيكون بذلك موافقًا لتقريرات سائر علماء الدعوة، وبه يتأكَّد أن كلمة علماء الدعوة في هذا الباب واحدةٌ.

******

تقرَّرَ بما مضى أن الذي تضمَّنه تراث علماء الدعوة هو تحريم السفر إلى بلاد الشرك لمن لم يقدر على إظهار دينه.
على ذلك: أبناء الإمام، وأحفاده (عبد الرحمن بن حسن، سليمان بن عبد الله)، وأبناء أحفاده (عبد اللطيف بن عبد الرحمن، إسحاق بن عبد الرحمن)، وأبناءُ أبناءِ أحفاده (حسن بن حسين بن علي، محمد بن عبد اللطيف)، وغيرهم من علماء الدعوة (عبد الله أبا بطين، حمد بن عتيق، سعد بن حمد بن عتيق، سليمان بن سحمان). ولم يُنقَل عن غيرهم خلافٌ لهم، ولا أشار بعضُهم إلى وقوع الخلاف في ذلك، وقرَّظ كتابَ الشيخ إسحاق الذي تناول هذه المسألة جماعةٌ من علماء الدعوة، من ذرية الشيخ وغيرهم، صادقوا على ما فيه وأقروه.
وقد قال الشيخ سعد بن حمد بن عتيق مبينًا أن قول أئمة هذه الدعوة في قضية الإقامة عند المشركين -وهي أغلظ من مسألة السفر- إنما هو المنع، ولو كان كفرًا لصرح به. قال رحمه الله:
(وكلام العلماء في المنع من الإقامة عند المشركين، وتحريم مجامعتهم، ووجوب مباينتهم = كثيرٌ معروف، خصوصًا أئمة هذه الدعوة الإسلامية، كالشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأولاده، وأولادهم، وأتابعهم من أهل العلم والدين، ففي كتبهم من ذلك ما يكفي ويشفي من «كان له قلب أو أو ألقى السمع وهو شهيد») الدرر السنية (8: 460).

كل هذا لا يلتفت إليه هؤلاء الحنابلة الجدد، ولا يشيرون إليه، ويتعامون عنه، اتباعًا لما تشابه من تقريرات علماء الدعوة، ابتغاءَ الفتنةِ وصَرفِ الناس عن هذه الدعوة وأعلامها.
والآن آتي إلى ذلك النص المتشابه وأقف معه وقفةً أبين من خلالها جهة النظر في تناول مثل هذه النصوص.
وعلى ما تضمنه صنيعُ الورَّاق ومَن معه مِن تجنٍّ على تراث الدعوة إلا أنَّ له بعضَ المَنِّ عليَّ بإثارته هذا الموضوع، وحفزِه إياي لمناقشته، ليكون ذلك أنموذجًا لما شرحتُه في مقالةٍ سلفت تناولتُ فيها أقسامَ تقريرات علماء الدعوة، والتي فرَّقتُ فيها بين التقرير التأصيلي للمسائل، والتقرير الذي يتضمن فتوى لها معطياتها الخاصة.
فقد ذكرتُ في تلك المقالة أقسام تقريرات علماء الدعوة، وكان خامسها: (تقريرات تضمنتها فتاوى لهم بحسب المعطيات التي وقفوا عليها وشاهدوها أو نقلت لهم، والتي رتبوا على وفقها أحكامًا متعلقة بالحكم على الأعيان والبلدان).
وفي بيان هذا القسم قلتُ:
(وأما القسم الخامس فهو أكثرُ الأقسام إشكالًا والتباسًا، وهي التقريراتُ التي تضمنتْها فتاوًى لهم بحسب المعطيات التي وقفوا عليها وشاهدوها أو نقلت لهم، والتي رتبوا على وفقها أحكامًا متعلقة بالحكم على الأعيان والبلدان، ومن هذه التقريرات ما يكون مفرَّعًا عن أصلٍ عقديٍّ ومنها ما يكون مفرعًا عن أصلٍ فقهيٍّ.
والموقف من تقريراتهم في هذا القسم أن طالبَ العلم لا يلزمه أصلًا تسجيل موقفٍ فيها -لا إيجابًا ولا سلبًا- ما دام لم يعايشْها أو يقفْ على المعطيات الكافية في الحكم عليها، وهي من جنس الأحكام القضائية التي يرتهن الحكم فيها لمفصَّل النظر في الواقعة نفسها ومدى انطباقها ...
وهذا القسم ليس مفترًعا مبتكرًا لمجرد دفع اللائمة عن علماء الدعوة، بل نحن في أمسِّ الحاجة له في تعاملنا مع سائر علماء الإسلام من مختلف الأقطار، من علماء المشرق والمغرب، وهو نهجٌ يعرفه من تمرَّس بكتب أهل العلم وطالع وقائعَهم ونظر في مخاطباتهم وأحكامهم على الحوادث والأعيان. ثم إن النظر هنا ليس في حسم مادة النقد، ولكنْ في قضية جعل ذلك مفترَقًا، وأما من اتَّسع همَّه لملاحقة أفراد هذه التقريرات فليفعل ذلك متى ما توفَّرت له المعطيات).

وعن مسألتنا هذه فقد تقدَّم لك التقرير التأصيلي عن علماء الدعوة بمختلف طبقاتهم، بما فيهم الشيخان عبد اللطيف بن عبد الرحمن وحسن بن حسين.
وأما الفتوى الآتية فهي من جنس القسم الخامس الذي بينتُ الموقفَ منه وجهة النظر فيه، فليكن بحثُ هذا النصِّ المتشابهِ إذًا أنموذجًا لهذا القسم .. والموفَّق من سلَّم الله صدرَه.
***

الفتوى التي تعلَّق بها هؤلاء من كلام الشيخ حسن بن حسين هي قوله رحمه الله:
(مسألةٌ: ما تكون حال من يرى أن الكويت والزبير بلاد كفر. أفتونا مأجورين.
الجواب: الحمد لله، اعلم أن العلماء رحمهم الله تعالى قديما وحديثا قد قرروا أن كل بلد تظهر فيه شعائر الشرك فهي بلد كفر، وقد ظهرت شعائر الشرك في الكويت والزبير ظهورا جليا، أما بلد الزبير ففيه قبة على قبر الزبير يقصدونها في صلاتهم، والقباب الذي تعبد في هذا البلد كثيرة، مثل قبة على قبر أنس وطلحة وغيرهما، وأما أهله فإنهم ارتكبوا أمورا كبارا كل أمر منها يخرجهم عن الإسلام ويستحقون به إطلاق الكفر، منها أنهم انتقلوا من بلاد المسلمين إلى بلاد المشركين، وهذه النقلة ردة عن الإسلام بمجردها، كما قرر ذلك شيخنا عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى. قال: المنتقلون من بلدان المسلمين إلى الأحساء مرتدون بمنزلة من ذهب من صف الرسول وأصحابه يوم بدر على المشركين من قريش وظاهروهم، وهذا من أعظم أسباب الردة نعوذ بالله من الخذلان).

هذا ما يتعلق منها بمحل بحثنا والذي حرَّرَ هؤلاء القولَ فيه بمجرد التظليل والتلوين على عادتهم.
وأنتَ ترى لأول وهلة أن ظاهرَ هذا النصِّ مشكلٌ، فلا بُدَّ من تحليل أجزائه، لأنه يمثل بمجموعه بحثًا مركَّبًا، ثم ننظر في كل مسألةٍ على حدةٍ لنقف على حقيقة حكم السفر في هذا التقرير.

تضمَّن هذا النص أمورًا:
الأول: أن كل بلد تظهر فيه شعائر الشرك فهو بلد كفر.
الثاني: أن مظاهر الشرك قد ظهرت في الكويت والزبير ظهورًا جليًّا.
الثالث: وهو مركبٌ من الأمرين الأولين، وهو أن الكويت والزبير بلاد كفر.
الرابع: أن أهل الزبير ارتكبوا مكفرات، كل واحد منها يخرجهم من الإسلام.
الخامس: أن من تلك المكفرات (الانتقالَ من بلاد المسلمين إلى بلاد المشركين) وأن هذه النقلة ردةٌ عن الإسلام (بمجردها) .. قرَّر ذلك الشيخ حسن، ثم نقل عن الشيخ عبد اللطيف نظير ذلك في كلامه عن الانتقال إلى الأحساء.

هذا مفصَّل ما تضمنه النص، وللنظر في المسألةِ محلِّ البحث وتحقيقِ القول فيها أقول:
أما الأمر الأول فبحثٌ في تأصيل اجتهادي.
وأما الثاني: فبحثٌ في تحقُّقٍ تاريخي.
والثالث مركبٌ من الأولين.
وأما الرابع فيُنظَر فيه إلى تلك المكفرات، وهل هي كذلك، ثم ينظر فيه وقوعها منهم فأولهما تأصيلي، وثانيهما تحقيقي.
وهذه الأمور الأربعة جديرةٌ بالبحث والتقصِّي، وكذا ما جاء في كلام علماء الدعوة من نظائر ذلك، وليس هذا محلَّ البحث هنا.
وأما الأمر الخامس الذي تضمنه النص فالقول في الانتقال من بلاد المسلمين إلى بلاد المشركين، وأن هذه النقلة ردةٌ عن الإسلام بمجردها. وهذا بحثٌ تأصيليٌّ، وهو محل بحثنا هنا فلا بد من تحريره، فأقول:
البحث في هذه الفتوى ليس متعلِّقًا بأصل قضية السفر إلى بلاد المشركين وأنه كُفْرٌ أو لا، بل هو في أن ذلك السفر هل يعدُّ موالاةً عمليةً للمشركين فيكون بمجرده ردَّةً، أو لا؟
هذه هي جهة البحث .. والشيخ حسن بن حسين يقرر أن ذلك بمجرَّدِه ردةٌ، لكونه مظاهرةً وموالاةً عمليَّةً، واستشهد لذلك بفتوى للشيخ عبد اللطيف تحدث فيها الانتقال إلى بلد الأحساء الذين يراهم معادين لدعوة التوحيد محاربين لها، فعدَّ الانتقال إليهم مظاهرةً لهم.

