شيخ محمد، رأيكم في كتاب (قلائد التقيت) لابن بلبان الحنبلي؟ هذا كتاب يعضّ عليه مفوّضة الحنابلة بالنواجذ ويقدّمونه ممثَّلاً للعقيدة الحنبلية.
الحمد لله:
قلائد العقيان للعلامة ابن بلبان ت: 1083، هو مختصر لكتاب نهاية المبتدئين لأحمد بن حمدان ت: 695
وبمعرفة أهمية الأصل ومكانته تعرف أهمية الفرع.
فابن حمدان رحمه الله من علماء المذهب المكثرين من التأليف، ولكتبه أهمية في المذهب، ولكن قد وصف المرداوي وغيره كتبه بعدم التحرير!
ومما يبين ذلك: أن كتابه هذا إنما هو مأخوذ من كلام القاضي أبي يعلى وخصوصا في كتابه (المعتمد)، كما صرح هو في آخره، فأحال من أراد التوسع على كتب القاضي وأصحابه، ومعلوم أن القاضي نفسه له في بحثه العقدي مسالك وأطوار واختيارات متباينة، فكيف يحال إليه هكذا مجملا، وكيف يكون تقريره وحده في بعض كتبه، ثم تصويب ابن حمدان من أقواله هو المعتمد؟!
هذا ليس مسلكا صحيحا أصلا، لا في الفقه ولا في الأصول، وتصرفات الأصحاب قاضية بذلك.
وابن حمدان أحسن ما وصف به في العقيدة ما قاله ابن رجب: (كان عارفًا بالأصلين)، فأين هذا من ابن تيمية مثلا الذي هو إمام المعقول والمنقول وشيخ الإسلام باتفاق الأصحاب؟
وكيف تقدم تقريرات أبي يعلى على ابن تيمية هكذا بإطلاق، فضلا عن ابن حمدان الذي رتبته دون ابن تيمية في كل شيء داخل المذهب وخارجه؟!
هل للحنابلة اتجاهات عقدية مختلفة؟
نعم
وهل لهم قراءات لنصوص أحمد؟
نعم
بل كيرا ما يكون للشخص الواحد منهم عدد من الاتجاهات.
لكنهم عن بكرة أبيهم قبل عصر ابن بلبان متفقون على أنهم مباينون للأشعرية، وإن قال بعضهم ببعض أقوالهم، لكنهم لا يلتزمون أصولهم، بل أكثرهم مصرح ببدعتهم وضلالهم، ومنهم أبو يعلى نفسه، وابن عقيل، وابن الجوزي، وابن قدامة، وبعضهم أشد من بعض.
فإذا جاء بعض المتأخرين كعبد الباقي والسفاريني والقدومي وقالوا إن الخلاف بين الحنابلة والأشاعرة سائغ وهو كالخلاف داخل مدرسة واحدة= فقد أتى بما يخالف السابقين جملة مهما تعددت اتجاهاتهم.
إذا علمت ذلك: فكتاب ابن بلبان يكتسب أهميته من كتاب ابن حمدان، وقد وصف ابن بلبان كتاب ابن حمدان بأنه متلقى بالقبول والتعظيم عند الأصحاب.
وقد اشتهر هذا المتن البلباني في الدرس العقدي عند الحنابلة، خصوصا في الشام، في تلك الطبقة، هو وكتاب العين والأثر لعبد الباقي، ثم السفارينية.
وثلاثتها تنزع نزوعا متقاربا، وإن كان السفاريني في شرحه كثيرا ما يسلك مسلك ابن تيمية ويكثر النقل عنه واعتماد تقريراته.
وابن بلبان نفسه مع أنه مختصر لكتاب ابن حمدان، فحين خرج عنه ونقل عن غيره إنما نقل عن ابن تيمية، ولقبه بشيخ الإسلام، في مسألة رؤية الجن في الجنة!
فهذا هو النقل الوحيد في كتابه المعزو إلى قائله!
أما قبل طبقة ابن بلبان، فقد كان الحنابلة ينقلون عن ابن حمدان كما ينقلون عن غيره، فنقل عنه ابن مفلح وابن رجب والمرداوي وابن النجار والحجاوي ومرعي والبهوتي -وإن كانا معاصرين لابن بلبان- كلهم نقلوا عنه، كما نقلوا عن ابن تيمية وأكثروا، فمجرد النقل لو كان اعتمادا وارتضاء لمنهجه وتقريراته= فليكن ذلك مع ابن تيمية، خصوصا مع تصريحهم أن ابن تيمية نصر عقيدة السلف وقررها وأنه بريء من البدع التي نسبها إليه خصومه، وممن صرح بذلك شيخ المذهب عند المتأخرين البهوتي في شرح الإقناع وفي حاشيته، وقال إن الله أيده بنصره على المتكلمين!
وعثمان بن قائد معظم تقريراته في عقيدته هي تقريرات ابن تيمية
إلا أن كتب ابن تيمية ليست متونا للتدريس، فلم تعتمد في الدرس العقدي، واعتُمدت تلك المتون المذكورة
وابن بلبان نفسه لم يصرح في عقيدته تلك أنه أشعري، بل خالفهم وذم مسلكهم في مواضع، وإنما الذي صرح أنهم من أهل السنة هو عبد الباقي ثم السفاريني والقدومي في آخرين من هذه الطبقة=
يتبع
منذ 7 أعوام و 8 شهور