نعم حلق الوادي ههنا ولدتُ، وترعرعت، ونموت، وتنفّست أوّل أكسوجين، وحفظت القرآن، وتعلّمت كثيرا عندي، قليلا في كثير العلم ... ههنا يمكنك أن ترى شروق الشّمس من البحر، وغروبها في البحيرة .. ههنا يمكنك أن تجد ضباب (لندن)، وشاطئ (تاهيتي)، ومراكب (البندقيّة)، وليالي (فيينّا)، وشرفات (إشبيلية)، وحيّ (هارلام)، ومسجدا وكنيسة وديرا، وحصنا عسكريّا عتيقا، وميناء، وملهى ليليّا، ومطعما خمسة نجوم ملاصقا لمطعم ومقهى شعبيّ! هنا مدخل رومانيّ، وبناء قرطاجنّيّ، وقهوة عربيّة، وعيون غجريّة، وباعة للياسمين والفول السّودانيّ و(البامبالوني) متجوّلون مبدعون صاروا جزءا من معالم المدينة نفسها! هنا حين تكون طفلا ستلعب كرة السّلّة في الشّارع مهما كان رأيك فيها، وستصطاد (القرنيط) = الأخطبوبط بلقارور (= جرار صغيرة) وتسبح في (القنال)، وتقفز من القطار إلى الماء وتجرّب أن تطير لثوان كعمر المتعة، وسستشرب قهوة وأنت مدل ساقيك في مياه البحر، وتبكي عند الغروب، قصّة حبّ ضائعة وفشلا في تجربة وأخطاء ارتكبتها، وتحدّث البحيرة بجميع أسرارك! عن كلّ ما ههنا من سحر وعبير وعطر سأتكلّم يوما حتّى أشتفي ... لكن، ليس الآن .. ليس بعد .. https://www.facebook.com/kamel.marzouki/media_set?set=a.10200732383988073.1073741844.1716173825&type=3
تمرّ عليّ أيّام وليال خاصّةٌ تسحّ فيها مزنُ قلمي الثِّقالُ بأفكار أبكار تمطر على أوراقي فتَسْوَدُّ لها الصّفحات وتهتزّ لها يدي حتّى ينهكها السّيلُ الّذي لا يتبرّم به ولا يشكوه عقلي أبدا، حتّى أقضي من الحروف وطري وأطفئ شبقي للكلمات بطمث المعاني العُرُب . ويزورني موسم الجفاف، يلفحني فيه لهيب شمس المحفوظ تبدئ وتعيد في سماء فكرٍ هَجَرَتْهُ غيوم الإبداع، وتئنّ فيه أوراقي ظمأً لوصل قلمٍ قاسٍ لئيم تحنّ إليه أصابعي فتلثمه وتداعبه وتحتال في إغوائه فيعجز أن يصل للرّعشة المجنونة والشّهوة الّتي يقذف بعدها حروفه .. ولم يكن عجزه حصرًا فإنّ الصّفحات تشهد له بالفحولة، وإنّما زهدًا ومللًا .. فموسمه ينتهي عند كآبة فصول المطر الحزينة خريفا وشتاء .. ففي غموضها يجد سكينته وأمنه ودِفْء عروقه النّابضة حِبْرًا .. والرّبيع يخنقه بوضوحه وصراحته، وشمس الصّيف تنهك قواه فتخور .. غير أنّ أشدّه عليّ مقتي للرّبيع! ومقتي له موضوعيّ مسبّب معلّل لا انطباعيّ .. فأنا أمقت فيه كونه فصلا منافقا ذا وجهين لم يقدر أن يصل لشاعريّة الشّتاء ولا حتّى لساديّة الصّيف الصّريحة، فهو يتكلّف محاكاة هذا تارة ويتصنّع شخصيّة الآخر أخرى، حتّى صار فصلا بلا هويّة، كالغراب الّذي ذهب يتصنّع مشية العصفور فلم يتعلّمها ونسي مشيته! أمقت في الرّبيع كلّ صفات الشّباب الأرعن: ضعف شخصيّته، ووجهه المخادع، ورائحته الأشبه بالعطر على العرق، وكثرة ألوانه المصنوعة المتكلّفة كمفارش المائدة الرّخيصة ووجوه العاهرات المنقوعة في (الماكياج) ... أمقته وأفضّل عليه وقاحة الصّيف الكهل العابث بصيغه معدومة المبالاة بآراء المختنقين، وجفاف طباعه، وشخصيّته المقتحمة، ووجهه الكالح كوجوه الكادحين ... أمقته قَدْرَ حبّي لوحل الشّتاء الكهل الوقور بصراحة زمهريره، وطبعه الانطوائيّ، ودموعه الصّادقة، وأناقته الأرستقراطيّة الموروثة عن جدود غابرين ينحدرون من عصور الجليد ... أمقته قدر عشقي وهيامي بالخريف العجوز الحنون، كثير السّعال في نسيمه، رماديّ الثّياب في غيومه، مدخّن الغليون في ضبابه، الأعمش الأعشى المصاب بالرّمد في ضوئه، مرتعش الأنامل في حفيف أغصان شجره، متهدّج الصّوت في هبوب ريحه، ذي عبق الجدّات في برنس ظلامه ... وأمقت الرّبيع أكثر حين يجني طقسه القُلّبُ على قلمي فيسقمه .. هنا يصير عدم استلطافي له عداوة سافرة .. وثقله على نفسي ثقل نصف الرّحى على الجارية والواشي على العاشق .. سلامٌ عليك يا قلمي .. طهور إن شاء الله!
معلش تجاوبني؟ 😅، تصوير المنتجات النسائية متل العطر والمكياج حرام؟ علماً إنه رح ينزلوا الصور عالفيس للترويج عن المنتجات، محتاج كتير أعرف الجواب، جزاك الله خيراً إن أجبت وإن لم تجب ❤
ورد دعوة عشاء كلمتين حلوين ويا حبّذا لو كان فيها عطر ذكرياتكما الأولى في أوج فورة المشاعر هذه الحاشية طبعا ومعها الأساس وهو تدارك خطئك إن كنت مخطئا وإصلاحه