وهذا بيِّنٌ إذا استحضر الناظرُ ثلاثةَ أمور:
الأول: تقريرات الشيخين في رسائلهم وكتاباتهم الأخرى.
الثاني: سياق الكلام.
الثالث: واقع الأحساء في تلك الحقبة الزمنية، والتي كانت محل حديث الشيخ عبد اللطيف والذي استشهد به الشيخ حسن.

وهنا لا بد من تثبيت قضيةٍ:
وهو أن المقام الذي أقصد إليه في هذه الكتابة متعلقٌ بالمنهج العلمي في قراءة هذه الفتوى ونظائرها، وتحديد جهة البحث فيها .. وهذا هو محور النظر والإشكال مع الحنابلة الجدد، فهم يزعمون بناءً على هذه الفتوى أن مطلق السفر لبلاد المشركين كفرٌ عند علماء الدعوة، وأنَّ هذه الفتوى دالةٌ على ذلك، ولذلك يستطيلون بها، ويقررون أن ذلك من الخافي على كثيرين، وأن كثيرًا من المخطوطات تحمل كثيرًا من البلايا .. فأنا أريد أن أبين فساد قراءتهم التجزيئية هذه، وما رتبوه عليها من نتائجَ فاسدة تعلمُ بها مقامهم من النظر والتحرير.

- أما الأمر الأول فقد تقدَّم البحث فيه تفصيلًا، وتقرَّرَ فيه أن تقريرات الشيخين جاريةٌ على سنن أهل العلم وعلماء الدعوة.

- وأما الأمر الثاني، وهو سياق الكلام:
فظاهرٌ من سِبَاقِ هذا التقرير في النص ولِحَاقِه أن البحث إنما يقع على النُّقلَة التي تُعَد مظاهرةً، بدليل تقريره أن ذلك (بمنزلة من ذهب من صف الرسول وأصحابه يوم بدر على المشركين من قريش وظاهروهم).
فجعلُه هذا النقلةَ بمنزلة من ذهب إلى صف المشركين وظاهَرَهُم صريحٌ في المراد.
وقول الشيخ حسن: (وهذه النقلة ردة عن الإسلام بمجردها) يعني أن مجرد تلك النقلة إلى بلاد المشركين في الصورة محل البحث تعد مظاهرةً وموالاةً عمليَّةً فتكون بمجرِّدها كفرًا، لا أنه يعني أن أي سفر لبلاد المشركين يعد كفرًا، فلو سافر لبلاد المشركين لغرض دنيوي كالتجارة فإنه يكفر بذلك!
ومما يقوِّي هذا المعنى -زيادةً على سياق الكلام- أن الوارد في كلام الشيخ حسن وما نقله عن الشيخ عبد اللطيف إنما هو مصطلح النُّقلة والانتقال، لا السفر، والانتقال في مثل هذا السياق يحمل معنًى أخصَّ من السفر، فإن فيه معنى الانحياز، وهذا -والله أعلم- هو ما جعل الشيخين يعبران هنا بالانتقال، للدلالة على أن البحث ليس في مجرد السفر، وإنما هو في السفر الذي يعد مظاهرةً.
إذا تقرَّر هذا:
فالذي ينبغي أن يتجه إليه الحنابلة الجدد بالإشكال هو قضية التكفير بالمظاهرة والموالاة العملية، لا أصل السفر إلى بلاد المشركين، فهذا النصُّ الذي ضلُّوا عن جهة البحث فيه لا يتعلق بأصل السفر إلى بلاد المشركين بحيث يشمَلُ كلَّ سفر إليهم مهما كان غرضُه.
وطالبُ الحق السالمُ من الهوى يدرك الفرق بين المقامين، ويعلمُ فرقَ ما بين التقريرِ التأصيليِّ والبحثِ المتعلقِ بمعطًى خاصٍّ اقتضى الخروج عن ذلك الأصل، ويدرك الفرق بين القول في مطلق حكم السفر وبين النقلة التي احتفَّ بها معطًى رأى العالمُ فيه ما يقتضي خروج المسألة عن أصلها.
وأما صاحب الهوى فيهوى الخلط بين الأوراق -إن كان يدرك الفرقَ أصلًا- ويهجر النظرَ في المحكمات تعلُّقًا بالمتشابهات .. والموفَّقُ من سلَّم الله صدرَه.

- وأما واقع الأحساء وظرفها السياسي الذي تمخَّض عنه رأي الشيخ عبد اللطيف:
فالذي تدل عليه تقريرات الشيخ عبد اللطيف أن الأحساء حينها كانت مركزًا لعداء الدعوة ومحاربتها، فقد استطال أمرها واتسع شررها عما كان عليه الأمرُ أول تاريخ الدعوة، حيث كانت الدعوة قبل ذلك عامَّةً ظاهرةً، ومما يدل على ذلك تعليق الشيخ عبد اللطيف على فتوى والده عبد الرحمن بن حسن السابق ذكرها، وذلك بقوله:
(الذي وقع في هذه الأعصار وكلامنا بصدده أمرٌ يجل عن الوصف، وقد اشتمل مع السفر على منكرات عظيمة، منها: موالاة المشركين، وقد عرفتم ما فيها من النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، وعرفتم أن مسمى الموالاة يقع على شعب متفاوتة: منها ما يوجب الردة، وذهاب الإسلام بالكلية، ومنها ما هو دون ذلك، من الكبائر والمحرمات) الدرر السنية (8: 341 – 342).
وقال في ذات الرسالة مبينًا ظرفَ فتوى والده وفرق ما بينه وبين زمانه:
(الجواب في الجاري في وقته مع ظهور الإسلام وعزته، وإظهار دين من سافر إلى جهاتهم، وليس في ذلك ما في السفر إليهم في هذه الأوقات) الدرر السنية (8: 343).
ويُنبَّه هنا على أن الشيخ لا يخالف والده في أصل الحكم، وإنما يتحدَّث عن قدر التغليظ في الإنكار، وأن ذلك يختلف بحسب ذيوع أمر التوحيد وانتشاره وحال الناس في ذلك.
وقال الشيخ في رسالة أخرى:
(أما بعد، فأحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو على نعمائه، والخط الذي تسأل فيه عما نفتي به، في مسألة السفر إلى بلاد المشركين، قد وصل إلينا. والذي كتبناه للإخوان به كفاية للطالب وبيان، ولم نخرج فيه عما عليه أهل الفتوى عند جماهير المتأخرين.
نعم، فيه التغليظ على من يسافر إلى بلادٍ هجم عليها العدو الكافر الحربي المتصدي، لهدم قواعد الإسلام، وقلع أصوله وشعائره العظام، ورفع أعلام الكفر والتعطيل، وتجديد معاهد الشرك والتمثيل، وإطفاء أنوار الإسلام الظاهرة، وطمس منار أركانه الباهرة. وهو العدو الذي اشتدت به الفتنة على الإسلام والمسلمين، وعز بدولته جانب الرافضة والمرتدين، ومن على سبيلهم من المنحرفين والمنافقين) الدرر السنية (8: 329).
وقال في ذات الرسالة مؤكدًا سببَ التغليظ وإن لم يصل به إلى حد الكفر:
(الوجه السادس: أنَّا لا نسلم دخول هذه البلدة التي الكلام بصددها في عبارات أهل العلم ورخصتهم، لأن صورة الأمر وحقيقته: سفر إلى معسكر العدو الحربي الهاجم على أهل الإسلام، المستولي على بعض ديارهم، المجتهد في هدم قواعد دينهم، وطمس أصوله وفروعه، وفي نصرة الشرك والتعطيل، وإعزاز جيوشه وجموعه) الدرر السنية (8: 336).
وقال في رسالةٍ أخرى:
(فأهل الأحساء قد اشتهر حالهم، وأنهم ألقوا السلم إلى عساكر الدولة، واختاروا ولايتهم، وصرحوا بطاعتهم، ونصروهم بالقول، وعاملوهم معاملة الأخ مع أخيه، بل جاءت خطوط التجار المترفين أولي النعمة بتزكيتهم والثناء عليهم) الدرر السنية (8: 376).
فهنا يقرر الشيخُ حال زمانه، وصرَّح بأنه فيما يتعلق بأصل المسألة -السفر إلى بلاد المشركين- جارٍ فيه على ما عليه الفتوى عند جماهير المتأخرين، يعني حرمة ذلك فقط لمن لم يقدر على إظهار دينه، ولكنه نبَّه على معطًى استجدَّ في زمنه، من أجله غَلَّظَ في قضية الرخصة حتى لمن قدر على إظهار دينه، وذلك أن البلاد محل البحث بلاد هجم عليها العدو الكافر الحربي بالأوصاف التي ذكرها، وذكر أن ذلك استدعى منه تغليظًا زيادةً على ما تقدَّم.
وتلحظ هنا أنه لم يصرح بكون ذلك كفرًا، بل كل فتاويه في المجاميع التي تضمنت رسائله ليس فيها التصريح بالتكفير، بل يقرر أن ذلك السفر في تلك الحال اشتمل على منكرات، منها الموالاة، وصرح بأن (مسمى الموالاة يقع على شعب متفاوتة: منها ما يوجب الردة، وذهاب الإسلام بالكلية، ومنها ما هو دون ذلك، من الكبائر والمحرمات) الدرر السنية (8: 341 – 342).
ولكني أفَضْتُ القول في بيان محمل رأيه لو صدر منه الحكم بالكفر -على نحو ما نقله تلميذه الشيخ حسن بن حسين- وقد بينت أن سياق الفتوى يعالج قضية النُّقلَة الذي تعد مظاهرةً، فتكون حينها بمجردها ردَّةً عند من يقرر التكفير بالموالاة العملية.
فهذه النصوص بينة ظاهرةٌ في المراد، وأن الشيخ عبد اللطيف لم يخرج بذلك عما قاله من تقدمه من علماء الدعوة، وإنما حصل من مزيد من التغليظ في حكم السفر للظرف الذي عايشه وما ترتب على السفر فيه من منكرات، منها الموالاة، وهي شعبٌ منها ما هو كفر ومنها ما هو دون ذلك.
والقاعدة أن كلام العالم الواحد إذا تفرَّق فيُحْمَل مجملُه على مفسَّره، ويُعطَفُ موجَزُه على مفصَّله.
وما نقله الشيخ حسن بن حسين عنه فقصاراه أنه متشابهٌ يُرَدُّ إلى محكم تقريرات الشيخ، ولو لم يأتنا من كلامه إلا ذلك النص لكان له مخرجٌ على نحو ما رأيتَ، فكيف والحال ما ترى، لا سيما والنصوص المحكمة هي من كتابات الشيخ نفسه لا من نقل الناقلين عنه .. والموفَّق من سلَّم الله صدرَه.
هذا، وأقدِّرُ أن تلك الفتوى وذلك التغليظ كان في أواخر حياة الشيخ، وأن الحال التي يعنيها الشيخ عبد اللطيف كانت عَقِبَ الخلافات التي بُلِيَت بها الدولة السعودية الثاني بين أبناء الإمام فيصل بن تركي (عبد الله وسعود)، والتي كان من آثارها تصدُّع الدولة وانحلال نظامها، ومكَّنت القوى المناوئة من السيطرة على بعض أنحاء الدولة، حتى إن عبد الله بن فيصل بعث برسالةٍ إلى والي بغداد مدحت باشا يستعين بها على أخيه، فرآها والي بغداد مدحت باشا فرصةً سانحةً للاستيلاء على الأحساء، أعقبت ذلك محاولات عثمانية للزحف نحو الأحساء، حتى دخل الفريق محمد نافذ باشا الهفوف سنة 1288هـ كما ذكرته الكتب التي تنوالت تاريخ الأحساء السياسي، وكان ذلك أواخر حياة الشيخ عبد اللطيف.
ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن عبد الله بن صباح جهَّز من الكويت جيشًا حمله في السفن وقاده بنفسه وجيشًا بريًّا قاده أخوه مبارك بن صباح، وذلك مؤازرةً للجيش العثماني الغازي للأحساء، فدخلا القطيف واستولوا عليها، ثم على بقية أنحاء الأحساء كالعقير والهفوف، ثم عزَّزت القوات العثمانية وجودها في الأحساء بعد ذلك، بعد ذلك صارت تلك المنطقة سجالًا وحربًا بين القوات السعودية والعثمانية.
ومما يدل على ذلك ما جاء في رسالة للشيخ عبد اللطيف بعد أن تحدث عن بعض ما تعلق بعهد سعود بن فيصل:
(وبعد ذلك أتانا النبأ الفادح الجليل والخطب الموجع العظيم الذي طمس أعلام الإسلام ورفع الشرك بالله وعبادة الأصنام في تلك البلاد التي كانت بالإسلام ظاهرة، ولأعداء الملة قاهرة، وذلك بوصول عساكر الأتراك، واستيلائهم على الأحساء والقطيف، يقدمهم طاغيتهم داود بن جرجيس داعيًا إلى الشرط بالله وعبادة إبليس. فانقادت لهم تلك البلاد، وأنزلوا العساكر بالحصون والقلاع) الدرر السنية (8: 393).
وكتب الشيخ في ذلك أبياتًا تدل على عظم الأمر وفداحته، وما آل إليه الأمر من ظهور مظاهر الشرك وانتشاره وشيوع أمر المنكرات والذي جرَّه مقدم العسكر على عادتهم في كل أرض يحلُّونها.
هذا الظرف التاريخي لا بد من تقييده هنا والإشارة إليه لفهم سياق تلك الفتوى وبيان جهة الاجتهاد فيها فيما يتعلق بجعل النُّقلَة حينها ضربًا من المظاهرة والموالاة العملية.
ومما يدل على أن تقريرات الشيخ عبد اللطيف إنما تبحث هذه الحال، ومما يدل على واقع الأحساء حالتَئذ = فتوًى وردت للشيخ عبد اللطيف جاء فيها: (وسئل: عمن يجيء من الأحساء، بعد استيلاء هذه الطائفة الكافرة على أهله). فالسؤال يتعلَّق بحالٍ جدَّ فيها ذلك، ولذلك قال الشيخ في الجواب:
(الإقامة ببلد يعلو فيها الشرك والكفر، ويظهر الرفض ودين الإفرنج، ونحوهم من المعطلة للربوبية والإلهية، وترفع فيها شعائرهم، ويهدم الإسلام والتوحيد، ويعطل التسبيح والتكبير والتحميد، وتقلع قواعد الملة والإيمان، ويحكم بينهم بحكم الإفرنج واليونان، ويشتم السابقون من أهل بدر وبيعة الرضوان، فالإقامة بين ظهرانيهم -والحالة هذه- لا تصدر عن قلب باشره حقيقة الإسلام والإيمان والدين) الدرر السنية (6: 354 - 355).

فإذا علمتَ الظرف الذي صدرتْ فيه تلك الأحكام وذلك التغليظ بانتْ لك بذلك جهة النظر .. وأؤكد ما قررتُه سلفًا، وهو أن القصد هنا بيان المنهج في قراءة هذه الفتاوى وظروفها العلمية والسياسية، لا تقييد رأيٍ فيما يتعلَّق بالمناط الذي من أجله حُكِمَ على هذه البلدة أو تلك بأنها بلد كفر أو لا، وما رُتِّبَ عليه من أحكامٍ متعلقة بمظاهرتهم وموالاتهم .. هذا منتهى القول فيما يتعلَّق بواقع الأحساء.

******

تقرَّرَ بما مضى أن القول المستقر عند علماء الدعوة بمختلف طبقاتهم هو حرمة السفر إلى بلاد المشركين لمن لم يقدر على إظهار دينه.
وأما فتوى الشيخ حسن بن حسين، والتي تضمنت النَّقلَ عن الشيخ عبد اللطيف = فتبَيَّنَ أنَّها تبحث حكم النُّقلَةِ التي تُعَدُّ مظاهرةً، وقد دل على ذلك سياق الكلام، والنظر في الظرف التاريخي السياسي للفتوى، مع ما تقدم نقله من بيانٍ لتقريرات الشيخ عبد اللطيف والشيخ حسن في مسألة السفر إلى بلاد الشرك.
على أني أنبه هنا أن ما نقله الشيخ حسن بن حسين يحتمل أنه نقلٌ بالمعنى، فمع وفرة ما وصلنا من كلام الشيخ عبد اللطيف، وخاصة في المسألة ذاتها، إلا أني لم أجد حتى الآن ما يطابق معنى ما ذكره الشيخ حسن، بل قصاراه التغليظ في الحرمة والإنكار، ولم أجد في رسائله تصريحًا بالكفر، بل قال بأن ذلك يتضمن منكر الموالاة، ثم هي على شُعَبٍ .. ولكن إن تعاملنا مع ظاهر النقل فوجهه ما تقدم.
ثم لنفرضْ أن ذلك قولٌ للشيخ حسن بن حسين -وليس كذلك-، وأهملنا كل الاعتبارات العلمية التي تبين مخرج ذلك النقل وجهة النظر فيه، وأهملنا كل تقريرات الشيخ عبد اللطيف التي كتبها بنفسها وبثها في رسائله .. فمن أين للحنابلة الجدد التشنيع بذلك على الدعوة وعلمائها بنسبة ذلك إلى تراث الدعوة، فضلًا عن جعل ذلك -في زعمهم- محلَّ إحراجٍ وإخراسٍ لكل من يحامي عن ذلك التراث؟!
ولكن الشأن كما قاله العلامة عبد الله أبا بطين:
(ولو قدرنا أن إنسانا يقع منه جراءة وجسرة على إطلاق الكفر جهلًا منه، فلا يجوز أن ينسب إلى جميع الطائفة، وإنما ينسب إليهم ما يقوله شيخهم، وعلماؤهم بعده، وهذا أمر ظاهر للمنصف، وأما المعاند المتعصب فلا حيلة فيه) الدرر السنية (1: 362).
وقد كتبتُ في مقالةٍ سلفت (أنه على فرض ثبوت رأي معين لعلماء الدعوة وكان ذلك الرأي مما يستنكر، فليس بمنهجٍ أن ينسب لعموم الدعوة لمجرد صدوره عن أحدهم، ولستُ أعني أن لا ينسب لجمهورهم رأي فيما كان من هذا الباب، لكن إذا أراد الناظر صنع ذلك فعليه أن يقيم من الشواهد والبراهين ما يمنحه حق إثبات ذلك التعميم، لا أن يكتفي في ذلك بمجرد بُدُوِّ الرأي من أحدهم).
هذا على فرضِ ذلك، وقد بان لك في هذه المسألة وجهُ الحق فيها إن شاء الله.

******

بعد كلِّ ما مضى:
فإني لا أدري لِمَ لا يكلف هؤلاء الحنابلة الجدد أنفسَهم بقراءةٍ عابرةٍ لكتب أئمة الدعوة لينظروا في واقع تقريراتهم قبل جِدِّهم في خَلْق الأباطيل والتمويه بإشاعة الأكاذيب؟!
وقد قدَّمتُ في مقالةٍ مضتْ أن هؤلاء القوم إنما يلوكون أباطيلَ قد تقدَّمَتْ، ولا يحسنون ابتكارَ أيِّ جديدٍ يشغبون به، وهذا ما عليه حالهم في مسألتنا هذه، وذلك أن فرية التكفير بمجرد السفر إلى بلاد الكفار قد بُلِيَ بها من قَبلُ أحد مشايخ الدعوة، وهو الشيخ سليمان بن سحمان، وجرتْ في ذلك قصةٌ بينه وبين بعض مشايخ القصيم (عبد الله بن علي بن عمرو) حيث صنف رسالةً زعم فيها أن الشيخ ابن سحمان يُكَفِّر مَن سافر إلى بلاد المشركين، ويكفر من أجاز ذلك، وحمَّل كلامَه ما لا يحتمل، فأنكر الشيخ ابن سحمان ذلك في كتابٍ فصَّل القولَ فيه. وبه طُوِيَتْ صفحة هذا الزَّعْم الذي تبرأ منه الشيخ نفسه.
ولكن هؤلاء الجُدُدَ قصدًا للنكاية والمناكدة جعلوا من الفرية حقيقةً علميَّةً، ثم لم يقنعوا حتى جدُّوا في تعميمِها وإيهامِ مَن يقرأ لهم بأن هذا هو ما عليه تراث علماء الدعوة!

قال الشيخ ابن سحمان:
(أمَّا دعوى تكفير من أجاز السفر إلى بلاد المشركين فهي دعوى كاذبة خاطئة، «ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم»، ولكن قبله من بَهَتَ أئمة هذه الدعوة الإسلامية وأنهم يكفرون بالذنوب لمَّا أمروا بتوحيدالله ونهى عن ضده من الإشراك بالله من دعاء الأولياء والصالحين).
إلى أن قال:
(ثم إني -ولله الحمد- لا أكفر إلا من كفر اللهُ ورسولُه بعد بلوغ الحجة وقيامها، وأمَّا من أقام بين ظهرانَي المشركين أو سافر إلى ديارهم من أهل الإسلام، وكان قادرًا على الهجرة ومفارقة المشركين، ولم يتمكن من إظهار دينه المعتبر عند أهل العلم الذي تبرؤ به الذمة = فهو مرتكبٌ حرامًا، عاصٍ لله ورسوله بإقامته بين أظهر المشركين، لا كافر. فمن نسب عني غير ذلك، وزعم أني أكفر بمجرد الإقامة أو السفر = فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا قَبِلَ الله منه صرفًا ولا عدلًا، وفضحه على رؤوس الأشهاد، «يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار») الجواب الفائض (52 – 53).

وقال:
(... وأمَّا دعواه أنِّي أكفر من أجاز السفر مطلقًا فبهتانٌ وكذبٌ وافتراءٌ، ولا يوجد ذلك في شيءٍ من كلامي، بل لا أكفر من جلس في ديار الكفر وهو مسلمٌ عاجزٌ عن الهجرة وعن إظهار دينه، أو قادر على ذلك ولكن آثر حب المسكن والعشيرة أو الأهل والمال والتجارة مع الإيمان بالله ورسوله) الجواب الفائض (239).
ولهذا الكلامِ للشيخ سليمان بن سحمان، وهذا التغليظِ الشديدِ = قيمةٌ جليلةٌ، وذلك أن التكفير بذلك لو كان محقَّقَ النسبة لأحد علماء الدعوة -ولا سيما كبارهم ومقدميهم- أو كان منقولًا عن جمع منهم، لم يبالغ الشيخ ابن سحمان في رد هذه الفرية على هذا النحو الذي رأيتَه، وبه تعلم أنها فريةٌ مختلقةٌ من خصوم الدعوة وشانئيها.

وختامًا:
فقد تناولتْ هذه الكتابةُ أنموذجًا لمغالطة الحنابلة الجدد فيما يتعلَّق ببحث المسائل، كما تناولت الكتابة السابقة (عنوان النيروز لمرتاد حال محمد بن فيروز) أنموذجًا لمغالطتهم فيما يتعلق بالحكم على الأعيان .. وعليهما فقِسْ كثيرًا مما يُثَارُ ضدَّ تقريراتِ علماء الدعوة في باب تأصيل المسائل أو باب الحكم على الأعيان.
وأدعو هنا الحنابلة الجدد -كما دعوتُ من قبل- دعوةَ مشفقٍ ناصحٍ إلى أن يكونوا سليمي الصدر لإمام هذه الدعوة وأتباعه، وما عليهم بعد ذلك من حرجٍ لو نقدوا بعضَ ما تضمَّنه تراث الدعوة، لكنْ بشرط أن يكون نقدًا متحرِّيًا للصدق في مقدمات النقد وما رُتِّبَ عليها من نتائج، نقدًا يريد به الناقدُ شرفَ بيان العلم وصيانتَه وحبَّ الخير لهذه الأمة، مع حفظ أقدار علمائها والعاملين في سبيل رفعتها، نقدًا يتمثَّل البحثَ العلميَّ الجادَّ النزيهَ دون الأساليب الصحفية الساقطة .. «والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون».

مشاري بن سعد بن عبد الله الشثري
2/ 12/ 1439هـ

المنشورات السابقة:
[1] أن تكون حنبليًّا

[2] ثرثرةٌ في ثياب فضفضة

[3] من مسالك «الحنابلة الجدد» في الغضِّ من أئمة الدين (1)

[4] أئمة الدعوة النجدية وفرية إبطالهم العملَ بالكتب الفقهية

[5] قل كلمتك وامشِ .. وقصَّة المقلاع والمتيه!

[6] على ضفاف أحدوثة «المقلاع» .. ورقةٌ من تاريخٍ سيُكتَب

[7] كشفُ عورات الحنابلة الجدد .. والعوراتُ الثلاث!

[8] ثقةٌ على غرر!

[9] من مسالك «الحنابلة الجدد» في الغضِّ من أئمة الدين (2)

[10] ماذا فعلتُم بنا يا آلَ فيروز؟!

[11] التَّذْفِيف على ما بَقِيَ من جِرَاح المعترض الظريف!

[12] «عنوان» النَّيروز .. «لمرتاد حالِ» محمد بن فيروز!

DRIVE.GOOGLE.COM

أئمة الدعوة النجدية .. وفريةُ تكفيرِهم المسافرين لبلاد المشركين.pdf

منذ 6 أعوام و 10 شهور
سامي عامري

حجة الاسلام (آرمسترونج) وتسول المحامين عن الاسلام
ناقشت (بفتح الشين) الأهل منذ ثلاثة ايّام رسالتها للدكتوراه في (جامعة الجنان) بلبنان بعنوان: (صورة الاسلام في كتابات المستشرقة الانجليزية (كارين آرمسترونج) )، ومنحت بحمد الله درجة الامتياز مع التوصية بطبع الاطروحة.. وقد كان عنوان الاطروحة في بادى الامر: (صورة الاسلام في كتابات المستشرقين المنصفين، كارين آرمسترونج نموذجا ) غير ان المشرف ارتاع لكوارث هذه المستشرقة كما جاءت في بحث الطالبة، فطلب تغيير العنوان لانه يشق وصف هذه المستشرقة بالإنصاف بعدما لاحظه من دعاوى فاسدة ‍وردود البحث عليها..
(آرمسترونج) أيها الأفاضل امرأة تتسول كثير من المؤسسات الاسلامية في الغرب حضورها مؤتمراتها دفاعا عن الاسلام، ويقرا كثير من الشباب المسلم في الغرب ما كتبته في السيرة النبوية خاصة والاسلام عامة فرحا بما تقوله بدفع تهمة الدموية عن الاسلام والمسلمين ، ومنحت جوائز وتكريمات إسلامية كثيرة.. للأسف هي (حجة الاسلام) عند من يبحثون عن شقراء تدفع عنا ال‍شبهات، رغم أن لها أوابد في الحديث عن هذا الدين.
هذا الدين عظيم، هو الحق والهدى، لا يحتاج نصارى ولا ملاحدة لينصروه (وان كنّا نستفيد من شهاداتهم من باب: شهادة غير المسلم في الاسلام غير مجروحة)..
رسالتي الى الأمة ومؤسساتها العلمية والدعوية: انصروا أبناء هد الدين ليقيم الله بهم الحجة على الناس، وجددوا سيرة المجد العلمي في حوار الأديان والعقائد بصناعة احفاد أبرار لابن حزم والباقلاني وابن تيمية فدين الله لا ينصر بمحامين (متعاطفين معنا)

منذ 7 أعوام و شهر
شريف محمد جابر

في خضم الردّ على ‍شبهات أهل الزيغ والإلحاد، لفت انتباهي رأي تكرر من أكثر من شخص مفاده أنّ علينا مجاراة أسلوب هؤلاء الطاعنين الذي يتميّز بالحسّ الفكاهي واستخدام المؤثرات المرئية من أجل إيصال رسالتنا ‍وردودنا.. ولدي اعتراض منهجي على هذا الكلام.
لا مانع طبعا من استخدام أحدث الوسائل في إيصال الرسالة، وأحدث التقنيات في تيسير الأفكار وتجسيدها، ولكن دعونا نرجع إلى الوراء قليلا ونتساءل: أين المشكلة؟
أي: لماذا تأثر الكثير من الناس بفيديوهات هؤلاء الطاعنين رغم أنّ محتواها سطحي ومليء بالمغالطات؟
تكمن المشكلة في نظري في الناس أنفسهم، أي في كونهم لا يمتلكون الحدّ الأدنى من الأدوات الفكرية والعلمية التي تجعلهم قادرين على اكتشاف المغالطات، وفي كونهم يقتنعون لأنّ فلانًا من الناس أضحكهم ووضع لهم مقطعا من فيلم أجنبي أحبوه بعد ذكر مغالطته! أو لأنّه دغدغ مشاعرهم حين صاح و"تشغنف" أثناء عرض رأيه المتهافت! أو لأنّه طرح أكاذيبه بثقة تامّة وكأنها معلومات أكيدة...
الإشكالية تكمن في أننا حين نعتمد على استخدام نفس الأساليب "النفسية" في مخاطبة نفس الجمهور؛ نكون قد بنينا على العيوب والأورام الفكرية القائمة، و"سوّغنا" وجودها شئنا أم أبينا!
ولهذا فأنا أجد أن الاعتراف بالمرض الفتاك في العقل الجمعي هو أول خطوة في الطريق الصحيح. ثم إننا بحاجة إلى تعويد القارئ بمختلف الوسائل والأساليب على أن يفسح المجال للمساحات الميتة في دماغه لتتعب وتتمرّن، بعد أن يزيل عنها "دهنيات" الألاعيب النفسية.. أن نخبره بأن تكاسله عن قراءة مقال فكري جريمة، وأنّ تفضيله للمقاطع المضحكة هو كتفضيل الطفل العنيد للغو الأطفال على الكلام السليم، ولزجاجة الحليب على الكوب حتى لو صار في السابعة! أي أنّ هذا التساهل وخوفه من إتعاب خلايا دماغه ليس إلا تهرّبا من المسؤولية التي يجب أن يضطلع بها كإنسان واع مفكر.
هل تعلمون مثلا ماذا يعني أن يقرأ المرء 3000 آلاف كلمة في مقال فكري مستند إلى الأدلة؟ لقد فعلتها، وكان مقالي الأخير في الرد على شريف جابر الملحد نحو 3000 كلمة، ومع ذلك فقد قرأه الآلاف، في الوقت الذي لا تتجاوز معظم التدوينات ال 1000 كلمة!
هذا وغيره دليل عندي على أنّ مخاطبة العقل دون أي شوائب نفسية تلاعبية أمر ممكن، وليس شرطا أن يكون من خلال مقال، فهذا ممكن من خلال الكلام المنطوق المرئي الذي يتوجه إلى عقل القارئ ولا يتلاعب بمشاعره.
أعلم أنّه طريق طويل، وأنّها مهمة صعبة. ولكنها في نفس الوقت ضرورية جدّا، خصوصا مع الجيل الصغير الناشئ؛ لأنّه إذا شاعت المنهجية الموضوعية الفكرية في التعامل مع الأفكار في هذا الجيل فستصير الأمور لصالحنا نحن؛ ذلك أنّ كل ما ندعو إليه يؤيّده العقل الصريح. والحمد لله.

منذ 7 أعوام و 4 شهور
صفحة قناة البينة

نصراني يدعي أن فى القرآن تناقض
يقول: فى سورة القصص {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} .
وفي سورة الشوري يقول : {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
والجواب
يقول الشيخ بن عثيمين رحمه الله تعالي:
قوله تعالى لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} . وقوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} . ففي الآيتين موهم تعارض فيتبعه من في قلبه زيغ ويظن بينهما تناقضا وهو النفي في الأولى، والإثبات في الثانية. فيقول: في القرآن تناقض.
وأما الراسخون في العلم فيقولون: لا تناقض في الآيتين فالمراد بالهداية في الآية الأولى هداية التوفيق، وهذه لا يملكها إلا الله وحده فلا يملكها الرسول ولا غيره. والمراد بها في الآية الثانية هداية الدلالة وهذه تكون من الله تعالى، ومن غيره فتكون من الرسل وورثتهم من العلماء الربانيين.
مجموع الفتاوى والرسائل جـ4 صـ 186
#قناة_البينة
#&zwj ;شبهات_‍وردود
#الذهبي

منذ 7 أعوام و 7 شهور
صفحة قناة البينة

#&zwj ;شبهات_‍وردود
كيف يصلي الاله عندكم يامسلمين على نبيه؟
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} . [الأحزاب: 56]
الرد:
إسلاميا
اولا: بإختصار شديد
ليس الامر كما فهمت أن الاله يركع ويسجد ولكن المعني كما قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" قوله : " صلِّ على محمد " قيل : إنَّ الصَّلاةَ مِن الله : الرحمة ، ومن الملائكة : الاستغفار ، ومن الآدميين : الدُّعاء .
فإذا قيل : صَلَّتْ عليه الملائكة ، يعني : استغفرت له .
وإذا قيل : صَلَّى عليه الخطيبُ ، يعني : دعا له بالصلاة .
وإذا قيل : صَلَّى عليه الله ، يعني : رحمه .
وهذا مشهورٌ بين أهل العلم ، لكن الصحيح خِلاف ذلك ، أن الصَّلاةَ أخصُّ من الرحمة ، ولذا أجمع المسلمون على جواز الدُّعاء بالرحمة لكلِّ مؤمن ، واختلفوا : هل يُصلَّى على غير الأنبياء ؟ ولو كانت الصَّلاةُ بمعنى الرحمة لم يكن بينهما فَرْقٌ ، فكما ندعو لفلان بالرحمة نُصلِّي عليه .
وأيضاً : فقد قال الله تعالى : ( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرة157 ، فعطف " الرحمة " على " الصلوات " والعطفُ يقتضي المغايرة فتبيَّن بدلالة الآية الكريمة ، واستعمال العلماء رحمهم الله للصلاة في موضع والرحمة في موضع : أن الصَّلاة ليست هي الرحمة .
وأحسن ما قيل فيها : ما ذكره أبو العالية رحمه الله أنَّ صلاةَ الله على نبيِّه : ثناؤه عليه في الملأ الأعلى .
فمعنى " اللَّهمَّ صَلِّ عليه " أي : أثنِ عليه في الملأ الأعلى ، أي : عند الملائكة المقرَّبين .
فإذا قال قائل : هذا بعيد مِن اشتقاق اللفظ ؛ لأن الصَّلاة في اللُّغة الدُّعاء وليست الثناء : فالجواب على هذا : أن الصلاة أيضاً من الصِّلَة ، ولا شَكَّ أن الثناء على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الملأ الأعلى من أعظم الصِّلات ؛ لأن الثناء قد يكون أحياناً عند الإنسان أهمُّ من كُلِّ حال ، فالذِّكرى الحسنة صِلَة عظيمة .
وعلى هذا فالقول الرَّاجح : أنَّ الصَّلاةَ عليه تعني : الثناء عليه في الملأ الأعلى " انتهى .
" الشرح الممتع " ( 3 / 163 ، 164 ) .
ثانيا: فى نفس السورة قال الله
{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} الأحزاب: 43 .
ففي هذه الاية يخبر الله تبارك وتعالي انه يصلي علي عباده المؤمنين
وايضا فى سورة البقرة
قال الله تعالى : {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ}البقرة : 156-157
فإن كان المعترض يهوديا فالرد
يقول التلمود .. مبحث
7a
قال الراباي يوسي : كيف نعلم ان الرب يصلي؟
لانه يقول في سفر اشعياء (56_7) آتِي بِهِمْ إِلَى جَبَلِ قُدْسِي وَأُفَرِّحُهُمْ فِي بَيْتِ صَلاَتِي ...
الرب لايقول بيت صلاتهم وانما بيت صلاتي , ماذا يقول الرب في صلاته ؟ يقول الراباي ماي : يصلي الرب فيقول : لتكن ارادتي ان رحمتي تمحو غضبي فاتعامل مع ابنائي بالرحمة وليس بالعدل
وإن كان المعترض نصرانيا فالرد
كيف يصلي يسوعكم الذى تعتقدون أنه الله إلي الاله
مرقس ١٤:‏٣٥ ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى الأَرْضِ، وَ‍كَانَ يُصَلِّي لِكَيْ تَعْبُرَ عَنْهُ السَّاعَةُ إِنْ أَمْكَنَ.
وإن كان ملحد فالرد لا يحق له الاعتراض اصلا لان النقاش معه يكون فى الاصول
#قناة_البينة
#الذهبي

منذ 7 أعوام و 9 شهور
محمد علي يوسف

وفرعون من محترفي التشتيت ومن متقني الجدال العقيم والسفسطة الفارغة والخالية من أي منطق وهو يعشق التشغيب على الحجج والبراهين بمحاورات فرعية واتهامات وهمية كل الغرض منها التشويش على حملة الحق ودعاة الصدق

ولعل من أهم وأرقى الخصائص التي اتصف بها موسى عليه السلام وظهرت على خطابه بشكل واضح كما ظهرت على كلمات ‍وردود تلامذته وأتباعه ومن اهتدوا بدعوته كمؤمن آل فرعون والسحرة بعد إيمانهم = التركيز على الهدف وعدم الانصراف للمعارك الجانبية التي يحاول فرعون إشغالهم بها وتشتيتهم عن أهدافهم من خلالها

بمجرد أن أتاه موسى برسالته وطالبه بإرسال بني إسرائيل معه حاول فرعون صرفه إلى تلكم المعارك الجانبية والتشتيتات والتشغيبات الفرعية

أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ

كان من الممكن لنبي الله موسى عليه السلام أن يرد بردود كثيرة وأن يبرر مقتل الرجل المصري

كان من الممكن أن يبين أنه قتل خطأ وأنه لم يكن يقصد أبدا قتله
كان من الممكن أن يوضح أن الرجل كان معتديا صائلا و أنه فقط كان يدفعه فحدث ما حدث
كان من الممكن أن يربط الأمر بجرائم فرعون الكثيرة في حق قوم موسى من تذبيح أبنائهم واستحياء نسائهم
كان من الممكن أن يقول الكثير و الكثير. .

لكنه لم يفعل!

لم يستدرج إلى مراء التبرير ولم يضيع الوقت في متاهات الجدال
إنه صاحب رسالة جاء لمهمة ولديه هدف عليه أن يحققه

لقد تجاوز تشغيب فرعون باعتراف مباشر بسيط قائلا: "فعلتها إذا و أنا من الضالين"

نعم قد فعلت ولن أقف طويلا مع هذا الأمر أو أدفع عن نفسي شيئا قد حدث وقد نُفيت بسببه سنين عددا بعد أن تآمرتم لقتلي دون تحقيق أو تبين

فعلتها و تبت و استغفرت في حينها ودفعت الثمن من سنين غربة و إبعاد وخوف وترقب تآمر وقتل

فعلها موسى إذن و لم يبررها أو يزينها
ثم عبر إلى الأهم
إلى دعوته ورسالته
لم يضيع الوقت في غيابات التبريرات ليذهب مباشرة إلى هدفه الذي يعلو على الاشخاص والأحداث و يسمو على التفاصيل و الزلات
وليستمر في دعوته

قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ
فهل توقف فرعون عن ممارسة هوايته أو إن شئت فقل: حرفته وخلاصة مهارته
محال
إنه متخصص في تلك الطريقة السمجة المقيتة
لقد استمر في تشغيبه وتشويشه بالمعارك الجانبية
قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ

لم يلتفت موسى وأكمل: قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ

فما كان من فرعون العاجز عن رد الحجة بمثلها إلا أن استمر في تفاهاته وحماقاته
قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُون

هنا يلجأ فرعون إلى تشغيب من نوع مختلف
السباب والإهانة والانتقاص والتشكيك في شخص الداعي
فهل التفت موسى أو رد هذه التهم السفيهة عن نفسه؟!
أبدا
لقد استمر في مهمته السامية
دعوته

قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ

عندئذ أفلتت أعصاب الطاغية وظهر تمام عجزه
لا حيلة تتبقى إلا الإكراه والجبر أو القمع

قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِين
ومع كل هذا استمر موسى ولم يلتفت

ولقد تعلم الدرس أتباع موسى والمؤمنون برسالته
لعل أوضح النماذج على ذلك ما فعله الرجل المؤمن من آل فرعون وقد تشرب طريقة نبيه وفهم غايته وهدفه

لقد حاول فرعون اتباع نفس أسلوب التشويش المتهافت مع الرجل الذي قيل أنه ابن عمه فقابل دعوته بكلمته الفاضحة لحقيقته
وبعد أن كانت البداية "ذروني أقتل موسى" يدعي بها أنه حريص على الشورى واعتبار رأي من حوله إذا به يظهر حقيقة طغيانه بعد أن فضحها قريبه بحسن منطقه ووضوح حجته

قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ

فهل التفت الرجل المؤمن أو انشغل بتشغيبه
الجواب: لا
وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ
استمر في دعوته غير آبه بترهات فرعون التي وصلت إلى مستوى من السماجة والضحالة لم يسبق له مثيل

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ
أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى

إنها نبرة مألوفة من نبرات سخرية وربما حماقة الفراعين ..
هل تمزح يا فرعون؟
أى صرح من الطين ذلك الذي سيبلغ أسباب السماء؟!
أوبعد كل تلك الحجج والبينات التي أتاك بها موسى، ورددها مؤمن آل فرعون على
مسامعك لازلت تكابر، وتتحدى، وتمارى؟!

ما أثقل ظل الفراعين وما أشد سماجة الطاغين

الحقيقة أنها ليست ‍شبهة أصلًا فقد ختمها بقوله: وَإِنِّي لأظُنُّهُ كَاذِبًا
إنه كالعادة التشغيب والسخرية والتسفيه وتزيين سوء العمل والصد عن السبيل
{وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ}

ومثل هذا لا يلتفت إليه

لذا لم يلتفت إليه الرجل المؤمن من آله وأكمل دعوته الهادئة الوضيئة واستمر في أشرف وأحسن قول يمكن أن يوفق إنسان لقوله ..

البلاغ عن الله ..
الدعوة إلى الله ..
أكمل موعظته دون التفات لسماجة أو سخرية وتشغيب عساها أن تجد قلبًا ينشرح لها، بدلًا من قلب هذا الطاغية القاسي المظلم العتيد ..

أكمل كأن لم يسمع تلك ال‍شبهة التافهة

أكمل لأنه يعرف هدفه ولا ينشغل إلا به

وكذلك حامل الرسالة
ليس لديه ترف تضييع الوقت في معارك جانبية فلا ينشغل إلا بهدفه ولا ينفق وقته أو يضيع حياته القصيرة إلا ابتغاء تحقيقه والعمل لأجل الوصول إليه
مهما شغب الفراعين أو سخروا أو شوهوا
هو أبدا لا يلتفت
فلأمثال فرعون = لا يُلتفت

#فرعون 9
#شخصيات_من_القرآن الفصل الثاني عشر

منذ 8 أعوام و 3 شهور
البشير عصام المراكشي

الرد على الإلحاد يكون من العالم الذي قطع شوطا بعيدا في التمكن من العقيدة الصحيحة، ومعرفة العقائد الباطلة ومآخذها، ومعرفة المنطق ومناهج البحث والمناظرة، وغير ذلك. ثم يزيد بالنظر في الكتب المتخصصة في الإلحاد.
بعض الناس للأسف يكتفون بهذه الكتب، دون رسوخ في ما ذكر قبلها، ثم ينطلقون لمناظرة الملاحدة ظانين أنهم أحاطوا بال‍شبهاتوردودها، فإذا بهم يكتشفون أمورا لم تكن تخطر ببالهم، ولا قبل لهم بها؛ وذلك لأن ‍شبهات القوم تتناسل، ولهم مغالطات لفظية عجيبة، وتشكيكات في المعارف الحسية، والمقولات العقلية القبلية، مما لا عهد لعامة العقلاء به.
فيقع أولئك المساكين في مضايق صعبة، ويأتيني الكثيرون منهم يسألون: " عاجل يا شيخ .. ما الجواب على قولهم كذا !!"، وبعضهم يقع في الحيرة والشك، بل في الإلحاد والعياذ بالله.
أيها الفاضل ..
غيرتك محمودة، ولكن اترك مهمة المناظرة لأهلها.
دينك رأس مالك، فكيف تخاطر به لأجل ربح غير مضمون؟

منذ 8 أعوام و 9 شهور
محمد عبد الواحد

فقه الفتيا المتعلقة بالنمص ونحوه:
_________
حضر يا أخي: القهوة، أو اللاتيه، أو الاسبريسو، أو الموكاتو دبل، وأحضرها لزوجتك وجوبا إن طلبتها، كما قرر العلامة البهوتي، واصبر معي للآخر..

** يقولون: خلاص عرفنا أن فيه خلافا، ما فائدة إثارة هذه المسائل، كالنمص ونحوه في هذا التوقيت؟

الحق: أن هذا السؤال ينبغي أن يعكس ويتوجه به إلى من كتم عن الناس الخلاف القوي، ورمى المخالف فيه بالنقائص، وحصر اتباع السنة وتعظيمها في قوله واختياره، وصنع للملتزمين شكلا معينا مبنيا على اختيارات فقهية في مسائل خلافية سائغة، من خالف فيه= عدوه غير ملتزم أو منتكسا.
لكن مع ذلك سأخبرك بشيء من فقه هذه الفتوى:
--- ---
--- ---
تكلمت من قبل على تأصيل مسألة الفتيا في مسائل الخلاف، وبيان ما عليه أهل العلم في ذلك، وما ننتقده من ممارسات بعض المعاصرين، ارجع عدة منشورات على الصفحة وستجده مفصلا..
وتكلمت كذلك على خطأ إدخال المسالك الخطابية وسبل القصاص في الترجيحات العلمية وخطر ذلك، ارجع برضه عدة منشورات وستجد ذلك..

-تعال هنا بقى يا سيدي?:
_______________
مذهبي الذي آخذ به في نفسي وأفتي به في الأصل: حرمة النمص، بمعنى: نتف شعر الوجه كله؛ الحاجب وغير الحاجب، وجواز إزالة الشعر بغير النتف كالحلق والقص وكذا التشقير، وهذا مذهب الحنابلة في ذلك كله.

- أمال ايه بقى الهيصة دي؟
شوف يا سيدي:
المسائل نوعان في الجملة:
١- مجمع عليها، أو الخلاف فيها شاذ= فيجب بيان الحق فيها، وإنكار القول الآخر، وتحذير الناس منه، ولا يجوز أن تحيلهم عليه ولا على من يفتي به، ولا تحكيه لهم عند الفتيا.
وهذا لن تجدني فيه -إن شاء الله- إلا جازما بالقول الصواب.
٢- مسائل الخلاف فيها سائغ، وهذه يعرفها الفقهاء وأهل العلم، ولا نظر لإنكار العوام وأشباههم من المشايخ كونها سائغة، ولا دخل للسواغ وعدمه بما نشأتَ عليه أو شاعت الفتيا به في بلدك أو طائفتك..
فهذه الأصل أن يفتي المفتي فيها باعتقاده الذي هو عليه، باجتهاد أو تقليد..
ويجوز له أن يحيل فيها المستفتي على من يفتي بالقول الآخر، إن رأى من حاله ما يناسب ذلك؛ لكونه أسهل على المستفتي، أو موافقا لعرفه، أو محققا لمصلحة معتبرة، أو مخرجا له من إثم المخالفة، ونحو ذلك من المدارك..
وله أن يحكي له القول الثاني من أجل هذه المدارك المذكورة، فيأخذ به المستفتي، وتبرأ ذمة المفتي والمستفتي بذلك!
وهذا منصوص عليه في كتب الفقه والأصول وآداب المفتي، ولا التفات إلى تشغيب الجهلة في ذلك، وإن لبسوا جبة الورع.
--- ---
--- ---
نيجي نطبق على مسألة النمص:
هل الخلاف فيها سائغ؟
نعم قطعا، بل لا أسوغ من خلاف كهذا، بل تحريم الأخذ مطلقا من الحاجب= قول مخالف للمذاهب الأربعة، فعامة الأمة على خلافه أصلا.
وما تقولش: فيه نص بالتحريم.. لأنك لا تدري ما النص وما الظاهر وما المجمل، وكلامك هذا يزري بعقلك عند أهل العلم.
فالفقهاء كلهم عرف هذا الحديث، لكنهم اختلفوا في فهمه خلافا سائغا، وسبق تفصيل ذلك، وباختصار:
جماعة منهم فسروا النمص بالنتف فقط، وجماعة فسروه بالأخذ مطلقا.
وهذا مبحث لغوي.
ثم جماعة عمموه في شعر الوجه كله، وجماعة قصروه على شعر الحاجبين.
فهذان خلافان في تحديد معنى النمص أصلا.

وبعدين: اختلفوا في تحديد علة النمص الموجبة لهذا الوعيد الشديد.
فقالوا: تغيير خلق الله وحده ليس علة للعن، بل ليس كله حراما أصلا، بل منه المستحب كأخذ شعر الإبط والعانة والشارب وتقليم الأطفار، ومنه المباح كصبغ الشعر بغير السواد، ومنه المكروه كالصبغ بالسواد، ومنه الحرام.
طب أمال إيه؟
فجماعة قالوا: العلة التدليس على الخطاب، فأجازوه حيث لا تدليس، وأجازوه بإذن الزوج.
وجماعة قالوا: العلة كونه شعارا للفاجرات، فأجازوه حيث لم يكن كذلك.
وجماعة قالوا: العلة تبرج المرأة به، فأجازوه للزوج والمحارم.
وجماعة عمموا المنع لكن فسروه بالنتف فقط.

وفيه حاجة في الأصول صعبة ومعقدة كدا ومش أي حد بيفهمها ولا ممكن يتكلم فيها، اسمها: مسالك العلة.

- بس يا حاج..
فلا الفقهاء خالفوا كلام الرسول ﷺ ، ولا جهلوا النص، ولا الحديث نص صريح في تحريم مطلق الأخذ من الحاجب، بل ولا في تحريم النتف.
وصلى الله وسلم وبارك على من تكلم بالكلام المحتمل ليوسع على الناس، وكان قادرا على الكلام بالقطعي الدلالة غير المحتمل وهو أبلغ الناس.
ووفق الله الجميع على رأي الشيخ ابن باز.
--- ---
--- ---
خلاص يا أخ يا اللي كنت قاعدا متنمرا على شاشة الكمبيوتر، منتظرا أن تنقض علي انقضاضك على الفريسة؟
خلاص يا أخت يا اللي لسه قاعدة مشمرة ومنتظرة المقال يخلص عشان تدخلي في نوبة الإنكار على النامصات الملعونات من أخواتك الآخذات بقول الأئمة الأربعة، وتقولين لهن وتفرسينهن: (بردو) -كتبتها بالدال لأنها على لسان امرأة، أما الرجال فالجادة أن يكتبوها: برضه- حرام وفيه لعن وإن رغمت أنوف، وبكدا أنت انتصرتِ للإسلام وعظمتِ النص الشرعي؟
خلاص يا ولاد ويا بنات، عرفنا أن في المسألة خلافا سائغا؟

** تعالوا للواقع بقى:
- أنا عارف وأنت عارف وأنتِ عارفة وكلنا عارفون: أن كثيرات ممن نشأن على التحريم المطلق للأخذ المطلق من الحاجب -اللي أكثر من ٩٥ بالمائة من علماء الأمة على خلافه-؛ يفعلنه، ويتركن بناتهن يفعلنه، بحجج واهية، أو يشقرن الحواجب دون تحقيق للفرق بين الأخذ والتشقير، ولا يتورعن عن التشقير طردا لمسلكهن في الورع المزعوم.
ده فضلا يعني عن أن التشقير يقبح بعض النساء ويجعلهن كبزرة المانجو بعد أكلها

- وكلنا عارفون كمان: أن فيه بيوتا قد خربت بسبب عدم مراعاة المرأة لنفسها في ذلك، وفيه رجالا يفتنون وينظرون للحرام بسبب ذلك..
--- ---
--- ---
فالمفتي هنا ليس وظيفته نقل الكلام النظري فحسب، بل الفتيا اشتباك بالواقع ونظر للمصالح والمفاسد، وقد يفتى بالمرجوح فيصلح به الناس، وقد يفتى لشخص بشيء ولغيره بآخر، وتطبيقات هذا عند السلف لا حصر لها. (ولاحظ أن الكلام ليس في القطعيات، فمفيش تمييع هنا، يعني: هذا الكلام لا ينطبق على المحرمات القطعية، كترك الصلاة والتبرج ونحو ذلك، وإنما هو فيما وسع الله على الناس فيه بوقوع الخلاف المعتبر، فليس هذا من تحليل الحرام؛ بل الحلال بين والحرام بين، وباب الورع أيضا واسع، في ال‍شبهات والمسكوت عنه مما بيْن الحرام والحلال يستنبطه أهل العلم، ولا يعلمه كثير من الناس، وليس الجميع مؤهلا لفهم كل النصوص، كمن احتج بحديث لعن النامصة، وهو حديث يعرفه الصبيان في الكتاتيب فضلا عن مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد).
- ولا مدخل هنا ولا التفات إلى الذي لا يعرف مناهج العلماء في الفتيا والاستنباط، ولا عنده استعداد أن يغير ما وجد عليه آباءه المعاصرين، بل يتمادى في احتكار النقاوة والتمسك بالسنة، ويصر على أن ترجيح قول ما في مسائل الفروع= دليل على الورع والتقوى.
بل كون عالم معتبر -فضلا عن الأئمة الأربعة- يقول بجواز شيء= فهذا يخرج مقلده من دائرة التأثيم أصلا بالإجماع، ما دام لم يترك اجتهاده إن كان مجتهدا، والفرض أننا نخاطب العامة.
فالقضية ليس فيها معصية، ولا حق وباطل، بل الذي فيها: راجح ومرجوح، وفي حق العلماء فقط، وأنت إذا نظرت في كيفية تناول هذا النوع من المسائل في كل كتب الفقه القديمة= ستجد الأريحية في بحثها، بلا زعم نقاوة واتباع للسنة وحفاظ على هوية وبعد عن المعاصي ونحو ذلك من أمراض بعض المعاصرين النفسية هذه.
كلمتان في سطرين ثلاثة، ويقول كل عالم بفهمه، وانتهينا، لا مؤلفات مفردة، ‍وردود، ‍وردود على الردود، وانتفاض للحفاظ على الهوية ونقاوة المجتمع والتحذير من المعاصي!!

وأما قضية الورع والأحوط؛ فباب واسع لا يلزم به المفتي الناس، خصوصا مع فساد الزمان وعموم البلوى وقوة الخلاف، وإن كان الأخذ به أفضل، والحث عليه كذلك، لكن لهذا فقها ونظرا واقعيا يختلف بحسب الناس والزمان والمكان.

ومن يدري الواقع يعلم أن من هؤلاء العامة من يفعل خلاف فتواه، ظانا الحرمة لكن يغلبه هواه، ومنهم المنافق مجتمعيا، ومنهم المتمسك بها ظاهرا وباطنا مع صعوبة وعنت، وهؤلاء جميعا= كثير جدا، ومنهم المتمسك بها بيسر..
هذا في أتباعه وطائفته.

أما بالنظر لعامة المسلمين غير المتحزبين؛ فالأمر أظهر، وقد يسيئون الظن بالتراث والفقهاء والدين كله بسبب شيوع بعض الفتاوي في هذا الباب بصيغة الجزم المقتضية تأثيم المخالف وإخراجه من دائرة (الالتزام) والنظر له بعين النقص، وقد يترتب على ذلك من الإنكار عليهم، ورفض الزواج منهم، وازدرائهم ما هو مفسد للدين والدنيا.

** فيكون من تمام الفقه والنصح:
ألا تترك الناس يفعلون أمرًا مما شاع وانتشر فيهم، أو اشتدت حاجتهم إليه، معتقدين حرمته= وأنت تعلم أن ثمة قولًا معتبرًا بجوازه، في المسائل القديمة، أو وجهًا معتبرًا لتسويغه فيما كان من النوازل، ولو كان الأكثر على خلافه. (والكلام فيما ليس مخالفًا لقاطع، كما هو واضح).

فكون الإنسان يقلد قولًا له وجه، وإن شاع ضعفه= خير له في دينه وصلاح قلبه من اجترائه على حرمات الله، وعدم مبالاته بشريعته، وثمة وجه من وجوه الترجيح في مثل هذا يستعمله المحققون من العلماء وهو: (لا يسع الناس في هذا الزمان غيره)، وابحث بهذه الصيغة في كتب الفقه القديمة: ( لا يسع الناس غيره)، ستخرج لك عشرات النتائج!

وهذا الباب يحتاج إلى قدر كبير من فقه النفس، والبصر بالشرع مقاصده وكلياته وجزئياته، والمعرفة بأحوال الناس، والورع.

ولا يلزم من هذا أن تفتي بخلاف اعتقادك، بل يكفي أن تحيل على عالم ثقة، وتبرأ ذمة المستفتي بذلك.

وقد فعل ذلك الإمام أحمد وغيره، فقد سئل أحمد عن مسألة في الطلاق، فقال للسائل: "إن فعل حنث"، فقال السائل: إن أفتاني إنسان لا أحنث؟ قال: تعرف حلقة المدنيين؟ قلت: فإن أفتوني حل؟ قال: نعم"!

فلاحظ: أن الإمام أحمد أحال السائل على من يفتي بالأسهل، وهو خلاف ما أفتاه به، والمستفتي يعلم أنه ذاهب لاستفتاء من قوله أسهل، والشرط الوحيد المذكور في هذا الباب: كونه عالما ثقة؛ إذ (لا علاقة لسهولة القول وصعوبته بدين المفتي وورعه وتقواه).

فهناك سعة إذن في الإحالة على فتيا من يعتبر قوله، وكذا في حكاية الخلاف للمستفتي، بحسب ما يراه العالم ذو الدين مصلحًا لشأنه، والله يعلم المفسد من المصلح.

قال ابن النجار الحنبلي في كتابه: منتهى الإرادات، الذي هو عمدة الحنابلة المتأخرين في المذهب والفتيا والقضاء:
(وللمفتي تخيير من استفتاه بين قوله وقول مخالفه).
قال شارحه العلامة البهوتي: لأن في إلزامه بالأخذ بقول معين ترجيحا بلا مرجح. انتهى.
وهذا عين الفقه في الشرع وحال المستفتي والأئمة المقلَّدين.

فمهما أمكنك في خطاب العامة التسهيل على الناس بانضباط، خصوصا مع فساد الزمان ورقة الديانة وقلة المبالاة بالشرع= فهذا متعين.

وباب الورع والاحتياط والخروج من الخلاف= مشرع يلجه من يقوى عليه.
كما أن الفتوى الخاصة تختلف عن الخطاب العام.

** وأصل ذلك: أن الأقوال المحتملة وإن تفاوتت رتبها= هي من الشريعة، وقد يصلح الناس في زمان ما أو محل ما= بالمرجوح من الأقوال.، كما هو معلوم عند من يعالج الناس في الدعوة والتعليم والإفتاء والقضاء، ونص عليه غير واحد من أهل العلم.
--- ---
--- ---
فهذه المسألة إذن؛ لا إثم فيها على من أخذ بقول الجمهور تقليدا أو اجتهادا، ولا لعن، قطعا، بل الإثم على من أنكر فيها وأوهم الناس أنهم آثمون متعرضون للعن لو فعلوا ذلك تقليدا لأئمة الإسلام.

- فنقول في الأصل: النمص حرام، لكن ما معناه؟ مطلق الأخذ، عند من يرى التحريم مطلقا، وهم قلة من العلماء.
ويخالف الجمهور، فمنهم من يحرم النتف وبيح ما سواه، ومنهم من يبيح النتف حيث لا تدليس، كبإذن الزوج، ومنهم من يبيحه حيث لا تبرج، ومنهم من يبيحه حيث لايكون شعارا للفاجرات.

- ويقول من يرى التحريم مطلقا؛ لمن احتاجت للنمص والتوسعة فيه: في المسألة خلاف معتبر، يسعكِ تقليد من يقول بالجواز بإذن الزوج مثلا، أو يحيل على من يرى الجواز، كما فعل الإمام أحمد بن حنبل..

- ويقول القُفل والجاهل والنَّكدي: حرام مطلقا، وتمييع، وتنوير، وماذا تقولون في قول النبي ﷺ: (لعن الله النامصة)، وحتى لو زوجك طلب ذلك يا أختاه، والبيت حيتخرب؛ اصبري، واحتسبي، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وانزل لي يا ابني بنصوص الابتلاء والغربة.
ولا يفهم مدارك العلماء في التفقه في كلام النبي ﷺ، وكأنهم صبيان لا يعرفون هذه الأحاديث.

- ويقول رابع: أنتم منتكسون مميعون، وتخالفون علماءنا الكبار.. مع أن كباره هؤلاء هم من خالف كبار الأمة.

- وتقول خامسة: تفتح باب فتنة.. وأنا عارف أنها عارفة أني عارف أنها تتنمص مع اعتقادها التحريم، أو تشقر بلا تحقيق للفرق بينهما!

- ونظل ندور معا في حلقة مفرغة، ونكيد في بعض، ونعيد ونزيد، ولا نصل لشيء غالبا..
--- ---
--- ---

-وأحكام الشرع -يا ولدي-؛ ليست للأهواء، فليس لأننا نشأنا في مجتمع متشدد بسبب السلفية المزعومة؛ نقول بالتحريم.
دين الله ليس للعبث، والترجيح الفقهي ليس بالذراع، ولسنا نتمحور حول أقوال المعاصرين حتى تقولوا: منتكسين، ولن نجحد الخلاف الموجود في كتب التراث لنرضي شهوتكم في التشديد وشبقكم للتعنت.

والمشكلة: أن البعض يريد أن يسمع منك القول بالتحريم، ثم يدير رأسه ويفعله!!
وأنا أقول: هناك قول جائز، وهو موجود في شرع الله لم آت به من كيسي؛ اعتقده لتسلم، ولا تفعل ما تعتقده حراما فتلقى في النار!

فمن المخطئ: أنا، أم أنت؟

يا جماعة الخير: نحن نقول بأقوال علماء أجلاء، وفقهاء عدول أفاضل، حملوا الدين على أعناقهم، وصانوا دين الله برقابهم، لا يعلمون للتمييع طريقا، ولا العبث بدين الله سبيلا، حملوا الأمانة وأدوها كما حملوها قبل أن تولدوا ويولد علماؤكم ومن تحتجون بكلامهم على الكبار أو على من لا يطالون نعالهم، لا أقول: هذا قول ابن عبد الواحد وأصحابه؛ بل هذا قول فقهاء السلف.. إن أجمعوا؛ قلت: أجمعوا، وإن اختلفوا، قلتُ: اختلفوا، أنا فقط مبلغ.
والواجب نقل العلم كما هو عليه، وكما تركه أئمتنا أهل الورع، لا كما تحبون وتهوون، أو كما علمكم من كتموا العلم ممن تعدونهم كبارا وتحتجون علينا بهم!

وتلك نعمة تمنونها علينا أن بينا لكم وكنا أمناء في البلاغ، ولم نجحد كما جحد غيرنا بجهل أو تدليس!
--- ---
--- ---
وبعد هذا: فالواجب عليك سؤال عالم تثق في دينه وعلمه، وعليك الأخذ بقوله، وأنت في حل، حرّم أو أحل، والورع باب واسع بعد ذلك.

وفق الله الجميع، وعافانا من صنوف الحمق كلها التي هي أكثر من صنوف التمر، وأكثر من شعر الحاجب، بما أن الكلام على النمص ?

منذ 8 أعوام و 11 شهر
navigation